الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب بوش الخاسرة

يعقوب بن افرات

2006 / 8 / 4
الارهاب, الحرب والسلام


ما يحدث في الصومال والعراق يشير الى ان السياسة الامريكية المتهورة، تقوّي عمليا الاسلام المتطرف. امريكا تفقد طريقها، وكل مكان تدخل اليه يتحول الى مرتع للفوضى: افغانستان، العراق، فلسطين والآن الصومال. الامبراطورية تتورط وتحفر قبرها بيديها.
يعقوب بن افرات

في مطلع شهر حزيران سيطرت الميليشيات التابعة لجماعة "اتحاد المحاكم الاسلامية" على مقديشو، عاصمة الصومال. سقوط العاصمة يشكل ضربة جديدة للادارة الامريكية. المخابرات الامريكية المركزية، السي.اي.ايه، دعمت مجموعات المرتزقة الصومالية، لالقاء القبض على جماعة تنظيم القاعدة المسؤولين عن تفجير السفارتين الامريكيتين في كينيا وتانزانيا. ولكن المجموعة التي راهنت عليها امريكا لم تفلح في العثور على افراد الخلية، بل وفقدت السيطرة على مقديشو، لصالح تنظيم اسلامي اصولي لا يُخفي علاقته بالقاعدة وطالبان في افغانستان.

وبما اننا ذكرنا طالبان، فتجدر الاشارة الى ان امريكا باتت تجر اذيال الفشل في افغانستان، التي أعلنت عليها اولى حروب القرن الحادي والعشرين. حركة طالبان استعادت السيطرة على المناطق بجنوب افغانستان التي انسحب منها الجيش الامريكي ودخلتها القوات الكندية. السياسة الامريكية في افغانستان تنهار، بعد ان فشلت كل المحاولات في اعادة اعمار الاقتصاد، وبعد ان اقتصر نفوذ حكومة حميد كرزاي على العاصمة كابل ونواحيها.

ولا يتوقف الحظ العاثر للامريكان عند هذا الحد، بل بدأ التحالف بين كرزاي والاقلية الطاجيك الذين تجندوا لصالح الامريكان، يتفكك بفعل تفضيل كرزاي القبائل البشتونية التي ينتمي اليها على حلفائه الطاجيك.



الحرب على الارهاب

الحقيقة ان بوش أعلن الحرب على المنظمات الارهابية، غير انه ابدا لم يحاربها بشكل منهجي. بدل الامساك ببن لادن، طلب بوش رأس صدام حسين، وهنا يكمن خطؤه الاستراتيجي. لقد اجتهد بوش لايجاد علاقة للعراق باحداث 11 سبتمبر، وبعد ان فشل في العثور على علاقة كهذه، فبركها. صحيح ان صدام وصل الى قفص الاتهام، الا ان مساعدي بوش الاقرب اليه ماثلون هم ايضا امام المحاكم، ويواجهون تهما بتضليل شعبهم والكذب عليه في شأن الحرب على العراق.

لا شك ان الحرب على العراق تغذي الارهاب وتقوي القاعدة. فقد مكّنت الحرب حركة طالبان من اعادة تنظيم نفسها على اراضي افغانستان، في حين وجدت القاعدة ارضا خصبة للنشاط في العراق بين الاقلية السنية التي سلبتها الشيعة مقاليد الحكم. اذن، امريكا نفسها التي اسقطت نظام صدام، هي التي حوّلت العراق الى قاعدة اساسية لتنظيم القاعدة، الامر الذي كان مستحيلا زمن صدام حسين.

لقد تكرر الامر نفسه اثناء حرب الامريكان على السوفييت في افغانستان. فقد شجعوا الاصوليين الاسلاميين، وهو نفسه التيار المتطرف الذي تحول لاحقا الى اسم مرادف للارهاب العالمي. بن لادن هو صنيع امريكي، وربما هذا هو السبب في ان البيت الابيض لا يبذل للقضاء عليه عشر الجهد الذي بذله لالقاء القبض على صدام.

والآن، وفيما الامريكان يُحصون قتلاهم ويفتشون دون جدوى عن استراتيجية للخروج من العراق، فانهم لا يجدون الوقت لادارة الحرب على الارهاب. بن لادن يستطيع ان يواصل بحرية ارسال شرائط الفيديو المصورة والمسجلة، حتى تتاح له امكانية ارسال منتحريه لتنفيذ عملياته على النحو الذي يتمناه.

هكذا يبدو حال الحرب العالمية على الارهاب التي اعلنها الرئيس بوش بعد احداث 11 سبتمبر، وحوّلها الى مشروعه الرئيسي. لقد ظن انه يعمل بامر الهي، وكان واثقا بان النصر حليفه، حتى انفجرت الحقيقة في وجهه. بوش كما يبدو لم يسمع، او لم يفهم، جيدا الامر الالهي، وعلى هذا الخلل فانه يدفع الثمن بهبوط شعبيته وتهديد المستقبل السياسي لحزبه. وليس هذا فحسب، بل ان ما يحدث في الصومال، افغانستان والعراق يشير الى ان سياسته تحقق عكس اهدافها، وتؤدي الى تقوية الاسلام الاصولي المتطرف.



العراق، ايران وفلسطين

ولكن مركب الحمقى يواصل الاقلاع. اليوم عندما تقوم ايران، التي يعرّفها البيت الابيض كدولة ارهاب، بالتصريح علنا انها تعمل على تطوير سلاح نووي، يرد الامريكان بالعجز. لقد نسوا فجأة سياسة الضربة الوقائية ضد الدول التي تطور اسلحة الدمار الشامل، ويطلبون بدل ذلك التفاوض. كيف حدث ان غزا الامريكان العراق التي انكرت حيازتها للسلاح الكيماوي، بينما تُعلن جارتها عن تطويرها للسلاح النووي، وتحظى برد مختلف؟

الجواب يتعلق بالمكانة الاقليمية التي تتمتع بها ايران. فايران دعمت الغزو الامريكي للعراق، وهي العدوة اللدود لطالبان، ومهددة بالاسلام السني الاصولي. الوضع الجيوسياسي النابع من محاذاة ايران لافغانستان والعراق، يجعلها طرفا للحوار بالنسبة للامريكان، وذلك على اساس مصالح مشتركة تسعى لمنع سيطرة السنة على العراق وافغانستان.

ولا يمكننا انهاء المقال دون التطرق للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني، الذي يشكل مشهدا محليا لمسرحية العبث العالمي. مع اندلاع الحرب في العراق في ربيع 2003، رأى الامريكان والاسرائيليون في سقوط صدام تمهيدا لسقوط ياسر عرفات. "عصر الطغاة انتهى"، هكذا بشروا الدنيا. "اذا كانت الشعوب عاجزة عن مواجهة حكامها، فسنساعدها على ذلك"، كانت هذه لسان حالهم.

في الايام التي بدا فيها كل شيء ممكنا، ارغم الامريكان، بمساعدة الرباعي، الرئيس عرفات على استحداث منصب رئيس الحكومة ليشغله ابو مازن، وعلى ان ينقل اليه بعض صلاحياته، بما فيها الامنية. في البداية اعترض عرفات، الا انه سرعان ما رضخ بعد ان بدأت الدبابات الامريكية تتقدم في فيافي العراق. هكذا تحول ابو مازن، عزيز بوش، الى رئيس الحكومة الفلسطيني الاول. ولكن منذ ذلك العهد تغير الكثير.

صحيح ان نظام صدام سقط وان عرفات توفي، الا ان الواقع في فلسطين لا يزداد الا تعقيدا. الانتخابات الديمقراطية التي باسمها خرج بوش الى حملته الصليبية، اوصلت حماس الى السلطة. هكذا حصلنا، ويا للغرابة، على رئيس حكومة من حماس، يتربع على نفس الكرسي الذي ضغطت امريكا لاستحداثه بهدف اضعاف عرفات.

يبدو ان إله بوش يضحك عليه من الاعالي، ويقول له "اردت ان افحص ذكاءك. لم اقصد حقا ان ابعث بك الى حرب يفهم كل عاقل انه ليس من الحكمة التورط فيها". لقد فقدت امريكا طريقها، وكل مكان تدخل اليه يتحول سريعا الى مرتع للفوضى: افغانستان، العراق، فلسطين واليوم الصومال ايضا. الامبراطورية تتورط وتحفر قبرها بيديها.

رغم غياب اي بديل للهيمنة الامريكية، فلا شك ان الفراغ الذي تسببه، يفتح امامنا مرحلة تاريخية جديدة. هناك حاجة عظيمة لملء هذا الفراغ بسياسة عالمية جديدة مؤسسة على التعاون والتضامن العالمي، وعلى الاحترام المتبادل بين الشعوب، بعيدا عن قوانين الغاب الرأسمالي الذي حوّل العالم الى جحيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المجر بقيادة أوربان تتسلم الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي..


.. الانتخابات التشريعية الفرنسية.. التجمع الوطني: الإغواء الأخي




.. انتخابات فرنسا.. ماذا سيحدث إذا لم يحصل أحد على أغلبية مطلقة


.. مستقبل غزة في -جيوب إنسانية- .. ملامح -اليوم التالي- تتكشف




.. إسرائيل تعتزم بدء المرحلة الثالثة من الحرب على غزة خلال أيام