الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي. (الحلقة الأولى)

الحسن زهور
كاتب

(Zaheur Lahcen)

2021 / 5 / 12
الادب والفن


دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي.
(الحلقة الأولى)


يعد الأدب الحكائي الأمازيغي من أغزر وأغنى الآداب الحكائية العالمية، أدب قال عنه العلامة ابن خلدون: " وكثير من أمثال هذه الأخبار لو انصرفت اليها عناية الناقلين لملأت الدواوين" (1)، لكن مع الاسف ضاع الكثير منها بسبب عوادي الزمن.
أدب حكائي يمس أغلب جوانب الحياة الانسان الأمازيغي ويعبرعن رؤاه الى الحياة والى الوجود.
و للتعريف بهذا الأدب الحكائي أرتأيت تقديم سلسلة من الدراسات التعريفية بهذا الأدب الحكائي.

1- الدراسة الأولى:

يزخر الأدب الحكائي الأمازيغي بالكثير من الحكايات التعليمية والتربوية الموجهة للطفل في سن معينة (بحكم أن بعض الحكايات تروى لمتلقيها حسب أعمارهم، إذ توجد مثلا بعض الحكايات التي لا تروى الا للبالغين مثل حكاية " حماد أحرام" أي أحمد الحرامي).
حكايات تعليمية تروم تعليم الطفل المغربي كفايات وتعلمات مرتبطة إما بواقعه الطبيعي (كأن تعلمه بعض القوانين الطبيعية على شكل احداث سردية حكائية) أو مرتبطة بواقعه الاجتماعي (كأن تعلمه مبادئ العلاقات الاجتماعية .. )، أو مرتبطة بطرق واساليب التعلم نفسها ( كأن تعتمد الحكاية على هدف أساسي هو تمرين الطفل على عملية التذكر كما في حكاية " الذئب و الرعاة" المدونة في كتاب " عيشة مي ييغد" الصادر سنة 2010 من طرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية)...
ولكل حكاية هدفها التعليمي والتربوي الخاص بها، وهذا النوع من الحكايات التعليمية الخاصة بالطفل دون السابعة او الثامنة من عمره، تبنى وفق انساق محددة معروفة.
من بين هذه الأنساق ما يتم الربط بين عناصره أو متتالياته الحكائية برباط محدد وفق الهدف التعليمي المرتجى، حيث يشترك فيه كل عنصر مع العنصر الذي يليه بخاصية محددة، كأن ينبني الرابط على خاصية سبب ونتيجة، أو على خاصية التضاد الطبيعي (مثل: الفأر/ القط. الماء/ النار...)، أو على خاصية علاقة طبيعية اي ربط نوع طبيعي بنوع آخر مرتبط به كأن نربط البرسيم بالماء، أو ربط عنصرين بعلاقة وظيفية(مثل: الكلب والراعي)... أو ربط كل مناسبة اجتماعية بما يناسبها( تحية أو تهنئة أو تعزية...).
ويزخر الأدب الحكائي الأمازيغي بهذا النوع السردي الحكائي الذي يسير فيه الحكي على نسق حكائي محدد يعتمد على متتاليات حكائية تعتمد على تقابلات خاصية من هذه الخاصيات السابقة ( الشيء وضده، السبب والنتيجة، قل ولا تقل في المناسبات ... )
وغالبا ما يرد هذا النمط السردي في الحكايات الأمازيغية الموجهة للأطفال بالنسبة لأطفال ما دون السابعة أو التامنة.
فمن النماذج التي يربط فيها الحكي العناصر الحكائية برابط الضدية، نجد حكاية " أزان للي يوگين ئمنسي" اي الطفل الذي رفض تناول عشاءه. هذه الحكاية هي حكاية امازيغية من منطقة القبايل الأمازيغية بالجزائر، دونها جوزيف غيڤيير Josephe Riviere سنة 1882 بعنوان " le petit enfant" في كتابه: " contes populaires kabylie de djarjoura " (2)، كما انها تحكى في بعض المناطق بالمغرب (مع تغيير في بعض شخصسياتها)، وتم جعلها نصا للتدريس في مقررات التلاوة المدرسية سلسلة "اقرأ" مستوى الابتدائي الأول في التعليم الابتدائي بالمغرب في الستينات والسبعينات من القرن الماضي بعنوان " أكلة البطاطس".
النسق الحكائي لهذه الحكاية الأمازيغية بني وفق التضاد الموجود في الطبيعة، لأن هدف الحكاية هو تعليم الطفل ضمنيا :
- إن الطبيعة تعتمد على قانون التوازن المبني على الاضداد أي أن لكل شيء ضده.
- سيرورة الطبيعة تعتمد على هذا القانون، وكل خلل في هذا القانون يؤدي إلى التفكك.
فهذه الحكاية جاءت وفق النسق الحكائي التالي، وهو أحد الأنساق الحكائية التي تبنى عليه بعض الحكايات الامازيغية الموجهة للطفل:
الأم تطلب من ولدها:
- كل عشاءك.
فيجيبها طفلها:
- أنا لن آكل العشاء.
فتتجه الأم صوب العصا:
- اضربي الولد.
وتجيبها العصا:
- أنا لن أضرب الولد.
وتتجه الام الى النار.
- احرقي العصا.
وتجيبها النار:
- أنا لن احرق العصا.
وتتجه الأم الى الماء.
- إطفئ النار.
ويجيبها الماء:
- أنا لن أطفئ النار.
وتتجه الأم الى البقرة:
- اشربي الماء.
فتجيبها البقرة:
- أنا لن أشرب الماء.
وتتجه الأم الى السكين.
- اذبح البقرة.
فيجيبها السكين:
- أنا لن أذبح البقرة.
وتتجه الأم الى الحداد:
- كسر السكين.
فيجيبها الحداد:
- أنا لن أكسر السكين.
وتتجه الأم الى الحبل:
- اشنق الحداد.
فيجبها الحبل:
- أنا لن أشنق الحداد.
وتتجه الأم الى الفأر:
- اقرض الحبل.
فيجبها الفأر:
- أنا لن أقرض الحبل.
وتتجه الأم الى القط:
- كل الفأر.
فيجيبها القط:
- نعم سآكل الفأر.
وعندما سمع الفأر جواب القط، قال للأم: أنا سأقرض الحبل، وقال الحبل. أنا سأشنق الحداد، وقال الحداد: أنا سأكسر السكين، وقال السكين: أنا سأذبح البقرة، وقالت البقرة: أنا سأشرب الماء، وفال الماء: أنا سأطفئ النار، وقالت النار: أنا سأحرق العصا، وقالت العصا: أنا سأضرب الولد، وقال الولد: أنا سآكل العشاء.
فأكل الولد عشاءه، ونام.

( الحكاية بهذا الشكل لن تنتهي، لذلك عليها أن تتوقف عند شخصية تكن العداء الطبيعي لشخصية أخرى، وهنا في الحكاية توقف الحكي عند القط العدو الطبيعي للفأر، أي يجب العودة إلى قانون الطبيعة المبني على التوازن والتضاد)ن لأن الطبيعة تسير وفق ناموسها الازلي، فالتضاد بين الشيئين هو قانونها السرمدي، وعبرت عنه الحكاية الأمازيغية بطريقتها الحكائية الفنية، الشيء الذي يعكس غنى الادب الحكائي االأمازيغي.
كثيرة هي الحكايات الأمازيغية التي حيكت وفق هذا النسق الحكائي الذي صيغت وفقه الحكاية الذي ذكرنا، منها مثلا حكاية: " تافقيرت د ئكرو نس" اي "العجوز وجديها" وهي مشهورة في الأدب الحكائي الأمازيغي المغربي، وهي نفس حكاية السابقة مغ تغيير في بعض شخصياتها.
(في الحلقة الثانية سأتناول: لماذا انتهى الحكي الى القط ليرجع الأحداث إلى مسارها وفق القانون الطبيعي؟).

الهوامش:
1- تاريخ ابن خلدون، دار الكتاب النلباني، 1999، المجلد السادس، ص175.
2- Josephe Riviere , Recueil de contes populaires de la Kabylie du Djurdjura, Ernest Leroux, Editeur, Paris, 1882.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث