الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الغرب بين الإندماج والإدماج التماثلي

فارس إيغو

2021 / 5 / 15
مقابلات و حوارات


فينسينت كوزيدير
موقع فيغارو فوكس، 23/03/2021.
في كتابه ((في تقريظ الإدماج التماثلي)) (1)، ينتقد الكاتب ((الأيديولوجية الهجرويّة)) المتبعة منذ ستين عاماً والتي يقول إنها تستند إلى الجانب العاطفي للعار وتعطي الأولوية للاعتراف بالهوية الخصوصيّة للمهاجر على حساب المواطنة. ويروي الكاتب كيف ترسخت هذه الأيديولوجية تدريجياً، من جان بول سارتر إلى فرانسوا ميتران.
وقد ارتأينا ترجمة هذا المقال لإعطاء القارئ العربي ما يدور حالياً من صراعات عنيفة بين التيار اليساري والتيار اليميني في الغرب فيما يخص الشأن الهجروي وفي طريقة إدماج المهاجرين الجدد، وحول موضوعات أخرى تتعلق بالإسلام السياسي والإسلام السلفي الإنفصالي ضواحي المدن والمتروبوليتات في الغرب، وهوية البلدان مع زيادة الهجرات من مختلف بلدان وثقافات العالم منذ 50 عاماً إلى البلدان الغربية. وقد لاحظنا أنّ هناك فقر كبير في الكتابات العربية التي تخص تلك المسائل الداخلية الحارقة في الغرب، وإن وجدت فهي تنظر إلى الأمور بمنظار إيديولوجي وليس معرفي، لا بل لا تريد أن ترى الواقع كما هو في عيون من دون أقنعة أو كمامات أيديولوجية توجّه رؤيتها. وبالرغم من أن هذا التمييز ليس تمييزاً مطلقاً، لأنّ رؤيتنا للواقع لا بدّ أن تختلط بشيء من الأيديولوجية، وأيضاً بشيء من اليوتوبيا التي تسمح بتحريك الواقع نحو الأفضل، ولكن نرفض أن تكون ملحقة بالكامل لرؤية أيديولوجية، أي تمتنع عن رؤية الواقع المرئي الذي هو تحت أنظارنا.
والحوار الصحفي الذي تولينا ترجمته مع بعض الإضافات لكي نجعل النص أقرب إلى فهم القارئ العربي في البلدان العربية ـ وكذلك القارئ المهاجر المقيم أو المُجنّس في البلدان الغربية ـ يتحدث عن هذه المسائل على الساحة الفرنسية، ولكن يمكن أن تعميمها على كل الدول الغربية مع بعض الاحتفاظ بالخصوصية التي تميّز كل بلد على حدة.
أمام تزايد مشاكرة الهجرة في الغرب وصعوبة الإندماج وظهور مشاكل يومية أهمها العيش المشترك في مجتمعات متعددة الثقافات، تبدو النخب الحاكمة في البلدان الغربية في حالة تخبط وفاقدة لأي سياسات متجانسة وشاملة يمكن أن تحيط بعمق المشكلة واتساعها. وأمام هذا التخبط وتوسع المشكلات وامتدادها إلى مناطق داخلية في البلدان الغربية لم تكن في السابق قد تعرضت إلى هذا النوع من المشاكل التي تواجهها المدن الكبيرة والمتوسطة منذ 40 عاماً. ولمواجهة هذه الأزمة الداخلية العميقة في المجتمعات الغربية أمام مشكلات العيش المشترك في المجتمعات المتعددة الثقافات والمتعددة الإثنيات تبرز العلمانية هي السلاح الوحيد لمواجهة خضم من المشاكل التي تراكمت بسبب إهمال الإدارات التي تعاقبت خلال 40 عاما على السلطة في تلك البلدان، ولكن العلمانية لا يمكن أن تكون سوى مفهوماً قانونياً خاوياً مع تخلي معظم السلطات الغربية عن سياسات إرادية وفعالة للإدماج التماثلي (أي الأسيملياثيون في اللغة الفرنسية أو الأسيميليشن باللغة الإنكليزية)، وأقصد بالإدماج التماثلي، ليس الإندماج في سوق العمل فقط، بل الإندماج اللغوي والثقافي وتبني تاريخ البلد الجديد، وأن يصبح المهاجر بعد خمس سنوات من الإقامة ـ قبل حصوله على الجنسية ـ عضو فاعل في الأمة (الناثيون باللغة الفرنسية أو الناشين باللغة الإنكليزية)، أو عضو في الجماعة الوطنية.
نص الحوار المترجم:
الفيغارو: تصفون في كتابكم ((الجهد الهائل لتطبيع ظاهرة الهجرة منذ 60 عاماً))، ما الذي تقصدونه بذلك؟
هذا التطبيع للهجرة هو نتاج أيديولوجية أقترح جينيا لوجيا لنسبها الفلسفي. الهجرة ظاهرة اجتماعية وسياسية تعتمد على الإرادة البشرية: إرادة الهجرة، وإرادة الترحيب بالمهاجرين. بالنسبة للدول الأوروبية، كانت هذه الظاهرة دائماً الاستثناء وليست القاعدة. تقلب أيديولوجية الهجرة الأمور، حيث يتم تقديم الإنسان كحيوان مهاجر ولم يعد كحيوان اجتماعي وسياسي، ينتمي دائماً إلى عائلة ومدينة ومدنيّة وثقافة وحضارة. هذا للتقليل من أهمية ظاهرة الهجرة، التي يجب على المرء أن يتكيف معها كما يتكيف المرء مع ظاهرة طبيعية. لطالما كان جوهر الأيديولوجيا هو تطبيع ما هو من أصل اجتماعي وسياسي لجعله مقبولاً.
تقولون بأن ((الأيديولوجيّة الهجرويّة)) ترتكز على جانب عاطفي. ماذا تعنون بذلك؟
تعتمد الأيديولوجية الهجرويّة على ثلاثة أقفال ترتج جهازها الأيديولوحي. القفل الأول هو ما أسميه القفل العاطفي وهو الخوف من العار. لقد عرفت حنة أرنت الأيديولوجية على أنها "منطق فكرة" وأعتقد أننا بحاجة إلى إكمال هذا التعريف. تستند الأيديولوجية أيضا إلى "منطق مؤثر وعاطفي". وفيما يتعلق بإيديولوجية الهجرة، فإن التأثير العاطفي الأساسي الذي تستند عليه هو الخجل من الأمة. وقد لاحظنا هذا المرض بالفعل الذي يرتكز على فعل التوبة من خطيئة تاريخيّة مميتة (علمنة تاريخيّة للخطيئة الأصليّة في المسيحيّة) تمنع الأوروبيين من السعي للإدماج التماثلي للمهاجرين. لكننا لا نذهب بعيدا بما فيه الكفاية في علم الأنساب الجينيالوجي. في الحالة الفرنسية، يجب علينا العودة إلى ما حصل عام 1940، الانهيار العسكري والاجتماعي أمام الجيش الألماني المُعبئ بالأيديولوجيّة النازيّة العرقية القاتلة. ستأتي الأيديولوجية الهجرويّة التي تمنع أي نقد لها واصفة إياه بالمُخجل لتنغرس هنا في الشعور بالعار للأمة بعد الهزيمة وتعاون قسم من الفرنسيين مع النازيين، وسوف تغذيها وتعززها، وستمنع، بالتالي، أي خطاب (وبأي طريقة كانت) تربط المواطنين الفرنسيين بأمتهم. فقط الأخذ بالاعتبار في الأقدمية وفي عمق هذه المأساة العاطفية يمكن أن تجعلنا تفهم اليوم الصعوبات التي تعترض الأوروبيين للخروج من هذه الأيديولوجية الهجرويّة التي بدأت تهدّد أمن ومستقبل الأمم الأوروبيّة، وحتى استمرار الهجرة كمؤسسة تعمل بشكل صحي وسليم لصالح المعذبين سياسياً ودينياً على هذه الكرة الأرضيّة.
تلحون كثيراً على الدور الأيديولوجي الذي لعبّه الفيلسوف جان بول سارتر في التخلي عن الاندماج التماثلي لصالح الاندماج دون زيادة. كيف كان تأثيره حاسما؟ ألا تبالغون في تقدير تأثيره؟
تنتشر اليوم فكرة تلقى شهرة كبيرة تنسب إلى مفكري "التفكيك" ما بعد الحداثيين (وبالخصوص جاك دريدا) أصل الأيديولوجية الهجرويّة. صحيح أن موضوع ((الضيافة غير المشروطة"، الذي طوره دريدا في عدة كتب، والذي يميل إلى تقديس الأجنبي وتحويل واجب الضيافة الأخلاقي إلى واجب مطلق وغير مشروط، هو الذي يلهم الناشطين الحاليين المؤيدين للأيديولوجية الهجرويّة المهيمنة على النخب الحاكمة في بروكسل. لكن دريدا، مثل فوكو في مكان آخر، تحدث عن ديونهم لسارتر فيما يتعلق بالنضاليّة السياسية. كان لهذا تأثير حاسم في إعادة توجيه إضفاء الطابع الأخلاقي ونزعة إدانة الذات على الجرائم بحق اليهود في الحرب العالميّة الثانيّة بالنسبة لليسار المثقف الفرنسي والأوروبي. بالنسبة للسؤال الذي يهمنا، أوضح أنه في كتاب تأملات في المسألة اليهودية، نُشر عام 1946، يتم ربط القفل الثلاثي الذي تقوم عليه أيديولوجية الهجرة: عار الأمة والتقاليد الإدماجيّة القسريّة، والترويج لـ "هوية" ضحايا الادماج القسري، والتدخل السياسي - الإعلامي لصالح "الاعتراف" بهم. سارتر هو مؤسس ما أسميه "برنامج العار". من عار مصير اليهود تحت الاحتلال، ينخرط سارتر في نقد الديمقراطية الادماجيّة القسريّة. إنه بالفعل برنامج الادماج القسري الكامل الذي حملته الثورة الفرنسية الذي عكسه سارتر. نتذكر جملة كليرمونت تونير الشهيرة: ((يجب أن نرفض كل شيء لليهود كأمة أو جماعة، ونمنح كل شيء لليهود كأفراد)). هذا يعني أن فرنسا تعترف باليهود كمواطنين، لهم نفس الحقوق والواجبات مثل المواطنين الآخرين. تعترف فرنسا بالمواطنين الفرنسيين اليهود وليس باليهود الفرنسيين. يجلب سارتر الشك في معاداة السامية والعنصرية للتأثير على برنامج الادماج القسري التماثلي هذا الذي يود عكسه. بالنسبة له، يجب أن يكون للاعتراف بالهوية الخاصة والأصليّة الأسبقية على الانتماء المدني للأمة، وهذا ما يسميه ((الليبرالية الملموسة أو العينيّة)) التي أظهِر أنها في الواقع مخطط لبرنامج مجتمعات متعددة الثقافات. ما هو ((ملموس وعيني)) بالنسبة لسارتر هو الهوية التي يعرّفها بالدين أو العرق أو الجنس، وما هو مجرّد وغريب، وما يأتي لتدمير هذه الهوية الملموسة وتهديدها، إنه الإدماج القسري الذي تقوم به الديمقراطية الوطنية. وفقًا لسارتر، فإن الديموقراطي الوطني ((يرغب في فصل اليهودي عن دينه وعائلته ومجتمعه العرقي، ليضعه في بوتقة الديمقراطية الوطنيّة (أو على الأصح بوتقة الجماعة الوطنيّة)، التي سيخرج منها وحيدًا وعاريًا، وجسيمًا فردياً وانفرادياً، على غرار جميع الجسيمات الأخرى. هذا ما سمي في الولايات المتحدة بسياسة الادماج القسري. لقد سجلت قوانين الهجرة إفلاس هذه السياسة، وباختصار، إفلاس وجهة النظر الديمقراطية الوطنيّة)). يختصر هذا النص العملية الكاملة للإيديولوجية الهجرة المهيمنة حالياً في الغرب: الدمج بين الاندماج القومي والمصير البغيض الذي لحق باليهود. هذا النص السارتري سبق بوقت طويل خطاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام الأتراك ـ الألمان أردوغان في مدينة كولونيا، حيث اعتبر أردوغان بخطابه حينذاك أن ((تذويب الأتراك في المجتمع الألماني جريمة ضد الإنسانية))، بينما قارنه سارتر بأسوأ الفظائع المرتكبة ضد اليهود.
هل كانت رئاسة فرانسوا ميتران حاسمة في صعود السلطة لما تسميه ((الأيديولوجية الهجرويّة))؟
سينتشر عار الادماج القسري الذي زرعه سارتر داخل اليسار الثقافي والسياسي وعلى وجه الخصوص الحزب الاشتراكي الفرنسي. إن نموذج الادماج القسري، الذي اتبعه بومبيدو وجيسكار مخجل، سوف يتم التخلي عنه تحت حكم ميتران (في الحقيقة بدأ التخلي عنه منذ رئاسة فاليري جيسكار ديستان الليبراليّة)، هذا التخلي غُلّف بمفهوم جديد، ((الاندماج من دون زيادة))، وشعار جديد: ((العيش معا)). حتى قبل اختراع منظمة من قبل الحزب الاشتراكي الفرنسي ((أنقذوا فرنسا من العنصرية))، والتي تزعمها هارلم ديزير، الذي سيصبح بعد سنوات أحد زعامات الحزب الاشتراكي الفرنسي. هذه المنظمة، دعت من خلال عقيدتها الجديدة إلى الحق في أن يكون المهاجر مختلفاً في كل شيء (إلا في الحقوق المدنيّة والمواطنيّة) وإلى مفهوم متعدد الثقافات للمجتمع. في المشروع الاشتراكي لفرنسا في الثمانينيات، يمكننا أن نقرأ بالفعل: ((ينوي الاشتراكيون الاعتراف بحق المهاجرين في هويتهم الثقافية. سيتم تشجيع نقل المعرفة والثقافة الوطنية إلى أبنائهم بكل الوسائل. لأنه لا توجد مسألة الانفصال عن بلدهم الأصلي. يجب أن نعد الدول الأكثر ثراءً، بما في ذلك فرنسا، للنظر في مستقبلها من منظور جماعاتي)).
إن كلمة ((الهوية)) الخاصة بالمهاجرين، تم إطلاقها في عام 1980. في حين أن سياسة الادماج القسري وضعت ((هوية)) المهاجرين في الخلفية أو حتى رفضتها تماماً، فإن سياسة الاندماج جعلتها ثروة يجب علينا الرضوخ لها. رئيس المجلس الأعلى للاندماج، مارسو لونغ، تم اختياره بشكل جيد من قبل رئيس الوزراء ميشيل روكار منذ أن أعرب، في تقريره لعام 1988 تحت عنوان ((أن أكون فرنسياً اليوم وغداً))، عدم ثقته في مصطلح الادماج التماثلي، باسم الاعتراف الضروري بـ هوية المهاجر: ((إنّ التعبير مؤسف، لأنه يبدو أنه يعني أن الأجانب يفقدون خصائصهم الأصلية ليصبحوا فرنسيين فقط)).
حتى الجناح اليعقوبي من الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يتزعمه جان ـ بيير شوفنمون (الذي عارض رئيسه ميتران في تأييده لحرب الخليج الثانيّة لإخراج العراق من الكويت عندما كان وزيراً للدفاع عام 1990)، وهم أكثر الاشتراكيين تأييداً للإدماج التماثلي، نجد زعيمهم يعبّر عن عدم الثقة في سياسات الإدماج التماثلي: ((يبدو أن كلمة الإدماج التماثلي تعني اختزالًا إلى المتطابق. وأخيراً، فإن أقل الكلمة الملائمة هي كلمة الاندماج دون زيادة، لأنها تقبل الاختلاف، ولكن ضمن الإطار الجمهوري)). من المُسلم به، بالنسبة لشيفينمون، أن التمييز بين المجال الخاص والمجال العام هو الذي سيحد من هذا الاعتراف باختلاف الأجنبي: يجب أن يكون الأجنبي ـ المهاجر (ذو شخصيّة انقساميّة شيزوفرنية) بالنسبة لشيفنمون، متشابهاً في المجال العام، ولكنه سيكون قادراً على تنمية اختلافه وهويته الخاصة والأصليّة في المجال الخاص. وسوف يكون الرئيس الراحل ميتران هو الحَكَم بين هذين الاتجاهين في الحزب الاشتراكي الفرنسي: أي بين النزعة الاندماجيّة على الصيغة الشيزوفرنية لدى شيفنمون، والنزعة الأكثر راديكاليّة التي تتبناها منظمة ((أنقذوا فرنسا من العنصريّة)). سوف يميل ميتران للتحكيم بين الاتجاهين في الحزب الاشتراكي لصالح الاتجاه الثاني الذي يدعو لمجتمع جماعاتي ومتعدد الثقافات. من دون شك، كان قرار ميتران سياسوي أكثر منه أيديولوجي، نتيجة الهزيمة الكبرى التي ألحقها به تجمع اليمين والوسط في الانتخابات النيابيّة عام 1986. لقد أراد ميتران أن يحرج اليمين الشيراكي بتهمة مصادقة اليمين الأقصى الذي يتزعمه جان ـ ماري لوبن، حيث إن التجمع من أجل الجمهورية الذي تزعمه الرئيس الراحل جاك شيراك كان قد وضع برنامجاً واضحاً لعدم تحوّل موضوع الهجرة إلى مشكلة أبديّة في فرنسا.
عندما عاد الاشتراكيون إلى السلطة مع هولاند في عام 2012، بدا وكأن القطب المؤيّد لمجتمع جماعاتي متعدّد الثقافات قد انتصر نهائياً. إن السياسات المؤيّدة تجاه ((الاختلاف والتميّز الهوياتي)) للأجنبي قد اتخذت خطوة أخرى في مشروع إصلاح سياسة الاندماج الذي كلف به رئيس الوزراء في ذلك الوقت ج. م. هيرو، والمسمى بـ ((المجتمع المتضمن أو الحاضن للاختلافات))، والذي يمكن أن نقرأ فيه: ((لن تكون هناك في فرنسا بعد الآن سياسات لمنع الأجانب من أن يكونوا على طبيعتهم، ولكن مساعدتهم على أن يكونوا أنفسهم في مجتمعنا)). من المسلم به أنه تم سحب المشروع في مواجهة ردود الفعل غير المتوقعة، وكان الأمر بالنسبة للقطب المؤيّد للمجتمع الجماعاتي المتعدّد الهويات التقرير النهائي الذي سوف يحسم موضوع سياسات الهجرة لصالحهم. ولكن المفاجئة الكبرى للرئيس هولاند أن هذا التقرير كان بداية صغيرة لانقلاب المعادلة السياسية في فرنسا والغرب لغير صالح القطب المؤيّد للمجتمع الجماعاتي، حيث بدأت المقاومة لهذه السياسات الخطرة تظهر في الأوساط اليساريّة نفسها ابتداءاً برئيس الوزراء السابق إيمانويل فالس وليس انتهاءاً مع الفيلسوف اليساري الليبرتاري ميشيل أونفري وعالم الاجتماع اليساري لوران بوفيه، وأخيراً الاشتراكيّة سيلين بينا التي انشقت عن الحزب الاشتراكي الفرنسي عام 2016.
كيف يختلف الإدماج التماثلي عن الاندماج أو الإدماج التضمني اللذان ما زالا يُنادى بهما اليوم؟ كيف يمكن أن تعيد إضفاء الشرعية على الإدماج التماثلي الذي يتطلب سياسات قسريّة؟
من خلال الاندماج، دعا ((الجمهوريون)) لدينا إلى مثال جدير بالثناء: كان الأمر يتعلق بمطالبة المهاجر بالاندماج في مجال المواطنة و ((الجمهورية)) مع السماح له بالحفاظ على هويته الثقافية واختلافها في المجال الخاص. وهكذا سعى الجمهوريون إلى الحفاظ على مسافة متساوية من الإدماج التماثلي الموصوف بـ ((القوميّة أو الوطنيّة))، نحو المثل الأعلى لديهم، وهو المجتمعات ((متعددة الثقافات)). تم انتقاد الإدماج التماثلي لأنه اختزال الآخر إلى (النحن) والنموذج الإندماجي المتضمن لإنكاره (النحن) لصالح الآخر المهاجر. تم تقديم الفصل بين المجالين الخاص والعام كمفتاح لهذا التكامل الناجح. كان على الدولة، إلى جانب حيادها الديني، أن تكون محايدة في الأمور المتعلقة بالعادات والتقاليد. لم تطلب الدولة من المهاجر أن يكون مثل الأوروبي المتأصل منذ أجيال في الأخلاق بل أن يكون مثله في القانون الذي يشارك فيه والذي يطيعه. هذا الفصل بين الخاص والعام، بين الأعراف والقانون، بين الأخلاق والسياسة، هو النقطة العمياء للمفهوم ((الجمهوري)) للاندماج. إن فهم السياسة بالمعنى المعماري، وبالمعنى اليوناني، لا تقوم في الحقيقة على هذا الفصل المطلق بين الخاص والعام، ولكن على التمفصل بينهما. الإدماج التماثلي ليس مجرد سياسة واحدة من بين العديد من السياسات. إنه السياسة نفسها. بشرط إعادة التفكير في الأمر كما أفعل، على خطى عالم الاجتماع العظيم غابرييل تارد، كـ ((إدماج محاكاتي وقائم على التقليد))، كمجهود حر لجعل المرء متشابهاً. وبهذا المعنى، فإن هذا الإدماج التماثلي يتجاوز مجال الأعراف مثل مجال القانون ويفرض نفسه على الوطني كما على الأجنبي المهاجر. بهذه السياسة وحدها، يمكننا إنتاج تلك ((الصداقة السياسية)) التي نحتاج بشدة إلى إعادة اكتشافها اليوم.
(1) Vincent Coussedière, Éloge de l’assimilation, éditions du Rocher, 248p.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -