الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوسط المعتل والفعل الأجوف: عن التعددية الحزبية في المغرب

عبد الإله بوحمالة

2006 / 8 / 4
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


وضع التشرذم الذي آل إليه المشهد الحزبي في المغرب، دليل واضح على حالة الاعتلال والاختلال وفقدان التوازن. فالتعددية، المحتفى بها من قديم، أصبحت لا تنتج، في واقع الحال، سوى إضافات صورية على مستوى الكم والعدد. وأصبح التعدد الحزبي رديفا لمسلسل الإفراط والانفراط والزيغان عن إطار الضوابط التنظيمية وعن الحدود الدنيا للعقلانية.
هذه الحالة يمكن أن نجد لها أسبابا ومسببات، في صلب الأحزاب نفسها.. أو في نمط علاقتها بالسلطة والحكم.. أو في حجم التراكمات التي راكمها التاريخ السياسي السلبي للأحزاب.. أو في المناخ السياسي العام وتفاعلاته.. أو في سلوك النخب السياسية وتحولاتها.. أو في "مرونة" القوانين المنظمة لتشكيل الأحزاب!.. أو ربما في كل هذه الأسباب متضافرة وفي غيرها..
لكن ما يعنينا في هذا المقام هو نتيجة هذا الاعتلال، وهي ماثلة للعيان ولا تحتاج إلى دليل. فالشكل الذي يفرز به السياق السياسي في المغرب نموذجه التعددي حزبيا يتجه طردا نحو التسيب والانحطاط، إذ على سبيل المثال لاتزال التنظيمات الحزبية تنشأ من فراغ بقوة الإيعاز والإرادة الفوقية الموجهة من سلطتي القرار والمال.
ولايزال الهدف من إنشاء هذه الأحزاب يختصر غائيا في الطموح الشخصي المحدود للمؤسسين في خوض غمار الانتخابات باعتبارها منفذا للسلطة والمناصب والمكاسب حينما لا يجدون تزكية من الأحزاب القائمة.
كما لاتزال الأحزاب تقتصر في خروجها إلى الوجود على "فبركة" ارتجالية متعجلة للهياكل والأوعية الشكلية الخارجية، دون صياغة سياسية أو إيديولوجية أو توضيح للمرجعيات، ودون تأسيس على قواعد الاستمرارية والديمومة والارتكاز إلى سند شعبي وممارسة الدور السياسي كاملا.
ثم أخيرا، وهذا هو الأنكى، لا تزال آفة الانقسام والتفتت المستحكمة مستمرة في تفريخ سلالات من الأحزاب الضعيفة على خلفية صراع وتجالد الزعامات وغياب الديموقراطية الداخلية واستثباب التناحر والانقسام بشكل مفرط.
بطبيعة الحال، لا يمكن المجادلة، نظريا، في أن التعددية الحزبية أمر مطلوب ومحبذ في الأنظمة والمجتمعات التي تنخرط في مشروع ومنهجية ديمقراطية، فهي التعبير الحقيقي عن مكونات المجتمع وخرائطه السياسية والفكرية، وتواجدها في الدينامية السياسية ضروري لبلورة الأفكار والمبادرات والبرامج، كما أنها دليل على حراك وتدافع نشيط يصرف على نحو سلمي، قانوني، ومنظم. وبالتالي فإن الدور الذي تلعبه الأحزاب السياسية دور محوري لا يمكن منازعته أو الاستغناء عنه أو تفويضه أو تفويته لأي جهة أخرى وتحت أي عنوان من العناوين.
غير أن الديمقراطية نفسها قد تتضرر، في المقابل، وقد تصاب في الصميم بسبب اعتلال إحدى أدواتها الأساسية. فالتكاثر الشكلي المفرط إذا لم يكن انعكاسا لحالة تعدد سياسية وفكرية وإيديولوجية موجودة في المجتمع، وإذا لم يكن تمثيلا لأطياف اجتماعية.. أو حساسيات طبقية.. أو نخبوية.. أو حتى مصلحية.. سينتهي بلا شك، إلى تزاحم الأشباه وإلى جوقة من التكرار والفوضى، تقلل من فعالية العمل الحزبي ومصداقيته، وتفرز نسيجا مرقعا واهنا ومتداخل الألوان، كما تعطل، على صعيد ممارسة السلطة وتدبير الشأن العام، حركة المنافسة والتداول وتبادل الأدوار، وتضعف طاقة التكتل والتحالف والانسجام لصالح احتمالات التمزق والفرقة والتنافر.
إن تدارك هذا الوضع الاستثنائي عن طريق ما يسمى بالترشيد رهين بزاوية الرؤية والمعالجة ومنطلقاتها، وبالقيمة التي تسبغ سلبا أو إيجابا على وظيفة الأحزاب ودورها. فقد لا يعني مطلب ترشيد المشهد الحزبي، بالنسبة لطرف كالدولة مثلا وهي المهيمنة على الفعل السياسي، سوى مزيد من التقنين والنصوص التنظيمية الضابطة وتطويق الرقعة ما أمكن بما يتماشى مع استراتيجياتها في الإمساك بخيوط اللعبة ومراقبتها وتوجيهها.
وقد تتعامل معه بعكس هذا المنظور تماما، إذا كانت مصلحتها تقتضي ترك الباب مواربا أو مفتوحا على مصراعيه لكل من هب ودب بغية ضرب عوامل التماسك في الحياة السياسية، وتدبير المشهد وفق مبدأ "فرق تسد".
وقد يتأسس الترشيد لسبب من الأسباب المضمرة على مبادئ انتقائية مقصودة تستهدف إقصاء جماعات أو اتجاهات سياسية أو إيديولوجية معينة أو بغية تحجيمها أو تقزيمها في الساحة.
وقد يتخذ هذا المطلب، بالنسبة لأطراف أخرى، غير الدولة، كالأحزاب القديمة مثلا، مطية للاستفراد بالمجال السياسي وتكريس واقع الاستئصال والهيمنة وقطع الطريق على الخصوم والمنافسين المحتملين.
لكن هناك قاعدة بسيطة قد تعفينا من تبعات أدلجة الترشيد وتسرب النوايا المغرضة إليه، وهي أن "قوة اللاعب من قوة الدور الذي يناط به"، وبالتالي فإن المخرج من هذا الوضع الاستثنائي لن يستند على إجراءات التقنين والتحكم من فوق فقط وإنما أيضا على معيار الكفاءة والجدية والفاعلية على الأرض، من خلال توسيع نطاق مسؤولية الأحزاب وصلاحياتها في مضمار الممارسة السياسية وتدبير الشأن العام، ومن خلال توضيح حدود هذه الصلاحيات جيدا.
فالمسؤولية الواضحة في الحكم، المطوقة بالمراقبة والمحاسبة المؤسساتية الشديدة، ( الملك والبرلمان ).. العزلاء من أي غطاء أو تعلة أو مشجب.. الخاضعة لتقييم حقيقي للجماهير ( يتحقق بنزاهة العملية الانتخابية )، قد تدفع المشهد الحزبي تلقائيا إلى تصحيح اختلالاته والعودة إلى التوازن وإفراز أحزاب جديدة حقيقية فعالة وقوية. كما ستضطر الأحزاب الموجودة فعلا، سواء تلك الصغيرة أو تلك التي شاخت وتآكلت، إلى تكييف نفسها مع البيئة والمحيط بالإصلاحات الداخلية والترميمات اللازمة وبالتكتل في تحالفات واندماجات وتحويل بناها الداخلية الطاردة من جديد إلى بنى استقطابية لتنسجم مع شروط البقاء والتنافسية وإلا فإن مصيرها سيكون التلاشي والاضمحلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج