الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتى لا تطال نيران كورونا..كل بيت..

محمد المحسن
كاتب

2021 / 4 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


تصدير : "إن عدم الجدّية في أخذ الحيطة،واتّباع التعليمات القانونية والإرشادات المتخصّصة،والعمل المسؤول،هو شكل من أشكال الاستخفاف بحرمة الناس والإنسانيّة،وتوهين لما يمكن أن تؤول إليه المصائر الخطيرة للأمور.."

"إنَّ الخوف السّلبي أخطر على الأفراد والشعوب من الوباء نفسه،لأنَّه بمثابة الاستسلام وعدم السعي لمواجهة التحدّي الذي يفرضه على الناس.."

مع كل جائحة تَضرب العالم يُكتَب تاريخ جَديد للبشريّة وتَرتَسم خارطة مُختلفة للتّوازنات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبُلدان. وما يعيشه العالم اليوم إثر تفشي فيروس كورونا (Coronavirus (COVID-19 هو صُورة مُمَاثلة لتداعيات أكثر الجائحات والأوبئة التي ضَربت البشريّة عبر حقبات تاريخية مختلفة.
تعدى انتشار المرض الحُدود الجُغرافية للصين ليَشمل جميع أنحاء العالم وليَفرِض على الدول مجموعة من التَّراتيب الصّارمة لوقف تفشيه القاتل بين البشر إلا أن تداعِياته كان لها الأثر العميق على إقتصاديات البلدان وسِياساتها من الداخل والخارج.
تسبّب فيروس كورونا المُستَجد في تغيير لمسار البلدان السياسي والإقتصادي وبَرزَت النّقائص التي كانت تنخُر القطاع الصحي والإجتماعي للبلدان، وعلى الرغم من صُمود بعض الدول أمام تفشي الوباء السريع إلا أنها تعاني اليوم من نُقص حاد في الإمكانيات المالية واللوجستية لاستكمال حربها الضَّروس ضِدَّ مُخلفاته على القطاع الإقتصادي والإجتماعي. وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للجائحة واضحا مما ساهم في وضع خطة طوارئ عالمية وتفعيل الإجراءات الاحترازية والتضامنية التي من شأنها حماية الاقتصادات من الأضرار المحتملة.
لم يكن للجائحة تأثيرا من حيث العلاقات الخارجية فقط بين البلدان بل هَدَّدَت تماسُك المجتمع المَحلي في حدّ ذاته. وقد حاولت الدول المُتضررة من الفيروس أن تلجأ إلى جميع الأساليب المُمكنة لتوعية المواطنين بخطورته، فاعتمدوا في البداية أساليب التَّوعية والتعريف بالوباء ثم لجؤوا إلى أساليب أكثر صَرامة كالحَجْرِ الصِّحي الوُجوبي والزَّجْري والعِقاب للمخالفين للنصائح الوقائية المُعتَمَدة، وهذا ما سبب حالة من الفزع والخوف.
وكان المُجتمع المدني كغيره من الفاعلين يجهَل ما سَتؤول إليه الأمور وخاصة مع إلغاء الدولة لجميع الفعاليات الثقافية والرياضية والمسابقات الأدبية والمهرجانات والنَّدوات والمعارض وغيرها.فكان يقف عاجزا،مُتفرجا لا يَعرف أي السِّياسات التي يَجب اتباعُها أمام هذا الوضع الكارثيّ العالميّ.
إلا أن أصواتا تعالت من داخل المجتمع تُنادي بوُجوب تظافر الجُهود وتوفير الإمكانيات الماليّة واللوجستيّة الضّرورية لمُجابهة خطر هذه الأزمة العالمية. وانطلقت مُكونات المجتمع المدني في تحديد الأولويات مُعتمدة في ذلك على تجارب البلدان التي فتك بها الفيروس،لتصحح الخطأ في الإجراءات وتصوِّب تدخُّلاتها لتكون فعَّالة في تطويق الأزمة.
من هنا وجب التّحرك وفتح أبواب التّضامن والتآزر الذي تدعَمُه مُنظمات ومُكونات المجتمع المدني والاكتفاء بالمُراقبة الجادّة لأنشطتها. وبدأت الحاجة إلى انخراط العديد من الجمعيات التَّنموية والتَّضامُنية في هذه المُبادرة وحُدِّدت أدوارها مُسبقا لتُباشر النقائص الموجودة،تقيِّمها، وتُعالجها بأفضل الطرق المُمكنة.
فالمجتمعات لا تبحث عن جمعيات ومنظمات تتواجد فقط عند الرخاء والسِّلم الاجتماعي،بل هي في حاجة ماسَّة لها لتتدخَّل سريعا عند الأزمات والمصائب.
وتَكمُن إضافتها البَناءة حقا في أدوارها الإنسانية النبيلة..
أخيراً وليس آخراً،وأمام انهيار المنظومة الصحية فان الرِّهان الحقيقي اليوم يقع على عاتق المواطن،على وعيه والتزامه بتداعيات الأزمة،وضرورة احترام التدابير الوقائية لحماية نفسه أولا والإحاطة ببقية مكونات المجتمع. فالوعي المُجتمعي بمشكلات المرحلة الراهنة هو أساس الخروج من براثن الأزمة والتّفاعل الإيجابي يساعد الدولة على توفير لا فقط الإمكانيات والطاقات البشرية بل أيضا مجموعة من الأفكار المتجددة والآراء التي يمكن لها أن تساهم في استنباط حلول فعالة تساعد الدول التي لا تمتلك كل الضروريات لمجابهة الأزمات.
ختاما أقول :
إنَّ الخوف السّلبي أخطر على الأفراد والشعوب من الوباء نفسه،لأنَّه بمثابة الاستسلام وعدم السعي لمواجهة التحدّي الذي يفرضه على الناس .
من هنا،لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تتحوّل الأزمة من كارثة على البشرية جمعاء تستهدف الجميع،إلى حالةٍ من التراشق بين الأمم وتبادل التهم،أو أن ينطلق البعض لاستغلال الظروف للتشفّي،أو الشماتة،أو ممارسة شكلٍ من الكيديّة الأيديولوجية أو السياسية بين الشعوب على خلفيّة نشوء المرض،لتصفية حسابات أو تعبير عن آراءٍ مُغرضة مشبوهة.
فكما أنَّ الأزمات تصنع الشّعوب،فإنها تدفعها في الوقت ذاته إلى الابتكارات والإبداعات والتطوّر التجريبي والمعرفي والاستراتيجي بصورة مهمّة تعلو على مرحلة الأزمات،وتعبر بالشّعوب إلى برّ الأمان والازدهار،فلا ينبغي أن تنحصر الرؤية بالسلبيّة القاتمة.
وإذن؟
ينبغي إذا،للشّعوب الحيّة التي انتهجت ثقافة المقاومة والصمود في الأزمات والمواجهة لكلِّ ما هو وبائيّ ودخيل على عافية أفرادها،سواء بالنسبة إلى الصحّة أو الثقافة أو الأمن أو الاقتصاد أو السياسة أو ما إلى ذلك،التكاتف بواقعيةٍ وشجاعةٍ وأمانةٍ، لاتخاذ كل إجراءٍ لازمٍ وفقاً لما يقرّره الخبراء المتخصّصون المعنيّون.
المُراد والمأمول هو أن تحوّل الشعوب الأزمات والاختبارات التأريخيَّة إلى فرص للبناء، وتجدّد الهمّة،والتعافي من الكسل والخنوع والجمود،وأن لا يكون ذلك مدعاةً للتراجع والإحباط، بل التقدّم الواثق.
وهنا أحذّر :
إنّ التقاعس في هذا المسعى واللامبالاة يُعدان تجاوزاً دينيّاً وإنسانيّاً وأخلاقياً وقانونيّاً،فعدم الجدّية في أخذ الحيطة،واتّباع التعليمات القانونية والإرشادات المتخصّصة،والعمل المسؤول، هو شكل من أشكال الاستخفاف بحرمة الناس والإنسانيّة،وتوهين لما يمكن أن تؤول إليه المصائر الخطيرة للأمور.
ففي الوقت الَّذي يُنتظر من الشّعوب الناهضة أن تكون على قدر الصمود العالي عند التحديات الجسام، وعدم الخوف ممّا سيأتي من الأقدار،والتسليم للأمر الواقع الَّذي لا يمكن دفعه بعد إنجاز ما يمكن من الواجبات، كذلك عليها المضيّ بالتعلّم والتثقيف والوعي والبناء الذاتي، لتحصين عُرَى المواطنة الصالحة، وحماية النسيج الاجتماعي من الاهتراء،من خلال الخوف الإيجابيّ المسؤول الباعث على الحركة،واجتناب الخوف السّلبي الكابح للصّمود،فما يفوق الوباء خطورةً،هو الخوف المُعطِّل في مواجهته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف قطاع الطائرات المسيرة


.. ماكرون يدعو لبناء قدرات دفاعية أوروبية في المجالين العسكري و




.. البيت الأبيض: نرعب في رؤية تحقيق بشأن المقابر الجماعية في قط


.. متظاهرون يقتحمون معهد التكنلوجيا في نيويورك تضامنا مع جامعة




.. إصابة 11 جنديا إسرائيليا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة ا