الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زيارة الى إيران (2) طهران مدينة مفتوحة

قاسم علوان

2006 / 8 / 3
الصحافة والاعلام


لم يستغرق الطيران من الأحواز الى طهران سوى ساعة واحدة أو يزيد قليلا، وكان وصولنا أول المساء... بعد خروجنا من قاعة القدوم في المطار مباشرة ألتف علينا عدد غير قليل من سائقي سيارات الأجرة، وخاصة بعدما عرفوا اننا أجانب، فمن المفترض أن ندفع جيدا وبدون مساومة، ولما كنا فريقا من أثني عشر شخصا فبالتأكيد كنّا (لقطة محترمة) لمن يظفر بنا، وهكذا ألتفت علينا مجموعة منهم وأخذوا حقائبنا من أيدينا باتجاه سياراتهم التي لا نعرف أين هي وسط تلك الزحمة واللغة التي نجهلها.. الى درجة خشينا أن نكون عرضة للسرقة... ولحسن حضنا كان معنا من يجيد اللغة الفارسية، فردعهم بقوة لهذا الشكل من التعامل، فارتدعوا بسرعة وعادت ألينا حقائبنا... ساومهم رفيقنا جيدا بعد ان تعرضوا للنهر منه بصوت مرتفع وتحملوه صاغرين...!! رسينا على اربعة سائقين وبسعر معقول على أن يوصلونا الى فندق مناسب في وسط العاصمة... لم يكتفوا بتوصيلنا الى باب (فندق بارس) بل أنتظرونا الى أن نتم مساومتنا مع إدارة الفندق، فهذا السلوك يبدو أمر شائع في إيران كلها... ورغم أن الفندق من فئة ثلاث نجوم لكنه فندق جيد جدا في نظافته وخدماته قياسا بفنادقنا في العاصمة العراقية.. بحيث يتوفر داخل الغرفة كل ما يحتاجه المسافر ابتداءا من أدوات المطبخ الى مجفف الشعر وما بينهما من احتياجات...!! أبدى بعض السائقين استعدادهم لتقديم بعض الخدمات التي يحتاجها السائح.. بما فيها الخدمات (الممنوعة...!!) ومقابل ثمن طبعا، وأصروا على تسجيل أرقام هواتفهم المحمولة لدينا... عرفنا فيما بعد سمة التواضع والأمانة هذه لدى أغلب سائقي سيارات الأجرة في المدن الإيرانية بسبب ارتفاع عدد من يمارس هذه المهنة وعلاقة ذلك بالبطالة والتي يشكو منها الكثير من الفئات الشابة في للمجتمع الإيراني...!!! بالمناسبة أنقسم فريقنا الى مجموعتين، الأولى يطلق عليها (عربسات) والثانية (هوت بيرد...!!)
كانت لدينا مسبقا فكرة خاطئة عن العاصمة الإيرانية وبيئتها الاجتماعية المحافظة كما يفترض أن تكون، وتتجلى في الحظور المفترض أيضا والدائم لرجال الدين وفرض محظوراتهم ومحرماتهم على الشارع الإيراني دائما كما نسمع طبعا... سارعنا في الصباح المتأخر الى أخذ جولة حرة في المحيط القريب من الفندق بعد أن تفرق أعضاء الفريق الى مجموعات صغيرة لإنهاء بعض الشؤون وخاصة لمن أراد السفر الى سوريا، ولمن أرادوا السفر الى مدينة مشهد، فقد كانت جولة حرة كما أتفقنا... وكانت جولتي القصيرة مع صديقي الدكتور جنان الصباغ في ذلك المحيط... كنا مبهورين بنظافة العاصمة وترتيب شوارعها وأرصفتها الأنيقة دائمة الخضرة... دون أن نلاحظ طبعا أي وجود محسوس لرجال الشرطة، أو حتى لرجال الدين... فالزائر يشعر لأول وهلة أنه في دولة حضارية عريقة حيث سيادة القانون الذي نفتقده نحن دائما...!!!
الشيء المذهل ليس في طهران فقط بل في جميع المدن الإيرانية التي سنشاهدها فيما بعد بما في ذلك مدينة الأحواز... ولكن طهران تتمتع في هذا الجانب بخصوصية ملمومسة... إلا وهو الحضور النسائي الكثيف على مستوى الشارع والأماكن العامة... وهذا يعني الحياة بكل أشكالها.. بحيث يمكن أن تصل نسبة الحظور تلك وبدون أية مبالغة الى 75 بالمائة من مجموع الحضور الكلي في الشارع الإيراني ومتفرعاته الحياتية الأخرى بما في ذلك أوقات المساء المتأخرة....!! ليس في هذا فقط بل في أنتشار الموضة الحديثة في أنواع الأزياء وتسريحات الشعر والمكياج برغم الربطة الصغيرة الحجم التي تلفها المرأة الإيرانية حول أعلى رأسها والتي لا تخفي شيئا ابدا من شعرها أو وجهها لتنعقد باسترخاء نحو أعلى الصدر تقريبا...!! مثلا تظهر للعيان المصوغات الذهبية أو أنواع القلائد على الصدر، أو حلي الأذن وما الى ذلك من أكسسوارات تجميلية أخرى.. وهذا المنظر مثلا كان مفاجئا لنا في شارع الجمهورية حيث ميدان (إنقلاب) أي ساحة الثورة والنصب التذكاري الفخم الذي يمجد ثورة 1979 وقادتها ورموزها الدينية بشكل مجسد تقريبا بالنحت البارز.... والذي رأيناه ليس له علاقة مطلقا بمنظر النساء الإيرانيات مقدمات البرامج أو المذيعات في القنوات التلفزيونية الإيرانية والتي من المفترض أن لايشاهد المواطن الإيراني غيرها، إذ أشرنا في الحلقة الأولى الى حظر أجهزة الستلايت... حيث لايظهر من أولئك النسوة سوى محيط الوجه المؤطر جيدا بالحجاب..!! نعم يظهر في الشارع ذلك النوع من النسوة اللواتي يرتدين الحجاب بشكله (المحافظ) كما مذيعات التلفزيون، ولكن بعدد أقل لايقابل حتى 10 بالمائة من العدد (المتحرر) الذي شاهدناه...
الشيء الملفت للنظر أيضا أن المراة وربما في طهران فقط لا تخشى تصوير السائحين وتوجيه عدسات كاميراتهم المقصود، فهي أحيانا تبتسم لهم وبتحية خفيفة... عرفنا فيما بعد بان المرأة في طهران تتمتع بشيء من الحرية وبنوع من الحقوق المدنية المكتسبة تدريجيا بشكل يختلف عن المدن الإيرانية الأخرى كما أفضت لنا بذك السيدة مهناز موسوي من أصفهان (36) سنة وتشغل منصب نائبة رئيس شركة لتوريد مستلزمات الطباعة، حيث ألتقيت بها خلال إقامتنا في أصفهان في رحلة العودة.. وعندما سألتها عن رد فعل التظاهرة النسوية التي خرجت في طهران قبل اشهر قليلة مضت ومطالبة بعض النسوة الإيرانيات بحقوق مدنية أوسع...؟ قالت أن ذلك يحدث في طهران فقط ولا يمكن أن يحدث في اصفهان فهذه المدينة محافظة بعض الشيء...!!
لازلنا في طهران، عدنا الى الفندق قبل الظهر وقد عاد أغلب افراد الفريق، وكانت نية الجميع زيارة قصر (كاخ) الملكي الصيفي للشاه محمد رضا بهلوي في منطقة (سعد آباد) وكان أفراد الفريق قد عادوا بغنيمة كبيرة لا يمكن أن تعادل بثمن...! إلا وهو تعرفهم بالصديق الإيراني فؤاد... الذي يجيد العربية بطلاقة بحيث أنني تصورته في البداية من عرب الأحواز غير أنه ظهر من الأقلية القومية (اللر..) لذا سيكون لي معه حديث آخر... زرنا في هذه الظهيرة القصر الصيفي للشاه، وكان أحد معالم طهران السياحية المهمة جدا، لم يخرب في ذلك القصر شيئا لا في أيام الثورة الأولى ولا بعدها، ولم ترفع فيه أية حجرة أو شتلة ورد من مكانها أبدا، بل الصيانة والأدامة مستمرة دائما على مدار الساعة، الحدائق المحيطة بالقصر لا أجمل منها، وكذلك مساحات الورود والزهور الغناء والحظور الدائم لرجال الخدمات والصيانة، وكذلك الملحقات السياحية والخدمية التي ألحقت بالقصر فيما بعد من مقاه ومطاعم فولكلورية... فقط تمثال برونزي كبير الحجم للشاه في واجهة القصر الداخلية قطع من أعلى الفخذين..
بعض أعضاء الفريق قد زار هذا المعلم سابقا، ويعرف مخرجا من خلف هذا القصر الواسع يؤدي الى منطقة سياحية جبلية جميلة تسمى دربند... كان ذلك القصر قد بني على سفح ذلك الجبل، ودربند تقع على أعلى الجبل خلف القصر.. في دربند نوع من المقاهي والمطاعم السياحية فريدة من نوعها بالوان زاهية حيث أنواع الزهور الملونة والأشجار مختلفة الأحجام، والخضرة المتسلقة الدائمة، وأنواع وألوان الفواكه المجففة المعروضة في واجهة المحلات، إضافة الى ألوان الستائر والواجهات الزجاجية وأفرشة الموائد والمقاعد، حيث تقع على جانبي طريق باتجاه واحد يضيق تدريجيا ليصبح بالتالي للمشاة فقط.. تلك المقاهي والمطاعم التي تتدرج أرتفاعاتها تدريجيا ايضا بمدى يد الأعمار الدائمة ليصبح المطعم الواحد أو المقهى من ثلاثة طوابق احيانا أو أكثر، يرتادها الإيرانيون والسواح على حد سواء بدون أي نوع من الرقابة على السلوك أو الرفقة، حيث ينتشر الشباب والشابات بملابسهم الحديثة بشكل ثنائي أو عائلي ليدخن الجميع الأركيلة بما في ذلك النساء على حد سواء بدون تحفظ وبدون أن يثيروا فضول أحد سوى الغرباء من غير المتعودين على تلك المناظر وهذه العلاقات والثنائيات.... وبعد أن تناولنا وجبة وسطى بين الغداء والعشاء في أحد تلك المطاعم الجميلة، وبعد فترة استراحة امتدت لأكثر من ساعة هبطنا الجبل الى سوق (تجريش...) وهو من الأسواق المهمة والمزدحمة في العاصمة طهران...
كنت قد قررت ان أستغل اية فرصة سانحة للتحدث مع اي مواطن إيراني عن الشان العام او الخاص به وذلك عندما يتوفر وسيط لغوي بيننا، وبعد جولة في ذلك السوق للتبضع عند البعض منا أو التفرج عند بعضنا الآخر، إذ نشاهد لأول مرة ظاهرة التسول في بلد مسلم مثل إيران ولكن بوسيلة حضارية معروفة تقريبا في أوربا فقط أو في بلدان أخرى...!!! إذ كان هناك رجل يمارس تلك المهنة علنا بوساطة عزفه على آلة السنطور....!! وليس هناك من يمنعه أو (يفجره) بدعوى أن ذلك يتنافى مع (مباديء ديننا الحنيف...!!) كما هو قائم في الشارع العراقي.. رغم أن هذا المنظر سوف يتكرر في مدن إيرانية أخرى وعلى آلات موسيقية اخرى...!!! بعد مساومات كثيرة مع سائقي سيارات الأجرة لإيصالنا أنا وزميلي عماد زينل الذي يجيد الفارسية بعد أن انفصلنا عن المجموعة مؤقتا لغرض عودتنا الى الفندق بعد أن أخذ منا الاجهاد والتعب الجسدي مأخذه، اتفقنا بعد جهد جهيد مع أحد سائقي سيارات التاكسي... هل هي الصدفة التي قادتنا الى هذا الرجل أم نوايانا (المخلصة) لعملنا..؟ كان رجل خمسيني كما هو واضح من هيئته وبياض شعره، وكان من السهولة بمكان التساوم معه على الأجرة، فقد بدا رجلا سهلا جدا... أخذنا نجاذبه أطراف الحديث بسيل من الأسئلة والفضول الصحفي بعد أن وجدنا استجابة جميلة... الرجل على سعة إطلاع فيما يخص الأدب والفن وخاصة بعد أن عرف اننا من الأجانب ولدينا نفس (الهوى...!!!) كما عرف هويتنا الصحفية.. فالرجل كما عرّف بنفسه هو رضا رستمي وند 56 سنة مغني سابق ويعزف على أكثر من آلة موسيقية منها آلة الكمان... وكذلك أولاده في الوقت الحاضر...! كما أضاف (ياسلام...) ذكر لنا أشهر شعراء ومطربي إيران في الفترات السابقة والحالية أنه يتذكر مهستي، وهايدا، وكوكوش، وداريوش، وآرف، ومحمد رضا شجريان، ومن الشعراء حافظ الشيرازي وسعدي الشيرازي ... ثم أخذ يحدثنا عن أشهر فناني المسرح والسينما في إيران، ومنهم من كان يعمل منذ عهد الشاه السابق.. فهو يعرف المخرج السينمائي محسن مخلباف وكذلك ابنته سميرة المخرجة المعروفة، أخذ يحدثنا عن السينما الإيرانية المعارضة لـ (نظام الجمهورية الإسلامية) وأشهر افلامها الذي اثار جدلا واسعا داخل إيران وخارجها وهو (السحلية..) أو (ميرمولاك) كما يسمى في اللغة الفارسية، وهو ممنوع من العرض في دور السينما حاليا في المدن الإيرانية، وكنا نحن قد قرانا عن ذلك الفلم في بعض مواقع الأنترنيت قبل ذلك... وعندما سألناه هل بأمكاننا الحصول على مثل تلك الأفلام المحظورة..؟ اجابنا أن ذلك سيكون بسهولة فقط أن تكلموا أي من باعة الأقراص الليزية (CD) في (ساحة إنقلاب) وسيعرض عليكم ما ترغبون بشراءه من اقراص محظورة...!! بصراحة لم نكن نتوقع مثل هذا اللقاء المفاجيء مع هكذا رجل...!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م


.. شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول




.. إيران تتحدث عن قواعد اشتباك جديدة مع إسرائيل.. فهل توقف الأم