الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سؤال الأزمة الاجتماعية والسياسية وأفق النضال الديمقراطي

محمد نجيب زغلول

2021 / 5 / 2
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية


أن الازمة السياسية مسؤولة عن الازمة الاجتماعية ام أن الازمة الاجتماعية هي المسؤولة عن الازمة السياسية؟ سؤال مطروح ببعديه السياسي والاجتماعي يجعلنا امام السؤال الكلاسيكي حول من الأصل البيضة أم الدجاجة؟
طبعا لا نحتاج إلى برهنة لندرك أن التاريخ سجل أن الازمات الاجتماعية والثورات الاجتماعية غالبا ما خلقت نقلة نوعية في حقل السياسة وعملت أحيانا على تغييرها تغييرا جذريا، في عدة محطات تاريخية. و تاريخ صراع الحركة الوطنية مع القصر تاريخ أفضى إلى انهزامها وإغلاق الحقل السياسي بعد فشل النخبة السياسية في الأخذ بزمام الأمور وتدبير الشأن العام ، و تزامن ذلك مع انتفاضات شعبية متكررة وأزمات اجتماعية منذ 65 وبلغت مداها مع انقلابي العسكريين سنتي 71 و72.
وعموما فالسياسة تؤثر في المجتمع وتتأثر به كما يتأثر المجتمع بالسياسة ويتأثر بها بحكم علاقتهما الجدلية. وبغض النظر عن هذا النقاش الفلسفي، فما نحن بصدده لا يتغييى تفسير التحولات السياسية وما صاحبها من تحولات مجتمعية كمتلازمتين تاريخيتين لان ذلك من شأن ذوي الاختصاص. ما يهمنا أساسا كفاعلين سياسيين: هو تحقيق تغيير مجتمعي في الزمن القصير والمتوسط يحقق الكرامة و العدالة المجالية والترابية ويضمن الحقوق الأساسية للمواطنات والمواطنين.
لا احد يختلف كوننا كيسار ملزومين بتطوير الفكر اليساري و إنزاله إلى حقل الفعل والممارسة الميدانية، ونعي جيدا أن الإنزال المتريث للفكر السياسي اليساري وتحويله الى فعل ميداني يتطلب تصريفا عقلانيا يزاوج مابين التكتيك والاستراتيجية ويضبط عقارب التوقيت السياسي على بوصلة النضال الجماهيري ونبض الشارع الحي الذي يعطي للسياسة معنى "للطلب السياسي" من طرف الشعب، كحاجيات ومطالب قابلة للترافع سياسيا ونقابيا وهذا يجعلنا في اشتباك ثقافي-إيديولوجي وسياسي-تنظيمي مع من هم على الطرف النقيض للمشروع المجتمعي الديمقراطي كمشروع للتغيير الديمقراطي التواق إلى التحرر والمواطنة الحقة، والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية.
إن حالة الاشتباك تلك في مواجهة مناهضي المشروع المجتمعي الديمقراطي، هو اشتباك مزدوج ضد الدولة العميقة التي ترفض رفضا باتا نزع جلباب المخزن التقليدي لتلبسه لبوسا ديمقراطيا، وضد النخبة السياسية الفاسدة واللاهثة وراء الريع السياسي والنقابي. ومادامت الديمقراطية تقتضي ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهنا مربط الفرس، فأخطبوط المخزن الاقتصادي لن يستسلم بسهولة و مواقع شتى يمارس ضغطا رهيبا على المخزن السياسي والدولة المتحالف معها والتي تتفادى هي الأخرى "مطاردة الساحرات" احيانا في المربع الضيق للمخزن حتى لا يشب الحريق في جلبابه. إن هذا انحراف الدولة في الاتجاه الخطأ نحو ما يسمى بالدولة البوليسية وخنق الحريات الفردية وعودة الاعتقال السياسي و نسف كل المجهودات التي بذلتها هيأة الانصاف والمصالحة والتي تم تجميد توصياتها وتم اغلاق قوس 20 فبراير لاحقا في وضع سياسي يتسم بالنكوص لجرنا قسرا الى "بنعلة" الحقل السياسي ضدا على ارادة الشعب وحفاظا على مصالح المخزن الاقتصادي واللوبي النيوليبرالي المتوحش الذي يهيمن إن اقتضى الحال على الدولة التي تحضنه وتحميه دفاعا عن مصالحه المادية. ونحن نتذكر طبعا مآل نموذج بنعلي الاقتصادي/السياسي في تونس ومآل الطبقة الحاكمة التي تبنته. ولتفادي انفجار الأوضاع الاجتماعية سنستمر وبكل إصرار في الاشتباك السياسي مع معارضة ويمين جلالة الملك كأحزاب خرجت من صلب الهامش الديموقراطي الضيق أصلا لتعرقل ما تبقى من لعبة ديمقراطية ولدت هشة وازدادت هشاشة، نظرا للدور السلبي الذي لعبته هذه النخبة السياسية الموالية كثقل مضاد لمعارضة شعبية اصلا لا يسمح لها بالولوج الى المؤسسات وان تم ذلك فبتمثيلية لا معنى سياسي لها. وعموما فالنخبة السياسية برمتها متورطة في التكالب على على الديمقراطية لتصرف سياسة الدولة من داخل المؤسسات وأيضا لضمان استمرارية دمقراطية الواجهة الحاضنة للريع السياسي والتي تتسم بمؤسسات تشريعية لا تشرع ، ومؤسسات تنفيذية لاهامش لها لتنفذ، مؤسسات "ديمقراطية" بدون دمقراطية اصلا أو بالاحرى هامش دمقراطي يعطي معنى للعمل السياسي النبيل.
إن هذا الاشتباك المستمر الذي نخوضه من داخل حزب الاشتراكي الموحد ومن خارجه عبر جمعيات المجتمع المدني التي تشاركنا ونتقاسم واياها حلم تحقيق المواطنة الكاملة، هو خيار استراتيجي ينم عن وعينا بالأهمية القصوى للتغير الديمقراطي في اتجاه ديمقراطية حقيقية تفرز مؤسسات حقيقية وتحرر المجتمع من زيف المؤسسات وأيضا من المؤسسات الزائفة، و تعمل على دمقرطة المجتمع ودمقرطة الدولة لتحررها من جلبابها العتيق والضيق لتصبح ملكية نحتكم اليها كلما اقتضت الضرورة إلى ذلك، ملكية تسود باحترام متبادل و حكومة تحكم وتساءل من طرف الناخبين وبرلمان يشرع، وأمن يحمي العباد والبلاد عوض كسر عظامه و وجماجمهم، وقضاء مستقل ينضبط إلى القانون ولاشيء غير القانون ، قضاء يضرب بيد من حديد كلما تعلق الأمر بالفساد والإفساد.
أن معركة النضال الديمقراطي معركة شعب بكامل فئاته، والنضال من اجلها ليس نضال منافع أو مواقع، أو مطامع بل نضال من اجل وطن ديمقراطي يسع الجميع بهدف مشترك من اجل التقدم معا نحو مغرب الغد مغرب اخر/ مغرب افضل ، مغرب ممكن .
الازمة الاجتماعية والاستياء الشعبي التاريخي
ان الوضع العام للوطن كان ولا يزال يتخبط في هشاشة اجتماعية واقتصادية، سواء قبل أو بعد الجائحة، عنوانها ترهل مزمن لنخبة سياسية خنوعة ومنبطحة نخرها الريع واستسلمت صاغرة لأخطبوط المخزن لتغمض العين على تفشي الفساد البنيوي وتفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية الحادة على الصعيد الحضري والقروي، نخبة ابتلعت لسانها بعدما استطابت الريع السياسي فتخلت عن شعار حملتها وبرنامجها الحربائي لما سمي انذاك بمحاربة الفساد وعوضته " بعفى الله عما سلف" او العزوف عن "مطاردة الساحرات" وكم حاجة قضوها بتركها .والنتيجة عموما أن لاشيئ تغير إذن فيما تنامت الثروة المتمركزة في يد عائلات بنجلون، الشعبي، اخنوش، العمراني، زنيبر، الكتاني، بن صالح، العلمي، امهال و السقاط. وعلى رأس هذه العائلات نجد عزيز أخنوش، وزير الزراعة والثروة السمكية المغربي بثروة تقدر ب 1.7 مليار دولار.
وحسب تقرير 2020 لمؤسسة اوكسفام الدولية، فإن المملكة المغربية تعتبر أكثر الدول غير المتكافئة في شمال إفريقيا. لقد اتسعت الفجوة بين أغنى وأفقر مواطن بالمغرب، إذ قدرت ثروة ثلاثة أغنى أشخاص في المغرب مجتمعة في 2018 ب 4.5 مليار دولار بينما يعيش 1.6 مليون مغربي في الفقر، ويعتبر واحد من بين كل ثمانية مغاربة هشا اقتصادياً وعلى شفى الوقوع في براثن الفقر. ولتقريب صورة الهشاشة الاجتماعية بأجمل بلد في العالم فإن و الأمر يتطلب 154 سنة للموظف المغربي الذي يتقاضى راتبًا شهريًا بحد أدنى لكسب ما يجنيه الملياردير في سنة واحدة حسب مؤسسة اوكسفام الدولية. إن الهوة الاجتماعية المتزايدة بين الأغنياء والفقراء أصبحت مهددة للسلم الاجتماعي بالمغرب، خصوصا ولقد عرف المغرب ركودا مهولا للاقتصاد حيث أفاد البنك الدولي ، أن المغرب بالفعل قد فقد أكثر من 10 نقاط نمو في عام 2020 ، أي أن اقتصادنا لم يتجاوز معدل نموه - 7 ٪. كأعلى معدل ركود اقتصادي سجل في تاريخ المغرب.
إن ما آل إليه الوضع الاجتماعي من هشاشة اقتصادية وعدم التكافؤ هو تراكم لفشل سياسات عمومية غير ملائمة أملتها مؤسسات أجنبية منذ فجر الاستقلال، حيث اعتمد المغرب نماذج تنموية ومخططات ثلاثية (1965- 1968 و 1978-1980 ) وخماسية (1968-1972 و1972-1977 و 1983-1987) مرورا الى برامج الاولويات في 1993 والتي اثرت فيها بنية الفساد والارتشاء ولا زلنا نذكر ان تلك الخيارات الفاشلة تمخض عنها استياء شعبي وحراكات و انتفاضات شعبية او ثورات مسلحة عسكرية بدءا بانتفاضة 23 مارس 1965 ، انقلابي الصخيرات والقنيطرة سنتي 1971 و 1972على التوالي و الانتفاضة المسلحة او ماسمي باحداث مولاي بوعزة في 1973، وانتفاضة سنة 1981 أو ما سماه وزير الداخلية الراحل ادريس البصري بثورة "الكوميرة" التي أودت بحياة المئات من المواطنين لما اندلع الحراك الشعبي في الدار البيضاء بسبب ارتفاع أسعار الخبز و انتفاضة 1984 والتي تدخل الجيش ليوقف مدها الشعبي في العديد والتي ازهقت فيها العديد من الارواح في المدن وتوجت باعتقالات عارمة استهدفت مئات المناضلين من اليسار السبعيني والثمانيني وسقوط شهداء اثر الاضرابات المتتالية عن الطعام في السجون...كما ابتليت البلاد بالعديد من الإضرابات التي شنتها النقابات العمالية في مختلف قطاعات الاقتصاد وخصوصا في بداية التسعينيات مما دفع الدولة لتصحيح المسار عبر طرح مشروع مخطط التنمية المستدامة 2000-2004 وبعده انطلاقا من 2005 المبادرة الوطنية للتنمية المستدامة وصولا إلى البرنامج التنموي الأخير بكاستينغ يعيد اختيار نفس الممثلين فيا ترى ما هي الاستنتاجات والخلاصات التي ستقدمها هذه اللجنة للملك؟. هل سيتحلّى هؤلاء الأعضاء بالشجاعة لتقديم مقترحات قوية وذات صلة بربط الانفراج الاقتصادي والسياسي بالافراج عن معتقلي الراي ومعتقلي الحراكات الشعبية وعلى رأسهم حراك الريف ؟ هل ستطالب بتقديم كل الملفات الثقيلة والتي يعج بها المجلس الاعلى للحسابات الى القضاء؟ هل ستطلب بتطبيق القانون والزام كل الاحزاب والنقابات الاكثر تمثيلة خصوصا بتقديم الحسابات المالية لدى المجلس الاعلى؟ هل ستطالب بادخال كل المؤسسات المالية والشركات الكبرى الشبه عمومية الى البورصة للتداول الشفاف؟ اسئلة كثيرة يجب ان نناضل من اجلها جميعا لتجفيف منابع الريع السياسي والنقابي والمقاولاتي وبعد هذا وذاك الى متى سيستمر اغلاق الحقل السياسي؟
إن كل هذه المخططات والبرامج التنموية السابقة والصادرة من الأعلى لم تحقق المطلوب اقتصاديا لغياب إرادة سياسية حقيقية لما يزيد عن نصف قرن لارساء ديمقراطية حقيقية وإقلاع اقتصادي ينبني على السيادة الشعبية و التوزيع العادل للثروة والعدالة المجالية وتعزيز قيم المواطنة والحريات العامة ودعم البحث العلمي وتوفير الخدمات الأساسية للموطنات والمواطنين مما جعل ما يفوق 20 مليون مغربي في حالة فقر وهشاشة اجتماعية خطيرة كما كشفت عن ذلك أزمة وباء كورونا المستجد. ولربما سيتطلب الأمر مستقبلا أزيد من ربع قرن لتدارك التفاوتات المجالية حسبما أشارت إلى ذلك بيانات من مكتب المفوضية السامية للتخطيط.
لقد عرفت الطبقات الفقيرة و أيضا الطبقة الشغيلة والمتوسطة تدهورا خطيرا لمعدل الأجور وتجمدا للحد الأدنى للأجور وتنامي للقطاع الغير المهيكل الذي يغتال الشغيلة ماديا ومعنويا بتواطء مكشوف من خدام اعتاب المخزن الاقتصادي في حكومة لا تحكم. إن الخلل البنيوي الذي اخل بتوازنات سلم الاجور والأسعار أدى الى ارتفاع كلفة الغذاء الذي أصبح يهدد استقرار الأمن الغذائي ومن خلاله السلم الاجتماعي لقد عرفت أسعار المواد الغذائية الأساسية (الخبز والطحين والحليب والبيض والزيت مثلا) ارتفاعا مقلقا وحادا منذ ازمة 2008، مما أثر بالخصوص على الطبقات الفقيرة و المتوسطة التي عرفت تدهورا مهولا لقدرتها الشرائية وعجزها على تدبير المعيش اليومي مما اضطر العديد من الأسر المغربية للجوء إلى القروض الاستهلاكية لتحقيق نوع من التوازن بين ضعف قدرتها الشرائية وغلاء المعيشة ، وذلك تعويضا عن نقص الأجور وارتفاع الأسعار، وصعوبة مواجهة مصاريف ضرورية على الخصوص في مجال التعليم والتطبيب ومتطلبات المواسم الدينية.
ان ركود الوضع الاقتصادي وسحق القدرة الشرائية ساهم في ارتفاع منسوب القروض من طرف الأبناك التجارية للمواطنين والذي وصل إلى 88 % من الناتج الداخلي الخام أي ما يعادل 968 مليار درهم، بما يجعل المغربي أول مقترض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولقد لوحظ ارتفاع منسوب قروض الاستهلاك لدى الطبقة المتوسطة وأساسا لدى الموظفين والمستخدمين بنسبة 90% ، حيث بلغت 41،8 مليار درهم في النصف الأول من 2017 ب ملفات تفوق مليوني و431 ألف ملف لدى مختلف البنوك. وتقدر نسبة المتضررين من القروض، حسب بنك المغرب، بحوالي 93 % من الموظفين والمستخدمين والأجراء من معظم الأسر المغربية اذ بلغ إجمالي القروض التي استفادت منها الأسر ما يقارب 342 مليار درهم إلى حدود نهاية شهر دجنبر2018.. اذ يتبقى أقل من 2000 درهم من الأجر لنصف الموظفين والأجراء. كما أن أزيد من 80 ألف موظف يعيشون بأجرة أقل من 500 درهم بسب تراكم الديون. وذلك مرده التوجه النيولبرالي المتوحش للأبناك و للتحايل على سقف الاستدانة المعمول به والذي لا يجب أن يتجاوز 45% ولذا انشأت الابناك مقاولات القرض تابعة لها أو مستقلة عنها لاستنزاف القدرة الشرائية للمواطنين ضدا على القانون بحيث يتم تجاوز سقف الاستدانة ليتجاوز 80% من دخل الأجير أو الموظف عند اللجوؤء الى تلك المقاولات القرضية التابعة لها.
ان هذا التجاوز اللاقانوني يمارس علنا، ناهيك عن الزيادة المضطردة في أسعار الفائدة المطبقة على قروض الاستهلاك بتواطؤ مكشوف باطلاع الحكومة والدولة عليه والذي يبدو جليا رقم معاملات هذه المؤسسات القرضية المافيوزية التي تتحدى القانون والمؤسسات كونها تجد من يحميها في الدائرة الضيقة للمخزن الاقتصادي الذي يتحكم بشكل مطلق في النخبة السياسية والمؤسسات ولذلك لم يتجرأ قط حزبا ما يمينيا، اصوليا أو يساريا أن يترافع ويفضح تحت قبة البرلمان تواطؤا مشينا كهذا.
لقد أدت هذه الوضعية إلى انهيار القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة مع صمت مطبق للنقابات والمشرع و الحكومة والدولة مما أدى إلى الارتفاع المهول لعدد المغاربة المتأخرين والعاجزين عن سداد القروض البنكية، إذ بلغ إجمالي العسر في الأداء 6196 مليار سنتيم، إلى غاية متم شهر مارس 2017 حسب تقرير لبنك المغرب ( ولتقريب الصورة فأداء تلك الديون يجب على كل سكان المغرب البالغين 36 مليون و 910000 ان يساهمو ب 1680 دهم بما فيهم المستدينون لأداء الدين الناجمة عن القروض) . وعلى المستوى الاجتماعي فان هذه الظاهرة السلبية، في غياب حماية المواطن المستهلك، للأسف أدخلتح) الكثير من الأسر في منعرجات خطيرة من العنف وماسي الانتحار وتشريد الأطفال، و تعج محاكم الاسرة بآلاف قضايا الطلاق بسب الاستدانة المفرطة والعجز عن التسديد.
ويضاف الى هذا الوضع المتردي إثقال كاهل الطبقة المتوسطة واستنزافها من طرف شركات التدبير المفوض للماء والكهرباء بالرفع المتواتر وغير المنطقي لأسعار الكهرباء والماء مما دفع بالمواطنين إلى خوض العديد من الاحتجاجات في العديد من المدن تنديدا بارتفاع اسعار الفاتورات نظرا لتغول شركات الماء والكهرباء"، التي يدير أغلبها أجانب (امانديس، ريضال..الخ ).والذي أدى أيضا إلى زيادات صاروخية بلغت حوالي 100% و150% بالمائة بالمقارنة مع معدل الاستهلاك العادي. واحيانا تصل كلفة فاتورة الماء والكهرباء ما بين و1000 و1500 درهم أي عشر ذوي دخل يناهز 12500درهم وهو ما يعادل ثلث اجر ذوي الدخل المحدود الذي استنزفته قروض الاستهلاك أصلا. وهكذا تتحول فواتير الكهرباء والماء إلى شبح اضافي يقض مضجع الطبقات الفقيرة و ذوي الدخل المحدود، بسبب الزيادة الكبيرة خلال فترة الحجر، وما بعد الحجر والتي جاءت نتيجة عدم قراءة عدادات الاستهلاك من قبل موظفي تلك الشركات، و اعتمدت في تقييمها لحجم الاستهلاك على تقديرات غير واقعية وبعيدة كل البعد عما سجلته عدادات منازل المتضررين خلال الفترات السابقة. مما ساهم في اندلاع موجة من الحراكات الشعبية ساهمت فيها منصات التواصل الاجتماعي كمنصات رقمية للتعبئة .
الثورة الرقمية ، الجيل الجديد من الحراكات الاجتماعية وصناعة الراي العام
في السنوات الأخيرة لوحظ استعداد قبلي لدى فئات عريضة من المواطنين للاحتجاج، في سياق يتسم بالاستياء الشعبي العام. ولقد سبق وحذر تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سنة 2018 من تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيرها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في المغرب، والتي تستقطب تعبيرات شبابية تتماشى وزمن الرقمنة وتبدع حراكات ميدانية وايضا على قنوات التواصل الاجتماعي الرقمي كحركات احتجاج مجتمعي حول قضايا اجتماعية واقتصادية وسياسية وحقوقية ساهمت في بروز هذه التكتلات التي تطورت بفضل تطور تكنولوجيات الإعلام والتواصل الرقمي وانتشار استعمالها على نطاق واسع مما أحدث تغييرات عميقة في حياة الأفراد والمجتمعات و ظهور الحركات الاحتجاجية الرقمية كجيل جديد من الاحتجاجات الاجتماعية تعبيرا عن سخط شعبي عارم ضد السياسات العمومية الفاشلة وتدني الخدمات الاجتماعية وتنامي البطالة وانعدام المؤسسات التعليمية والمرافق الطبية وتدهور الخدمات الصحية مما خلق لوبيا افتراضيا قادرا على الضغط والتاثير على السياسات العمومية وتكوين رأي عام ملتف حول قضايا معينة خارج الأحزاب وتنظيماتها التي لم يعد لها الدور التعبوي الذي تميزت به خلال سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي، مما يستدعي الأحزاب أن تغير عقليتها وبنيتها على مستوى الخطاب و التنظيم و الهيكلة و بنية الأعضاء، تماشيا مع جيل الثورة الرقمية بما أن العالم الافتراضي أصبح جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين.
ولقد ساهمت التكنلوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في ظهور حراكات شعبية اندلعت وطنيا في عدة مواقع كالحسيمة واوطاط الحاج وزاكورة وجرادة و طنجة ضد تغول شركات التدبير المفوض الأجنبية وغلاء أسعار فواتير الماء والكهرباء سنة 2015، أو مسيرات كليات الطب سنة 2016، اضافة الى احتجاج تنسيقيات الاساتذة الذين فرض عليهم التعاقد 2020-2019.
كما عبر المغاربة ايضا عن استيائهم وغضبهم عبر استعمال لأول مرة منصات التواصل الاجتماعي الرقمي للانخراط في حركة المقاطعة الجماهيرية لمنتوجات استهلاكية لمقاولات إفريقيا غاز، سنترال للحليب، والماء المعدني سيدي علي التي انطلقت في 20 أبريل 2018، وتميزت بانتشارها السريع والانخراط الشعبي المكثف فيها كشكل من أشكال الاحتجاجات الناجحة والمتميزة على منصات التواصل الاجتماعي الرقمي ولقد أثرت المقاطعة أيضا على رقم معاملات مقاولتين اثنتين على الأقل، إذ تكبدت خسائر على مستوى رقم معاملاتها بحوالي 20-% و 27 -% مقارنة برقم معاملات المقاولتين لسنة 2017.
وتتزامن الاحتجاجات الرقمية مع ارتفاع خدمات الأنترنيت اذ ارتفع معدل ولوج الأسر إلى الأنترنيت بنسبة 181% بين سنتي 2010 و2017، ما يدل على ولوج المغرب تدريجيا إلى الرقمنة والذي سياسهم بشكل ملحوظ إلى نزوح المجتمع المغربي نحو خدمات الصبيب العالي وولوجها التدريجي سنة 2020. كما لوحظ انتشار مهول للهواتف النقالة بين كل المغاربة تقريبا، بنسبة تفوق 99 %، في الوسط الحضري كما في القروي، ويستعمل 86% من المغاربة هواتفهم الذكية للولوج إلى الأنترنيت، أي ما يعادل 19,6 مليون مغربي. ويعتبر الشباب ما بين 15 و39 سنة أكثر الفئات توفرا على الهواتف الذكية بنسبة تتراوح ما بين 82% و88%، وبخصوص شبكات التواصل الاجتماعي، فمرتادي التواصل الاجتماعي تفوق 19 مليون شخص، كما أن 98,4% من مرتادي الأنترنيت الشباب يلجون إلى الأنترنيت لمتابعة الأخبار بنسبة 80,9% كما أن انتشار الأنترنيت انطلاقا من سنة 2010 سهل انتقال المدونات إلى شبكات التواصل الاجتماعي (فايسبوك، تويتر، يوتوب…) لذا وجب الاهتمام جيدا بهذه التحولات في ميولات الشباب حول ما يتعلق بالسياسة والشأن العام عموما لفهم مفارقة الاهتمام والعزوف عن الشأن السياسي في آن.
و يقدر عدد المشتركين بالهواتف النقالة بالمغرب ب 46.67 مليوناً نهاية 2019 أي أكثر من سكان المغرب الذين يقدرون ب36,91 مليون نسمة، أي بفارق 9.76 مليون مشترك وهذا الفارق رقم يمكن إعطاءه دلالة سياسية إذ يفوق عدد الأصوات المشاركة في انتخابات 2016 والتي تقدر ب 6.75 مليون مشارك أي بفارق حوالي 3 مليون مشترك، فارق يعادل سياسيا 37 مقعدا برلمانيا بحصيلة 80.000 صوت للمقعد الواحد!!!...
إن تردد الحركة الوطنية تاريخيا و تراجع نخبها السياسية وانكفاءها وقبولها باللعبة السياسية التي يدير خيوطها القصر ومحيطه أو على أقصى تقدير لعب دور "معارضة جلالة الملك" وفك ارتباطها بالمجتمع ساهم في انكفاء المغرب اقتصاديا و أفشل كل سياساته العمومية على مدى ما يزيد عن 50 سنة، مما رفع الفجوة الاقتصادية الحالية بين المغرب وأوروبا إلى حوالي نصف قرن على المستوى التاريخي، بحيث يعادل مستوى المعيشة الحالي للمغاربة نظيره لدى الفرنسيين في عام 1950، ولدى الايطاليين في عام 1955، والإسبان في عام 1960،والبرتغاليين في عام 1965، وتنعكس هذه الفجوة في الظروف المعيشية النسبية للمغاربة والأوروبيين، فعلى سبيل المثال، تقترب البنية الحالية للنفقات المعيشية الاستهلاكية للأسر المغربية من بنية البلدان الأوروبية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. فحصة الإنفاق على الغذاء في الميزانية، على وجه الخصوص، لا تزال مرتفعة وتعادل حوالي 40%، مما يعكس ضعف القدرة الشرائية للأسر وهيمنة النفقات الأساسية، وفي مجال الصحة فان معدل وفيات الرضع في المغرب سنة 2015 يوازي العدد المسجل في الدول الأوروبية سنة 1960. كما لا يزال المغرب متأخرا من حيث النقل، فمعدل استخدام السيارات من قبل المغاربة أقل من النسبة المسجلة قبل نصف قرن في بعض بلدان جنوب أوروبا، خاصة وأن 18% فقط من الأسر المغربية اليوم تملك سيارة، مقابل 30% من الأسر الفرنسية سنة 1960.
الأزمة السياسية جذور العطب القديم للازمة
منذ الاستقلال، عرفت علاقة اليسار والحركة الوطنية بالملكية تقاطبات سياسية حادة حول ممارسة السلطة وطريقة الوصول اليها والتي يمكن تركيزها في ثلاث توجهات سياسية اساسية:
• الاول بني على منطق التناقض الرئيسي تعارض موضوعي بين اليسار وبين المؤسسة الملكية كقناعات متداولة على نطاق واسع انذاك في صفوف اليسار ، وأن فرص اليسار في الحكم لن تتحقق إلا عبر إضعاف المؤسسة الملكية، بل وحتى الإطاحة بها بكل الطرق المتاحة بما فيها الخيار المسلح.
• الثاني يتبنى نقل مركز السلطة إلى مؤسسة تشريعية منتخبة وتقليص سلطات الملك عن طريق صياغة دستور جديد كشروط قبلية لمشاركة اليسار في الحكم،
• والثالث تصور إمكانية الوصول إلى السلطة دون شروط إحداث تغييرات مؤسساتية، أو اللجوء الى الدستور لتقليص من سلطات الملك بل عن طريق التوافق مع المؤسسة الملكية وتوفر منسوب كاف من الثقة المتبادلة بين القصر يمكنها أن تتحقق عن طريق تبلور قناعات ذاتية لدى الطرفين.
هذه الاختيارات الثلاثة الثورية ، الدستورية، والتوافقية، ظهر في صفوف اليسار والحركة الوطنية منذ الاستقلال تباينا في الطروحات الايديلوجية، ولقد ادت اختلافات وجهات النظر إلى صراعات سياسية وانشقاقات متتالية . وتاريخيا، منذ الاستقلال إلى منتصف السبعينات هيمن مد الخيارات والايديولوجيات الثورية في صفوف اليسار والحركة الوطنية عموما، وتدريجيا بعدما تحكمت المؤسسة الملكية في دواليب الحكم برز النقاش الدستوري كمرتكز للصراع السياسي وتدبيره مابين المؤسسة الملكية والحركة الوطنية مابين منتصف السبعينيات الى حدود منتصف التسعينيات، ثم ومنذ دستور 96 إلى حدود انتخابات 2007 تصدر المشهد السياسي هيمنة التوجه التوافقي.
بعد السبعينيات لم يعد الاختيار الثوري طرحا ملائما لاشتراكية تنبذ العنف الدموي وتؤمن بالقيم الإنسانية التي أولجتنا القرن الواحد والعشرون ليبقى الخيار الدستوري مطروحا على طاولة النقاش السياسي كآلية للتغير والإصلاح ضمن آليات أخرى مكملة إلا أن هذا النقاش الدستوري يفتقد إلى هيئة تنفيذية تمارس الحق الدستوري في تفعيله خارج كل سياقات الضغط السياسي أو منطق التوافقات إلا أن هذا الخيار تتجلى محدوديته في كونه مؤقت يهيئ الانتقال إلى مرحلة تأسيس فصل السلط ودولة المؤسسات من الناحية النظرية إلا انه عمليا يتم العمل على تمديد وتمطيط العمل به ليكون غالبا السبب الرئيسي في تعطيل تنزيل الدستور وتفعيل بنوده بل غالبا ما يكون معرقلا ويكرس ترسيخ الصيغة الدستورية الحالية.
ولقد شكل الاختيار التوافقي قناعة لدى وسط اليسار منذ المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي على أساس أن هناك قناعة لدى المؤسسة الملكية في السير التدريجي نحو الدمقرطة. إلا أن هذا الرهان التوافقي والذي أدى إلى مشاركة وسط اليسار في صنع القرار عبر التناوب التوافقي لم يؤد الى الهدف المنشود سياسيا كمحطة انتقال سياسي إذ لم تحظ الاحزاب السياسية إلا بهامش صغير جدا من الاستقلالية في صنع القرار السياسي عبر وزرائها المنخرطين في حكومة مشروع التناوب الديمقراطي خلال العقد الماضي هامشا لم يتعد 10% . ولعبت المؤسسة الملكية دورا مركزيا في عرقلة الانتقال الديمقراطي بتمديد هذه المرحلة الانتقالية تدريجيا لتتحكم في خيوط اللعبة السياسية وتهيئة خياراتها السياسية بدءا بإعفاء عبد الرحمان اليوسفي إلى تجاوز "زوابع" الربيع العربي وانتهاء بغلق قوس الربيع العربي والرجوع إلى التحكم الإداري والسياسي و "بنعلة" الحقل السياسي تدريجيا وتدجين الحزب الإسلامي الحاكم واستهلاك رصيده الشعبي والمرجعي بوضع "بيض الافاعي" في بيته الداخلي عبر توريطه في التوقيع على برتكول التطبيع مع الكيان الصهيوني باسم أمينه العام من موقعه كرئيس الحكومة في غياب رئيس حكومة الكيان الصهيوني على برتكول التطبيع. وكإشارة أولية لمدى النزيف السياسي للحزب الاسلامي الحاكم بعد التطبيع، سيفقد الحزب في اخر انتخابات جزئية 17000 صوتا في دائرة واحدة ومحاولته الطهور بمظهر الضحية بعد المطالبة بتظاهرة أمام البرلمان كمساندة للقضية الفلسطينية والتي تم منعها من طرف وزارة الداخلية رغم أنها وزارة تحت إمرة الوزير الأول كأمين عام لحزب العدالة والتنمية الذي منعت تظاهرته رغم انفه!.
لقد استطاعت المؤسسة الملكية ،خلال ما سمي بالعهد الجديد، أن تسحب البساط من تحت الاحزاب السياسية مع تهميشها على مستوى اتخاذ القرار السياسي لتنفرد بالصدارة كمؤسسة رائدة للإنجازات والإصلاحات في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ويمكن اعتبار ان هذا الخيار بالنسبة للدولة خيار استراتيجي يضع الاحزاب امام ثنائية تقابلية حقيقية للملكية التنفيذية في تقابل امام الملكية البرلمانية التي يترافع عليها اليسار من خلال تحالف فدرالية اليسار ، وذلك عبر مسلكية سياسية تتسم بتصدر الملك لكل الانشطة السياسية والبرامج الاستراتيجية والقرارات الحاسمة ، ولقد ساهمت هذه المسلكية في التقليص والحد من هامش اللعبة السياسية بشكل عام، اضافة الى الصدام الحاصل حول ما كان منتظرا من نتائج للعمل الحكومي لحكومة التناوب ، التي ورغم انها قامت بإصلاحات جوهرية وهيكلية الا ان نتائجها لم تبرز على مستوى الامد القصير كمجال للسياسة بامتياز وايضا لصناعة الرأي العام و التي لو استمرت على المديين المتوسط والطويل لكان من الامكان ان تعطي ثمارها.. إن توقف هذا المسلسل كان له اثار سلبية سواء على "وسط اليسار" الحكومي او اليسار "الجذري" وذلك بتقويض العمود الفقري السياسي الذي كان يمثله الاتحاد الاشتراكي قبل ولوجه تجربة التناوب التوافقي دون تعاقد مكتوب يحمي تاريخه النضالى العتيد ويؤسس لبداية انتقال ديمقراطي على أسس واضحة تلزم الدولة والأحزاب والمجتمع.
ولملأ الفراغ السياسي نظرا لانحسار اليسار ونكوص مصداقية العمل الحزبي، وتدني في المشاركة السياسية في الانتخابات التشريعية لاحقا في 2007، تم إغراء "رجال الأعمال" السياسيين المقربين من القصر بتقديم "عرض سياسي جديد" بعد النجاح الذي حصلت عليه قائمة بمرشحين "مستقلين" يدافعون عن رمز الجرار في دائرة بن كرير ومن جهة أخرى انتصبت حركة من اجل كل الديمقراطيين للوقوف كحصن ضد الحركية الإسلامية، ولا سيما حزب العدالة والتنمية.
ولقد تخللت عهد الحسن الثاني تجارب ، ولا سيما إنشاء التجمع الوطني للأحرار من قبل صهره أحمد عصمان أو الاتحاد الدستوري من قبل معطي بوعبيد. وقد دعمت وزارة الداخلية هذه الأحزاب من أجل الحصول على أغلبية برلمانية طيعة واستمرار إنهاك المعارضة اليسارية انذاك.
إلا أن هذا الطموح لتجديد العمل السياسي الذي أعلنته الحركة من اجل كل الديمقراطيين والتي خرج من رحمها حزب الأصالة والمعاصرة كحزب يتسم بعدم تماسك عقيدته السياسية و الإيديولوجية والذي ساهم في إرباك وغموض العرض السياسي بالنسبة للمواطنين المغاربة، وشبهته جزء من الصحافة بتجربة جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية في الستينيات. وكدليل على كون الحزب شبيها بالفديك ما حدث بالرحامنة في أقاصي المغرب العميق حيث صوتت 72% من الناخبين بنسبة أعلى بخمس مرات من المتوسط الوطني وطبعا فاز بها، في حملة نظيفة، المنتخب فؤاد عالي الهمة صديق الملك هو وحلفاؤه. ولإسعاد شعب الرحامنة حقق الهمة مطالب شعب الرحامنة وجلب بسرعة مشاريع بقيمة بالملايير إلى المنطقة، والاهم أنه أقنع الملك للقيام بزيارة لتدشين تلك المشاريع الضخمة ليحضر الملك محمد السادس في زيارة رسمية تاريخية إلى المنطقة حيث أَلزم فيها الملك حكومته باستثمار 7 مليارات درهم في مشاريع اجتماعية واقتصادية وحضرية خلال الفترة ما بين 2008 إلى 2012 ومن بين المشاريع التعليمية الهامة هي جامعة محمد السادس البوليتيكنيك ببن كرير. وطبعا سيستفيد عالي الهمة من خلال علاقته المتميزة برئيس الدولة ليصبح مستشارا ملكيا لاحقا ، كميزة نسبية لا تتمتع بها الأحزاب السياسية الأخرى ولا نخبها طبعا !
عموما لقد عبر المغاربة بوضوح عن امتعاضهم من النظام السياسي المغربي فيما تعلق بالانتخابات التشريعية لعام 2007، بحيث قاطع اثنان من كل ثلاثة مغاربة انتخابات 2007 وذلك رغم المناشدات المتكررة من طرف وسائل الاعلام ومن طرف الملك نفسه للناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم
19٪ من الناخبين تكبدوا عناء الذهاب إلى مراكز الاقتراع لوضع بطاقة اقتراع فارغة مما يعكس عدم القدرة على اتخاذ قرار في مواجهة عرض سياسي هزيل.
يرجع عدم الثقة في نزاهة الأحزاب السياسية وكفاءتها وفائدتها إلى عدد من العوامل، أحدها هو التعددية الصورية للأحزاب السياسية. وللمقارنة فقد عرفت الانتخابات التشريعية لسنة 2007 مشاركة ثلاثة وثلاثين حزباً سياسياً بينما شارك ستة وعشرين حزباً سنة 2002 ، وستة عشر حزباً سنة 1997 ، واثني عشر حزباً سنة 1984 ، وتسعة حزباً سنة 1977. ولا يمكن اعتبار ان هذه الاحزاب تدافع عن "قضية واحدة" أو كونها تشكيلات إقليمية ذات توجهات سياسية و خطوط الأيديولوجية مختلفة. وباستثناءات قليلة ، فان معظمهم التي إما نشأت عبر انشقاقات داخلية او موجهة من طرف السلطة (تسعة احزاب) او احزاب ادارية أنشات بإيعاز من السلطة أو عن طريق نخبة سياسية واقتصادية انتهازية
تحول البنية الحزبية وجوهر السياسية من الطلب الى العرض السياسي
يمكن النظر الى الأحزاب السياسية المغربية حاليا على أساس إما انها تنضوي تحت ما اصطلح عليه ب"معارضة جلالة الملك" او "يمين جلالة الملك" كيمين مصطنع يصرف سياساته انطلاقا من التعليمات الموجهة إليه و يبقى اليسار الحقيقي المعارض خارج المؤسسات يشتغل من اجل تحقيق دمقراطية حقيقية تحقق تغييرا مجتمعيا نحو مجتمع المواطنة وتكافؤ الفرص. إن احزاب "معارضة جلالة الملك" أو "يمين جلالة الملك" رغم تبايناتها الأيديولوجية بما في ذلك حزب الاستقلال ، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وحزب العدالة والتنمية ، والتقدم والاشتراكية فإنها تصرف بتوافق مع القصر إما سياسة ذات توابل "اشتراكية ديمقراطية" او " ديمقراطية اجتماعية " حسب القطاعات الوزارية.
ومعلوم ان الدولة والحكومات المتعاقبة نهجت اقتصادا ليبيراليا واحيانا نيوليبيراليا ذو طابع ماكنزوي تطبيقا للمؤسسات النقدية التي رهنت سيادة القرار السياسي والاقتصادي، وتوظف الدولة نخبة سياسية مطيعة لتصريف برنامج القصر وايضا تنفيذ الاملاءات الخارجية تحت غطاء ما يسمى بالسياسات العمومية. وعلى هذا المستوى فلا فرق بين الإسلاميين و غيرهم من احزاب وسط اليسار او اليمين في تصريف تلك السياسات العمومية من داخل المؤسسات في غياب دستور يعيد التوازنات إلى المؤسسات ويفصل السلط . اذ تريد الدولة القيام ببعض التغييرات الطفيفة التي لا تغير جوهر النظام السياسي الحالي كملكية تنفيذية تسود وتحكم، بينما يطالب حزب العدالة والتنمية بتغييرات صغيرة ذات مرجعية إسلامية لأغراض سياسية كتوظيف شعبوي للخطاب الديني في الحقل السياسي حفاظا على كتلته الناخبة التي تعرف تآكلا مستمرا بسب فشل الإسلاميين في تدبير الهامش السياسي المتاح لهم في حكومتي بنكيران والعثماني. أما ما يطفو إلى السطح من اختلافات ونزاعات سياسية بين الأحزاب المنخرطة في اللعبة السياسية غير ذي اهمية لا أن "معظم الخصامات التي تحدث بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العدالة والتنمية شبيهة بتلك التي تحدث بين زوجات سلطان في حريمه.
مع بداية التسعينيات ، ظهر ائتلاف ما سمي بالكتلة الديمقراطية. وفي 1993 ، أنشأت الأحزاب اليمينية (MP ، PND ، UC) بتشجيع من النظام الملكي تكتلا اخر ، أطلق عليه اسم الوفاق الوطني. ، وظل الحزب الوطني المغربي وحزب التجمع الوطني للاحرار خارج أي ائتلاف الوفاق الوطني وأنشأوا قطب الوسط. و كان الهدف الرئيسي لما يسمى بأحزاب الوسط هو تغليب ميزان القوى السياسي تجاه اليمين أواليسار حسب ما تقتضيه خطة النظام الملكي في توجيه اللعبة السياسية انذاك. هذا التقسيم للطيف السياسي إلى الكتلة الديمقراطية ، والوفاق الوطني ، والوسط سوف يفقد بعضاً من أهميته بعد احتواء أحزاب المعارضة التاريخية في عام 1998 وبداية شرعنة الإسلام السياسي.
وبالاستمرار التدريجي لإغلاق الحقل السياسي وقتل السياسة مقابل تغول للدولة العميقة وتسييد نظام الحكم كملكية تنفيذية يشعر أحزاب اليمين ببعض العزاء من كون أنهم ليسوا مستهدفين لوحدهم وان الكل عالق في فخ الاندحار السياسي لان تدهور السياسة قد شمل كل الاحزاب السياسية من يمين ومعارضة ووسط. كما ان استعداد احزاب الحركة الوطنية للتنازل عن الانتصارات للمؤسسة الملكية في القضايا التي يمكن أن يحققوا فيها نجاحا وانتصارات ، وعدم قدرتهم على تحدي منافسيهم أدى إلى عزل احزاب الحركة الوطنية عن أكثر المتعاطفين موثوقية وبالتأكيد لم يبق لديهم أي شيء لتوسيع قاعدة أنصارهم. وسيتفاقم هذا الفشل في تطوير رسالة سياسية مركزة وتحديد هوية محددة لهذه الاحزاب بسبب عدم قدرتهم على توفير الخدمات الاجتماعية والحوافز المالية التي يحتكرها كل من النظام الملكي والإسلاميين بشكل فعال
فشلت الأحزاب السياسية ، وخصوصا الاحزاب الوطنية من الاستفادة من الفرص المتاحة لها عبر ممارسة الحكم للضغط من أجل تحسين الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة. وعلى سبيل المثال فعندما كان كل من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال على رأس الحكومة فقد أظهرا كليهما تناقضًا مقلقًا تجاه مباشرة الإصلاح والتي عبر عنها اليوسفي بروكسيل "بجيوب المقاومة". وكان جليا وعلى الرغم من ادعائهم بأنهم يتمتعون بعقلية إصلاحية وديمقراطية ، فقد أصبحوا يدافعون عن ما عارضوه من أمس من ليبرالية وخوصصة وفساد وريع اداري وسياسي ، مبررين ذلك "بعدم مطاردة الساحرات" أو "تنفيذ برنامج جلالة الملك من طرف حكومة جلالة الملك بتواطئ مكشوف مع النظام الذي انتقدوه بشراسة ما مرة، خصوصا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قبل انخراطه دون تعاقد مع القصر. وبطبيعة الحال ، يلاحظ اليوم التقلص التدريجي لقواعد هذه الاحزاب التي فهمت أن احزابها قد انخرطت في ما يمكن تسميته "بالدعم التكتيكي للاستبداد المستنير".
ما يقلق اليوم احزاب اليسار هو عدم الفعالية المتواترة والعجز الآني عن المنافسة مع الاحزاب الاسلامية في الاستحقاقات الديمقراطية. هناك ،بالطبع ، أسباب وجيهة للاكتساح السابق للاحزاب الاسلامية ومرده الى تذبذب الاقتناع وعدم الالتزام بالانخراط العملي في تحقيق الاهداف المسطرة من طرف احزاب اليسار الغير حكومي اضافة الى الصراعات الداخلية و تنامي اللامبالاة وعدم الالتزام النضالي من طرف قواعد وقيادات احزاب اليسار، كما ان هناك تباينا في القدرة التنظيمية عند احزاب اليسار التي يطغى عليها الطابع المركزي كإرث تاريخي لاشتراكية القرن العشرين.
رغم ضيق هامش العمل السياسي واختلال توازن السلطة بين الملكية والأحزاب لا يمنع قوة سياسية لها رؤية خاصة أن تسجل مرورها إلى الحكومة بشرط توفير دستور دمقراطي يفصل بين السلط ويؤسس لملكية برلمانية تضع المغرب على سكة ديمقراطيات القرن الواحد والعشرين لتنفيذ وانزال سياسات عمومية حقيقية تربط المسؤولية بالمحاسبة في ظل قضاء مستقل ونزيه وتقطع بشكل نهائي مع فكرة العقل المزدوج لكتلة الحكم التي تم تزكيتها والعمل بها مع الحكومتين الأولى والثانية لعبد الرحمن اليوسفي والتي أثرت سلبا على التوجهات السياسية للبلاد.
أن تدحرج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من المركز الثاني إلى المركز الخامس انتخابيا بعدما بدد رأسماله البشري من خلال العديد من الانشقاقات منذ مؤتمره السادس وأكدها مؤتمره السابع والذي تمخض عنه حزب غلب الرهانات الشخصية على رهان الفكر، وهكذا انشق عنه ما لا يقل عن ثلاثة أحزاب (الحزب الاشتراكي والحزب العمالي وحزب المؤتمر الاتحادي) والتي بلغ عدد أعضائها 652.550 ألفا دون احتساب مجموعة الوفاء للديمقراطية والتي التحقت بالحزب الاشتراكي الموحد.
وبعد فشل التناوب التوافقي واعتزال الراحل عبد الرحمان اليوسفي السياسة وضع حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بين مطرقة الإذعان لإملاءات النظام الاستبدادي والخوف من الاندثار التدريجي من الحقل السياسي و البعد عن دوائر صناعة القرار السياسي وطبعا دون استحضار للعودة إلى المعارضة السياسية نظرا لهدر رصيد كبير من مصداقية الحزب بعدم تطابق توجهاته السياسية إبان المعارضة وممارسة نقيضها خلال ممارسة الحكم وربما يرى البعض وهم الأكثر قربا إلى القصر أن التحالف مع النظام دعما لسيادته سيقلص من إمكانية الاكتساح الاسلامي.
ولنا عبرة في احزاب وسط اليسار وخصوصا الاتحاد الاشتراكي والتي إلى حد الان لم تجد صيغة واضحة لتجاوز جمودها المؤسساتي والخروج من ركودها السياسي. بعد أن أهملت التأطير الشعبي والاشتغال على الدوائر الانتخابية لسنوات متمسكين بامتيازاتهم عبر التقرب من القصر بدل اعادة بناء هياكلهم الحزب داخليًا وممارسة سياسة القرب بتوسيع القاعدة الحزبية وزرع المزيد من الجمعيات والمنظمات الموازية في نسيج المجتمع المدني في افق قلب ميزان القوى لصالح الطبقات الشعبية المتضررة. بينما عمل الإسلاميون بشكل منهجي ومنظم على تطوير الهياكل الحزبية وشبكات منظمات المجتمع المدني الداعمة للحزب التي تجاوزت 3000 جمعية وطنيا.
ان التدهور السياسي وتردد الحركة الوطنية وليد التحولات المجتمعية في سياق تاريخي افرز ميزان قوى لصالح الحكم مما ساهم في تأثر الاحزاب و الحياة السياسة الحزبية لليسار الجذري في ظل حالة النكوص السياسي العام. و لفهم اسباب الفشل و عدم اقناع الجماهير بمشروع اليسار رغم طهرانيته وصدقيته وبياض ايدي مناضليه ومناضلاته يمكننا ربط ذلك بثلاثة مستويات:
• عملية التصحر الفكري التي لحقت الاحزاب اليسارية عقب هجرة جماعية للمفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة لان المشهد السياسي المغربي أصبح ضحلا من الناحية الايديولوجية والفكرية.واتسم باعوف المفكرين في العلوم الانسانية وخصوصا العلوم السياسية لتطوير بدائل سياسية نظرية تتماشى واشتراكيو ملائمة اللقرن الواحد والعشرين رغم غنى المكتبات الانكلوسكسونية بالتنظير الحديث في عدة قضايا سياسية حول المفهوم السياسي الحديث لليسار والشعبوية ومفهوم الجهوية، واشتراكية القرن الواحد والعشرين والاشتراكية البيئية ، والاقتصاد الديمقراطي ... ربما ان إغلاق الحقل السياسي خلق لدى المفكرين احساسا بالتذمر في وضع يفتقر إلى أدنى مقومات العمل السياسي من حقوق و حريات فردية واعلام حر وقضاء مستقل. وأيضا كنتاج للهجوم الممنهج لاقتلاع جذور العلوم الانسانية وتجفيف منابع الفكر من الجامعة المغربية في السبعينيات والثمانينيات اذ لم تعد الأحزاب السياسية تتوفر على خزان المثقفين الذين كانت تستمد منهم منظريها ومفكريها في الماضي.
إن مشروع التحرر السياسي الذي حشد الناس خلال السبعينيات والثمانينيات في إنكار للذات والذي كما عاينا تطوره من الطرح الثوري إلى الطرح التوافقي مرورا بالطرح الدستوري الذي أبان عن محدوديته قد خبت جذوته. واذا كنا نعتبر أن السياسة هي نافذة لتصريف مطالب الحراك الاجتماعي التصاعدي لمتطلبات الشعب في مرحلة معينة فذلك رهين ايضا بمدى قدرة الحزب على تحويلها الى برنامج سياسي قابل للتنفيذ، كون أن السياسة صلة وصل بين نبض الشارع ومطالبه والمؤسسات المنتخبة التي تعمل على تلبية حاجيات المواطنين، وهي أكثر بكثير من مجرد تصور أن الحزب السياسي مجرد وسيط "كحامل خبز إلى صاحب الفرن" وأن السياسة موجهة نحو غايات ضمان استمرار مؤسسات الدولة والتي يجب إعادة مأسستها على اسس القطيعة مع منطق الطاعة والولاء مادام المنتخبون مواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات وليسوا "موالين لدار المخزن" حسب تعبير المفكر عبد الله العروي.
• ان اختراق الفلسفة النيوليبرالية وتغلغلها داخل معظم الأحزاب السياسية خلق نظام استقطاب نخبوي يخدم "خوصصة" المشاركة السياسية. وهكذا يمكننا ملاحظة تحول البنيات الحزبية من فضاء حاضن وعام للمشاركة السياسية والتأطير الشعبي للمعارك الجماهيرية الحقيقية في الميدان إلى مؤسسات يتم الاستثمار فيها من طرف "نخبة" معينة بغية الترقي الاجتماعي وذلك بالاحتماء بلوبيات قيادية تضمن الترقي في سلم المواقع والمسؤوليات لتتحول وظيفة الحزب إلى أداة توظيف سياسي توفر امكانية الترقي الاجتماعي للولوج الى مواقع القرار السياسي كمواقع يستشري فيها الريع السياسي والنقابي ويتحول العمل الحزبي إلى استثمار لتحقيق تراكم للثروة المالية عبر الصفقات المشبوهة واستغلال المواقع السياسية للحصول على اتاوت ورشاوى إضافة إلى امتيازات النقل ومختلف التعويضات الرسمية.
لذا يجب ان نكون حريصين اشد الحرص على تحصين مؤسساتنا الحزبية من الاختراق النيولبيرالي حتى لا نسقط في فخ الاستقطاب النخبوي للأطر او تقديم اعيان لا علاقة لهم بمبادئ وقيم اليسار لتمثيلهم في مواقع القرار كفلسفة نيوليبرالية تهدف الى "تسليع السياسة" وهكذا يتخلى الحزب عن الالتزام بالمثل العليا كأداة للترافع والنضال من اجل تلبية حاجيات ومطالب المواطنين و المواطنات وكفاعل سياسي يحول اتون الغضب الشعبي في لحظاته الحرجة إلى قرار سياسي يحمي مصالح الشعب ويدافع عنها ويضمن التوازن بين الدولة والمجتمع عبر سيروة مستمرة لدمقرطتهما معا، ويدافع عن المجال المحفوظ للسياسة كشأن عام يتملكه الشعب وله كامل الحق في تقرير مصيره السياسي عبر صناديق الاقتراع، عوض تهريب السياسة من الفضاء العام إلى الخاص لتسليعه خدمة للنيولبراليين الجدد والذين يأتمرون بتعليمات المخزن الاقتصادي المتغلغل أيضا في الحقل السياسي والاعلامي حزبيا كان او مستقلا .
• ان انهاك الأحزاب السياسية لعقود مضت جعل اغلبها ينفصل تدريجيا عن مطالب الشعب كتحول كبير في جوهر العمل السياسي. اذ أصبح هذا الأخير ، كما قال روسو ، "ملكًا ليوم واحد لا يحتفى به إلا في وقت الانتخابات". وعوض ان تعي النخب السياسية أن لها تفويض للتعبير عن الإرادة الشعبية ، فإنها تتصرف كما لو كانت مالكة لتلك الإرادة ويحق لها أن تفعل ما يحلو لها متى شاءت وكيفما شائت.
ان تحول جوهر العمل السياسي من سياسة تتبناها المؤسسات الحزبية واذرعها النقابية الملتحمة بقضايا الطبقات الشعبية المتضررة عبر وتترافع عنها بخطاب سياسي قوي داخل وخارج المؤسسات، باعتبار ان الحراكات الاجتماعية والاضرابات النقابية والمظاهرات الشعبية هي مختبر القرار السياسي حيث كان الحزب يصنع من مطالب الجماهير الشعبية جوهر القرار السياسي. يمكننا تصنيف تلك السياسة ب"سياسية الطلب " التي بمقتضاها يحول الحزب داخل المؤسسات جوهر القرار السياسي النابع من مختبر القرار السياسي الى قوانين تشريعية وبرامج حكومية تلزم الحكومة بتنفيذها نزولا عند مطالب الشعب وضغطه.
الا اننا وفي ظل تراجع قوى اليسار عن الساحة السياسية وانحسار بناء الحزب اليساري الجماهيري، إضافة إلى عدم الثقة في سياسة الواجهة واستمتاع الاحزاب اليسارية بالحروب الصغيرة لقبائل تائهة في فناجين القهوة وراء دخان الشاشات الذكية لننتج وبغزارة كما هائلا من الغباء السياسي المنتج للتشرذم والكراهية والتنابز عوض التفكير الجماعي لبناء أداة حزبية يسارية جماهيرية والتغلغل عبر اذرع مدنية في كل شريين المجتمع وبناء اعلام رقمي حاضن للجميع يضم كل التعبيرات اليسارية في افق بناء آلة انتخابية مستدامة لتحقيق التغيير المنشود . ان هذ الجو الذي يتسم بالضبابية الفكرية والصراع التنظيمي العقيم في حالة عدم توازن ما بين الاطار الفكري النظري لما نطمح اليه ومابين ضعفنا او شبه غيابنا الميداني على مستوى مؤسسات المجتمع المدني كاذرع اساسية لغرس بذور المشروع المجتمعي اليساري في تربة المجتمع، مما يضع اليسار الجذري بكل مكوناته خارج حلبة التنافس المدني و السياسي والانتخابي ايضا . فالنضال الحقيقي يتم على الارض لا خلف شاشات الحواسيب والهواتف الذكية التي عوض ان نستغلها ايجابيا للم الشمل وتوحيد المعارك النضالية حولها اليسار الى الاسلحة الاكثر فتكا بجسمه الحزبي المتسم اصلا بالهشاشة التنظيمية وغياب الروح الرفاقية التضامنية والنفس الوحدوي الداخلي، اذ لا يعقل بناء صرح وحدة اوسع لاطارات ومكونات اليسار بإطارات معطوبة داخلية الساقط أرضا بها أكثر من الواقف على قدميه، من شدة حروب افتك من داحس والغبراء، إطارات هشة متنافرة يلزمها الكثير من الوقت لترميم أعطابها الداخلية و الرجوع أولا الى الشعب الحاضن لمشروع اليسار عوض الانكماش حول الذات المتناقضة حد الانفجار او الهروب الى اندماجات غير محسوبة دون مقومات فكرية وتنظيمية و دون ترتيب للبيت الداخلبي لكل مكون على حدة ، ربما لا يستقيم ان نفرع صراعاتنا واختلافنا في وحدة اندمادجية نحمل اليها من الاعطاب التنظيمية والاختلافات الفكرية ما لم نحتم فيه داخل كل اطار على حدة ولنتفق على أي بر سنرسوا فكريا وتنظيميا قبل الصعود الى أي سفينة محتملة وايضا علينا الانتباه جيدا ان غياب اليسار عن الشعب ميدانيا كان من نتائجة البديهية ان ان يعطيه هو الاخر ظهر المجن.و استرجاع الشعب كحاضن لمشروعنا اليساري المجتمعي يتطلب منا اولا النزول اليه والاشتغال معه على الارض لان ما يهمه هو تحقيق مطالبه اولا ولربما لا يعنيه اندماجنا من عدمه الان وربما ليس من اولوياته الان...ولربما بالاشتغال معه في الارض بتسطير برامج واهداف مشتركة لمصلحة الشعب انذاك يممكننا ان نقنع الشعب بالعمل الملموس بمشروعنا المجتمعي واطاره الوحدوي كحزب يساري الكبير يممكنه تحقيق اندماج الاطارات السياسية التي تشتغل معا في الارض لا داخل المكاتب السياسية .
في ظل ظروف جزر حادة كهذه وعوض اتخاذ قرار النزول للا شتغال في الارض مع الجماهير انزاح اليسار الى استبدال " سياسة الطلب " كسياسة تبنى على اساس المطالب الشعبية الى " سياسة العرض " وهي صيغة جديدة لتصريف السياسة عبر تقديم ما يسمى ب"عرض سياسي" يبنى على مقترحات وافكار سياسية تنتجها النخبة السياسية وراء شاشة حاسوبها عبر قراءة أحادية و شخصية لواقع جماعي مركب بشريا وجغرافيا لا مقاربة تشاركية فيه بالاطلاق. ان هذا التحول يشير الى كوننا بصدد التحول من نخبة سياسية تتحمل ثقل امانة الارادة الشعبية التي اؤتمنت عليها من طرف الشعب لتدافع عنها باستماتة الى نخبة سياسية تظن انها هي المالكة للارادة الشعبية ويحق لها تصريف مطالبها السياسية بتحكيم تقديرها السياسي الخاص لما تتطلبه المرحلة من حلول سياسية دون العودة الي الشعب كمصدر للقرار السياسي.
وفي غياب المختبر الحقيقي لصنع القرار السياسي .يبقى منطق "العرض السياسي" المفتقد للسند الشعبي بدون اذرع مدنية وقاعدة حزبية واسعة وإعلام قوي صرخة في واد أو مجرد حلم على ورق... فبدون رؤية حزبية تنظيمية تروم خلق حزب سياسي جماهيري ودحرجة نواته الصلبة لتكبر كرة الثلج في تجاه الشعب الحاضن للمشروع الحزبي وليس في اتجاه الدولة مادمت انه ثبت تاريخيا ان التاوفقات السياسية معها اضعفت اليسار وقوت الملكية تاريخيا و بالتالي ساهمت في استمرار النسق التنفيذي للحكم عبر عرقلة الانتقال الى دمقراطية حقيقية واستدامة دمقراطية الواجهة. و بمنطق العرض السياسي اياه سنساهم باستدامة منطق تلك التوافقات التي أفشلت الحركة الوطنية وافشلت معها كل قوى اليسار وافرغت السياسة من السياسة واجلت الانتقال الديمقراطي الى اجل غير مسمى. وسكون من الغباء السياسي ان نتبنى نفس المسببات السياسية للحصول على نتائج سياسية مغايرة فمنطق التوافق لم ينجح ما بين الدولة والاحزاب وأيضا لم ينجح داخل الأحزاب نفسها، ولن يفيد إلا في استدامة الهامش الرمادي لسياسة متعثرة لن تجد طريقها نحو المؤسسات ودولة الحق والقانون وذلك أصلا ما أريد له ان يكون أي ان نبقى سياسيا في منزلة بين المنزلتين بمكانة ثانوية تخصصها الدولة للأحزاب السياسية في تحديد التوجهات الإستراتيجية للبلاد وذلك عبر "الحكم بشروط" وطبعا فالدولة هي من تملي شروطها إذ لا يمكن أن نفرض شروطا على الدولة في غياب تمثيلية وازنة داخل المؤسسات وذلك لا يعني أن أي تجميع رقمي متسرع لمكونات سياسية قد يخلق تحالفات خارقة ستفي بالغرض سريعا لان الأمر لا يتعلق بقبعة ساحر بل أكثر تعقيدا في الواقع مما يتطلب حكمة ورزانة سياسية لانجاز مشروع سياسي حقيقي عوض الارتماء في أحضان المجهول.
ونحن على ابواب انتخابات قادمة لا يسعنا الا ان ندق ناقوس الخطر في ما وصلنا اليه من تحكم وضبط رقمي باستعمال استعمال التكنلوجيا الحديثة لمحاربة السياسيين النزهاءو ايضا لرسم الخارطة السياسية بقاسم مشترك قابل للضبط عبر اليات نظم المعلومات الجغرافية مما سيؤدي الى مؤسسات تشريعية هجينة كنتاج للتزوير الرقمي الناعم للارادة الشعبية والتحكم فيها خدمة لاستمرار بلقنة الحقل السياسي وإدماج نخب خنوعة موالية للحكم لتدعيم كتل الثقل السياسي في كفتي الميزان السياسي كمعارضة ويمين "جلالة الملك" تحت قبة البرلمان. أنناكيسار جذري نرفض رفضا باتا أن نكون توابل "طوباسكو" يسارية لتعطي نكهة تشيلية على انتخابات بائتة...نريد دمقراطية حقيقية ودولة الحق والقانون ، دولة المؤسسات لا نريد دمقراطية الواجهة والتي يتم التحكم فيها رقميا لصنع خارطة سياسية هجينة. ربما لم يفهم مهندسو الدولة العميقة أن التقطيع الانتخابي على أساس خوارزميات القاسم المشترك كسابقة عالمية للتحكم في الخريطة السياسية سينتج تدهورا خطيرا للمؤسسات يدفع في احتضار السياسة ووضع الدولة في مواجهة مباشرة للحراكات الشعبية المستقبلية مما سيضع الشعب والدولة على صفيح ساخن قد يجر الوطن الى المجهول وتجدنا اليوم أمام مفارقة سبق وأشار اليها الفيلسوف عبد الله العري كون أن الديمقراطية قادرة على خلق نقيضها وهذا ما صرنا اليه فالنخبة السياسية التي انتخبها الشعب انقلبت ضده وضد مطالبه من صحة وتعليم وشغل ...
إن واقعنا لا يرتفع وعلى الدولة والاحزاب السياسية المنخرطة في اللعبة السياسية الرديئة ان تتحمل تبعات الاندحار السياسي الذي وصلنا إليه كخيار للدولة ومواليها سياسيا واقتصاديا. ان الصراع من اجل التغيير يتطلب منا عملا شاقا وحثيثا للقيام بتقويم جذري وهيكلي وذلك عبر بناء ذوات حزبية قوية ومتضامنة وتحالفات سياسية قوية مع حلفاء أقوياء لبناء كتلة حرجة، أما تحالف الضعفاء فيستوجب منا وعيا نقديا وعملا متواصلا وشاقا لاعادة البناء ولتطوير آليات التحالف السياسي والمدني والعمل على اكتساح مساحات أوسع للعمل المشترك وبناء صرح إعلامي قوي وإلى أن نحل هذه المعادلة التي تتطلب زمنا سياسيا ليس بالهين سنعمل سويا من اجل بناء حزب يساري كبير يضم أحزاب كبرى لا بقايا أحزاب هشة ومتناحرة داخليا. إن زحزحة ميزان القوى يتطلب قوة سياسية حقيقية لها وزنها السياسي وامتدادها الشعبي وإعلامها القوي وآلتها الانتخابية ونقابة تقاوم و لاتساوم. لذا فلنعط للوقت وقتا لإنضاج شروط البناء المؤسساتي وارساء اليات العمل المشترك فكريا وايديلوجيا وتنظيميا وجماهريا ولربما إن اشتغلنا عليها بوتيرة انجع واسرع لعملنا على اختزال المسافات لكي نؤمن للأجيال اللاحقة إمكانية ممارسة السياسة في ظروف جيدة أو على الأقل في ظروف اقل رداءة مما نعيشه ونتعايش معه اليوم.
إن ما نترافع عليه اليوم وغدا كيسار جذري امن بالنضال الديمقراطي وبالمعارضة من داخل المؤسسات وخارجها ليس معارضة من اجل المعارضة بل معارضة من اجل إصلاح الاعطاب السياسية والاقتصادية رغم ان "داء العطب قديم"...ازداد عطبا مع آكلي التين بالدين.. وطبعا لا يستقيم اي توازن سياسي للمؤسسات في غياب معارضة حقيقية وهذا التخبط نلاحظه جيدا في الغرفتين فيصوت المعارضون على المؤيدين والعكس بالعكس، مما يستوجب معارضة حقيقية في المؤسسات لتوازنها واستمرارها . ولقد كان الحسن الثاني حكيما لما صرح وقال "ان لم تكن لي معارضة سياسية لخلقتها"...لقد كنا ولا نزال معارضة تؤمن بالوطن وبوحدته الترابية وبتعدده الاثني والديني وتصارع من اجل إحقاق الديمقراطية الحقيقية وليس ديمقراطية واجهة موجهة تتلاعب بها خوارزميات رقمية لتعطيل الديمقراطية الحقيقية. ان الاصرار على التوازنات الهشة والتي يتم استدامتها بشكل قسري في قسم الإنعاش السياسي الملحق بوزارة الداخلية، هو اصرار ينم عن غباء مزدوج للاحزاب المدجنة والدولة العميقة. اننا نرفض رفضا باتا التحكم التكنلوجي والرقمي في اصوات المواطنات والمواطنين ليتم تقزيم تمثيلية اليسار ومحاولة جعل مشاركته السياسية في المؤسسات مجرد تأثيث لواجهة المشهد السياسي من اجل للبروبغاندا الاعلامية تجاه الخارج في ظل نكوص سياسي داخلي يعمل على تجميد كل ارادة سياسية حقيقية لتجديد النخب الوطنية المستقلة في المغرب ولاحقاق الدمقراطية الحقيقية.
ان ما نشتبك من اجله ولا نزال، لما يزيد عن ثلاثة عقود هي انتخابات نزيهة ، مستقلة، وحقيقية تشرف عليها هيئة مستقلة خدمة للوطن أولا وأخيرا ، كما لا نقبل في القرن الواحد والعشرين أن يلج المؤسسات التشريعية ويمارس التشريع من وجب علينا إلزامه بولوج المؤسسات الغير النظامية والنظامية لمحو أميته الأبجدية أولا وقبل كل شيء، لان من حق المغاربة أن تمثلهم نخبة سياسية مثقفة وواعية، نخبة حقيقية تدافع عن الطبقات المسحوقة والتي في طور السحق وعن من يلتحفون السماء ولا يحصلون على رغيف العيش إلا بشق الأنفس وأيضا عن طبقة متوسطة تم تفقيرها وأغرقوها ديونا لتصارع من اجل البقاء عوض أن تطالب بالحق في عيش كريم وعن عدالة اجتماعية ومجالية غائبة.
لست سوداويا لكن التشاؤم أحيانا يكون أفضل طريق إلى التفاؤل و نعلم جميعا أن الوصفات القديمة والجاهزة والتي أبانت عن فشلها في الحقل الحزبي والسياسي عموما لن تعمل بعد الآن، وهذا واضح. لكن يبقى بناء المواطنة بشكل عام والمشاركة السياسية بشكل خاص امرا ضروريا لما تقدم المواطنة من إمكانيات حقيقية وفي مجالات عدة كإطار شامل للتغير المجتمعي المنشود خدمة للصالح العام إلا أننا نتقاسم السؤال التالي لماذا لم يعد مجال السياسة قادرًا على تشكيل الخزان الرئيسي للمواطنة و هذا سؤال ملزمون للاجابة عنه كفاعلين سياسيين من خارج منطقة الراحة الخاصة بنا "comfort zone".

طنجة 2 ماي 2021
المغرب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام