الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الهاوية -12-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 5 / 15
الادب والفن


كان العيب فينا ، و ليس في زماننا .
صدّقنا أنفسنا عندما تحدّثنا عن أمور كثيرة كالنزاهة و الشّرف و الكسب الحلال ، و الاستقامة . أصبحنا نخجل أن نعمل على بعض مصالحنا كي لا يصفنا الآخر بالانتهازي . بعد فوات الأوان ركضنا خلف الانتهازي كي نتعرف عليه، لم يدر وجهه.
كنت في المرحلة الابتدائية أنا و الانتهازي على مقعد الدراسة ، كان المعلم يمدحني ويذمّه ، كنت أخجل من المعلم ، فبأي حق يسيء لصديقي؟
كان صديقي يحبّ نفسه ، وقرّر أن يصبح شخصاً مهماً ، ودخل باب الأدب ، وطلب من صديق أبيه أن يعينه محرّراً لصحيفة أدبية .
صديقي الآخر أصبح ممثلاً ، و أحدهم زعيماً سياسياً ، وبقيت أنا ذلك التلميذ المهذّب . كبرت أحلامهم ، وتقلّص عالمي إلى مصطلح الاستقامة ، و لطالما ناقشت ذلك المصطلح معهم ، فكانوا أكثر استقامة منّي . كانوا أبناء زمانهم ، وكنت حامل فكرة غريبة من زماني ، فقد فرضت علي الاستقامة أن لا أرتقي في أي موضوع كي لا يقال عنّي انتهازي .
مضت السنون ، أصابوا المجد ، و أصبت الخيبة ، بل أكثر من ذلك ، اًبحت من تابعيهم أقدّس أفعالهم .
قبل قليل راجعت نفسي، وجدتني على خطأ ، فمن هم هؤلاء؟
ربما ردة فعل لا أعرف أسبابها. أسأل نفسي : هل هي الغيرة ؟
لا. إنها مراجعة الذات . كنت مخطئاً بحق ذاتي ، وعليّ أن لا أكرّر الخطأ اليوم .
لن أمجدّ أحداً بعد اليوم ، وسوف أمحي من ذاكرتي قائمة العظماء .
سوف أبدأ بأكبر عظيم لا أعرفه ، و أنتهي بقائمة أصدقائي .
حتى هذه اللحظة، ومنذ أن شعرت بخطأي قبل ربع ساعة . محوت من ذهني التعاليم المقدّسة ، أقوال الفلاسفة و الأدباء ، سيجار الثّوار ، و أشعار نزار ، وكل الجوقة ، فقط تركت صحيح مسلم ومسيلمة ، فقط انتصاراً لمسلم و البخاري ، فقد جعلونا نحكم وفق أقوالهما زمناً طويلاً، ثم يكذبونهما . هو نوع من التعاطف فقط. فأنت تتعاطف مع السجين بغض النّظر عن رأيه . إذا كان البخاري ومسلم كاذبان ، فهل غيرهما صادق؟
لماذا أصدّق أن عمر كان عادلاً ، وعليّاً كان رباً ؟
آسفة من أجلكما ياصاحبا الصحيح . كان اختياركما للعنوان موفقاً ، ونحن لا نقرأ سوى العناوين .
من حوار بيني وبيني
. . .

كنّا فقراء يا نوال ، وكنّا نخجل من فقرنا . أتحدث عن الماضي البعيد ، و كلما تذكّرت أمي وهي تحاول أن تتدبر خبزنا أصاب بموجة غضب . كان أبي قد استسلم للفقر ، و أعلن مرضه ، بينما كانت ترعاه ، وتعمل عند أصحاب الحقول لتجلب لنا الخبز ، في مرات كثيرة لم يكن يتوفّر الخبز . في مرّة أتت إلينا امرأة بين يديها طفل رضيع ، قالت أنّ زوجها طردها ولا تعرف أين تذهب .أدخلتها أمّي و أعطتها حصتها من الطّعام ، كان رغيف خبز وبعض الزبيب الذي كنّا نتناوله على الإفطار. عندما أصبحت ضابطاً طياراً كنت أفكر في السّلم ، لم يخطر لي أن أصبح أسيراً . وعدت أمّي أن نقبر الفقر ، لما عدت من الأسر كانت عائلتي قد اختفت.
أتحدّث لك بهذا ، و أنا أتصفّح العالم الافتراضي ، فقد أنشأ أحدهم مؤسسة خيرية، ووضع أمامه كرتونة فارغة ، ووضع رقم حساب من أجل التبرّع . هناك سيدة اسمها " دار الشوق " يتحدثون عنها على الفيس بوك ، وهي حالياً رئيسة نقابة الفنّانين ، توزع الشّوربا على الفقراء في شوارع العاصمة ، وخلفها يمشي حرّاس شخصيون ، و عربة عليها طنجرة ، وهي نظيفة تبدو كأنّها استحمت بالحليب ، وفي ليلة عرسها.
انظري هذه المرأة ! إنها تهتم بالمجتمع المسلم في النروج ، وتصنع لهم كعك العيد ، وبينما هي توزّع الكعك صرخ أحدهم الله أكبر ، جرى الجميع خلفه يصرخون ، وكأن القيامة قد قامت . أسألك : هل يحتاج المجتمع المسلم في النروج إلى المساعدة؟ ولماذا هبّ الجميع يصرخون مع أنّهم لا يعرفون ماهو الموضوع؟
-أفكارك عتيقة يا ياسر . نحن ليس لنا انتماء . هل تعتقد أن المجتمع المسلم يقبل بنا؟ ولا المجتمع المسيحي، ولا اليهودي . دعنا نبحث عن فيلم نتمتّع به بدلاً من أن نتذكّر كوابيسنا . كانت جارتنا " أم كريم" تأتي إلينا في كلّ مساء لتتحدث عن أفعالها الخيرية، فتقول" الله يسامح" أعطيت العائلة الفلانية الفقيرة تنكة طحين ، وهي تكون قد أعطتهم بعض النخالة المقمّلة مخلوطة ببعض الطحين . هؤلاء موجودون ، لكنهم ليسوا نحن .
-لا أستطيع رؤية فيلم ، أحتاج لوقت طويل حتى أنسجم معه ، وقد أمل. ما رأيك أن نعمل في مزرعتك، نحفر من أجل الشتلات .
-هل أنت لديك عقدة ذنب أن تجلس دون عمل؟
. . .
أسأل عن الحدود . متى نشأت ؟ ولماذا تقسّم العالم إلى دول؟
سؤال ليس له إجابة ، لكن أتمنى لو عشت في بلد يمنحني حق الحياة ولا يجعل مني مشروع شهيد . كنت أحب أن أتزوج ويصبح لدي أسرة أسعى لإسعادها ، ولم أفكّر يوماً في القضية ، فأنا لا أعرفها ، قد تكون تشبه السعادة، و الحبّ، و الله. أشياء لا نستطيع الإمساك بها، لكن الفرق بينها وبين تلك الأشياء أنّها قاتلة ، فإن ناديت بها عليك أن تكون زعيماً تخطب خلف المنابر ، أو تابعاً تقدّم نفسك للموت من أجلها .
-هي قضايا ، و ليست قضيّة ، فقد جعلونا مسؤولين عن محاسبة جميع أفراد الكرة الأرضية ، فهذا خائن، وذاك كافر. البارحة كنت أشاهد فيديو يتحدّث عن كاتبة معروفة ، كانت مقدّمة الفيديو امرأة مؤمنة بلباس إسلامي . قالت : لن أمدح ولن أذم الميتة، لكنّني سوف أستشهد بطبيبها، فقد قالت له خفف الجلطات علي ، أجابها أنه كله بأمر الله ونحن مسخرون ، أجابته الميتة قبل أن تموت: أنا أؤمن بك لأن يدك تلمسني، وتستطيع أن تخفف ألمي. هنا توقفت المؤمنة وقالت: أرأيتم؟ إنّها ملحدة ، وهناك الكثير من الملحدين بيننا .طبعاً مضى زمن طويل على موت الكاتبة، لكن محاكمتها مستمرة، وحتى الله نفسه غير مسموح له بتأخير الحساب ، فهناك مؤمنة تختض بتوجيه الناس .
أتدري! أطالب تلك المؤمنة ، وأمثالها إلى عدم التذمر من تعدّد الزوجات ووجود الجواري . عفواً . ربما كان عصر الجواري فيه إبداع أدبي ، وبخاصة جواري كبار القوم!
. . .
يأتي إلي صوت هدير
يقال أنّه التحرير
كأنه صوت نهر غاضب
النساء تهلّل للنصر
الخطباء شقوا حناجرهم بالدعاء
و الموت يحصد الأبرياء
هذا الهدير ليس إلا صوت الفقراء
يسيرون في طريق الألم
يموتون كي يحيا الزعماء
في الدائرة أعلام و موسيقى ورقص حماسي
وخلف الدائرة شعارات تطالب بالموت للأغبياء
يستمر الحماس ، ثم يصمت كل شيء
يبقلى على الأرض حزن
فلا نصر ، ولا هدف
ويبدأ عويل الأمهات
لماذا نموت من أجل كلمة يصرخ بها أحد على منبر
لماذا يستعملوننا كأدوات لهم وخنجر
وعندما يتصالحون . نكون قد أصبحنا في المقبرة وعلى أجيادنا يمشون
-معك حق يا مريم . تصورين الحالة .
-بل إنني خائفة من الموت . من الموت العشوائي ، فالرصاص يزخ ولا يميز بين النّاس . أحب الحياة، لست متحمسة للنصر ، لا أعرف ما هو النصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?