الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصول من معركة القدس المفتوحة

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 5 / 9
القضية الفلسطينية


تمثل المواجهات اليومية العنيفة في ساحات المسجد الأقصى، وقبلها ومعها في الشيخ جراح وباب العامود وكنيسة القيامة، حلقات في سلسلة واحدة من معركة القدس الطويلة والمفتوحة التي تخوضها إسرائيل كدولة احتلال ضد كل مظاهر الوجود الفلسطيني في القدس متمثلا بالمواطنين المقدسيين انفسهم، ومجرد وجودهم وبقائهم وصمودهم في مدينتهم، بالإضافة إلى جميع الرموز والتعبيرات الدينية والوطنية. وتبدو هذه المعركة غير متكافئة إذا قيست بعناصرها المادية واللوجستية، فدولة الاحتلال موحدة كحكومة وأجهزة أمنية وإدارية ومدنية، ومنظومة قضائية بعيدة عن قيم العدالة وتعتمد قوانين عنصرية جرى تفصيلها على مقاسات السيطرة اليهودية، وبلدية منحازة للمستوطنين ولبرنامج التطهير العرقي، تتفنن في التنكيل ب"مواطنيها" بدل تقديم الخدمات لهم.
وتبرز في مقدمة صفوف الهجمة الإسرائيلية الحالية جماعات المستوطنين والقوى المتطرفة مثل مجموعة "لهافا" وحزب القوة اليهودية برئاسة ايتامار بن غفير واتباع كهانا، والجمعيات الاستيطانية المتخصصة في سرقة الأرض والاستيلاء على العقارات بكل أدوات التزوير والابتزاز مثل جمعيتي إلعاد وهي أغنى الجمعيات غير الحكومية في إسرائيل، وعطيرت كوهانيم، وتحظى هذه الجمعيات بكل أشكال الدعم والإسناد والرعاية من الحكومة بالإضافة لما تحظى به من دعم مالي وفير من قبل جمعيات صهيونية ناشطة في الولايات المتحدة، الإسرائيليون إذن موحدون بتلاوينهم السياسية المختلفة من أحزاب يمينية ووسطية ودينية حريدية، بعضها مؤيد لنتنياهو وبعضها معارض له ولكنهم يجمعون على أن القدس الموحدة، اليهودية، هي العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل.
وفي المقابل يبدو الفلسطينيون الذين يواجهون جبروت دولة الاحتلال بصدورهم العارية، مجرّدين من كل وسائل القوة باستثناء ما يملكه الشبان والمواطنون من إرادة وإيمان بالحق، وبعض أشكال التنظيم الذاتي والعفوي التي تطورت ذاتيا خلال المواجهات، في حين يمنع اتفاق أوسلو وملحقاته السلطة الفلسطينية من ممارسة اي شكل من أشكال النشاط السياسي العلني في القدس، كما تمتنع الدول المانحة طواعية عن شمول مدينة القدس من برامجها لدعم الفلسطينيين، باستثناء برامج محدودة تنفذها بعض الصناديق العربية والإسلامية.
وإلى جانب العجز عن تقديم الإسناد والدعم المباشرين للمقدسيين، ما زالت المؤسسات القيادية الرسمية غارقة في مشكلاتها الذاتية الناجمة عن الانقسام والخلاف بشأن إجراء الانتخابات، وتتعاظم الخشية من العودة إلى حالة الاحتراب الداخلي والتآكل والانشغال بالذات بدل تجميع الصفوف واعتماد استراتيجية موحدة لمواجهة المخاطر والتهديدات الإسرائيلية.
تحاول إسرائيل اختزال قضية الشيخ جراح إلى خلاف عقاري بين المواطنين والمستوطنين، وتدعي أن المحاكم هي جهة الاختصاص للبت في هذه المسألة، وهي في ذلك تنكر الطابع السياسي للقضية سواء لجهة عدم شرعية قرارات ضم مدينة القدس المحتلة وتطبيق القانون الإسرائيلي عليها، أو الطعن في حجية الوثائق والمستندات الأردنية بشأن تأجير الأرض عن طريق وكالة الغوث، ومن ثم نقل ملكيتها للمواطنين المهجرين من بيوتهم في الشطر الغربي للمدينة، وتعتبرهم حكومة الاحتلال وقوانينها العنصرية غائبين عن مدينتهم التي لم يغادروها بتاتا.
تجدد المواجهات والمعارك وانتقالها من بؤرة لأخرى، من سلوان لجبل المكبر للعيسوية لساحات الحرم وباب العامود وباب حطة، لشعفاط والشيخ جراح وبيت حنينا، ثم عودة لصور باهر وجبل أبو غنيم، إلى جانب المعارك على المؤسسات والتعليم والتجارة والبناء والإسكان وحقوق لم الشمل وغيرها من شؤون الحياة، يثبت ان كل هذه الحلقات هي أجزاء من معركة القدس الكبرى، الهادفة لتنفيذ مخطط التطهير العرقي وخلق ظروف حياتية لا تطاق لتهجير المواطنين المقدسيين عن مدينتهم، قسرا أو طوعا، وليس سرا أن لدى الدوائر الإسرائيلية مخططات لضم مستوطنات تضم اكثر من 150 ألف مستوطن، وإخراج أحياء فلسطينية يقطنها أكثر من مئة ألف فلسطيني من مناطق نفوذ البلدية تمهيدا لحرمان سكانها من الهوية المقدسية، وبالتالي تقليص نسبة المقدسيين في القدس الكبرى من 38 في المائة حاليا، إلى أقل من 20 في المائة مستقبلا، ومن المؤكد ان إسرائيل تنتظر لحظة ضعف فلسطينية وعربية لتنفيذ هذا المشروع إلى جانب مخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى.
في الجانب الجماهيري والميداني يقوم المقدسيون وخاصة سكان الشيخ جراح والشبان والمرابطون في الأقصى، بما عليهم، بل هم يجترحون كل يوم بطولات ملحمية استحقت إعجاب العالم وشدّت اهتمامه وتعاطفه، كما يقدم مواطنو القدس بشكل عام إسنادا مهما لمواطني الشيخ جراح المستهدفين، ويرابطون في المسجد الأقصى وساحاته لحمايته من هجمات غلاة المستوطنين، كما يحظون بدعم ومساندة مهمة من جماهير شعبنا في المناطق المحتلة عام 1948.
لكن هذا الصمود البطولي ليس كافيا لوحده، فلا بد من تثبيت إنجازات المقدسيين ومراكمتها في اتجاه بناء واقع راسخ لا يمكن تغييره، وتعزيز هذا الإنجاز باعتراف دولي ودعم عربي وإسلامي، وكسر قيود الدعم والتنمية في القدس، وتعزيز صمود المقدسيين ودعم مؤسساتهم واشتقاق برامج وطنية وعربية وعالمية من واقع كون مدينة القدس مدينة عالمية ذات تراث إنساني خالد، والصراع فيها هو بين المنهج الأحادي الإقصائي الذي تمثله العقلية الاحتلالية المتطرفة الساعية لتهويد المدينة، وبين المنهج الذي يحمله الفلسطينيون الحريصون على طابع المدينة التعددي والتسامحي وهو الطابع الذي ميزها على امتداد القرون السابقة وفي جميع العهود والمراحل.
ومن المهم أن يدرك جميع الفلسطينيين قادة وعناصر ومواطنين، أن إسناد القدس ودعمها لن يتأتى عبر تهديد يطلق هنا او هناك، سواء كان لإطلاق صاروخ أو لإطلاق نداء أو إصدار تعليمات، بل إن افضل دعم هو الاستجابة لنداءات الوحدة وتقديم النموذج الفلسطيني الحريص على القضية الوطنية ومصالح الشعب العليا أكثر من حرصه على مكاسبه الفئوية، النموذج الذي ينحاز للقدس وينبذ الانقسام، ويحتكم لراي الشعب وإرادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كيفة ادارة اليهود للمجتمعات 1
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 5 / 9 - 13:21 )
اسرائيل ليست اكثر ذكاء في معاركها ضد بقايا امة ما بعد الاحتلال الانجليزي للوطن العربي فنهم من اعطي حكما ذاتيا باعلام ونشيد وطني واعلام تم تصميمها في لندن في وزارة المستعمرات الانجليزية والكل كان يحج الى لندن لينال شهادة شرعيته في حكم شعبه
ناتي بعدها لليهود الذين لم يكن لهم دولة او كيان سياسي طيلة 2000 عام بل كانوا منظرين وفلاسفة للشعوب التي عاشوا ضمن كياناتهم السياسية وصارت لديهم خبرة كبيرة في الادارة العامة للمجتمعات
ويقابلهم في الصراع والسجال السياسي اطقم عديمة الخبرة السياسية وغير ممثلين على الاقل اجتماعيا لشرائح شعوبهم
ناخذ جزئية القدس مثالا للتحليل
الشيخ جراح عبارة عن المنطقة الفاصلة حسب اتفاقات الهدنة بين امارة شرق الاردن واسرائيل وقد سموها اتفاق هدنة لانها مسخرة سياسية بمعنى الكلمة وعليها بنيت معاهدات ما بعدها
استعملت اراضي الشيخ جراح كمخيم تديره الاونوروا بعد استئجاره من حكومة الولاية العامة الاردنية لشراء الوقت وشرعنة الاراضي بتاعته كما شرعنت باقي اتفاقيات دول الاذعان الشيخ جراح الغربي وصار منطقة خارج الصراع بعد الاتفاقات كجزء من القدس الغربية او كما يسميها الاطفال اليهودية


2 - كيفة ادارة اليهود للمجتمعات 2
ابراهيم الثلجي ( 2021 / 5 / 9 - 13:36 )
اما عن صناعة الصراعات وتكييفها دينيا ونزع الصفة الوطنية عنها فقد كان الاقصى مسرحا لتلك الحالة والتجربة اليهودية الميدانية
فصار اي احتكاك يخص المسالة التحررية الفلسطينية يلبسوه الوشاح الديني بخباثة واضحة والمشكلة ليست هذه انما بعد ان صار فلمهم مكشوف لا زلنا نقع فيه
فانظلاق الشعارات من المسجد والحشد الجماهيري فيه للفعاليات والمظاهرات جعله عنوانا للصراع
فمن خلال الكاميرات العالمية يشاهد العالم طوشة مستمرة في ساحات المساجد التي الهدف المعلن لتوجدهم هناك هو الصلاة فيرى العالم عكس ذلك وانما الصلاة ذريعة لافتعال الاشتباك فاتخذ المتابعين عالميا لقضية القدس انها صراع ديني مفهوم يحكمه تعصب الانسان لدينه فطريا
وتناسى الراي العام العالمي وطنية قالونيا وابو غوس وعين كارم كجغرافيا لها اصحابها وفلاحيها الذين اصلحوها بعرقهم فصارت جنة
لان الشعب لم يوجهه احد لهذا خط التماس بل هلموا الى المساجد واعلان النفير وغيرها من شعارات عاطفية لا تاتيك باي حقوق
وصار الاحتلال يسهل فتح المساجد ويشجع من يلقون الحجارة منها لاخذ لقطات توحي بحرية العبادة والتي تفسدها حجارة المنتفضين ولا حديث بعدها يبقى عن وطن

اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل