الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا يفعل أدباء إسرائيل وقت الحرب !؟

نائل الطوخي

2006 / 8 / 4
الادب والفن


ردا على سؤال توجهت به هاآرتس لمجموعة أدباء إسرائيليين بعنوان "ماذا تفعل في هذه الأيام؟" تحدث الشاعر أهارون شبتاي عن الحرب الدائرة الآن بجنون ضد لبنان. تحدث عن صدمته من جنون هذه الحرب وعن خطة الجيش لإعادة احتلال لبنان حتى نهر الليطاني. وأضاف: "أتمنى أن يفشل الجيش في هذه الحرب، وعندئذ ربما نصبح أكثر تعقلا، إنسانية، شفقة، قدرة على العيش مع شعوب أخرى ومع أناس آخرين، هذا الفشل سوف يغسل البقعة العسكرية الموجودة مثل الوساخة في قلبنا." الشاعر شارك في مظاهرة في اليوم الأول للحرب، هذه المظاهرة الصغيرة التي قدر عددها بالعشرات فقط من الإسرائيليين.
لم يمكن لكثيرين آخرين أن يقولوا هذا، فهم إما أخفوه في التحقيق الذي أجرته هاآرتس أو تحدثوا في الاتجاه المضاد تماما، الاتجاه الذي يضمن لهم المساندة من الشعب والجيش. يجيب الكاتب الإسرائيلي الشهير أ. ب. يهوشواع، في حوار أجرته معه صحيفة يديعوت أحرونوت وردا على سؤال: "هل تخاف أن يخرج الوضع عن السيطرة؟"، فيقول: "أعتقد أن رئيس الوزراء ووزير الأمن وسائر قادة إسرائيل هم أناس شبعوا من الحروب وتعلموا من التاريخ. أعتقد أنهم يعرفون أنه إذا قمنا بالتدمير أكثر من ذلك، فلسوف نتلقى هنا عراقا صغيرا ومليئا بالمجانين. وعندئذ لن ينفعنا أي شيء نقوم به. ينبغي أن نتعلم وضع الحدود، أن نطالب بأهداف واقعية مثل زحزحة حزب الله حتى الليطاني ومساعدة لبنان في ترميم نفسه وفي سيادة النظام اللبناني. بهذا سوف نشير للفلسطينيين أنه جاء الوقت الذي يتحملون فيه السيادة ولا يسمحوا لمجموعات تخترقهم أن يتصرفوا في دولتهم براحتهم." الكاتب الكبير يراهن على قادة إسرائيل الذين استطاعوا اختراع شيطان جديد بعد رحيل عرفات، شيطان اسمه حسن نصر الله، الذي وضعت الصحف الإسرائيلية بصمتها عليه في اليوم الثاني للحرب، ونشرت جميعها صورة له وهو يضحك بهسترية. الصحافة تجعل نصر الله معادلا للجنون ويهوشواع يجعل قادة الجيش الإسرائيلي معادلا للتعقل و ضبط النفس.
يعرف يهوشواع أن حالة الحرب التي تعلن إسرائيل أنها قائمة ضد حيفا ما هي إلا كذبة تسوغ لها الظهور بمظهر الضحية في أثناء تدميرها لكل البنى التحتية للبنان، يقول: " يبدو لي أن كلنا اليوم واحد. كريات شمونة، حيفا، صفد، طبرية، كرميئيل و كذلك القرى العربية التي أصيبت. كلنا نحمل نفس العبء اليوم، و لكن بالمقارنة مع الحروب الأخرى، فالوضع ليس مخيفا بهذه الدرجة. ينبغي أن نضع كل شيء في حجمه. نحن نرى الصور من بيروت ونتعلم منها ماذا يمكننا أن نفعل في مدينة." يعي هو أن بيروت صارت نموذجا للخراب يتعلمون منه. برغم هذا، يحب الظهور بمظهر من يعيش وسط الأخطار. يقول ببرود: "أعتقد أن الكتاب في أوروبا سيكونون سعداء لو كانوا في وضعنا، ولو شعروا ببعض الإثارة التي نشعر بها هنا." لا يصبح للحرب هنا سوى وظيفة أدبية. هي تعطي بعض الإثارة التي تساعد على الكتابة، والأدباء في القارة الأخرى محرومون منها. هذه الوظيفة الأدبية للحرب، تظهر كذلك في عبارته المقتضبة في تحقيق هاآرتس: "أخيرا حصلنا على حرب عادلة، دعونا إذن لا نبالغ فيها إلى درجة أن تصبح غير عادلة". يهوشواع سعيد بالحصول على حرب عادلة، والعدالة لا تعني إلا أن المبادرة كانت في يد الآخرين، و لا يهم هنا حجم الدمار و الضحايا في كل جانب و لا التفاوت في القوى. الحرب العادلة تعني أن الآخرين هم من اعتدوا، والإسرائيليون يحاولون رد الاعتداء، لهذا يبدو يهوشواع سعيدا بالفرصة التي يرى أن الإسرائيليين حصلوا عليها ولو متأخرا، فرصة أن يكونوا أخيارا وضحايا!
بالمقارنة به، يبدو سامي ميخائيل، الإسرائيلي من أصل عراقي، أكثر تعقلا، في حوار يديعوت أحرونوت، برغم كونه كان موجودا دوما في كل حروب إسرائيل: "كنت دوما في بؤرة الحرب، على الحدود، وحتى اليوم فأنا جد لجندية تخدم في التل، وجندية أخرى موجودة في ملجأ كريات شمونة وجندي يجهز نفسه للأسطول. عندما كان ابني جنينا، ظننت أنه سيولد للسلام، والآن يذهب الجيل الثالث ويغرق في النار. لم نكن نأمل في هذا."
لا يحدد ميخائيل من السبب في هذا، من ظل لما يقرب من ستين عاما يحطم كل إمكانيات السلام والتعايش، إلا في جملة واحدة : "أشعر أننا نعود إلى نفس الدوائر ولا ننجح، في الوقت نفسه، في مد الجسور الصحيحة على الأودية الصحيحة. بدلا من التعامل مع الخطر وإخلاء حقول الألغام، هناك من بيننا من يحبون زرع المزيد من الألغام. هذا موجود في كل الشعوب التي تطارد السلام، أي تلك التي تنظر إلى السلام باعتباره جريمة."
إسرائيل تطارد السلام وتعتبره جريمة. في تحقيق هاآرتس يبرر الكاتب حاييم جوري، وهو من ولد في 1923، أي شهد كل مراحل الصراع العربي الإسرائيلي وتربى على المبادئ الصهيونية بصيغتها الكلاسيكية، يبرر مطاردة السلام، على اعتبار أن هذه الحرب بالتحديد لم يكن لهم خيار فيها. يقول: "هذه المرة لم يكن لإسرائيل أي خيار. سوف يضاعف الاستسلام للذبح عملية الذبح. أسوأ الصفقات كانت صفقة جبريل والتي في إطارها تم تحرير 1150 أسيرا مقابل ثلاثة أسرى. الهجوم الأخير كان على حد سيادي لإسرائيل ولم يكن من خيار سوى الرد عليه. أعتقد أن غالبية الإسرائيليين يعتقدون أننا كنا في وضع اللا خيار. هناك حروب يقولون أننا بدأنا بها. هذه المرة لم يكن هناك خيار." في نفس الوقت يحظى الحكام العرب بتقريظ حار من حاييم جوري. يضيف: "يشجعني كثيرا أن جزءا كبيرا من العالم العربي يدين أفعال نصر الله."
ويتحدث الكاتب أهارون ميجيد عن منطقة أخرى بالتأكيد غير إسرائيل التي تحاصر لبنان من جميع الاتجاهات، والتي يضفي على وضعها الآن سمات مأساوية يحاول عبرها استدرار عطف العالم وحشد الإسرائيليين وراءه، قائلا بنبرة خطابية: "إذا قيل مرة عن سائقي الدبابات أنهم مكشوفون من خلف قلعتهم، فهذا اليوم ينطبق على جميع السكان. نحن مكشوفون في كل مكان ونشعر بأنه ليس هناك من حماية أمام هذا السلاح وليس هناك من يدافع عنا." و بشكل مثير للسخرية، لا يحققه إلا واحد من رواد الأدب الإسرائيلي مثل أهارون ميجيد، يلوم الكاتب الكبير المجتمع الإسرائيلي بسبب ما يحسه من تفتت في إيمانه ب"قضاياه": "شعورنا بأحقيتنا في أن نوجد على هذه الأرض يأخذ في التفتت. لدينا نوع من الأعراض النفسية التي تجعل الكراهية الخارجية تتسلل إلينا وتصبح نوعا من كراهية الذات."
وفيما يبدو أن أهارون ميجيد يشير إليهم، يدين بعض الكتاب الحرب الدائرة ضد لبنان، باستحياء أحيانا وبشكل واضح أحيانا أخرى، أحدهم هو الكاتب الشاب رامي ديتسني، والذي يستخدم منطقا غير مألوف لإدانة الحرب، منطقا يقترب من العنصرية. يقول رامي: "منذ زمن طويل وصلنا إلى نقطة اللاعودة ولن يتحقق السلام بعد. تسببنا في كراهية الفلسطينيين العظيمة لنا حتى أنه لم يعد يمكننا أن نوقع معهم سلاما حقيقيا للأبد. نحن مذنبون مائة في المائة، لأننا لم نستخدم عقلنا اليهودي لأجل صنع سلام على طول 58 عاما. وبدلا من حل المشكلة أصبحنا مشابهين لهم أكثر وأكثر: نحن نصبح بالتدريج أكثر عنفا وتعصبا." هكذا يصبح سبب الكارثة هو تخلي الإسرائيليين عن يهوديتهم وكونهم أصبحوا يشبهون الفلسطينيين. يغازل ديتسني الجمهور الإسرائيلي الذي طالما تعبد في ذاته وفي اختلافه عن العرب البدائيين الذين لا غرض لهم إلا تأكيد ارتقاءه.
في نفس الوقت تذكر الأديبة إيلانا همرمان جمهور هاآرتس بأن حماس وحزب الله هما الاثنان نتاج السياسة العنيفة والحمقاء لحكومات إسرائيل السابقة. و تقول الكاتبة آنا هرمان: " أعتقد أن تلك وحشية باردة من جانب قادة العالم. ينبغي أن ندير مفاوضات لأجل إعادة الجنود الأسرى وليس أن نقصف. أخشى أن يموت على مدار القصف مدنيون لبنانيون وإسرائيليون كثيرون. جورج بوش يسيطر على هذه الحرب ويزرع الدمار والفوضى في العالم. إسرائيل نفسها مسئولة عن الوضع لأنها لم تختر طريق السلام والمفاوضات، وإنما اختارت أن تعيش على سيفها وأن تعود لغزة وللبنان."
بالرغم من إدانتها الحرب، تحاول هرمان تشبيه المأساة اللبنانية بالخسائر التي تتعرض لها مدن إسرائيل الشمالية، فتجعل من كلا الشعبين ضحية بنفس القدر، وهو تشبيه لا يراد منه إلا محاولة الأدباء، مهما عارضوا الحرب، جعل آراءهم مقبولة أكثر في وسط الجمهور الإسرائيلي، الجمهور الذي يحب دوما رؤية نفسه ضحية لأعدائه المتربصين له، ويسانده جيش تتزايد شيئا فشيئا رغبته المرضية في تدمير العالم من حوله، جيش تقول الأديبة الشابة آجي مشعول باقتضاب عن حربه الحالية ضد لبنان: "هذا العنف يذكرني بطفل تلقى صفعة فقرر إشعال المدرسة كلها."
و لكن سامي ميخائيل، و في حواره المذكور سابقا، يلمح تلميحا غير مباشر إلى عدم أخلاقية مقارنة القتلى من الجانب اللبناني مع الجانب الإسرائيلي فيقول، غير متنازل عن النبرة الدرامية والمتباكية التي تغطي قصف مدينة حيفا: "خلال ساعات سوف أصعد إلى السيارة وأعود لمدينتي المحبوبة التي تقصف الآن. لا يمكنني أن أكون بعيدا عنها في لحظات الألم والأزمة. تركت الكتابة في منتصف فصل عن الحب وهاهو يأتي الانفجار الذي يدوي في رأسي. لا يمكننا الشكوى من الحماقات بينما يبكي الآخرون موتاهم وتطير بيوتهم في الهواء."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب