الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كنا ثلاثة، اختار الموت أوّلنا

ياسين سليماني

2021 / 5 / 4
الادب والفن


للموت فلسفته الخاصة لا يمكن أن يعرفها أحد، قد يكون قريبا جدا منا، يأتي إلينا ونحن مجتمعين، يختار أحدنا ليرحل به إلى هناك، ويتركنا نحن منكوبين بالخبر.
كنا ثلاثة في المسرح، أنا وصديقي الحميم جيمي ورؤوف، عندما حان موعد العرض كان رؤوف يقف إلى جانبي فأشرت له بالمكان الذي أريد أن نجلس فيه فسبقني إليه ولحقني جيمي. جلس ثلاثتنا وكنت وسطهما. كان الموت واقفا يشير بأصبعه إلى أحدنا. شاهدنا العرض، كان مونودراما لطيفا.
قبلها بأيام كنت أشاهد مع جيمي ذاته عرض "لوحة الأحلام" وكان رؤوف ممثلا فيه، كانت المرة الأولى التي التقيه بعد آخر مرة كان فيها ضيفي في برنامجي الإذاعي "موعد مع الثقافة"، وكان آخر ضيف أستقبله بعد انشغالي بالتزامات أخرى، لنحو ساعة كنت أستعرض معه كل تجربته المسرحية وآماله، كان يحب المسرح. بعد العرض بيوم، وفي المسرح ذاته التقيته أمام مدخل قاعة العروض قال أنه كان يتصل بي ولكني لم أرد ففهم أني مشغول.
الموت كان وقتها يحك رأسه ويفكر فيمن سيختار.
هذا الفجر، بداية شهر ماي، وجدت جيمي ينشر خبر وفاة رؤوف، فاجأني الخبر، ثم أنهكني التعب بسبب السهر الطويل فأخذتني غفوة، وعندما نهضت تذكرت ما قرأته فشككت أن يكون مجرد حلم مزعج. عدت لصفحة جيمي فوجدت الخبر.
اتصلت بجيمي فأخبرني أن رؤوف كان في المسرح وزلّت قدمه فسقط في الدَرَج.
الموت لم يبق يحك رأسه، خطا خطوة جريئة، فَرَد سبابته واختار.
موت رؤوف ليس مفزعا فقط، إنه قاتل، رائحة الموت كانت بالقرب من أنوفنا لكن أنوفنا كانت مزكومة، لم يشمها أحدنا. أو قد تكون أعيننا مصابة بغشاوة ماـ الموت كان يوجه أصبعه إلى أحدنا، لكننا لم ننتبه.
قبل سنوات كتبت نصا مسرحيا عنوانه "أنا الملك أتيت" نُشر في سورية أول مرة ثم في الجزائر. قبل أيام كنت مع د محمد شرقي ود. خير حمر العين في لقاء علمي بقسم الفنون فجاء على سيرة "أنا الملك أتيت". ابتسمت لأنه تذكر نصا لي مضى عليه عشر سنوات ونشرت وترجمت بعده عدة نصوص وأخرجت عدة كتب.
كانت "أنا الملك أتيت" محاولة للشفاء من التاناتوفوبيا، لسنوات كان الموت يفزعني، شفيت منه بالكتابة عنه، تقول إحدى شخصيات المسرحية "الموت أطرش لا يسمع صوت المحبة ومن أراد راحة القلب عليه أن ينزع سهمة اللوعة والتفجع" (كتبت جزءا من المقولة من ذاكرتي واحتجت للعودة إلى الكتاب حتى أستعيد البقية)
هل نحن نكتب حتى نُعافر الموت؟
واقعيا أنا أفعل هذا. أيا كان الموت الذي يفهمه البعض رمزيا أو ماديا.
قبل أسبوعين توفيت جدتي، كنت أحبها، أحبها حقا، لكني لم ألتقها منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات، وفي كل مرة كانت والدتي تزورها كانت تطلب منها أن تدعوني لزيارتها قبل أن تموت. فكرت في أن أزورها مع أول أيام رمضان، قبله بيوم واحد أستيقظتُ فوجدت عدة اتصالات من أخي ورسالة قصيرة منه تقول أنها توفيت!!
الغريب أن عينيّ ظلتا جافتين، تكابران، تمنيت أن ينزل بعض الدمع، لكن لا شيء. شيء حاد مثل السكين يخزّ القلب، يحرّك الجرح لكنّ العينين تائهتان جامدتان.
وكما لم أحضر جنازة الجدة، لا أحضر جنازات غيرها. أكره حضور مجالس العزاء، وعندما اضطررت إليها في سنوات سابقة كنت أصل فلا أبقى لأكثر من دقيقتين، أعزّي وأغادر.
أفكّر في أصبع الموت، إلى من سيتجه بعد رؤوف؟
أفكّر وأشعر بالخضّة.
أظنني لم أُشف حقا من التاناتوفوبيا.
أظنني يجب أن أكتب نصا آخر!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع