الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أخفقت حكومات الإنقلابات العسكرية لعربية بتنمية بلدانها ؟

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2021 / 5 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


يُعرف الانقلاب العسكري بأنه الإزاحة المفاجئة للحكومة بفعل مجموعة عسكرية ، وتنصيب سلطة غيرها بقيادة عسكرية غالبا.تحدث الإنقلابات العسكرية عادة في البلدان التي لا يتم تداول السلطة فيها بالسبل الديمقراطية , ولا تتمتع حكوماتها بتأييد شعبي واسع لأسباب مختلفة , أبرزها سوء الأحوال المعيشية وتفشي الفساد وسوء الإدارة , الأمر الذي يشجع بعض القادة العسكريين , (وبخاصة ذوي الرتب العسكرية المتدنية والمتوسطة ممن لا يتمتعون بمزايا السلطة التي يتمتع بها كبار القادة العسكريين) , القيام بإنقلابات عسكرية لتولي السلطة ,بدعوى تصحيح الأوضاع السياسية في بلدانها وتحسين المستويات المعيشية لشعوبها,ولكن ما أن يستتب لها الحال ,إلاّ وتدب الخلافات بين قادتها وقيام بعضهم بتصفية البعض الآخر , لينتهي بها الحال إلى حكم الزعيم الأوحد الامر الناهي مدى الحياة.
إبتدع الإنقلابيون الثوريون العرب, نظاما جمهوريا جديدا لا يتم فيه التداول السلمي للسلطة,كما هو متعارف عليه في النظم الجمهورية السائدة في العالم, حيث ينتخب رئيس الجمهورية, إما مباشرة من الشعب أو من مجلس النواب ,بصورة دورية منتظمة , بل إنهم قاموا بنقل السلطة وراثيا من الأباء إلى الأبناء , اي جعل النظام, نظاما ملكيا عائليا وراثيا بعباءة جمهورية. طبق هذا النظام الجمهوري الجديد بنجاح لأول مرة في سورية , وإستحسنته فيما بعد كل من مصر والعراق وليبيا واليمن, ولكن لم يكتب له النجاح في هذه البلدان, حيث أسقط نظام الحكم في العراق , بغزوه وإحتلاله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2003 , وأسقطت نظم الحكم في مصر وليبيا واليمن مطلع العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ,بسبب الفوضى العارمة التي إجتاحت تلك البلدان فيما أطلق عليه زورا وبهتانا " بالربيع العربي", في إطار السياسة الأمريكية الرامية لبناء الشرق الأوسط الجديد. تمكن نظام الحكم السوري الإفلات من قبضة الربيع العربي المزعوم على الرغم من شراسة الهجمة الشرسة التي شنت عليه بدعم من دول عربية وإقليمية ودولية كبرى, إذ ما زال النظام السوري قائما حتى يومنا هذا.
يعود تاريخ أول إنقلاب عسكري شهدته البلدان العربية إلى العام 1936 ,بقيام الفريق بكر صدقي بالإستيلاء على السلطة في العراق, بإنقلاب عسكري لم يستمر طويلا حيث إنتهى بإغتياله عند زيارته لمدينة الموصل عام 1937. شهدت بعدها البلدان العربية نحو(123) محاولة إنقلابية , نجح منها (40) إنقلابا عسكريا, منها (9) إنقلابات في سورية , و(6) إنقلابات في موريتانيا, و(5) إنقلابات في كل من العراق واليمن ,و(3) إنقلابات في السودان ,و(2) إنقلابين في كل من لبنان ومصر والجزائر , وإنقلاب واحد في كل تونس والصومال . كما شهدت المغرب (6) محاولات إنقلابية فاشلة . لم تشهد البحرين والسعودية والكويت والإمارات وقطر وعمان وجيبوتي والأردن وتونس , أي إنقلاب عسكري , ولكن شهدت معظم دول مجلس تعاون الخليج العربي(المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة), إنقلابات داخل منظومة الأسر الحاكمة نفسها , بحيث يحل الأبن مكان أبيه كما في سلطنة عمان وقطر, أو الأخ بدل أخيه كما في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
أن ما يعنينا هنا , هو ما حققته الحكومات المنبثقة عن الإنقلابات العسكرية (التي يحلوا لمؤيديها تسميتها بالثورات ) من إنجازات لمصلحة شعوبها , مقارنة مع البلدان العربية( التي كان يطلق عليها البعض بالبلدان الرجعية او المتخلفة), والتي لم تتعرض لمثل هذه الإنقلابات , متخذين من العراق وسلطنة عمان أنموذجين لهذه الحالة .
تأسست الجمهورية العراقية في أعقاب إنقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 , وكان العراق يومها يزخر بالأمن والآمان , ويتمتع شعبه بمستوى تعليم ومعيشة ونظام صحي وبنى تحتية من طرق ومواصلات وإتصالات ,وهي على ما كانت عليه تعد الأفضل بين البلدان العربية يومذاك. كانت هناك معاهد وكليات جامعية وصناعات ناشئة وموانئ ومطارات ومشاريع إروائية وسدود ومرافق سياحية ومشاريع نهضة عمرانية وثقافية وإجتماعية ناهضة , كان يمكن أن تنقل العراق إلى حالة أكثر تقدما بفضل مشاريع مجلس الإعمار الممولة من عائدات النفط المتزايدة عاما بعد آخر,لو إستمر الحال على ما عليه.
وبعد سلسلة الإنقلابات العسكرية التي شهدها العراق ,هل تحول حال العراق إلى ما هو أفضل ياترى ؟ . أدت هذه الإنقلابات إلى الآتي :
1. فقد العراق لصالح دول الجوار طوعا أو كرها, بعض أراضيه ومنافذه البحرية ونصف شط العرب ,ممره المائي الوحيد إلى الخليج العربي.
2. تكبد العراق آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين في صراعات وحروب عبثية لا معنى لها , إذ كان بالإمكان تجنبها لو أن سياسات رشيدة أتبعت لحل المشاكل العالقة التي لا تخلو منها علاقات الدول ببعضها .
3. هدر العراق معظم ثرواته المادية والبشرية التي كان بالإمكان توظيفها لبناء دولة عصرية مزدهرة , ربما تتفوق على جميع دول المنطقة , لا أن تكون على ما هي عليه الآن دولة فاشلة تصارع من أجل البقاء.
4. تكبل العراق بقروض أجنبية باهضة قد لا يقوى على سدادها لاحقا.
5. رهن العراق ثروته النفطية بأيدي الشركات النفطية الأجنبية , بعد أن إستطاع من تحريرها مطلع عقد الستينيات والسبعينيات.
6. تفشي الجهل وكل أشكال التدليس والشعوذة وتردى الخدمات الصحية وإنتشار الأمية , بعد أن كاد أن يقضي عليها العراق في أواخر عقد السبعينيات من القرن المنصرم.
7. عودة العراق إلى عصر ما قبل الدولة , حيث البقاء للأقوى لمن يمتلك المال والسلاح من زعماء المافيات والعصابات والكتل السياسية والعشائر ورجال الدين , وعدم الإكتراث للقوانين وليس هناك وجود لهيبة الدولة المتعارف عليها في الدول الأخرى.
8. هدم النسيج الإجتماعي ومنظومة القيم الإخلاقية وضياع الهوية الوطنية العراقية , لتحل محلها هويات أثنية ودينية وطائفية متسارعة .
9. بات العراق اليوم مهددا بنزاعات اثنية وطائفية أكثر من أي وقت مضى في تاريخه الحديث.
10. لم يعد العراق بلدا حرا ومستقلا , بل بات بلدا مستباحا تتلاعب فيه الدول الأجنبية , وغير قادر على رسم سياسة بلده وتحديد مساره بما يتماشى وخدمة شعبه .
بينما لم يكن في عموم سلطنة عمان في عقد الخمسينيات تعاني من تمرد واسع في منطقة الجبل الأخضر بقيادة الإمام غالب , وتمرد أشد في منطقة ظفار في عقد الستينيات , عرف بثورة ظفار التي كانت تلقى دعما واسعا من بعض الحركات اليسارية العربية التي كانت ترفدها بالمقاتلين عبر حدود السلطنة مع جارتها التي كانت تعرف حينذاك بجمهورية اليمن الديمقراطية التي إتخذت من مدينة عدن عاصمة لها . إستلم السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في العام 1970 , وتمكن من سحق ثورة ظفار بالتعاون مع بريطانيا وشاه إيران والأردن , حيث زودته هذه الدول ببعض الخبراء العسكريين والعدة والعتاد . وتبرز هنا حنكة السلطان قابوس وإدارته الرشيدة للصراع , حيث لم يصفي خصومه بعد أن ألقوا السلاح كما يتم عادة في البلدان العربية , بل عفى عنهم جميعا وأتاح لهم فرصة المشاركة في الحكم , وهذا ما تم فعلا حيث تبؤ بعضهم مناصب وزارية رفيعة .
ومقارنة بسلطنة عمان, نقول أنه لم يكن في سلطنة عمان عام 1970 سوى ثلاث مدارس إبتدائية للذكور فقط , إثنان منهما في مسقط والثالثة في صلالة ,يدرس فيها نحو (900) طالبا, وكان حق الالتحاق في تلك المدارس مقتصرا على أبناء السلطان وكبار الموظفين والمستشارين وأبناء شيوخ القبائل .بدأ التعليم المتوسط للمرة الأولى في العام الدراسي 1972/ 1973, والتعليم الثانوي في العام الدراسي 1973 / 1974م. تشير إحصاءات التعليم المدرسي أنه خلال العام الدراسي 2015 / 2016 بلغ اجمالي عدد الطلاب بمدارس السلطنة بمختلف المراحل (724395) طالبا وطالبة بمتوسط( 26) طالبا/ طالبة لكل فصل و(11)طالبا/طالبة لكل معلم ,وذلك في(647 1 ) مدرسة تضم ( 27952) فصلا , في حين بلغ عدد المعلمين( 67901 ) معلما, إلى جانب انخفاض نسبة الأمية في الفئة العمرية من ( 15) إلى( 45 )سنة إلى نحو( 7%) بعد اتباع برنامج طموح لمحو الأمية. توجد حاليا جامعتان حكوميتان و (7) جامعات خاصة، وأكثر من( 30) كلية عالية. كانت الطرق ترابية في جميع أرجاء السلطنة ,بينما بلغت أطوال الطرق الإسفلتية العام 2018م ما يقارب (15646) كيلومترا. أنشأت موانئ ومطارات حديثة وطرق مرور سريعة تربط مدن السلطنة المختلفة , ومحطات قدرة كهربائية بعد إن كانت مدن السلطنة تعيش في ظلام دامس , إذ لم تكن هناك سوى مولدة كهربائية صغيرة تزود الدوائر الحكومية بالقدرة الكهربائية نهارا , وتزود الأهالي ليلا . ودون الحاجة للتطرق لتفصيلات كثيرة , يمكننا القول أن السلطنة كانت تعاني من الفقر والجهل وسوء الخدمات وعدم الإستقرار , ولا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لدول الخليج العربي التي لم تكن يومها دولا أصلا , بل محميات بريطانية يدير شؤونها الداخلية مشايخ , وحتى المملكة العربية السعودية لم تتعامل مع معطيات الحضارة الحديثة , إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين وبحذر شديد , بينما هي اليوم دولة ناهضة وذات نفوذ ليس على صعيد المنطقة فحسب , بل والعالم بفضل ثقلها الإقتصادي المتأتي من ثروتها النفطية , والتي يفوقها العراق ثراء بمجمل ثرواته الطبيعية وموارده المختلفة.
ولا يختلف حال بلدان الإنقلابات العسكرية العربية كثيرا عن حال العراق , فها هي مصر أكبر الدول العربية وأكثرها تحضرا , إذ دخلت عصر النهضة منذ زمن محمد على الكبير في القرن التاسع عشر, بينما اليوم يعاني شعبها, الفقر والجهل والحرمان , جراء إندفاع حكوماتها لبناء ترسانة عسكرية , لم تجن منها سواء المزيد من الخسائر المادية وإزهاق الأرواح البشرية , جراء مغامرات لم تحسب نتائجها جيدا , كما حصل في حرب الأيام الخمسة مع إسرائيل , التي أدت لضياع فلسطين بكاملها التي إتخذت منها ذريعة لإنقلابها العسكري ضد حكومتها بدعوى خيانتها وتواطئها مع الصهاينة, برغم هدرها ملايين الدولارات في بناء جيوش ضخمة , تبين أنها صالحة للإستعراضات أكثر منها للدفاع عن أوطانها, وأصبحت القضية الفلسطينية التي كانت توصف حتى وقت قريب بقضية العرب المركزية نسيا منسيا لديهم .
وكذا الحال بالنسبة لجماهيرية معمر القذافي الإشتراكية العظمى , إذ تصارع ليبيا اليوم من أجل بقائها دولة موحدة , بعد أن أصبحت دولة فاشلة لا تقوى على حماية نفسها , يعيش شعبها كل أشكال الفاقة والحرمان , ويلفه الجهل والمرض من كل صوب وكأنه يعيش خارج الحياة الإنسانية. أم السودان فيكفي أن نقول أنه أصبح الآن سودانيين . وسورية التي كانت يوما معقل الفكر القومي العربي التحرري الذي لعبا دورا مهما في حركة التنوير العربي والتخلص من حقبة إستبداد الحكم العثماني ومحاولاته البائسة بطمس معالم القومية العربية , فإنها اليوم هي الأخرى تصارع من أجل البقاء تحت رحمة إيران.
يمكن أن يعزي هذا النكوص العربي الذي تعيشه معظم الدول العربي إلى الآتي :
1. سطوة الحاكم الفرد الذي نصب نفسه صنما واحاطها بهالة من القدسية الزائفة , وأجبر الآخرين على عبادتها خوفا أو طمعا بجاه أو منصب , بعد أن أصبحت ثروة البلاد تحت تصرفه دون حسيب أو رقيب , يغدق بها على من يشاء , وهي حالة أشبه بحالة الرشوة وشراء الذمم , حيث بات الأعوان يسبحون بحمده.
2. شعور الحاكم المفرط بالعظمة وإمتلاك القدرات الخارقة , لدرجة بات فيها يعتقد أن لا قوة على وجه الأرض يمكن أن تقف بطريقه أو تحول دون تحقيق أحلامه التي ليس لها حدود.
3. بناء قوات مسلحة ضخمة تفوق حاجة بلدانها , الأمر الذي أوهم هؤلاء الحكام بقدرتهم على مد نفوذهم وفرض إرادتهم على الآخرين , التي طالما عانوا من هيمنة الآخرين عليهم وشعورهم المرير بالمهانة في أوقات سابقة, ليجعلوا من أنفسهم أبطالا في نظر شعوبهم وسيخلدهم التاريخ في سفره الخالد . لذا نراهم يكثرون الحديث عن التاريخ , الأمر الذي دفعهم لمغامرات عسكرية وحروب طائشة إحترق فيها الأخضر واليابس.
4. بناء جهاز إعلامي ضخم لتلميع صورتهم كرجال دولة وقادة فكر وتسويق سياساتهم في المحافل العربية والدولية.
5. بناء أجهزة أمنية ومخابراتية قمعية لكتم أنفاس الناس , لدرجة بات فيها الحاكم يتوهم بأنه قائدا ملهما محبوبا , وكأنه هبة الله من السماء.
دفعت هذه الأسباب وغيرها هؤلاء الحكام إلى حماقات لا مبرر لها ولا يمكن أن يجني منها أحد أية فائدة , والعكس صحيح حيث أنها قد تؤدي إلى خسائر هائلة , بما فيها الإطاحة بعروشهم المهلهلة كما أكدت ذلك الوقائع اللاحقة التي شهدتها بلدانهم .لم تجني الشعوب سوى المزيد من النكبات والهزائم والويلات من هذه الحكومات الإنقلابية البائسة .وأيا كانت إنجازات هذه الحكومات , فإنها لا تغفر لها خطاياها وذنوبها تجاه شعوبها , لما سببته لها من كوراث وويلات ودمار شامل طال كل مفردات حياتها , ناهيك عن آلاف الضحايا والمعاقين واليتامى والأرامل.
لذا ندعو هنا إلى إتباع سياسة التهدئة والحكمة والتعقل بمعالجة جميع القضايا التي تعاني منها الشعوب , إذ أن لكل مشكلة حل إذا هدأت النفوس وخلصت النوايا وتصافت القلوب, ويعد الإستقرار والحكم الرشيد المدخل الصحيح للتنمية الشاملة المستدامة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو