الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس (12). في معنى حد -سيف القدس- لحرب الأمكنةf

بلال عوض سلامة
محاضر وباحث اجتماعي

(Bilal Awad Salameh)

2021 / 5 / 12
القضية الفلسطينية


في معنى السيف وحدَه؛ تحيل كلمة "السيف" إلى قطعة معدنية في المخيلة الاجتماعية للشعوب والحضارات، وعلى الرغم من قدم استخدامه، إلا أنه ما زال يحتفظ بقيمته ودلالة، فإستخداماته الرمزية المتنوعة وبشكل مذهل تحيل إلى معنى القوة، فلم يكن مستغرباً أن يتم تسمية المقاومة الفلسطينية لعمليتها تحت اسم "سيف القدس"، كاستجابة المقاومة لصرخات المقدسيين، حينما أبغلت عن موقفها: " نقول للعدو إننا سبق أن حذرناه من التمادي في عدوانه على مقدساتنا وأبناء شعبنا، لكنه استمر في غيّه بلا وازع ولا رادع، لذا فقد آن الأوان له أن يدفع فاتورة الحساب"، وكإحالة بلاغية بحد السيف الذي يشير إلى حتمية وإرادة وحقيقة لقرار المواجهة، وكأن المقاومة تريد أن تقول: أن هذا العقاب يتبع كل جريمة يتم اقترافها بحق المتظاهرين والمحتجين في ثالوث الأماكن المقدسة؛ "المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العامود"، يشير المقاوم والأسير عبد الله البرغوثي في كتابه أمير الظل: مهندس على الطريق:(47) إلى "أن العقاب هو تلك الكلمة التي تريد أن تصف ما أريد القيام به نحو عدوي، فأنا لا أثأر لنفسي ولا للشهداء" ليقول أن المقاومة ليست رد فعل وإنما فعل هادف وواعي ومقصود على جرائم الاستعمار الصهيوني.
يملك السيف سلطة الرمزية لصورة مجازية الى الديني أو الاخلاقي أو الحضاري أو النضالي، وهي غير مقتصرة على الإطار المؤقت والمكاني، ولهذا لا يستغرب أن القديسيين والعظماء صوروا بحمل السيف، وينطلق منه هالة من الشعاع والقداسة، لتحيل إلى القوة والعدل، ففي حضارتنا العربية الاسلامية شواهد عدة: على "سيف علي ذو الفقار" أو سيف الرسول الكريم (عليه الصلاة والسلام)، بل أصبح الفارس هو سيف بحد ذاته "كسيف الله المسلول"، وكأن حامل السيف يتمتع بسلطة الحياة والموت على الآخرين، وبإندماج المعنى والفعل بوحدة السيف وبمن يملكه، وعلى تشييد علاقة من نوع ما بين المقاتل/الفارس و السيف على مبدأ المرؤوس والتحكم والسيطرة على المصير، ولكن بظروف متوازية وبصورة استثنائية.
كأن اسم العملية حد "سيف القدس"؛ تحيل إلى مفاهيم ودلالة عالية في المقاومة والاشتباك الفلسطيني، ليشكل اسم العملية معنى الحد والقطع والفصل، والتي تعني في سياق استعماري ايضا مفاهيم تستدعى منظومة قيمية ، مثل: الواجب الوطني والشرف وحماية المحاصرين في المسجد الأقصى واسنادهم، وفي ظل اختلال موازين القوى، يتطلب من حامل السيف ميزات عديدة أهمها: القوة والشجاعة والفداء، حتى لو استدعت المعركة التضحية بالذات من قبل المقاومة الغزية، في سبيل محو معادلة "تآكل الردع"، إلى منظومة جديدة في كسره، فتشترط المقاومة من خلال الناطق باسمها أبو عبيدة ""تعليق ردها مرتبط بتأكيد فك الحصار عن المرابطين في المسجد الأقصى بشهادات حيّة وموثقة"، هذه القوة في فرض الشروط لم يكن لها بالإمكان لولا انتشار عقيدة فن "حرب الأمكنة"، والحضور في الساحات واستملاكها من جديد، وتحقيق انتصارات معنوية في استعادة المكان بفلسطينيته.
يشكل السيف رمز القوة والنفوذ، بما يحمله من مضمون في المعركة الحاصلة، يجعل من المشاركين بها في أي بقعة من فلسطين التاريخية كمدلول للقوة والتدفق الى الشوارع ورمز مميز لهم وشجاعة دون خوف، في تعليق لمستوطنة على مسيرة تشييع شهيد اللد "هذه ليست غزة...هذا هنا في "مركز الأرض"" وتعني مركز مركز الأرض بعمق الكيان الصهيوني، في تعلقها على الحضور والمهيب والكثيف والمعبر عن ذاته دون، ورافعاً للعلم الفسلطيني دون خشية، ما قبل حد السيف ليس كما ما بعده، المعنويات والحضور والاشتباكات وتدحرجها وترامكها مختلف وهائل ومستمر، واعتداد عال، مما يعطي مؤشر هام ودلالي إلى أهمية دخول المقاومة العسكرية في خضم اشتباكات الحضور الفلسطيني الجديد، في اسناده وتثبيت الانتصار المعنوي الأخذ بالتشكل.
السيف، في التراث العربي يحيل إلى المكانة الاجتماعية كما هو "الخنجر اليمني"، فيتحول إلى سلاح ثمين، وشكلٌ من أشكال الحضور، كما يحيل السيف إلى صانعه وطرق تصليبه، فما تزال طريقة الصنع وتمثلاتها تفتن المخيلة الاجتماعية وتسكنها، فمن الحديد يصنع السيف والبندقية والصاروخ، وتصليبها وتقويتها وحجم أثرها في المعركة تفتن المشاهد والمشارك في الحضور، وبنفس الوقت تثير التساؤلات عن النوعية والكمية والقدرات القتالية التي يحملها الصاروخ كسيف قاطع، فتم إدخال صناعة جديدة في الصورايخ واستخدامها كصاروخ "A 120" ودخوله للمرة الأولى المعلنة في الدفاع والعقاب الفلسطيني، تحمل هذه الصواريخ رؤوساً متفجرة ذات قدرة تدميرية عالية ويصل مداها الى "120" كيلومتر، والصاروخ نسبة إلى رائد العطار الذي تم اغتياله عام 2014، وإذا كان بالقدم يدفن السيف مع الفارس باعتبارهم وحدة متكاملة ودلالة على المكانة، فإن العطار قد استشهد وأثر سيفه ما زال يقاوم، وعقابه يصل الى مستعمرات عسقلان وتل ابيت، تاركاً أثارا لمعركة خاضها الشهيد ولكن هي مستمرة بسيفه.
بالشكل التقليدي، يحتل الحداد دوراً خاصاً كصانع للسيف، فهو من يقوم بصناعة السلاح، وشخصية السيف كما السلاح تعتمد على شخصية الحزب المقاوم، فهوم كمقاوم وصانع للسلاح، ففي حين أن السيف يصلب في دماء الأوز الطازج كما هو معروف لدى حضارات معروفة، فإن "السيف" كدلالة عن صواريخ المقاومة تعمد بدماء الشهداء وتحتفظ وتأرخ أسمائهم وتحتفظ بحضورهم الرمزي من خلالها، فمعدن السيف كما الصاروخ باهظ الثمن في قطاغ غزة المحاصر، وفي ندرة كبيرة، وعليه فإن المقاومة تاريخياً تبنت أن هذا السيف "لا يمكن أن يُأخذ أو يُعطى"، وإنما يستخدم فقط في العقاب والدفاع عن الشعب الفلسطيني والمقاومة.
لإستخدام السيف أدب عسكري متعارف عليه، فلا يحمل معنى الخديعة أو الغدر، كأن السيف مخلوق واعي بروح وجسد، وأحياناً كشخصية، حدة شفرته علامة على رجل حقيقي، ولكن مع غمد، وللسيوف انواع: الرومي التركي والعربي..الخ، ففي حين أن السيف العربي يتسم بانحناء بسيط، يفيد في الغزوات، فإن سيف مقاومة قطاع غزة مستقيم وصارم وحاد، يستخدم في المبارزة المتقابلة "رجل لرجل"، وليس بالخطف والغدر، وعليه، لا نستغرب الإعلان عن موعد اطلاق الصواريخ بمواعيد تحددها المقاومة، كرمزية لتحدي بما يدعي "القبة الحديدة" التي أنكسرت بشكل حازم وكاسر، وهي بالمناسبة اسماء من اسماء السيف في اللغة العربي "حازم وكاسر" كما فعل المقاومة وسلوكها، ليكون السيف واعي كشخصية المقاومة، فسيف المقاومة سيف ذو حدين يرمز إلى قوة مزدوجة في تناقض وتدمير: الحياة والموت؛ تلك القوة التي تسعى إلى بعضها البعض، ولكن في الواقع الفلسطيني تكمل بعضها البعض، مما يجعل منه صورة متكاملة، فيموت المقاوم ليعيش شعبه.
فيعد دخول المقاومة الغزية في اسناد المتظاهرين والمدافعين عن الأمكنة في الثالوث المقدس "المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح وباب العامود" واعياً ومقصوداً، ولم يكن مغامرة غير مدروسة في اللحظة التاريخية، وإنما ضرورة في تشييد ميزان قوى جديد، كجزء من حركة التاريخ النضالي الذي لم يعد راكناً، وإنما متدحرجاً يفترض أخذ الفرصة السانحة لتشكيل ورسم معالم الانتصار لمواجهة الممارسات الاستعمارية الاحلالية، وتكريس الارتباط الجغرافي في جميع الأمكنة الفلسطينية، فكما: "ليس بالخبر وحده يحيا الأنسان"، فليس بالمقاومة الشعبية وأدواتها فقط تنتصر المقاومة على استعمار احلالي، تستحضرني الذاكرة لصورة الشيخ الجليل المحاصر في مسجد الأقصى الذي كان يناضل بالدعاء والتوسل إلى الله بقوله "يالله تحمي الشباب..." نراه في موقف ومكان آخر، وققد ضاق ذرعاً بغطرسة المستعمر، يدعو الجنود بصورة غاضبة " يا اين زناه هافسكا" "يا ابن الحرام استراحة"، فالنضال كما هو الموقف نستدعي ما هو مناسب للحظة التاريخية، ففي حين نستدعي الاشتباك بالايدي في مكان، ونستخدم بالحجارة والكتابة بمكان آخر، وفي الموقف الحالي بصورة حاسمة بحد السيف، كلُ يستخدم الاشتباك بالطريقة والوسيلة التي بمقدوره استخدامها، وباللحظة الحاسمة والفرصة التي يراها مناسبة، فالأهم أن البوصلة تكون واحدة، وهي فلسطي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاغون: أنجزنا 50% من الرصيف البحري قبالة ساحل غزة


.. ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟




.. المقاومة الفلسطينية تصعد من استهدافها لمحور نتساريم الفاصل ب


.. بلينكن: إسرائيل قدمت تنازلات للتوصل لاتفاق وعلى حماس قبول ال




.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تهدم منزلا في الخليل