الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-حتّى لا تيبسُ عروقُ الكبرياء-

سماح هدايا

2021 / 5 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


لا يقتصر الموضوع على إعادة تأهيل نظامٍ ساقط. الانتخاباتُ الرئاسيّة في سوريا لأيار 2021 تجلٍّ من تجليّات الدّكتاتورية المتوحّشة، ودليلٌ بليغ على الفشل الأخلاقيّ والسّياسي العام. ليست جزئيّة من المشهد السّوري، بل حلقة من سلسلة مأساويّة هزليّة تشهد على تغوّل الاستبداد واستهزائه بعقول الناس واحتقاره لمصائرها. وهي صورة قاسية عن المهانة التي أصابت الكرامة الوطنيّة والإنسانيّة نتيجة غياب الدّيمقراطيّة، كحلٍّ وأسلوب للعمل السّياسي والاجتماعيّ والفكريّ يضمن الحقوق والمصالح ويحمي التّنوعات الثقافيّة، ويتصدّى للاستئثار بالسّلطة والتحكّم بالشأن العام.
إذا أراد شعبٌ أنْ يحيا وينجز مشروعاً وطنيّاً تحرّريّا ديمقراطيّاً؛ فعليه الاستناد إلى مباديء وطنيّة، نابعة من أغلبيّة مجتمعيّة ولأجل مصالحها وبما ينسجم مع ثقافتها الأخلاقيّة الإنسانيّة. معركة التّحرّر طريق الكرامة والسّيادة، لا تبتُّها الأهواءُ والأوهامُ العصبيّة، ولا تَتثبتُ باستقواءٍ عنصريّ فئويّ. أساسُ نجاحِ المشروع الوطنيّ هو المواطنون العقلاء الذين يتعاونون مع بعضهم ضمن الشّروط والمعايير التي يضعونها أو يقبلون بها.
ما يدورُ في سوريا من حرب الطّاغية وشبيحته وحلفائه، وسعي بعض قوى المعارضة المتطرّفة والانتهازيّة للتسلّط عسكريّاً أو ثقافيّاً، لا يجلب إلا ثقلاً جديداً من الدّمار والذّل والاحتقار. ولا منتصر فيه سوى حفنةٍ من ظالمين. قد يكون البطش السلّطويّ العسكريّ الأشد خطرا، لكنْ، هناك خطرٌ آخرٌ كبير، وربّما أعمق تأثيراً، لأنّه يؤسّس لاحتلال العقل، وهو خطر التّسلّط الثّقافيّ الفئويّ وعنفه ضد خيار الأغلبيّة الاجتماعيّة والثّقافيّة. خطره يكمن في سعيه لتصنيع شعب مدجّن مروّض على مزاجه وبأيديولوجيته ونظرته السّياسيّة وفرضها على نحو شموليّ وقهري إقصائيّ او تكفيريّ.
معركةُ السّوريين غايتُها تحرّرٌ إنسانيّ اجتماعيّ وطنيّ من الاستعمار و الطائفيّة والاستبداد والقهر والفساد والجهل. ليست معركةً ضدّ الإسلام والعروبة، أو ضد العلمانيّة كما يدور وينتشر سياسيّاً وإعلاميّاً. وحتى تنتصر لابدّ من جامعٍ ثقافيّ واجتماعيّ واع ومرن ومتعاون، لا بتغلّب جماعة صغيرة أو أقليّة على المجتمع وتستقوي عليه، ولا بأغلبيّة عدديّة صامتة وضعها الفكريّ والثّقافي مهترىء، تتحصّن بكونها المكوّن الأكبر والحامل الشرعي، ونمطُ تصوّراتها السّياسيّة للحقوق والعدالة المرتبط بمرجعياتها الدينيّة يحتاجُ تطويراً ومعاصرةً وحوارأ ثقافيّاً وإجماعاً من داخلها.

كيف تترسّخ فكرة وطنٍ واحدٍ بالأغلبيّة؟
بلوغ الغاية الوطنيّة من الحريّة والعدالة والكرامة، يبدأ من فكرة التّشاركيّة الوطنيّة في تنوّعها ونقدها التّطويري للأفكار والرّؤى بعقولٍ منيرةٍ تتجادل بمنطقٍ، وتعمل لبلورة هوية متكاملة تستند على أرضيّة قيمٍ وطنيّة مصيريّة واحدة.. الهجوم العنصريّ الحاصل على الهوية التّاريخيّة للسّوريين بشقيها العربي والإسلامي وعلى شرعيّة هذه الأغلبيّة، هو اعتداء تجاوز موضوع النّقد من أقليّات معتقديّة متعصّبة، ومن متطرفي اليسار والعلمانيّة ومتطرفي الإسلامويّة تدعمهم قوى ومؤسّسات سياسيّة وثقافيّة دوليّة معادية، وصار نهشاً في الهويّة الوطنيّة والثّقافيّة للأغلبيّة السوريّة وكسراً في كبريائها التّاريخيّ. وعملا لا ينسجم مع الضمير الجمعي الوطنيّ وذهنيّة الأغلبيّة الاجتماعيّة والثقافيّة.
لم تتمكّن الأغلبيّة الثّقافيّة الاجتماعيّة، من القيام بدورِها في التّغيير وهي أساسُه؛ لأنّها ليستْ على قلبٍ معرفيّ وقيمي واحد؛ لا تنتمي لتشكيلٍ سياسيٍّ واحد ولا لتشكيلٍ معتقديٍّ واحد، ولا لتشكيلٍ اجتماعيٍّ واحد. ولأنّ الحرب جمعّت ضدها، بدعمٍ دوليّ، كلّ النّخب العنصريّة لإقصائها وقهرها وفرض تشكيلاتٍ ثقافيّةٍ بديلة ضيّقة على مقاس الأقلّيات وأيديولوجياتها. لكنْ، لا يمكنُ إزاحة الأغلبيّة الثّقافيّة الاجتماعيّة فهي الجذر الاجتماعيّ لسوريا، وتستطيع أن تقوى وتتحرك سياسيّاً واجتماعيّاً بتطوير منظومتِها الثّقافيّة وتنظيم عملها السّياسيّ وتمتين الثّقة بالذّات والتّواصل والتّعاون مع المكونات الأخرى الوطنيّة. ومقابل ذلك لم تنجح الأقليّات ببناء فكرٍ أو إنجاز مشروعٍ وطنيٍّ، على الرغم من الدّعم الخارجيّ والإعلاميّ والثقافيّ الذي تتلقاه من الخارج، وما تثيره من ضجيجٍ إعلاميّ واجتماعيّ وفكريّ وفتنة.

إحرازُ النّجاح في المشروع الوطنيّ التّحرّريّ مرتبطٌ بجدارة الأكثريّة الاجتماعيّة وكفاءتها الفكريّة وحسن إدارتها وتنظيمها وتعاونها مع الأقليّات. المساواة هدف الدّيمقراطيّة، لكن، لا تكون المساواة واحترام التّعدّديّة والتّنوّع بسرقة حقوق الأكثريّة وحرمانها من القوّة وإقصائها وإلغاء مقولاتها المعقولة سياسيّاً لمجرد الاختلاف معها اعتقاديّاً، بل بربط الفهم الثّقافي بالمبادىء السّياسيّة للعدالة والحرية والحقوق والتّفاهم المتبادل بين الجماعات الثقافيّة المختلفة عبر فتح الفضاء الثّقافي للحوار والمشاركة النّقدية. لا يمكن التّخلص من نظام قمعيّ طائفيّ بنظام قمعيّ آخر ولا التخلّص من نظامٍ شموليّ قمعيّ بفرض جديد شمولي دينيّ أو علمانيّ أو قوميّ. الحل المعقول يكون بنظامٍ ديمقراطيّ عادلٍ وتشاورٍ للوصول الى أرضيّةٍ مشتركة كمجتمعٍ كامل.
مزاعمُ امتلاكِ الحقيقة بيد فئةٍ واحدةٍ من معتقد معيّن، لا يمكن فرضها سياسيّاً وفكريّاً على أكثريّة. المبادىء الأساسيّة هي جمعية وطويلة الأمد والفائدة ، وتعمل بعدلٍ وإنصافٍ مع الجميع ضمن الديمقراطية والحرية والمساواة، لا لمصلحة سيطرة عرقٍ أو مذهب أو شيعة، حتى لو تعارض أحيانا مع معتقد خاص وجزئيّ لا يمثّل إجماعاً.

معنىً موّحّد يعمل عليه السوريون
قد آن الآوان بعد تجربة عشر سنواتٍ من حدث الثورة واندلاع الحرب لانبثاقِ إرادةٍ جديدة تعمل بمعقوليّةٍ وعلمٍ ومنهجيّة نقديّة.
لا يمكنُ إنكار أهميّة ما عملت عليه بعض النّخب السياسية والثقافية من أقليّات وأغلبيّة، لكنها لم تستطيع أن تغادر اللحظات القديمة أو المعتقديّة، التي نما فيها فكرها ونخبويتها. وفشلت في مواكبة عصر جديد صعب يتطلّب فكرا وثقافة جديدين لاستقطاب الشعب العادي وتنويره ودعمه؛ لذلك وجب التّفكير بمخرجات جديدةٍ وقراءةٍ نقديةٍ للتّجربة السّورية التّاريخيّة سياسيّاً وثقافيّاً. فمسار العمل الوطنيّ للكرامة والحرية والحقوق، يتطلب عملاً طويلاً وصبراً و تأملاً نقدياً فردياً وجمعيّاً وجماعيّاً. التّوازن بين الأقليّات والأغلبيّة أمرٌ مصيريّ يتطلب الاعتراف بالآخر الأكبر والأصغر المتديّن وغير المتدين، العلمانيّ وغير العلماني، والاعتراف بحقوقه وعلى رأسها الثقافيّة من دون وصاية أو إقصاء مادام الجامع عدالة سياسية.

ولأنّ المجتمع السّوري في حربٍ، وتغييره مرتبطٌ بالتّغيير العالميّ وصراعاته وأزماته؛ فّإنّ الشّيء الواحد الممكن في وسط هذه الظروف هو أن يتحاورَ الجميع ويتشاورون ويتفاهمون بشأن المسائل المشتركة والقضايا السّياسيّة الأساسيّة المتعلقة بالعدالة والحرية والمساواة ويتعاونون كشركاء وطن ومصير، ويعملون بخطةٍ متكاملةٍ وتكامليّة لمجتمع بنظامٍ سياسيّ اجتماعيّ عادل بالرّجوع إلى القيم العامة الثّقافيّة والمعايير المتفق عليها. مجتمعات الحوار الوطنيّة الصّغيرة النشيطة ستكبر وتصبح جمهوراً واسعاً، لذلك يجب تفعيلها لتشكيل رأي عام متوازن يلبي مفاهيم دولة معاصرة ذات سيادة ونظام عدل وإنصاف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????


.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????




.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر


.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما




.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث