الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسد مُحتضر، وروح متوقدة ...

قحطان الفرج الله

2021 / 5 / 1
الادب والفن


العلاقة بين الروح والجسد علاقة معقدة جدًا، صراع نتيجته انتصار الجسد دومًا بالموت، ولكن هذه المفارقة المؤلمة تسري في كثير من الأحيان بعلاقة الناس بأجسادهم وهويتهم الذاتية، التي يخذلها الجسد بالمرض والوهن والهزال، وكذلك تسري بعلاقتهم بالعالم من حولهم، يقترح عالم الإجتماع الأمريكي (بيتر بيرغر) لمواجه ذلك "على البشر شحن ذواتهم الجسدية بدلالات ذات طابع نفسي" للمقاومة، ولكن هذه الدلالات تفتقر إلى وقائع موضوعية خلافا لذلك، وقد تنشأ مشكلات وجودية للبشر تقلق إحساسهم بذواتهم.
في هذا السياق تصبح أنظمة الدلالات المقترحة حافزًا لقلة اليقينيات بالصمود أمام هشاشة هوياتهم الذاتية والجسدية، الموت إذًا مشكلة إجتماعية خطيرة؛ وذلك بسبب قدرته على تحدي إحساس الناس بما هو حقيقي وذي معنى بخصوص ذواتهم المتجسدة والعالم المحيط بهم.
إن مكانة مشكلة الموت مرتبطة أيضًا بعدم إكتمال الجسد الإنساني، وقدرته على التناغم والمقاومة المستمرة والافلات من براثنه بدافع حبّ البقاء والحياة.
في كل لحظة من لحظات الحياة نحن نواجه الموت، فالزمن الإنساني "مغلق بين لحظتين الميلاد والموت، إنهما شاطئان زمنيان بهما يحاصر الزمن الإنسان" إن السقوط في الموت قد يأتي مبكرًا عندما يخذل الجسد الإنسان فهو يملك كل قواه العقلية والروحية ولكنه يفقد قواه الجسدية، وفي ذلك يُحبس في سجن الجسد ليواجه مواجع قاسية تنسحب على معاناة روحية مؤلمة، ومن هنا فالإيمان بعدمية البقاء في هذه الحياة يفرض على الفلسفة والدين إقتراح حلول وتصورات لعالم آخر.
يطرح (كروس شلنج) تحليلًا ناضجًا في سبيل فهم العلاقة بين الجسد والهوية الذاتية والموت في الحقبة المعاصرة التي وصفها (آنتوني جيدنز) بالحداثة المتاخرة، من خلال (استراتيجية البقاء) وتتميز بمحاوله فهم (الجسد المتحضر) ومحاولة إبقاء شر الموت بعيدًا من خلال اقتراح خيارات حياتية متعددة، يتنكر فيها الناس للموت من خلال غمس أنفسهم في مشاريع تعمل على تأمين بقائهم وترتكز بشكل متزايد على المحافظة على صحة أجسامهم.
ولكن يظل (الغياب النسبي) واستراتيجية البقاء الديني لمواجهة الموت هي ذات طابع سحري لمواجهة الجسد الواهن، فالدين سعى إلى فكرة نكران الموت بمفهومه كــ(نهاية عدمية) بطرق مختلفة، واقترح تصورات ميتافيزيقية لحياة أخرى ينتقل إليها الإنسان خارج مفهومه المادي للحياة، فكرة الغياب النسبي لمواجهة الموت تُسهم في زرع روح السكينة والطمانينة بأن الحياة لن تختم بالموت، بل إنها ستبدأ من جديد بعد مغامرة الجسد الفاني.
كما إن خيارات (الغياب النسبي) متعددة، بين الفلسفة والدين والحضارة، فإن الموت متعدد أيضًا قبل الأوان، يمارس على الإنسان طقوس الرحيل والغياب القسري من خلال الجسد، و ينبغي لنا أن نقاومه ولا نتقبله إلا في صورته الأخيرة فقط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال