الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشباب المغربي والمشاركة المدنية

عزالدين عفوس

2021 / 5 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


يمثل الشباب قوة بشرية مهمة، لها دور مركزي في عملية بناء وتطوير قدرات المجتمع، وازدهاره ، من خلال مساهمة هذه الفئة في عملية التنمية المستدامة، فهي بذلك رافعة من روافع التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بمشاركتها الفعالة في إنماء هذه الحقول، وقد أقر المجتمع الدولي بأهمية مشاركة الشباب في هذه النظم، عبر عدة اتفاقيات دولية، لما لهذه الفئة العمرية من قوة إيجابية لتحقيق التغير الاجتماعي.
لكن واقع مشاركة الشباب المغربي في الحياة المدنية تكاد تكون منعدمة، كما أشار لذلك تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الصادر سنة 2018، فهي تقتصر على نسب ضئيلة من انخراط الشباب في العمل النقابي والحزبي، الذي لم يتطور كثيرا للارتقاء إلى تطلعات هذه الشريحة الاجتماعية، إلا أنه في المقابل هناك إقبال متزايد على الانخراط في العمل الجمعوي للمشاركة في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد.
لكن الرهان على جمعيات المجتمع المدني في تحقيق إدماج فعلي للشباب في الحياة المدنية، وفي تحقيق التنمية يبقى محدودا جدا لعدة أسباب.
فما سبب عزوف الشباب عن المشاركة في الحياة المدنية عبر المنظمات الحزبية والنقابية؟
وأين تتجلى محدودية جمعيات المجتمع المدني في تحقيق إدماج الشباب في الحياة المدنية؟


1- عزوف الشباب عن المشاركة السياسية
يمثل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 24 سنة ما يقرب من خمس سكان المغرب سنة 2014، حيث بلغ عددهم إلى حوالي 6,03 مليون شخص ، وهي نسبة مهمة جدا من عدد السكان وثروة كبيرة في عملية بناء وتطوير قدرات المجتمع، سواء المادية أو المعنوية، من خلال المساهمة الواسعة لهذا العنصر البشري في عملية التنمية المستدامة، سواء داخل مؤسسات الدولة أوفي باقي هياكل المجتمع، فالشباب رافعة مهمة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال المشاركة الفاعلة والفعالة في التنظيمات السياسية والاجتماعية.
لكن الشباب المغربي يولي اهتماما قليلا بالشأن العام، ذلك أن 1 % منهم فقط منخرطون في حزب سياسي، و4 % منهم يشاركون في اللقاءات التي تنظمها اﻷحزاب السياسية، أو النقابات، و1 % نشيطون في نقابة ما، ويشارك 4 % منهم في مظاهرات اجتماعية، أو إضرابات، في حين يشارك 9 % منهم في أنشطة تطوعية.
كما عبر 49 % منهم عن ثقتهم في منظمات المجتمع المدني، مقابل 28 % عبروا عن عدم ثقتهم فيها، في حين عبر 55 % منهم عن عدم ثقتهم في الأحزاب السياسية والنقابات مقابل 24 % فقط عبروا عن ثقتهم في هذه المنظمات .
ففكرة المشاركة السياسية، أو الانتماء لحزب أو نقابة، ليست مرفوضة بشكل مبدئي من قبل الشباب، ولكن لأسباب وعوامل ذاتية وموضوعية، يمكن إجمالها فيما يلي :
- غياب الديمقراطية الداخلية في هذه التنظيمات الحزبية والنقابية، فليس هناك قنوات للحوار، وقبول الاختلاف مع الشباب ؛
- عدم تجاوب أطروحاتها السياسية مع طموحات الشباب، وتهميش مطالبهم، فالفاعل السياسي التقليدي في "قطيعة" مع ما يصبو إليه الشباب؛
- النظر إلى الشباب ككتلة ناخبة فقط وليس كفاعل مركزي داخل هياكل هذه التنظيمات، رغم وجود قوانين تحث على إشراك الشباب؛
- بالإضافة إلى ذلك هناك ضعف ملحوظ في القدرة الاستقطابية للشباب من قبل الأحزاب السياسية، والنقابات، فهذه المؤسسات لا تتوفر على أنشطة وهياكل شبابية فاعلة ونشيطة؛
- إن العملية الانتخابية في المغرب لا تفرز فاعلين حقيقيين، إذ نظرا لتداخل الصلاحيات مع الإدارات، وانفراد هذه الأخير بتسيير الشأن العام، جهويا ووطنيا، مع ترك هامش بسيط للمنتخبين، يجعل هذه العملية الانتخابية برمتها غير مغرية، خصوصا من قبل الشباب المتعلم؛
- كما أن هناك أسباب اقتصادية واجتماعية تحد من مشاركة الشباب في العمل السياسي من داخل الأحزاب والنقابات، مثل البطالة والفقر ؛
وقد أشار محمد باسك منار في دراسة ميدانية3 أجراها رفقة مجموعة من الباحثين سنة 2012، إلى أن الاحتجاجات الاجتماعية لما عرف بالربيع العربي، قد ساهمت بالفعل في تزايد الاهتمام بالعمل السياسي لدى الشباب المغربي، لكن هذا الاهتمام لم يتحول إلى فعل سياسي مؤسس ومنظم ودائم، كما أن هذا الاهتمام ظل منحصرا على فئات معينة من الشباب ولم يتحول إلى اهتمام عام لديهم.
2- اهتمام الشباب بالعمل الجمعوي
كل تلك اﻷسباب أعلاه جعلت اهتماما الشباب ينصب على جمعيات المجتمع المدني، فهذه المنظمات مثلث قوة دفع جديدة على مستوى العمل التنموي، إلى جانب الدولة والقطاع الخاص، وخصوصا في تسعينات القرن الماضي، وبداية الألفية الجديدة، وقد برهنت التطورات المعاصرة على الصعيدين الوطني والدولي على أهمية منظمات المجتمع المدني، كآلية لتحقيق الديمقراطية التشاركية، وتعبئة الشباب في المجالات المختلفة، وإشراكهم في تنمية اجتماعية واقتصادية وسياسية حقيقية، تتوافق وآمالهم واحتياجاتهم، فالمجتمع المدني "يعمل بمثابة مرقد البذور للمواطنة الديمقراطية، ويوفر مساحة حيث يجتمع المواطنون بحرية لتعزيز أهدافهم المشتركة" .
وفي هذا السياق، شهد المغرب انبثاق حركة جمعوية مهمة، شملت مجالات مختلفة : اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، مستفيدة من تشجيع الدولة للعمل الجمعوي، هذا التشجيع تجلى في مجموعة من الإجراءات، الهادفة إلى إشراك فعلي للمجتمع المدني في الشأن العام، فقد تحدث دستور2011 لأول مرة عن مفهوم المجتمع المدني، وعن الحق في تأسيس الجمعيات والمنظمات غير الحكومية وفي حقها في ممارسة أنشطتها طبقا للقوانين الجاري بها العمل، بكل حرية، كما أشار إلى إمكانية مساهمتها في إقرار مشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، في إطار الديموقراطية التشاركية، كما أن الميثاق الجماعي المعدل أعطى مكانة مهمة للمجتمع المدني، واعتبر الجمعيات فاعلة في بلورة المخطط الجماعي، من خلال لجنة المساواة وتكافؤ الفرص.
وقد ساهمت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقت سنة 2005، في دعم الجمعيات لتحقيق مشاريعها التنموية، مما أدى إلى توسيع آفاق العمل الجمعوي، وتنوع الأنشطة التي يقوم بها، كالأنشطة السوسيو ثقافية والرياضية، والأنشطة السوسيو اقتصادية الهادفة إلى محاربة الفقر والهشاشة، وأنشطة تأهيل البنيات التحية، والأنشطة الحقوقية …
فالجمعيات إذن، ليست بنفس الصورة السلبية للأحزاب والنقابات لدى الشباب، ففيها من التنوع ما يناسب ميولات الشباب، كما أن العمل من خلال الجمعيات، يتيح إمكانيات أكثر للظهور وإثبات الذات، فالعراقيل الموجودة داخل الأحزاب تكاد تختفي داخل الجمعيات، مما يسهل على الشباب الانخراط في العمل المدني الهادف والفعال، وفي هذا السياق يمكن القول أن تطور الجمعيات قد أدى إلى خلق قيادات وفاعلين محليين، منخرطين في التنمية المحلية، وقريبين من الساكنة، فاكتساب هؤلاء لمجموعة من المهارات الفنية والتواصلية والمعرفية من خلال العمل الجمعوي، أهلتهم لتعبئة الساكنة والمانحين، وجعل موقعهم في الريادة وقيادة الجمعيات المحلية يبرز بصفة فوية.
3- محدودية العمل الجمعوي
رغم أن تأسيس الجمعيات حق يكفله النص القانوني، إلا أن آليات التأسيس ما زالت تعترضها مجموعة من العراقيل، وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب ما زالت تنتظر الوصل القانوني رغم استيفائها لجميع الشروط،
وعلى الرغم من توسع النسيج الجمعوي ببلادنا، إلا أن هناك عدة ملاحظات تحد من نجاعته وفعاليته :
- تمركز أغلب الجمعيات وأهمها في ثلاث جهات بالمغرب، وهي جهة سوس ماسة درعة وجهة الرباط سلا زمور زعير وجهةالدارالبيضاء الكبرى ؛
- اقتصار الاستفادة من الجمعيات في أغلب الأحيان على الشباب المتعلم؛
- الموارد البشرية والمادية المتاحة للجمعيات؛
- قلة الجمعيات النشيطة والفاعلة بالمقارنة مع الكم الهائل للجمعيات الموجودة؛
- ضعف التشبيك وربط علاقات مع فاعلين جمعويين آخرين محليا ووطنيا؛
- ضعف الاستقلالية السياسية والمالية لكثير من الجمعيات، مما يجعلها تحت رحمة المانحين؛
- الخلط بين العمل الجمعوي التنموي، والعمل الاحساني؛
- ضعف الموارد اللوجتيكية، فالكثير من الجمعيات لا تتوفر على مقرات خاصة بها، فهي تزاول أنشطتها من داخل دور الشباب، والمدارس ومقرات الأحزاب، مما يضعف نشاطها، ويظهر نشاطها مجرد تقديم خدمة للمؤسسة المستضيفة لها؛
- ضعف التكوين لمنخرطي الجمعيات، وعدم تخصص كوادرها في العمل الاجتماعي، مما يساهم في عشوائية التسيير والتدبير داخل كثير من الجمعيات؛

خاتمة
يعرف الشباب المغربي عزوفا عن المشاركة الفعالة والنشطة في الحياة المدنية، خصوصا الانخراط في الأحزاب والنقابات، نظرا لأسباب ذاتية مرتبطة بالوضع السوسيوثقافي للشباب، وموضوعية تخص تلك المؤسسات التي لم تستطع القطع مع ممارسات تقليدية، تساهم في تنفير الشباب وعدم قدرتها على استقطابه وتربيته على الممارسة الديموقراطية التنموية.
وفي المقابل فإن الشباب يقبل بشكل متزايد على العمل الجمعوي، نظرا للإمكانات التي يتيحها لهم للمشاركة الفعالة والنشطة في الشأن العام، إلا أن النسيج الجمعوي لم يخصص وقتا كافيا لتربية الشباب على الممارسة الديمقراطية التنموية، التي تمكنه من المشاركة الحقيقية في التنمية المحلية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بشكل حضري نظرا لمعيقات متعددة تعترض ذلك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تعلن طرح وحدات سكنية في -رفح الجديدة-| #مراسلو_سكاي


.. طلاب جامعة نورث إيسترن الأمريكية يبدأون اعتصاما مفتوحا تضامن




.. وقفة لتأبين الصحفيين الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل


.. رجل في إسبانيا تنمو رموشه بطريقة غريبة




.. البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمقا