الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا يمكن للأمازيغي أو العربي إلا أن يكون متسامحا، وإلا فهو يسيئ لنفسه أولا! في البحث عن الهوية المرحة

فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)

2021 / 5 / 2
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


أي مغربي يفخر بأمازيغيته، ثقافة وتاريخا وتراثا ومورثات، أو يفخر بعروبته، ثقافة وتاريخا وتراثا ومورثات أيضا، ليس بالأمر السيء إطلاقا. السيء هو أن تجعل من هويتك منطلقا لعداء الآخر أو استعدائه. وفي الوقت الذي يزداد، داخل أي هوية، الأفراد والخطابات التي تجعل من هذه الهوية سلاحا موجها ضد الغير/المختلف، تصير تلك الهوية ضيقة، إقصائية، قاتلة.
قدَر كل مغربي، أمازيغي أو عربي، يعي طبيعة جُغرافيته السياسية ورهانات العصر المتمَحورة حول فلسفة حقوق الإنسان والتعدد والاعتراف، هو أن يكون منفتحا متسامحا. ولهذا، من المهم بالنسبة لكل واحد منا أن يرى هويته كوحدة مركبة، لا كوحدة بسيطة؛ بحيث ننطلق من هوياتنا البسيطة والأضيق والأقرب (القبيلة/المنطقة/العرق/...)، وأعيننا على تلك المستويات التي تتقاطع وتتفاعل معها خلال مختلف مراحل نضجنا الروحي والعاطفي والثقافي والفكري، مستويات الوطن والدين والأيديولوجيا والمشترك الإنساني.
في جغرافية المغرب تتلاقى كل التيارات الثقافية، المتقدمة والثالثية، الإفريقية والعربية والأوروبية، والآن الآسيوية أيضا (يمكنك ملاحظة حضور الثقافة الآسيوية لغة وتجارة وفنا وتكنلوجيا، في وسائل التواصل والأسواق). وفي ديمغرافية المغرب، التي عَركَـتْـها أحداث التاريخ والعيش المشترك والتبادل الثقافي والحركية القبلية والهجرة الداخلية بحثا عن لقمة العيش واللهجة المغربية الجامعة، تتداخل الهويات البسيطة، فتصير أكثر تركيبا (هناك دراسات علمية تقول أن المغربي العربي والمغربي الأمازيغي أقرب إلى بعضهما جينيا من هذا الأخير إلى الجزائري الأمازيغي! وهذا يُعطي للأمة المغربية بعدا جامعا آخر قلَّما انتبهنا إليه). وفي تطلعات المغربي هناك باستمرار تفكير في تجاوز الحدود؛ حيث يتطلع القروي إلى العيش في المدينة، ويتطلع المديني إلى التوقف على إقامة في القرية ويتطلع الشاب إلى التنقل إلى مدينة أكبر بحثا عن فرص أوفر في العمل والعيش، وهناك من يرمي ببصره إلى ما وراء حدود البلاد، إلى أوروبا أو إفريقيا أو آسيا وغيرها.
فإذن، هناك هوية مركبة تسكن كينونتنا. وكل خطاب يسعى إلى حجب هذه الحقيقة، ما هو إلا خطاب يريد منا، وكما يقول مثل كردي لطيف، أن نكون ممن «ينظر بعضهم إلى بعض، من فوَّهات البنادق». فهذا الاستثمار غير البريئ في الهويات (أمازيغيا كان أم عروبيا)، من أجل تصيد أخطاء الغير أو إقصائه أو تحقيره أو الانفصال عنه أو بناء جدار ثقافي قبالته، ما هو إلا خدعة سياسية جديدة تحركها جهات تتربح من وراء الخطاب التحريضي والعنصري والثقافوي، وتستثمر في الانقسامات الاجتماعية حتى تتسيَّد النقاش العام وتُحسن تموقعها في المشهد السياسي وتستحوذ على المناصب التمثيلية. ولنا في بعض أحداث المشرق خير مثال (سوريا، لبنان، اليمن، البحرين).
فالنظر إلى الهوية البسيطة كأيديولوجيا في ذاتها يُـعَد خطرا (طوَّر عزمي بشارة أفكارا مهمة بخصوص القومية كأيديولوجيا لا يسع المقام لذكرها هنا).
وفي الوقت الذي يتعين على الدولة أن تعمل على تعميق الشعور بالهوية الوطنية الجامعة، عبر الاحتفاء بالتنوع (لا حجبه أو إلغاءه أو التقليل من أهميته)، وتعميق الشعور بالوطنية (من خلال خدمة المواطنين وتكريس المساواة وضمان فوقية القانون)، يتعين، في الجهة المقابلة، على النخب والمواطنين أن يترفعوا عن المنطق الذي يجعل من العِرق أو غيره من الهويات البسيطة أو الضيقة أداة صراع سياسي، وبالتالي أداة تدمير للنسيج الاجتماعي.
فالمطلوب هو تطوير أيديولوجيات أو أطروحات لا تستوعب هويتنا البسيطة أو الضيقة فحسب، وإنما الهويات التي تتعايش جنبنا وفينا، في مختلف أبعادها، العرقية، اللغوية، المذهبية، الدينية، الثقافية، الإنسانية،... وهنا تصير الأيديولوجيا أو الأطروحة السياسية صمام أمان ثقافي وسياسي، ومسلكا لبناء إنسان سوي.
الخلاصة: الحديث عن الهوية اليوم يجب أن يكون حديثا عن هوية عابرة للذات، هوية مفتوحة، هوية مركبة، تنطلق من الهوية الشخصية والجماعية لتعانق الواقع الإنساني بكل أسئلته ورهاناته وتحدياته. فالعيش في عزلة نفسية أو ثقافية تجاه الآخر هو حكم على الذات بالارتكاس والرفض الهدام، وقد يكون حكما بالتوحش؛ فكما قال الروائي هيثم حسين «حين ينطلق المرء من وهم أنه الأفضل، فإنه يُبقي سيفه مُستلا لإيذاء الآخر».
لا يجب قط أن نجعل من الانتماء للأمازيغية أو العروبة محور استقطاب أساس وحاد أو وسيلة نبذ للمختلف. المطلوب أن نجعل من كليهما مصدرا لإغناء الهوية والتبادل الثقافي، وأن نحرص على بقاء هذا التنوع في إطار وحدة وطنية تعترف بالجميع وتحتفي بالتنوع وتستثمر فيه باعتباره مصدر خلق إبداعي في ذاته.
الهوية المرحة هي ما أقترحه هنا وما أدعو للبحث عنه؛ تلك الهوية المتحركة برشاقة وثقة، تأخذ من هنا وتعطي لهناك، تلتقي لتتكامل، وتكبر لتنضِج، وتعمل بشراكة لتبني. هذه هي الهوية التي تبني الإنسان والأوطان، أساسها الانفتاح على الآخر، على أرضية الحوار والعيش المشترك والبناء التكاملي.
التمغريبيت (تأمَّل معي هذه الكلمة: مصدرها عربي، واشتقاقها أمازيغي. أمر جميل... أليس كذلك؟) هي أن تكون قطعة منسجمة ضمن فسيفساء الوطن... هذا شرط أساس حتى يكون للمغرب والمغاربة موقع ضمن خريطة العالم المتحضر.


10 أبريل 2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا تعلن استهداف خطوط توصيل الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا |


.. أنصار الله: دفاعاتنا الجوية أسقطت طائرة مسيرة أمريكية بأجواء




.. ??تعرف على خريطة الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية


.. حزب الله يعلن تنفيذه 4 هجمات ضد مواقع إسرائيلية قبالة الحدود




.. وزير الدفاع الأميركي يقول إن على إيران أن تشكك بفعالية أنظمة