الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


2-ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية

عبدالجواد سيد
كاتب مصرى

(Abdelgawad Sayed)

2021 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


ملامح تاريخ إثيوبيا وصراع الدين والقومية
2- العصر الحديث ونهاية الإمبراطورية السليمانية
وضع تيودور الثانى ( 1855-1868م) قواعد الإمبراطورية الإثيوبية الحديثة ، فقلل من سلطات الكنيسة وإمتيازاتها لحساب الدولة ، وحدد من إمتيازات الأمراء الإقطاعيين ، وأنشأ جيشاً نظامياً حديثاً ، و تواصل مع الملكة فيكتوريا من أجل تحديث الجيش والنظم الإدارية والتعليمية بحكم الميراث المسيحى المشترك ، والروابط الدينية التى غذتها أسطورة الملك الإثيوبى الكاهن يوحنا ، لكن أوربا كالعادة أرسلت مبشرين ، بروتستانت وكاثوليك ، مع الديبلوماسيين والمدرسين ، فتخوف منهم تيودور الأرثوذكسى وإعتقلهم ، فأرسلت بريطانيا حملة من 32000 جندى بقيادة الجنرال نابير ، هزمت قوات تيودور المحدودة فى مجدالا ، وهرب تيودور من ميدان المعركة ، لكنه فى النهاية ، وبدلاً من تسليم نفسه ، إنتحر، وولى البريطانيون بدلاً منه غريمه ، راس كاسا ، من تيجراى ، بإسم يوحنا الرابع.
سار يوحنا الرابع (1872-1889م) على نهج تيودور التحديثى ، و توسع فى الهضبة الإثيوبية ، وقمع الإمارات الإسلامية ، وزاد من تسليح جيشه بالأسلحة الأوربية ، فى نفس الوقت الذى نجح فيه فى مواجهة محاولات التسلل الأوربية إلى القرن الإفريقى ، التى إزدادت بعد إفتتاح قناة السويس ، كما تمكن من إيقاف التوسع المصرى فى القرن الإفريقى، بهزيمة الجيش الذى أرسله إسماعيل فى جوندت سنة 1875، وجورا فى العام التالى مباشرة ، ثم إستطاع تحييد الحملة الثالثة ، ووقع مع مصر معاهدة سلام ، لكنه لم يعش طويلاً بعد ذلك ، إذا أصيب بطلق نارى فى مواجهته مع القوات المهدية السودانية فى موقعة القلابات سنة 1899م توفى على أثره ، وتولى العرش بتزكية منه ، حاكم إقليم شوا ، ساهلى ماريام ، الذى حمل لقب منليك الثانى.
يعتبرمنليك الثانى(1889-1914) المؤسس الحقيقى للإمبراطورية الإثيوبية الحديثة، فقد شهد عهده مرحلة التدافع الأوربى لتقسيم إفريقية ، بموجب مقررات مؤتمر برلين الشهير سنة 1884، لكنه بدلاً من أن يسقط ضحية للتقسيم كسائر أنحاء القارة ، وخاصة للقوى المتنافسة الرئيسية فى شرق إقريقيا ، إنجلترا وفرنسا وإيطاليا ، فقد تمكن من الحفاظ على إستقلال بلاده وتحويلها إلى قوة إقليمية ودولية، من خلال عمليات التحديث الواسعة التى قام بها فى كل إتجاه ، بما فى ذلك إرسال البعثات إالى أوربا سنة 1890 ، وتأسيس مجلس وزراء سنة 1900 ، وإنشاء أديس أبابا كعاصمة جديدة للإمبراطورية المسيحية ، ولقد إستطاع منليك الثانى توقيع معاهدة أوتشيالى مع إيطاليا ، أكثر القوى الأوربية طمعا فىى إثيوبيا سنة 1889م ، لكنه سرعان ما إنسحب منها سنة 1893م ، عندما تبين له خداع إيطاليا، ومحاولة نفاذها إلى قلب الهضبة الإثيوبية من خلال إرتريا ، التى كانت إيطاليا قد نجحت فى السيطرة عليها ، بعد إنحسار النفوذ المصرى عن إفريقية ، بسبب إحتلال إنجلترا لمصر سنة 1882، وأعلن النفير العام تحت راية الكنيسة الوطنية الأرثوذكسية القبطية ، وفى سنة 1896 ، تمكن من هزيمة إيطاليا فى معركة عدوة الشهيرة ، لينال بعد ذلك إحتراماً إقليميا ودولياً لم تنله دولة إفريقية . مرض منليك سنة 1908 ، وتوفى سنة 1913 ، وتولى بعده حفيده ليدج ياسو ، الذى تحول إلى الإسلام وهرب إلى إرتريا ، حيث قبض عليه بعد سنوات وأعدم فى عهد هيلاسيلاسى، وتولت بعده إبنته الإمبراطورة زوديتو ، ووصى العرش الأمير راس تافارى ، والذى سيصبح الإمبراطور هيلاسيلاسى سنة 1930.
عمل هيلاسيلاسى على إستكمال مشروع التحديث الذى بدأه منليك الثانى، لكنه قطع خطوات أبعد ، فقد إعتمد منليك على القوة لصهر وتوحيد قوميات بلاده العديدة ، ودفع الخطر الإسلامى والأوربى معاً ، حتى أطلق على عصره تسمية الإستعمار الإثيوبى ، بسبب المظالم التى وقعت على الأعراق غير الأمهرية ، بينما إعتمد هيلاسيلاسى على التحديث المؤسساتى أيضاً ، فقد إستطاع قبل تولية العرش ، وأثناء عمله كسفيرا لبلاده ، ضم إثيويبا إلى عصبة الأمم ، فكان ذلك حدثاً كبيراً، وإعترافاً بإثيوبيا كأمة حرة فى إفريقيا المستعمرات ، وبعد توليه العرش سنة 1930 وضع لبلاده دستوراً ، وكان أول دستور فى تاريخها ، ورغم أنه لم يكن دستوراً ديموقراطياً كما قد يتبادر إلى الذهن ، بل رسخ الحكم المطلق للأسرة السليمانية ، فمع ذلك فقد نقل ذلك الحدث مرجعية الهوية الوطنية من كنيسة العصور الوسطى الأرثوذكسية ، إلى مرجعية الدولة القومية ، التى مثلتها الأسرة الحاكمة ، وكان ذلك تطوراً كبيراً فى حياة أمة إعتمدت فى وحدتها الوطنية على خرافات العصور الوسطى الإقطاعية ، كما أنشأ بموجب ذلك الدستور برلمانياً إستشارياً من غرفتين ، إحتفظ لنفسه بمعظم سلطاته، وقد كانت نهضة اليابان الحديثة إلهاماً كبيراً له ، مع الفارق ، فقد ظل إمبراطوراً ثيوقراطياً مستنيراً فى النهاية ، وقد قام هيلاسيلاسى بتوسيع التعليم الغربى بشكل كبير ، سواء من خلال البعثات أو من خلال إفتتاح المدارس والجامعات الغربية فى بلاده ، وقد عملت الطبقة المتغربة كرابط لتوحيد قوميات إثيوبية المتنافرة ، بدون العنف الذى لجأ إليه منليك، ولذا فقد عملت إيطاليا على إعدام المئات منها حتى لايقودوا المقاومة الوطنية ضدها أثناء إحتلالها لإثيوبيا خلال الحرب العالمية الثانية ، كذلك فقد عملت طبقة الشباب المتغرب على الوقوف ضد التيارات المحافظة فى المجتمع ومساعدة هيلاسيلاسى فى تنفيذ خططه التحديثية.
كان هيلاسيلاسى يخشى خطر الإستعمار الأوربى لبلاده فى ذروة الحقبة ألإستعمارية الغربية، ربما بنفس قدر خشيته من الإستعمار الإسلامى ، وقد حسن ذلك من علاقاته مع الدول الإسلامية الكبرى، المجاورة والبعيدة ، والتى زار العديد منها ، لكن ذلك لم يمنع من إعتماده تجربته التحديثية على الدول الغربية بشكل أساسى حيث زار العديد منها أيضاً ، وعقد معها الصفقات فى كل جانب ، وإعتمد على خبرات الأفروأمريكيين بشكل خاص ، وبدت تجربته فى التحديث والحفاظ على الإستقلال الوطنى ناجحة ، مشهورة فى العالم ، لكن تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن فقد كان موسولينى مصمما على إستعمار القرن الإفريقى فى خضم صعود المد الفاشى فى العالم . وفى سنة 1934 إنتهز موسولينى حادثة والول ، وهى نقطة حدودية غير مرسومة فى عمق صحراء أوجادين كانت تقع بها بعض الآبار التى يستفيد منها الرعاة الصوماليون والإثيوبيون ، حيث تصادمت القوات الإيطالية والإثيوبية ، وأمر بالهجوم الشامل من الصومال الإيطالى ومن إرتريا ، وقدمت إثيوبيا شكوى إلى عصبة الأمم سنة 1935م بلاجدوى ، كما حاولت إنجلترا وفرنسا تسوية النزاع من خلال لجنة هور- لافال سنة1935 ، لكن اللجنة سرعان ماإنهارت نتيجة للضغط الإيطالى ، ورغبة الدول الأوربية فى مجاملة إيطاليا لإبعادها عن ألمانيا، بينما لزمت الولايات المتحدة الحياد ، ورغم مساندة الرأى العام العالمى ، وجمعيات الإخوة الإفريقية فى العالم ، فقد إنهارت المقاومة الإثيوبية بسبب تفوق السلاح الإيطالى وهرب الإمبراطور والعائلة المالكة إلى القدس ومنها إلى إنجلترا ، وترك بلاده بين مقاوم ومتعاون مع المستعمر الإيطالى إنتقاماً لمظالم الماضى ، وفى القدس أعد هيلاسيلاسى خطابه الشهير ، نداء إلى عصبة الأمم ، الذى ألقاه على العالم من جنيف فى سويسرا سنة 1936 م مندداً بالإحتلال الإيطالى ، لكن ذلك لم يغير من حقيقة الأمر الواقع شيئاً ، فقد أحتلت أديس أبابا وأصبحت الإمبراطورية الإثيوبية جزءً من شرق إفريقية الإيطالى ، الذى شمل الصومال الإيطالى وإرتريا ، وبعد محاولة إغتيال الحاكم الإيطالى جرازانى فى فبراير 1937 ، نفذت السلطات الإيطالية بمعاونة ميليشيا القمصان السود الفاشية، عملية إنتقام جماعى تم خلالها إعدام أكثر من ثلاثين ألف إثيوبى ، منهم الكثير من النخب التى تلقت تعليهما فى الخارج ، ومن رهبان الكنيسة الأرثوذكسية ، والتى حاولت السلطات الإيطالية توطينها ، وقطع علاقتها بالكنيسة القبطية ، دون جدوى ، كما غذت الصراعات بين المسيحيين والمسلميين، وباقى المكونات الإثيوبية المتناحرة ، حتى إستسلمت إثيوبيا فى النهاية للإستعمار الإيطالى ، الذى بدأ مشروعه الخاص فى تحديثها.
وفى خضم ذلك التحول برزت جماعة عرفت بإسم الأسد الأسود، عارضت حركة التحديث الإيطالى فى المجالات الزراعية والإدراية وغيرها ، والتى لاقت بعض الإستحسان من قطاعات من الشعب الإثيوبى الناقم على نظام الحكم العنصرى السابق ، بينما رأى فيها الوطنيون المحليون إستغلالاً وخطراً كبيراً على هويتهم الوطنية ، كما هو الحال فى كل عصر الإستعمار الأوربى.
قاد الإمبراطور هيلاسيلاسى حركة المقاومة من الخارج ، وبدخول إيطاليا الحرب العالمية الثانية الى جانب ألمانيا سنة 1940 إتخذت القضية الإثيوبية طابعاً دولياً ، وشاركت المقاومة الإثيوبية فى طرد إيطاليا من شرق إفريقية بمساعدة بريطانيا ، التى سرعان ما أخذت مكان إيطاليا ، كسيد جديد لإثيوبيا سنة 1941 بعد هزيمة إيطاليا، ودعى رئيس وزرائها ونستون تشرشل إلى عودة هيلاسيلاسى من المنفى ليقود بلاده كشريك إسترتيجى للمعسكر الغربى، وهو ماحدث فعلاً ، وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية إنضمت إثيوبيا للأمم المتحدة التى حلت مكان عصبة الأمم، وحاولت من خلالها الحصول على بعض تعويضات عن خسائرها المادية والمعنوية أثناء فترة الحكم الإيطالى ، وإستطاعت فعلاً ضم إرتريا بتأييد من إنجلترا والولايات المتحدة .
