الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عصر الاتحادات و التكتلات الاقتصادية الدولية الكبيرة ( 3 )

آدم الحسن

2021 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


لو قارنا سعي الكثير من دول العالم في تكوين اتحادات و كتل اقتصادية كبيرة في ما بينها مع محاولات الدول العربية في تكوين كيانات مشتركة لهم فسنصل الى نتائج مأساوية و مؤلمة و ربما بالنسبة للبعض مضحكة ...!
فقد تأسست جامعة الدول العربية في سنة 1945 اي قبل نشوء كل الكتل الاقتصادية التي شكلتها الدول الأخرى التي ساهمت في انعاش و تطور اقتصاد البلدان الأعضاء فيها حيث اصبحت هذه الكتل كبيرة و لها شأن مهم في الاقتصاد العالمي و في مجريات الأمور السياسية و الاقتصادية على الساحة الدولية كالاتحاد الأوربي أو منظمة شنغهاي للتعاون أو غيرها من الاتحادات و المنظمات الاقتصادية و مع ذلك بقت جامعة الدول العربية كيانا هزيلا هامشيا ليست لديه اي تأثير لحل حتى ابسط المشاكل التي تمر بها البلدان العربية , و لم يكن لهذه الجامعة اي دور في انعاش اقتصاديات البلدان العربية و انما كانت الجامعة العربية و لازالت مجرد منصة لخطب القادة العرب الرنانة كلاميا و الفارغة من اي مضمون مهم لبرنامج حقيقي قابلا للتنفيذ يدفع باتجاه توحْدْ الدول العربية وفق مصالح شعوبها المشتركة .

لقد تبنت جميع الأحزاب و الحركات ذات النهج القومي العروبي منذ تأسيسها برامج غير واقعية و غير قابلة للتنفيذ حيث اختارت هذه الأحزاب و الحركات المسار الخاطئ و اعتبرت أن الوحدة العربية ممكن أن تتحقق بشكل فوري و اندماجي .
لكن بالمقابل كان هنالك بعض الأحزاب و الحركات السياسية في بعض البلدان العربية و معهم بعض المفكرين العرب طرحوا في فترة ذلك المد القومي العروبي افكارا و نهجا بديلا عن الوحدة الفورية الاندماجية حيث اقترحوا أن تكون الوحدة أو الاتحاد العربي على مراحل و بشكل تدريجي اساسه المصالح الاقتصادية المشتركة لشعوب الدول العربية , كما تقول الحكمة الصينية : مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة , إلا أن الأحزاب و الحركات القومية العربية وجهت لأصحاب هذه الأفكار تُهمْ الخيانة و العمالة للصهيونية و الماسونية و إنهم من الشعوبيين اعداء العرب و العروبة و تم ابادتهم من قبل الفاشية العروبية بعد أن حصل في تلك الفترة تحالف بين الفاشية العروبية و هيمنة الاستعمار بشكله الجديد الذي مَكنَ الفاشية العروبية من السيطرة على السلطة في عدد من البلدان العربية ... !

و ما الوحدة الاندماجية الفورية التي أُعْلنتْ بين مصر و سوريا في شباط 1958 ثم انهارت بعد حوالي ثلاثة سنوات و نصف إلا دليل على أن الفشل هو النتيجة الحتمية لمثل هذه التجارب التي ولدت كي تموت لأنها لا تستند على نهج علمي موضوعي .
تجربة الوحدة بين مصر و سوريا كانت كارثية بامتياز فقد وجد الشعب السوري نفسه تحت سلطة قمعية مركزية تهدف الى انهاء وجود القطاع الخاص السوري في حملة لتأميم هذا القطاع الذي كان في مرحلة النشوء فجاءته تلك الضربة من العسكريتارية المصرية ...!
و كان يفترض ايضا أن اسم الكيان الذي تشكل من الوحدة بين مصر و سوريا أن يكون الدول العربية المتحدة , لكن العقلية التسلطية لقادة تلك الوحدة اصروا على تسميته بالجمهورية العربية المتحدة , اي انهم بدأوا بالمقلوب حين اعتبروا ان هذا الكيان اصبح جمهورية واحدة و كذلك قطعوا الطريق على الأنظمة الملكية للإنظام لهذا الكيان و بذلك يمكن وصف تجربة الوحدة بين مصر و سوريا بأنها كانت تجربة ذات بداية خاطئة و مسار سيء طيلة عمرها القصير و نهاية مفجعة .

الفشل لم يرافق جامعة الدول العربية و الجمهورية العربية المتحدة فقط و انما رافق كل التجارب الأخرى التي أنشأتها الحكومات العربية و من هذه التجارب الفاشلة مجلس التعاون لدول الخليج العربية , ففي منتصف السبعينيات من القرن الماضي انبثقت لدى قادة دول الخليج العربية فكرة إنشاء مجلس تعاون لدولهم و دامت المفاوضات بين حكام هذه الدول بعيدا عن شعوبها لتحديد اؤطر هذا الاتحاد حوالي خمسة سنوات أعلن بعدها عن نشوء مجلس لتعاون دول الخليج العربية سنة 1981 .
الان و بعد مرور اربعين سنة على تأسيس مجلس تعاون بين دول الخليج العربية لم يتحقق أي انجاز حقيقي على ارض الواقع اذ لم تتوحد السياسات النقدية للدول الأعضاء في هذا المجلس و أبقت كل دول المجلس على عملتها الوطنية اذ لم نرى أي بوادر لظهور عملة خليجية موحدة و لم ترفع الحواجز من امام حركة انتقال السلع و الخدمات و الأفراد بين هذه الدول , اي باختصار يمكن القول أنه من الناحية الفعلية لم تخطوا دول مجلس التعاون الخليجي اية خطوة و لو بسيطة نحو تكوين اتحاد حقيقي لدولهم حيث كان مجال تعاونهم الوحيد هو في تنسيق الخطابات السياسية الرنانة .

لقد عَرفَ القادة المؤسسون لمجلس التعاون الخليجي من إن مجلسهم سيكون منظمة سياسية اقتصادية عسكرية امنية لكن مجريات الواقع و الأحداث للأربعين سنة الماضية قالت ان المجلس ليس كذلك و لا يمكن أن يكون كذلك لأنه منظمة انطلقت من إرادة انظمة استبدادية اذ ليس غريبا أن نجد اليوم و بعد مرور هذه العقود الأربعة على تأسيس هذا المجلس انه بعيد كل البعد عن الوحدة الاقتصادية و إن قادته لا يعرفون اين يتجه مجلسهم ... !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات