الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهرجان المسرح المستقل: عندما نستقل علي السلم

أيمن حلمي

2006 / 8 / 4
الادب والفن


ذهبنا اليوم الأول من أغسطس لحضور افتتاح مهرجان المسرح المستقل 2006 في مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا لنتفاجأ بأن هناك ورقة صغيرة علي لوحة الاعلانات أمام الهناجر تقول ما معناه أنه تم تأجيل المهرجان تضامنا مع الضحايا اللبنانيين. هكذا ودون أي تفاصيل أو شرح. سمعنا أن السيد وزير الثقافة هو الذي وراء ذلك، ثم سمعنا أنه اتحاد نقابات المهن الفنية الذي قرر ايقاف الأنشطة الفنية حدادا علي شهداء القصف الإسرائيلي بلبنان. حتي نهاية اليوم لم يتصل أحد من منظمي المهرجان بمخرجين كان مقررا أن يشتركوا في المهرجان، وكانوا بصحبتي في تلك الليلة، لإبلاغهم بأي شيء. سمعنا كذلك أن التأجيل بالنسبة لعروض الهناجر فقط وأن المهرجان كما هو، وسمعنا كذلك أن المنظمين قالوا أن التأجيل هو قرارهم وليس قرار وزارة الثقافة أو اتحاد المهن الفنية.

ظللنا نمارس التكهنات حتي اليوم التالي عندما صدر بيانا علي الانترنيت موقع باسم إدارة المهرجان يقول أنه "والتزما بالموقف الرسمي لوزارة الثقافة المصرية ومركز الهناجر للفنون والموقف الشعبي لكل فناني مصر قررت إدارة مهرجان المسرح المستقل في (دورته الخامسة 2006 )تأجيل فاعليات المهرجان لمدة أسبوعين"

حسنا...أود أولا أن أسرد تلك الوقائع:

1-

لم تقم وزارة الثقافة عام 2005 بإلغاء مهرجان المسرح التجريبي، رغم اصدار مثقفين وفنانين بيان يدعو لمقاطعته حدادا علي شهداء المسرح في بني سويف. وقامت مظاهرة لاكثر من خمسمائة مثقف مصري تطالب بمحاكمة الوزراء المسؤولين عن محرقة بني سويف في يوم افتتاح التجريبي، وكان السيد الوزير يومها قد ألغي فاعليات حفل الافتتاح "حدادا" علي الشهداء، واستمر المهرجان نفسه وفعالياته رغم كل شيء...كانت كارثة المسرح في 5 سبتمبر وكان المهرجان يوم 21 أي بعدها ب 16 يوم، ولم يُلغي المهرجان. لم نحضر اي من عروض ذلك المهرجان، كان الحزن وقتها لا يزل يعتصر قلوبنا، كنا ننتظر من وزارة الثقافة أن تعبر عن تقديرها لأحزاننا تلك – مهرجان من غير حازم شحاته وصالح سعد و.. و....؟! ورغم ذلك كان.

2-

في أغسطس عام 1990 كان غزو العراق للكويت. ألغت وزارة الثقافة المهرجان التجريبي، ولكن المسرحيون قرروا إقامة المهرجان رغم كل شيء، فيجب ألا يقف الفن لأي سبب. وقد كان. نظموا مهرجانا بأنفسهم، وكان هذا ميلاد مهرجان المسرح المستقل. كان هناك في تلك اللحظة – لحسن الحظ – من يستطيع اتخاذا ذلك القرار في تلك اللحظة الصعبة.

3-

في العام الماضي أغسطس 2005 كان من ضمن الأماكن التي تستضيف المهرجان المستقل إحدي القاعات بمتحف محمود مختار التابع لقطاع الفنون التشكيلية، لرئيسه وقتها د. أحمد نوار (رئيس هيئة قصور الثقافة الحالي). قبل المهرجان بيومين طلب مكتب د. نوار نصوص العروض التي ستعرض في قاعة المتحف. كانت مشكلة أصحاب تلك العروض والمنظمين أن ذلك حدث قبل المهرجان بيومين وليس قبلها بفترة كافية تسمح لإتخاذ أي إجراء. اجتمعنا وكان القرار، قرار تلك الفرق والمنظمين أنه لا للرقابة والبيروقراطية ولا ل "لوي الذراع" ورفضنا تسليم النصوص، "ده احنا الفرق الحرة!" وعرضنا في كافيتريا الهناجر بعد الاتفاق مع د. هدي وصفي علي عرضه بها لحل الأزمة. ورغم الضجيج والظروف الغير إنسانية فعلناها. كنا رائعين... أليس كذلك؟

والآن نفكر بصوت مرتفع.

إذن فالأمر هكذا. قررت وزارة الثقافة إيقاف الحركة المسرحية والفنية تضامنا مع لبنان وفلسطين. نلاحظ أنه ليس هناك قاعدة للإلغاء، فقد يحدث كما في 90 أو لا يحدث كما في 2005. أو ربما أن الأمر يختلف إذا كان الحدث مرتبطا بالمصريين أو غيرهم. فالأحداث البشعة من عينة الحريق إذا حدثت هنا فالعملية "في بيتها" ويمكننا تعويض من رحلوا ومصر "وللادة" أما إذا كان الحدث يمس غير مصريين، فهناك حق للعروبة أو الإخوّة علينا. يبدوا أنه هناك رأي للدولة أنه وقت الجد أو الحرب يجب أن نتوقف عن المساخر والمسرح والفن وتلك الأشياء التي لا تليق

إذن التأجيل لمدة أسبوعين. لماذا أسبوعين؟ لماذا لا نقول التأجيل حتي وقف إطلاق النار؟ ولماذا لا نوقف الفن حتى ترجع إسرائيل لحدود 67؟
ولكن هناك آخرين – وأنا منهم – يرون أن الفن يجب ألا يقف مهما حدث، يتوقف الفنان عن عمله عندما يموت، والعكس، يموت إذا توقف.


فناني المسرح المستقل في مصر لديهم بدائل محدودة ليمكنهم العمل في ظروف وطننا التي نعلمها: أن يلجأوا للتمويل الأجنبي مع ما فيه من جدل، أو يحاولوا التعامل مع الدولة دون خسارة إستقلالهم، أو يمولوا عروضهم بالتمويل الذاتي حتي يفلسوا، أو يريحوا ويستريحوا ويتركوا المسرح ويفكروا "بشكل عملي".
كل منا أقرب لأحد تلك الاختيارات وعلينا ألا نلوم أي مبدع علي اختياره مادام هذا لايزل يجعله مبدعا

إذا كنا نلوم منظمي مهرجان الفرق المستقلة أو إدارته علي ما حدث فلن نلومهم علي الحرب، ولا علي قرار وزارة الثقافة، ولا اختيارهم لطريق الاستقلال من خلال التعامل مع دعم الدولة، ولا لإلغاء المهرجان قبلها بساعة أو اثنتين، فهذا وارد في مصر. حتي أننا لن نلومهم علي عدم وجود بدائل تحول دون تبعيتهم، وتمكنهم من اتخاذ موقف ما في لحظات معينة لا يستطيعوا فيها تجاوز ما يحدث لهم دون الشعور بقلة الحيلة.

سنلومهم علي شيء واحد وهو موقفهم من المسرحيين المستقلين والفرق في المهرجان وقت إدارتهم للأزمة. نلومهم علي "استقلالهم" باتخاذ قرار المهرجان سواء باستمراره أو تأجيله أو إلغائه دون استشارة المخرجين المشاركين وفرقهم. وكذلك علي عدم إبلاغهم شخصيا بما حدث يوم الافتتاح – ربما لم يبلغوهم حتي الآن – تاركين لوحة إعلانات في الشارع أمام الهناجر لإبلاغهم بالقرار.
هل تحتاج إدارة المهرجان فعلا للمستقلين؟ وإذا كانت تحتاجهم لماذا كل هذا "العشم" في طريقة التعامل؟ هذه الفئة علي الأقل تعرف حقوقها وما ينبغي أن يكون
هل لم يعد مهرجان المستقلين، بل مهرجان أشخاص بعينهم يقررون له ما في صالحه، أو ربما هناك تمثيل نيابي للفرق الحرة مثل مجلس الشعب؟

لا نريد موقفا زائفا. كنت متحمسا لفعل شيء ما أو إصدار بيان للمسرحيين بإدانة ما حدث لو كانت الدولة وراء ذلك أو لوم منظمي المهرجان لاهمالهم رأي الفرق المشاركة في ما قرروه، ولكن حديث لي مع صديق لفت نظري لذلك: إما أن لدينا شيء حقيقي وحركة حقيقية ومستقلون حقيقيون وبالتالي سيحدث ما يجب أن يحدث دون أن نحاول دفعه ودون تعب أعصابنا، وإما أنه لا يوجد إلا الزيف، ووقتها فسحقا لكل شيء

هل علي المستقلين مخالفة الدولة "وخلاص"؟ لا أقول ذلك، ولكن يجب أن يكون لديك أسباب حقيقية وقوية لتطلق علي نفسك هذه الصفة: الاستقلال. لدينا الثقافة الجماهيرية وقصورها ولدينا البيت الفني للمسرح، ولدينا المهرجانات – القومي وحتي مهرجان المخرجات – منذ أسابيع مضت، فلما مهرجان آخر، هل حقا هناك استقلال؟

من هنا كان الاستقلال علي السلم، "قياسا علي مثل اللي رقصت علي السلم". لا يوجد استقلال كامل ولا تبعية ودعم كاملين. مركز الهناجر هو الداعم الأكبر لأنه يدفع نقود للمهرجان، والمسرح الأكبر والأفضل في القاهرة من بين الجهات القاهرية الداعمة، وهو مسرح للدولة في النهاية – رغم وجود د. هدي وصفي فيه. التمرد الآن له حساباته التي يجب أن تحسب جيدا... أليس كذلك؟ الجهات الأخرى الداعمة مثل التاون هاوس وجيزويت المنيا والمركز الثقافي الفرنسي، والتي لا يتجاوز دعمها خشبة المسرح والتجهيزات البسيطة إلا بقليل، لن تلغي أو تؤجل العروض عليها. لماذا؟ لأنها مستقلة! ولكن ماذا عن المهرجان نفسه، دعايته وبرنامجه وفرقه


ولو افترضنا أن المنظمين كان لهم رأي آخر مختلف عن رأي وزارة الثقافة، ماذا كانوا سيفعلون؟ قرار بأن يتم المهرجان وعروضه في الشارع؟ أو بيان يوضح موقف المسرحيين المستقلين مما حدث، وبتأجيل المهرجان لكذا وكذا؟
علي كل حال لن نطلب من أحد أن يفعل ما لا يقدر عليه، لأن القضية قضية حركة وليست أشخاص.. هل هناك حركة مسرح مستقل في مصر؟ من الظلم أن نحمّل أشخاص مسئولية حركة هم مجرد عناصر بها – مهما كانت أهميتهم. أتي الوقت لنعرف الإجابة علي هذا السؤال دون تصريحات أو طموحات تجيد الحلم أكثر من العمل
ربما علينا أن ننتظر 2007 لنري هل ستصعد الحركة لأعلي السلم أم ستنزل لأسفل، للشارع. لا أنصح بأي منهما فعلي كلٍ اختيار ما يناسبه. حسنا، علي الأقل من حقنا أن نتمنى ألا نجدها وقتها مازالت علي السلم أو توقفت عن الرقص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان