الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قنابل تسيّل الدموع

منهل السراج

2006 / 8 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


بين طاسات صقيعية وأخرى نارية، تأتيك الأخبار، واعدة تارة وقاتلة تارة أخرى، ومنفرة في أغلب الأحيان.
طالت الحرب ويقولون ستطول، والعلم يقول إن شدة الألم تبلد الشعور، فلماذا لم يتبلد شعور الطيبين ممن يتألمون بينما تبلدت ضمائر أصحاب القرارات؟.
تتمعن في صور وجوه أصحاب القرار، محاولاً قراءة ما سيحدث من ملامح الصورة التي التقطت لهم أثناء أداء مهامهم الجليلة.
حين تراقب وجه المسؤول الأمريكي أو الإسرائيلي، تمتلئ بالغضب وفوران الدم، فتقرر أن تتركها لتقرأ في وجوه أصحاب القرار ممن يقربونك، أوشكت أن أقول: ممن يقبرونك، آملاً أن يفش القلب المحتقن، لكنك تجد أن القصة زادت في إبهامها، وأن نهاية الصراع في علم الغيب.
تترك الأخبار المنفرة، لتبحث في حكايات تشبهك، حكايات تستدعي الخيال الدافئ والحنون والرغبة في الاحتضان. حكاياتنا نحن المساكين، تلخصها صور صغيرة ومتناثرة على طول الصفحة وعرضها.
وجه طفلة مخدرة وليست نائمة، كانت تنهمر دموعها عطشاً أو خوفاً حين أصابتها القنبلة. جفت الدموع بنثار القنابل، وتركت مكانها الحروق.
ابن شهرين استيقظ على سرعة الأم ولهفتها وهي تضعه في السيارة المغادرة للهرب.
صاحب البيت الذي ينقذ بعض أثاثه المتواضع من تحت الركام، وسادة مثقبة بتأثير الرصاص، وحقيبة مدرسية ممتلئة بتراب الحائط المقصوف.
ونتساءل: ترى هل أذن الطفلة التي ذكرت على هامش أخبار البارحة شفيت أم مازال العثور على الدواء متعذراً؟
وتلك الأم التي انهدم بيتها وهرب أهله إلى الملجأ، ظلت واقفة ذاهلة تتمتم:
ـ منذ دقائق، نظفته ورتبته.
وضعتْ كتب الولد على الرف، وصحن سجاير الأب على الطاولة، مسدتْ ثوب البنت وجلستْ تقطّع حبات الكوسا، حين بدأ القصف.
انهدم البيت وهربوا إلى الملجأ. أخذوا ينادونها: ماما هيا هيا. هرعت إليهم ولكن راحتي كفيها اتجهتا إلى السماء بدعوات محرقة.
صور تحكي وتروي والأسى يزيد ويفيض. تشعر أن الاحتمال ضعف وأن جرعة التعب ثقلت، ترمش عيونك رفضاً للدموع، فيقفز أمامك خبر لا يشبه أبداً خبر هذه الانهيارات.
فحكاية زوليكا ريفيرا ميندوزا، ملكة جمال بويرتوريكو، والتي وقعت مغشياً عليها، بعد 40 دقيقة من فوزها بلقب ملكة لجمال الكون ليل الأحد 23/7، كانت واضحة ولا تستدعي الرغبة في التخيل، ذلك لأن الخبر مع صورة الفتاة ذات الجمال الفائق والتاج الشاهق، أخذا الحيز الأكبر.
كذلك خبر انهيار شائعة خطبة الفنانة فلانة على المطرب علان، لا تحتاج خيالاً دافئاً، لأن ابتسامة الفنانة من القلب السعيد أو من مهارة طبيب التجميل، لا فرق. المهم أن هذه الابتسامة سطحية وواضحة وتطمئنك أنها بصحة جيدة.
من حق المراهقة أن تفرح بفشل خطبة فنانها المفضل، ومن حقها أن تتأمل صورة ملكة الجمال وتحلم بتاجها، تقول أمي نسبح باسمه على جمال خلقه. ومن حق الجميع أن يمتنعوا عن متابعة الأخبار، لأن الرصاص الذي يحرق وجوه الأطفال سيئ أيضاً على أعصاب الكبار. أنا أول من يدير وجهه أمام مشاهد القتل والدمار.
ولكن ألستم معي بأن لبعض البوح الحق ولو بمساحة صغيرة من صفحات الجرائد؟ عشر مساحة صورة ملكة الجمال، أوخمس صورة كونداليزا رايس. أو مكان جزء صغير من جاكيتة بوش الساخرة. يكتبون في هذه المساحة شهادات من القلب، لهؤلاء الذين انهدمت بيوتهم وشردوا هنا وهناك، في الحدائق والملاجئ، والمدارس التي من المفترض أنها في إجازة. شهادة لمن يبيتون في المستشفيات بين جريح وقريب، ولماذا لايختمون عدد كل يوم بشهادة ممن فقد ابنه فدية للكرامة الوطنية التي صرعوه بها، مواطن مستلب ما فتئ كل يوم يرفع راية الاستسلام لحاكمه تارة ولعدو بلاده تارة أخرى، يستحلفونه بربه ونبيه أن يقول الصدق، هل يصفح عن موت ابنه إذا أُسر الجيش الاسرائيلي كله؟ فنحن لم نفهم بعد أيهما أعلى: روح طفل، أم كرامة الوطن التي تزهق أيضاً مع روح الطفل؟
أفكر أنه ربما بقدرة قادر تتحول كلمات هذا الأب في هذه الزاوية المفترضة، إلى قنابل مسيلة للدموع، تسيل دموع كل العالم، وتجعل أصحاب القرار شديدي الانشغال بأمور السياسة ووقتهم أضيق من أن يسرعوا إلى البلاد التي تتهدم فوق أهاليها، تجعلهم يهرعون بورقة ما تشبه ورقة العفو التي يصدرها قاض في فيلم عربي فيمنع الإعدام في آخر لحظة لهؤلاء الأبرياء.
أقوال وأقوال، والحلم بائد. والكلمات التي كانت حبراً أسود صارت أقل من هذا بكثير حتى لم تعد تشحر اليد التي تحمل الجريدة، ذلك أن جسم الكلمة صار الكتروناً لا يرى بالعين المجردة ونادراً ما يحسون به.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما محاور الخلاف داخل مجلس الحرب الإسرائيلي؟


.. اشتعال النيران قرب جدار الفصل العنصري بمدينة قلقيلية بالضفة




.. بدء دخول المساعدات عبر الرصيف الأمريكي العائم قبالة سواحل غز


.. غانتس لنتنياهو: إما الموافقة على خطة الحرب أو الاستقالة




.. شركة أميركية تسحب منتجاتها من -رقائق البطاطا الحارة- بعد وفا