ورغم بعض الإصلاحات ومشروعات التنمية التى قام بها هيلاسيلاسى بمساعدة بريطانيا ، فإنه لم يستطع تغيير البنية العنصرية لإثيوبيا ولاتحقيق أى إصلاحات إجتماعية حقيقية ، فقد ظلت عرقية الأمهرة مسيطرة على معظم العرقيات الأخرى ، كما زاد من قبضته على شئون الكنيسة الأرثوذكسية ، التى إستطاع توطينها حين حصل على موافقة المجمع المقدس للكنيسة القبطية سنة 1946 ، على أن يخلف الأنبا كيرلس ، آخر مطران مصرى ، راهب إثيوبى له نفس الصلاحيات ، وهو ماحدث فعلاً بعد وفاة المطران كيرلس سنة 1950، حيث تعيين الأنبا باسيليوس أول مطران إثيوبى ، وفى سنة 1958 خطى خطوة أكبر حين طلبت الكنيسة الإثيوبية من الكنيسة الأم فى الإسكندرية رفع درجة المطران الإثيوبى، بحيث يمنح حق تعيين الأساقفة ، فوافقت الإسكندرية سنة 1959 ، ومنحت المطران الإثيوبى رتبة بطرك جاثليق ، وهى درجة وسطى بين المطران والبطرك ، تمكن صاحبها من تعيين الأساقفة ، وبذلك نجح هيلاسيلاسى عملياً فى فصل الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة الأم فى الإسكندرية فصلاً نهائياً.
وفى خضم الصراع الدولى والشقاق المحلى ، تعرض هيلاسيلاسى أثناء زيارة خارجية لأمريكا الجنوبية ، لمؤامرة للإطاحة بحكمه قادها بعض عناصر الجيش بالتعاون مع ولى عهده سنة 1960م عليها ، لكن الحرس القديم تمكن من القضاء عليها ، وإستمر هيلاسيلاسى فى حكم إثيوبيا المتصارعة.
وجدت إثيوبيا نفسها طرفاً فى الحرب الباردة ، التى سرعان ماإشتعلت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ، ورغم تبعية هيلاسيلاسى للمعسكر الغربى ، فقد حاول إتخاذ موقفاً وسطاً ، حيث إنضم إلى حركة عدم الإنحياز التى أسسها ناصر ونهرو وتيتو سوكارنو سنة 1964م ، بسبب تصاعد المد الشيوعى بين صفوف الطلاب الإثيوبيين ، والذى تمثل فى تيار التماسيح الذى رفع شعار الأرض لمن يفلحها ، وقبل ذلك بسنة واحدة كان قد إستطاع تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية مع بعض القادة الأفارقة ، والتى أصبحت أديس أبابا مقرها الدائم، لكن ذلك النجاح النسبى لم يمكن إستمرار حكم هيلاسيلاسى لأكثر من ذلك ، ففى سنة 1974 وبسبب الجفاف والمجاعة والفوارق الطبقية ، قامت جماعة ماركسية من صفوف الجيش يقودها ضابط إثيوبى من أصل إرترى ، بإنقلاب على هيلاسيلاسى وتحديد إقامته فى قصره ، وتصفيته بعد فترة من إحتجازه ، لينتهى بذلك حكم الإمبراطورية السليمانية المسيحية الذى دام قرون طويلة، وتدخل إثيوبيا حقبة عنيفة أخرى من تاريخها ، هى حقبة الماركسية الإفريقية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر صحفي لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه في لبنان


.. المبادرة المصرية بانتظار رد حماس وسط دعوات سياسية وعسكرية إس




.. هل تعتقل الجنائية الدولية نتنياهو ؟ | #ملف_اليوم


.. اتصال هاتفي مرتقب بين الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائي




.. مراسل الجزيرة يرصد انتشال الجثث من منزل عائلة أبو عبيد في من