الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برنامج المحايد في منتصف الطريق

ماجد فيادي

2021 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


يسميها السياسيون هامش من الديمقراطية تختلف عن زمن الدكتاتورية التي عاشها العراقيون قبل سقوط الصنم واحتلال البلاد، هكذا هو حالة العراق اليوم، وقد فتح هذا الهامش بابا ضيقا تسلل منه برنامج المحايد بعد محاولات عديدة، تنقل بين فضائيات مختلفة يحمل هموم المقدم على مدى سنوات عمره، عندما ولد في عائلة ذات انتماء اسلامي شيعي، تطور في سن مبكرة الى عمل سياسي سرعان ما انتهى، ثم رجل دين ومن بعده الى صوفي لم يرى النور، حتى انتهى به المطاف في شخصية اعلامية مثيرة للجدل بمجال عمل كله جدل.
برنامج المحايد للاعلامي د. سعدون محسن ضمد جاء ليرفع الضيم عن برنامج المراجعة وان كان بطريقة مختلفة لمواضيع وضيوف وأحاديث تمت بصلة لبرنامج المراجعة، لكن من بعيد، كلا البرنامجين يحملان هم التنوير والحوار بهدف فتح العقول وخلق جو معرفي ووعي جديد، المحايد برنامج ريادي في زمن الانغلاق الفكري.
البرنامج يعده فريق عمل دؤوب ويبحث في كل زاوية عن باحث يسلط الضوء على التاريخ، يكتب احداثا بطريقة منهجية، لكنها بقت حبيسة حلقة ضيقة من القراء، ليس لان كتاباتهم لا تحمل الجدية والاهمية، انما سوقها محدود بسبب سياسة الحكومات العربية الدكتاتورية منها ونصف الدكتاتورية، فريق الاعداد ذهب بعيدا في بحثه عن نتاجات الضيوف لدرجة انهم يطرحون على الضيف فقرات من كتبه في الحوار.
تابعت البرنامج في زحمة مسلسلات رمضان وبرامج الفضائيات العراقية التي تقدم اسوء ضيوف من برلمانيين فاسدين ووزراء لا يستحقون الاحترام، وسط فوضى الفوضى الخلاقة، التي لم تخلق لنا لليوم اي نتيجة ايجابية غير الديمقراطية المعلبة، البرنامج يعرض على القناة العراقية الفضائية التابعة للحكومة العراقية، والتي طالما اكد مقدمي برامجها انها تعمل على اظهار منجزات الحكومة، فهل اختلف الحال هذه المرة؟
متابعاتي للبرنامج تتوقف عند بدايات شهر ايار، وما يحتويه المقال لا يتعدى حدود تلك الايام، عليه قسمت مواضيع حلقات البرنامج الى الاقسام التالية:
1. التاريخ الديني لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بحث فيه الاستاذ فاضل الربيعي، الذي حمل معوله وحطيم كل الاوثان الدينية التي كنا نقدسها نتيجة ثقافة مدرسية مبنية على مؤلفات مستشرقين، منحوا بقدرة قادر المنزلة العلمية وامتلاك الحقيقة، ثم استدار الاستاذ الربيعي ليعلق فائسه برقبة رجال الدين، كونهم حرصوا على تقديم تفاسير هشة للقرآن الكريم. ولا يمكن هنا تغافل الباحث سعيد الغنامي في حلقة مهمة عندما اكمل على ما بدأه الربيعي.
2. الايديولوجيا ودورها في المجتمعات العربية، فقد حرف دورها من وسيلة استرشاد الى اداة تخويف وتظليل للمجتمعات، ادت في النهاية الى خلق مفاهيم مغلوطة تتعارض في ممارساتها مع اصل الفكرة والنظرية، مثل الامة والوطن والعلمانية والعولمة والماركسية، تناول هذه المفاهيم باحثين مختلفين اذكر بعضهم، كريم مروة ودكتور فالح مهدي ودكتور حيدر سعيد والباحث حسن حنفي واخرون لا يقلون اهمية.
3. الانقلابات العسكرية في الدول العربية مثل العراق وسوريا وليبيا ومصر، دورها فينكران الجميل للدول الاستعمارية التي منحت تلك الشعوب دولا لم يكونوا ليتمكنوا من اقامتهافي ظل الاحتلال العثماني، وفق رأي الباحث العراقي الراحل فالح عبد الجبار، الذي ايدها الباحث العراقي دكتور فالح مهدي، ثم اضاف عليه الباحثان السعوديان عبدالله الغذامي والدكتور توفيق السيف، ان النموذج الغربي والدول العربية التي حافظت على شكلها كملكيات وامارات اثبتت نجاحها واستمرارها على عكس الجمهوريات التي سقطت في فخ الدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان.
4. الاسلام السياسي الذي جرى التطرق له ليس كمحورا اساسيا، انما اسئلة مررت في عدة لقاءات على ضيوف لم يترددوا في تعريته، باعتباره انقلاباً على الدين لمصلحة حركات وشخصيات وفق تفاسير تتعارض مع النسق التاريخي والعلمي وتطور المجتمعات في مختلف بقاع العالم، لكن للاسف لم يتطرق البرنامج ولا الضيوف الى الحداثة ودورها في تقدم المجتمعات، اما لاسباب سياسية وخطوط حمراء في العراق وبلدانهم، او نتيجة فهم للواقع الاجتماعي الذي لم يتقبل العلمانية فما بالك بالحداثة، علما ان بعضهم تناولها سريعا بطريقة سلبية واخرون بطريقة ايجابية.
بعد هذا الايجاز لو كان من المناسب الرد على بعض آراء الضيوف الذين كانوا مخلصين لخطهم الفكري ولم يحيدوا عنه، فلا بد من اخذ عدد من القضايا على محمل الجد، لا التعامل معها على انها آراء قيلت في سياق حديث، بل هي افكار يراد التثقيف بها، في زمن يبدو عليه ضبابية الطريق وسط تضارب المفاهيم.
مثلا ان الدولة العراقية كانت هدية من الاستعمار البريطاني لم يجري التعامل معها بطريقة تصب في مصلحة الشعب العراقي، والحقيقة ان بريطانيا جاءت للعراق ليس بهدف تاسيس دولة انما فرض ارادتها وتحقيق مصالحها كدولة مستعمرة لمنطقة غنية بالموارد الطبيعية والبشرية واهميتها الجغرافية، ولم تكن حالة الوعي الملغومة بالوعي الايدلوجي والوطني الحديث برفض المستعمر، غير رد فعل انساني لما عاشه الشعب العراقي من ظلم على يد المحتل واعوانه من العراقيين، الذين ابقوا العراق في عصر الاقطاع والعبودية والارتهان لمصالح المحتل، أما سير الجمهورية العراقية باتجاه الدكتاتورية وانتهاك حقوق الانسان، فهو لم يتم الا نتيجة لوعي ديني وعادات وتقاليد قديمة، ممزوجا بتخطيط وتنفيذ القطب الامبريالي بعد الحرب العالمية الثانية، وقد اشار لذلك عدد من ضيوف البرنامج.
كان واضحا ان دعوة قد جرت عبر بعض ضيوف البرنامج، تثقف بان الانقلابات العسكرية في العراق وسوريا ومصر تعارضت مع النموذج الغربي، فكانت النتيجة ان انقلبت الجمهوريات الى دكتاتوريات على عكس الملكيات والامارات التي استمرت ونجحت في احترام حقوق الانسان، مثل دول الخليج ومملكة المغرب، هنا يجب التوقف عند قول (بتصرف مني) الاستاذ زهير الجزائري ان بعض هذه الامارات هي مجتمعات صغيرة تنعم بموارد مالية عملاقة ليست بحاجة الى تنظيمات سياسية لتقودها وفق مفاهيم حقوق الانسان، لكن هذا لا يمنع ان غياب التنظيمات الحزبية يمثل حكم العشيرة والعائلة والدكتاتورية، ومن الجدير بالذكر أن العديد من الملكيات في العالم ذهب الى الاطر الديمقراطية والحياة السياسية الفعالة لتسيير حياة الدولة، وهي تؤكد بذلك ان الدستور والتنظيمات الحزبية هي الاساس لبناء الدولة الحديثة، بعد ان يتحقق عنصري الارض والشعب بدعم الممارسة الديمقراطية.

من المثير للانتباه ان طرحا تناول الاديولوجيا على انها وسيلة سياسية لاخافة معتنقيها من الاخر، اتضح في تناول الماركسية والرأسماية والاسلام السياسي عبر مفاهيم الستالينية والعولمة والمذهبية الدينية، ما اراه ان فوضى طرح المفاهيم لا يترك مجالا للمتلقي ان يفرزن المصطلحات عن بعضها، وهنا لا اتردد في ان أأكد بان البرنامج بمقدمه واعداه قد ارتكب خطأ فادحا، عندما طرح مفاهيما كبيرة دون ان يضع لها تعريفات او اسس اتفاق بين الضيوف، مثلا يجري الحديث عن حالة 14 تموز بعقلية اليوم، بوصفها انقلابا ومرة ثورة، بعيدا عن اسباب قيامها وشخصيات منفذيها وما آلت اليه الحياة لاحقا، عندما يوصف الحزب الشيوعي العراقي بانه في زمن 14 تموز كان مراهقا، لا يجري ربط ثقافة اعضائه بثقافة المجتمع العراقي حينها، وكأن المطلوب منهم ان يكونوا مختلفين فقط لانهم شيوعيون، عندما تذكر حقبة الملكية العراقية ولا تذكر الممارسات اللاانسانية كونها اسست لمفهوم العنف السياسي باعدام قيادات من الحزب الشيوعي العراقي بسبب انتمائهم السياسي، ونفوذ الاقطاع والمرجعية الدينية، والتغاضي عن فتوى دينية ادت الى قتل العديد من العراقيين وترميل وتيتيم اخرين،فن الفوضى ستعم المفاهيم، كل هذا يذوب في البرنامج امام دعوى التفريط بمكسب الدولة العراقية التي منحها لنا الاستعمار، واستخدام الايدلوجيا كوسيلة تخويف بيد الاحزاب.
ما اريد طرحه في هذا المقال ان البرنامج فتح بابا كان قد اغلق منذ زمن بعيد، الا وهو حوار التنوير، شاء المقدم وفريق الاعداد ام ابوا، فقد اثار البرنامج حزمة من القضايا كنا بحاجة الى تناولها بعقلية مفتوحة حتى نصل الى فهم مشترك لجملة من المفاهيم الشرقية والغربية التي تتحكم بحياتنا، ولا بد ان نفهم ان العالم لا يعمل بمفهوم رد الفعل على العكس من مجتمعاتنا الشرقية، ولا يؤمن بالقدرية والغيبية، هناك دائما دراسة تفصيلية علمية وتخطيط مستقبلي لا يعتمد فقط على العلوم التطبيقية، انما يهتم كثيرا بالعلوم الانسانية لما لها من تاثر مباشر على حياة المجتمعات، وهذا ما نجح البرنامج في اثارته في نقاش قد يستمر لحلقات اخرى قادمة لا ترتبط بشهر رمضان فقط. شكرا للدكتور سعدون محسن ضمد على ما يثيره من نقاش حول قضايا محورية في حياة الشعب العراقي، والشكر موصول لفريق الاعداد على هذا المجهود الاستثنائي، ولا بد من التاكيد ان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى