الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليلة القدر....قبل نور مصباح أديسون

علي أحماد

2021 / 5 / 11
سيرة ذاتية


في مثل هذه الليلة المباركة ، وقد كنا أطفالا ننتظرها بفارغ الصبر ، ففيها يسمح لنا - الكبار من الآباء وأولياء الأمور- بالخروج ليلا للسهر والسمر وأكل وجبة السحور من خبز مدهون بالسمن والعسل وكؤوس شاي بالنعناع بعد وجبة عشاء دسمة من لحم الوزيعة المقتناة من ذبائح سرية لجزارين منتشـرين على حوافي واد أوضاض المتاخم لحقول ومزرعة عثمان أوموسى ، أو لرجال يجتمعون ويشترون ذبيحة خروفا ، جديا أو نعجة - حسب الاستطاعة المادية - يقسم لحمها بينهم بالتساوي .
وغالبا ما تطرح ( الدوارة ) في المزاد وتكون من نصيب الأغنياء . تجمعات هنا وهناك منذ تباشير صباح يوم 26 من رمضان الأبرك ...
عند اقتراب الليلة الموعودة نتهيأ لشـراء المفرقعات ، الصواريخ والرصاص ( الكلخ ) ومسدسات سوداء من الزنك لها زناد وفوهة ..ولفافات من ( الجيكس ) . نمارس نزق الطفولة وشغبها المنذور لإتيان أفعال شيطانية يتحملها بعض الكبار ، وينهرنا بسببها البعض الآخر لأنهم يحسبون أفعالنا من قلة الأدب والتربية من جيل ( قمش ما يحشم ما يرمش ) لا يخجل ، وإن كان أبناؤهم صحبتنا . الآباء وكبار السن يعتبرون كل أبناء الحي أبناءهم...
رغم الذبائح ورائحة الشواء يبقى الكسكس / الطعام سيد الأطباق والوجبات ليلة القدر فهو في المخيال الشعبي والجمعي للمغاربة رديف الصدقة والبركة . تتنافس النسوة في إعداد القصع لإرسالها الى الجامع والتصدق ببعضها على المعوزين من الجيران . تضامن لا يهين الكرامة ودون إذلال للمسكين، ولم يكن يوثق بالكاميرات، بل يتم بالستر ودون من . تضامن وطد وشائج العلاقات الإنسانية....
تنضد بيوت الله وتكنس وتملأ بالبخور والصندل لتستقبل المصلين وأغلب من يؤمها كبار السن بجلابيبهم البيضاء وعمائمهم . كان الناس متدينين بالفطرة في اعتدال ووسطية قبل أن تجتاح السلفية الوهابية المجتمع المغربي مع ظهور موجة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي ومحاربتها لزيارة المقابر وأضرحة الأولياء وتبرج النساء...لم تكن المرأة تقيم الصلاة إلا إذا بلغت من الكبر عتيا ومع مرور الزمان أحدثت مساجد للنساء غالبا ما تؤثث الطابق العلوي للمساجد وافتتحت بها دور للقرآن ..
في أحد دواوير الجنوب الشرقي قرر فقيه جامع القرية أن لايؤذن لصلاة الفجر وحجته أن لا أحد من أهل القرية يحضرها ، وفي صباح الموالي احتج عليه وجهاء القرية وأعيانها ورد عليهم بأنهم لا يسعون الى أجر صلاة الفجر . برروا احتجاجهم بأن نسوة القرية يغادرنها نحو الجبل لجلب الحطب بعد سماع آذان الفجر ، وهو المنبه الذي يوقظهن وقد تخلفن عن الموعد عندما لم يسمعن صوت المؤذن ، فأي جريرة اقترفها الفقيه ؟....
رغم الذبائح ورائحة الشواء يبقى الكسكس / الطعام سيد الأطباق والوجبات ليلة القدر فهو في المخيال الشعبي والجمعي للمغاربة رديف الصدقة والبركة . تتنافس النسوة في إعداد القصع لإرسالها الى الجامع والتصدق ببعضها على المعوزين من الجيران . تضامن لا يهين الكرامة ودون إذلال للمسكين ، ولم يكن يوثق بالكاميرات ، بل يتم بالستر ودون من . تضامن وطد وشائج العلاقات ...
تنضد بيوت الله وتكنس وتملأ بالبخور والصندل لتستقبل المصلين وأغلب من يؤمها كبار السن بجلابيبهم البيضاء وعمائمهم . كان الناس متدينين بالفطرة في اعتدال ووسطية قبل أن تجتاح السلفية الوهابية المجتمع المغربي مع ظهور موجة الإخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي ومحاربتها لزيارة المقابر وأضرحة الأولياء وتبرج النساء....لم تكن المرأة تقيم الصلاة إلا إذا بلغت من الكبر عتيا ، ومع مرور الزمان أحدثت مساجد للنساء غالبا ما تؤثث الطابق العلوي للمساجد وافتتحت بها دور للقرآن ..
بعد فطور المغرب يجتمع الأطفال بين دروب الحي ويشكلون سربا من مختلف الأعمار سيرا الى المسجد الوحيد ، وهو المكان المقرر للسهر والسمر الى طلوع الفجر . نلهو ونمرح في انتظار تقاطر قصع الكسكس ، وكل قصعة تشي بمكانة صاحبتها الاجتماعية بما حوت من لحم وخضر...غالبا ما تغطى القصع بمنديل مطرز يحتفظ به لهذا الغرض وتحته ميكا شفافة لتحفظ للطعام حرارته وطراوته. نقنع بما تيسر من طعام يسد الجوع . قد يغتنم تحلق الأطفال حول القصعة بعض الأشقياء بوضع قنبلة ويقدح ( الميش ) في غفلة منهم فتنفجر في وجوههم ويفر الجميع صعودا الى الغابة ( بوعاري ) خوفا من عقاب يسلط عليهم من الكبار.
نتوارى زمنا عن الأنظار ، ونعود الى المكان فرادى وزرافات . وقد غمر كل منا زهو وانتشاء . نتسلل الى بهو المسجد لعلنا نحظى بكأس شاي وقطع بسكويت ( الكوفريت ) وحبات الفول السوداني حيث يتخذ الرجال متكأ لإعداد الشاي في زاوية معزولة داخل المسجد يقصدها كل من تعب واحتاج الى قليل من الراحة . طقوس تصاحب ليلة القدر لم تكن بدعة ولا معيبة ألفت بين القلوب.. نندس بين صفوف المصلين وقد توضأنا كما نرى الكبار يفعلون لنركع ونسجد مقلدين في حركات ميكانيكية ونحن لا نعلم شروط صحة الصلاة ، وغالبا ما تنتهي صلاتنا بركلة زائغة من مصل لم يرقه تصرفنا .
في مثل هذه الليلة تسود أزقة الحي ظلمة حالكة ومعها تخف الحركة ويجثم الخوف على القلوب . دفعنا الخوف ورهاب الظلمة أن نبتكر مصباحا منيرا من حق فارغ لمربى جوزيان نضع به شمعة متقدة وثقبين يمر منهما عود من قصب أو خشب فيما يشبه مقود دراجة نارية . نجري بين الأزقة والحواري مقلدين صوت محرك الدراجة النارية قبل أن يعرف الحي الكهرباء ومصباح أديسون ومعه البراد وجهاز التلفاز la voix de son maitre الموسوم بالفونوغراف والكلب .
نظل ليلة القدر ساهرين لعلنا نشهد السماء تفتح على حين غرة ( طاقة القدر ) لنطلب منها أمنياتنا التي تحقق على الفور بقدرة قادر. هذا ما وجدنا عليه آباءنا ولم نشكك في صدقه أبدا. محال أن يصدق القصة جيل الأيفون والأيباد وقد حشروا وجوههم في هواتفهم الذكية التي وفرت تسلية أدمنوها . أطفال لم يرهبهم ذكر آبائهم واستدعائهم لكائنات خرافية تبث الرعب في نفوس الأطفال وترغمهم على ولوج المنزل قبل آذان المغرب ( بوعو.. بوخنشة...بغلة القبور/ تاسردونت ن اسمضال / مزوغر إغريان... تامزا وتارير. وترغو ... و باب اليس...)
في مثل ليلة القدر تخف دوريات الشرطة ( لاراف ) تقديسا لها واعتبارا لمكانتها مما يتيح لنا العبث دون الخوف من الإعتقال .
في مثل هذه الليلة نتهور فنضع المفرقعات في أقفال بعض البيوت أو نكسر مجمرا وضعه أصحابه في مهب الريح ليزند فحمه ، وقد نبالغ ونسحب عربة ( كرويلا ) الى الطريق الإسفلتي 21 لنغلقها في وجه العابرين ...
أحداث وشمت ذاكرة جيل بأكمله بحي ميملال / ميدلت ولعل لكل حي أو قرية أجواء طبعت ليلة القدر ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