الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد قانا: نهاية الإنسان العربي المعتدل!

باتر محمد علي وردم

2006 / 8 / 3
الارهاب, الحرب والسلام


ماذا نفعل؟
هذا هو السؤال الحارق للنفس، الموجع حد البكاء، المدمر حد التفكك. الكل لديه إجابات نظرية، ولكن لا توجد إلا القليل من الاستجابات العملية. أسوأ ما في الأمر ليس فقط سقوط الضحايا الأبرياء من الأطفال وتدمير المنازل والبنية التحتية، ولكن أسوأ ما نراه الآن هو العجز، هو فقدان المواطن العربي لقدرته على فعل شئ وعلى الاستجابة للجريمة الإسرائيلية، وهو سقوط كل الأوراق السياسية والعسكرية من النظام العربي الرسمي بحيث ما عاد هذا النظام موجودا إلا على الورق.

ماذا نفعل في مواجهة هذا الحقد والكراهية والإجرام الإسرائيلي؟ أن الجواب الأول الذي نفكر به في الأردن هو المطالبة بإلغاء المعاهدة الأردنية-الإسرائيلية، أو على الأقل طرد السفير الإسرائيلي حتى يحترم الإسرائيليون أنفسهم ويحترموا الدول العربية التي وقعت معهم معاهدات. لقد تعرض الأردن ومنذ معاهدة السلام إلى الكثير من الانتقادات المغرضة وكنا دائما ندافع عن بلدنا بالقول بأن السلام كان خيارا دوليا وإقليميا وان مصلحة الأردن تقتضي التوقيع على المعاهدة وأننا في الأردن نريد الحفاظ على أمننا واستقرارنا كنوع من الدعم للشعب الفلسطيني وأن هذه المعاهدة قد تساعد الأردن على تحقيق نتائج ايجابية لمصلحة القضية الفلسطينية أيضا. كل هذا تحدثنا به وكنا مؤمنين به، وبالرغم من أن الغالبية العظمى منا لم تؤمن بالسلام ولا التطبيع ولم نصافح إسرائيليين ولم نتحدث معهم حتى بالهاتف، ولكننا كنا ندعم خيارا استراتيجيا لبلدنا.
ولكن، معذرة...لا نستطيع أن نقوم بذلك بعد الآن، واحتراما لكل ضحايا قانا ومروحين وغزة لا يمكن أن نستمر في الحديث عن خيار السلام.

يجب أن نعيد التفكير بالمعاهدة لأن إسرائيل ما عادت شريكا بالسلام بل عدوا للأردن. لقد أكد اولمرت منذ اليوم الأول أنه سينفذ مشروع الإنفصال الأحادي وهو تهديد لمصالح الأردن. ولم يحترم أولمرت الضيافة الأردنية، فعندما دعاه جلالة الملك في حزيران لبحث سبل السلام وكسر الجمود قامت قواته في اليوم الثاني يقتل عائلة هدى غالية على شاطئ غزة. وعندما أتى إلى البتراء استمر في العنجهية والعناد. وعندما قام بعدوانه على لبنان أحرج جميع الدول العربية المعتدلة بتصريحات وتعليقات أشارت إلى أن هذه الدول من مصلحتها القضاء على حزب الله، وهكذا وضعت إسرائيل نفسها في مواجهة سياسية من الطراز الأول حتى مع الدول المعتدلة وأهمها الأردن.

الجرائم الإسرائيلية المدعومة أميركيا لا تتسبب فقط في قتل الشهداء اللبنانيين والفلسطينيين وتدمير مقومات الحياة في البلدين بل تهدد الأردن مباشرة لأنها تساهم في تحويل جيل كامل من الشباب العربي والمسلم إلى التطرف الذي سينعكس سلبيا على كل فرص التنمية والأمن في الأردن. الحقيقة التي لا بد من قولها وبكل صدق أن من أكبر ضحايا حرب لبنان وقانا بالذات هو "الإنسان العربي المعتدل" والذي كان يوما ما يؤمن بأن السلام والاستقرار والتعايش مع إسرائيل ممكن في نهاية المطاف في حال قامت إسرائيل بإعادة الحقوق العربية، ولكن هذا العربي المعتدل قد مات. هذا العربي المعتدل هو أنا، ومئات الآلاف من المواطنين والشباب الذين كانوا يشعرون بوجود أمل في مستقبل أفضل لهذه المنطقة وسلام حقيقي ولكن طالما أن هؤلاء المجرمين موجودون في فلسطين ومدعومون بسياسة أميركية حمقاء لا مجال للسلام، فالإنسان العربي المعتدل سوف ينتهي سريعا وسريعا جدا ولن يبقى في الساحة إلا غالبية من الأجيال الغاضبة المتطرفة وأقلية من المستفيدين من الوضع الراهن أو من الباحثين عن المكاسب والمصالح.

يجب أن نقوم جميعا بمراجعة القيد الذي ربطتنا به هذه المعاهدة، وأن يستعيد الأردن مكانته العربية والدولية ويصبح قادرا على التحرك بطريقة إيجابية حتى في ظل وجود المعاهدة. أن استدعاء السفير الأردني من إسرائيل وإبلاغ السفير الإسرائيلي بأنه غير مرغوب به هو أضعف الإيمان حتى تنتهي الحرب. وخلال ذلك يجب أن تكون أولويتنا هي تقوية الجبهة الداخلية بعقد اجتماعي مرتكز على مساندة الحق العربي وإعطائه الأولوية على السلام الصوري مع إسرائيل وأن نحاول معرفة الثمن السياسي والاقتصادي الذي يمكن أن يدفعه الأردن في حال قام بتجميد المعاهدة واستدعاء السفير فنحن نعرف إننا نتعامل مع مجانين قوة في تل أبيب وواشنطن وهم لن يسكتوا على أية خطوة سياسية كهذه وعلينا أن نكون جاهزين بالمقابل. أن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية يجب أن تتحول من عبء وطني وقومي على الأردن إلى وسيلة ضغط على إسرائيل وأن يكون المجتمع الأردني مهيئا لتداعيات هذا الضغط الذي يأتي عادة بحزمة واحدة من حماية الكرامة.
الشتائم واللعنات لا تنفع بل الممارسات التي تثبت كرامة الناس في هذا العالم العربي. إذا أردنا أن نواجه إسرائيل والولايات المتحدة فهذا يتطلب التضحية ويتطلب خطة وطنية لمقاومة سياسية وشعبية واقتصادية وأكاديمية ومدنية وفي كل المجالات لا تستهدف إسرائيل فقد بل تمتد إلى مصدر الشر الأساسي وهو الإدارة الأميركية. إنها خطة مقاومة يجب أن تتم بالتعاون مع كل دول العالم والمؤسسات المحبة للسلام وتساهم في عزل إسرائيل والولايات المتحدة واستثمار لحظة الضعف والوهن السياسي الإسرائيلي-الأميركي التي لا يمكن أن تغطيها غطرسة القوة، ولكن من الواضح أننا بحاجة إلى أفكار ويجب أن نتحدث عنها بالتفصيل في مقالات لاحقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تشاد: انتخابات رئاسية في البلاد بعد ثلاث سنوات من استيلاء ال


.. تسجيل صوتي مسرّب قد يورط ترامب في قضية -شراء الصمت- | #سوشال




.. غارة إسرائيلية على رفح جنوبي غزة


.. 4 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي لمنز عائلة أبو لبدة في ح




.. عاجل| الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى الإخلاء الفوري إلى