الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخاباتُ القادمة: مشاركةٌ فاعلة أم مقاطعةٌ إحتجاجيةٌ عارمة؟

وليد سلام جميل
كاتب

(Waleed Salam Jameel)

2021 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


لعلّ الإنتخابات المزمع إجرائها في شهر تشرين المقبل، أبرز موضوع يشغل فكر العراقيين هذه الأيام. والتساؤل الأكبر: هل الإنتخابات القادمة تمثّل حلًّا لأزمة النّظام السياسيّ في العراق؟
قبل الإجابة عن التساؤل أعلاه، من الضرورة مراجعة نسب المشاركة في الإنتخابات الأربع السابقة، لنقيس إنطباع المواطن العراقي عن العملية الانتخابية وجدواها. كانت أول انتخابات نيابية في سنة 2005، بنسبة مشاركة 79.6%، تلتها انتخابات سنة 2010، بنسبة مشاركة تُقدّر بحوالي 62.4%، ثمّ جاءت انتخابات 2014، لتسجل نسبة مشاركة بحوالي 60%، وكانت آخر انتخابات في سنة 2018، بنسبة مشاركة بحدود 44.52%، حسب ما أعلنته المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات، إلّا أنّ وكالات أنباء عالمية عديدة وسياسيين بارزين وبعض أعضاء المفوضية لاحقًا، قد أكّدوا أنّ نسبة المشاركة الفعليّة لم تتجاوز ال20%!. يتبيّن من الأرقام أعلاه أنّ نسبة المشاركة في هبوط وليس صعود، ويُعدّ هذا الهبوط مؤشرًا سلبيًا وخطيرًا عن جدوى العملية الإنتخابية ونزاهتها في العراق. إذ تُبيّن الأرقام أنّ العراقيين فقدوا ثقتهم بالعملية الإنتخابية، خاصة في الإنتخابات الأخيرة التي أظهرت نسبة عزوف ومقاطعة تجاوزت ال80% من العراقيين، تلتها إحتجاجات عارمة، مطالبة بالإصلاح والتغيير، أدّت لتغيير في مسارات العملية السياسية والإجتماعية بشكل ملحوظ والإنتخابات القادمة [المبكرة] واحدة من هذه النتائج، إن تمّ إجراؤها بالفعل في موعدها المقرر.

إنتفاضة تشرين: من العفوية إلى التنظيم
لم يكن أحدًا يتوقع أن يصل الإحتجاج الشعبي الغاضب إلى هذا المستوى المذهل في تشرين من سنة 2019، مستمرًا بعدها بصعود ونزول متفاوت نتيجة مؤثرات داخلية وخارجية عديدة. إنطلق الحِراك الشعبي بعفويّة تامة، ليهتف بشعار واضح، يختزلُ كلّ الشعارات الأخرى وهو شعار (نريد وطن). إستمرت الإحتجاجات لفترات طويلة، كان نتيجتها سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين، إلّا أنها لم تخرج من العفوية إلى التنظيم. رغم أنّ الكثير قد ينتقد هذه العفوية، إلّا أنني أرى أنّها لم تكن سيئة بهذا الحجم كما يتصورها البعض، كونَ الإحتجاج فعل لحظيّ عفويّ، ينتج نتيجة تراكم مسارات تاريخية، يتفجر في لحظة معينة فيبدو كأنه فعل جديد أو مولود جديد، والمولود الجديد من الصعب تنظيمه من جهة، ومن جهة أخرى، فإنّ المسارات الإجتماعية والسياسية في العراق من الصعب أن تسير بسيرورة تراكميّة متوائمة. لذلك كانت دعوات التنظيم تُجابه بالرفض، وغلب شعار (الوعي قائد) على شعار التنظيم والقيادة الواقعية، ولعلّ لهذا ما يبرره، فالكثير كان يتحيّن الفرص للصعود على أكتاف الإنتفاضة بدعوى القيادة، في ظلّ فورة غضب شعبيّة ثورية عارمة، لا تريد أن تُسرَقَ إنتفاضتها. يدلّ على ذلك ما تلى الصفحة الثورية، حيث ظهرت بدايات لتشكيل نَوَياتٌ تنظيمية، على البعد السياسي والإجتماعي، ما زالت في مرحلة التكوين والبناء. قررت بعض هذه التنظيمات الجديدة الدخول إلى المعترك السياسي، وقررت المشاركة في الإنتخابات القادمة، لنقل المعركة من الشارع والساحات إلى قبة البرلمان كما يعبّرون، إلّا أنها لم تستطع لهذه اللحظة، تقديم برامج فعّالة وموضوعية لبناء الدولة، ولم تستطع أن تشكّل قواعد جماهيرية فاعلة، كونها تشكيلات جديدة تفتقد للخبرة وللوقت المناسب لإتمام العمليات والسياقات الصحيحة لتكوين أحزاب أو تنظيمات سياسية فاعلة بديلة.
أصعب ما تواجهه التنظيمات السياسية الجديدة، المنبثقة من الساحات الإحتجاجية، هي الساحات نفسها. فالساحات اليوم منقسمة على نفسها، بين مؤيد للعمل السياسي ومعارض، يدعم الأول المشاركة الفاعلة في الإنتخابات، فيما يدعم الثاني خِيار المقاطعة. لم ينتهِ الموضوع هنا، بل أنّ هذا الخلاف تحوّل إلى تسقيط وتخوين وتنابز بين الطرفين. يبدو أن المشكلة الأساسية التي نعاني منها على مرّ العصور، أننا نحبّ أن نتكلم أكثر مما نستمع، ونجادل أكثر مما نتناقش بحيادية وموضوعية. مشكلة الطرفين أنّهما لا يستمعان لبعضهما، وهذا يسبب عدم فهم الآخر وتقدير مستوى قناعاته، ومن دون حوار وإنصات لبعضنا لن نتقدم خطوة إلى الأمام.

المشاركة أم المقاطعة؟
من المهم أن نفهم أن الانتخابات عبارة عن عملية متكاملة وليست إقتراعًا فقط. لا شكّ أن الإقتراع جزء من العملية الانتخابية، التي تتكون من مراحل عديدة وآليات معينة، من دونها لا يمكن أن نسميها عملية إنتخابية، ومثاله الانتخابات في زمن النظام السابق أو النظام السوري الحالي وما شابه، فهناك انتخابات، لكن لا توجد عملية إنتخابية، كما أن في العراق ديمقراطية ونظام برلمانيّ كمسمّى مثلًا إلّا أن الواقع لا يشير لذلك!. ففي الوعي المجتمعي أصبحت الإنتخابات في العراق تشبه المثل المشهور: " تُريدُ أرنبًا؟ خُذْ أرنبًا؛ تريد غزالًا؟ خُذْ أرنبًا!".
الواضح أن الإنتخابات القادمة ليس فيها سياق العمليات الانتخابية النزيهة والمُطمئِنة، قياسًا من إنتخاب أعضاء المفوضية بالمحاصصة الحزبية المعروفة إلى سلاح الأحزاب الراديكالية المنتشر والمهدد للسّلم الأهلي وللعمل الديمقراطي. فكيف يأمن مرشح على نفسه في ظلّ أحزاب تستخدم المال السياسي والسلاح لتكميم الأفواه؟! وكيف للمواطن التحقق من إختيار المرشح المناسب في ظلّ تجارب سيئة سابقة علقت في ذاكرته؟! هذه أسئلة ملحّة على تيار المشاركة الفاعلة أن يفكّكها ويجدَ لها حلولًا موضوعية. من الغريب أنّ الكثير من أصحاب هذا الإتجاه يطرحون أسئلة غير منطقية على التيار الآخر المقاطع، فإن قال لهم أحد أن التشكيك بالإنتخابات عامل أساسيّ يدفعنا للمقاطعة، يجيبه بلا تريّث: وما هو الحلّ برأيك، هل تريدنا أن نستخدم السلاح؟! كأنه لا خيار آخر؛ إمّا الانتخابات أو السلاح. يمكن أن يطرح الطرف المقاطع نفس التساؤل بصيغة أخرى: هل الإنتخابات حلًا في ظلّ سلاح قوى السلطة وقوى اللادولة؟!. ولا أحسبُ أن التيار الداعم للإنتخابات سيجد جوابًا منطقيًا مقنعًا، غير التحدث عن الأمل بدل السياسة والواقعية. ثمّ أنني أرى البعض يتهم جمهور المقاطعين بأنهم متأثرين بالخطاب الحزبي الذي يصفونه بأنّه يدفع أتباعه للمشاركة الفاعلة ويحبّط من عزيمة أصحاب حلم التغيير، بدفعهم للمقاطعة، وهنا يدين نفسه من حيث لا يشعر، فإن استطاعت قوى السلطة التأثير على الغالبية المعارضة لهم بهذه الطريقة، فعلى قوى دعم المشاركة الانتخابية الفاعلة أن تراجع أوراقها وتعيد حساباتها وخطاباتها لتقنع هذه النسبة الكبيرة من دعاة المقاطعة.
نعود إلى قوى المقاطعة، ونتساءلُ عن آليات التغيير التي ينشدونها. في الحقيقة فإنّ هذا التيار يدعم العمل الإحتجاجي كورقة ضاغطة تؤدي في النهاية إلى إنهيار النظام بعد ترهّله، خصوصًا وأن النظام السياسي في العراق ميّت سريريًّا لولا التنفيس الإصطناعي الذي يتلقاه من دول خارجية. ولعلّ خِيارهم هذا فيه وجهة نظر يجدرُ قرائتها والتمعن فيها. فهذا الطرف يرى بأنّ المقاطعة إن لم ترفع الشرعية عن النظام تدريجيًا، فعلى أقلّ تقدير أنّها لا تساهم في عملية محسومة مسبقًا، لتستخدم الأحزاب السياسية وقوى اللادولة هذه المشاركة لضرب أي حِراك إحتجاجي مستقبلًا، بدعوى أن النتائج كانت نتيجة مشاركتكم ولا يحقّ لكم الإعتراض على العملية الديمقراطية!. وهذه المخاوف، مخاوف موضوعية منطقية، فلا يمكن لأحدٍ ضمان عملية إنتخابية نزيهة، خاصة وأننا نشاهد كيف تستعد القوى الراديكالية لتقسيم النفوذ ومقاعد البرمان منذ الآن، وتُعارض الإشراف الأممي بدعوى خرق السيادة، وهناك تهديدات بالتصفية الجسدية للمعارضين مستمرّة بشكل ممنهج.
أرى أنّ تبني رؤية وسطية معتدلة وإستماع كلّ طرف للطرف الآخر من دون عُقد وأفكار مسبقة تغلقُ القلوب والعقول قبل الآذان أمر ضروريّ جدًا، لحسم الخِيارات بقراءة سياسية واقعية. أتصوّر أننا بحاجة لمعارضة سياسية خارج منظومة النظام السياسي القائم، تعمل على بناء نفسها بناءًا صحيحًا وفق برامج عمل رصينة وقابلة للتطبيق، إستعدادًا للحظة تاريخية من أجل بدأ العمل السياسي المستدام طويل الأجل، وليس تشكيل مشاريع إنتخابية تنتهي بإنتهاء الإنتخابات وتوزيع المقاعد. ليس بالضرورة أن تكون المعارضة السياسة جزءًا من العمل في النظام السياسيّ القائم حاليًا بشكله المشَوَّه، بل يمكن أن تمثّل هذه المعارضة ورقة ضغط كبيرة خارج النّظام السياسيّ، ترتبط بالشارع وحِراكاته الإحتجاجية، لتنتج معادلة معارضة سياسية-شعبية، تتخذ الشارع درعًا لها، حتى تأتي اللحظة المواتية وقد ركّزت دعائمها بالشكل المطلوب لقيادة البلد. بهذه المعارضة السياسية-الشعبية، يمكن للحِراك الإحتجاجي أن يسلك مسار مقاطعة الإنتخابات مثلًا، ليكون خِيار المقاطعة خِيارًا شعبيًا مدعومًا بمقاطعة سياسية هادفة تمثل الخط الإحتجاجي، لأنّ كثيرًا من القوى السياسية الجديدة ستصطدم بمعارضة شعبية لها من قبل ساحات الإحتجاج نفسها، وستكون في قائمة الأحزاب الفاسدة السابقة في المُخيّلة الشعبية. لذلك على القوى الإحتجاجية أن تحسب حساباتها جيدًا، لأنّ النّظام السّياسي القائم أثبتَ فشله، ومن المتوقع أن يحرق كلّ مَن يدخل في خرائبه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت