الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تهافت الحداثة الأدبية

أحمد عبد الجليل محمد

2021 / 5 / 15
الادب والفن


الباطل – أحيانا – يفضح نفسه بنفسه، ويبين عن ذاته بلسان نفسه، لا بلسان غيره، فالألسنة هي مغارف القلوب - كما قال الأول- تفصح عما تنطوي عليه وتنبئ عما يعتمل فيها، خيرا كان ذلك أو شرا!
تذكرت ذلك القانون النفسي، الذي لا يكاد يتخلف، عندما كنت أطالع العدد (744) من مجلة العربي الكويتية، وذلك في الركن الثابت منها، الموسوم بعنوان (وجها لوجه). وشخصية الركن لهذا العدد هو الشاعر سمير درويش، يقف في مواجهته، محاورا ومناقشا، شاعر مصري آخر، أحمد اللاوندي.
ومما لفت نظري – في ثنايا تلك المواجهة- فقرتان جرتا على لسان الضيف، سمير درويش؛ جاءت أولاهما في سياق رده على سؤال المحاور عن وجهة الحركة النقدية العربية، جاء فيها: (... أول دراسة معتبرة كتبت عن شعري كتبها الناقد والمترجم السوري الكبير د. منذر العياشي في جريدة الرياض السعودية عام 1992، كان يتناول قصيدة لي اسمها "العرافة والعطور السحرية"، على اسم موسيقى باليه لعمر خيرت، كانت نشرت قبل أسبوع واحد في المكان ذاته.
اشتريت الجريدة ومكثت أسبوعا أعيد قراءة المقال، وأعيد قراءة بعض الفقرات أكثر من مرة لأفهم ماذا يريد أن يقول...وبالفعل أعدت اكتشاف قصيدتي بهذا المقال، واستفدت منه كثيرا...)
وهذه الفقرة – والله - شهادة إدانة فاضحة لما يسمى بالنقد الحداثي، لا يدخلها الشك، ولا يمكن أن تنالها معاول النقض، لأنها تدخل في باب (وشهد شاهد من أهلها). وحاصل ما نخرج به من هذه الفقرة هو أن هذا الشاعر الذي هو – وفق ما جاء في ترجمته القصيرة التي أثبتت في صدر المواجهة- واحد(من أبرز شعراء جيل الثمانينيات في مر، وأحد أهم الشعراء الذين يكتبون قصيدة النثر في الوقت الراهن على (المستوى العربي.) – والقوسان من كيسي -. ... وهو عضو مجلس إدارة اتحدا الكتاب المصري منذ مارس 2018، عمل رئيسا لتحرير مجلة الثقافة الجديدة منذ سبتمبر 2016 حتى سبتمبر 2018، وهو رئيس تحرير سلسلة "الإبداع العربي" التي تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب...الخ)- أقول أن هذا الشاعر/ الكيان الضخم العملاق - وما يسبق به اسمه ويلحق من ألقاب ووظائف ثقافية بلغت المنتهى و الغاية التي ليس وراءها غاية في الرفعة والسمو – ظل هذا المسكين أسبوعا كاملا غير منقوص يقرأ تلك المقالة النقدية – أو الخطاب النقدي بلغتهم الحداثية – التي يرجى منها أن تسهم في إضاءة جوانب النص المعتمة، وفك ألغازه، وكشف طلاسمه، فلم يفهم منها شيئا ولم يقف منها على معنى محدد واضح يطمئن إليه! ولكنه في نهاية كلامه – في عملية تملق مكشوف متبادل بينه وبين الناقد الحداثي، وفي محاولة لحفظ ماء وجهه ووجه صاحبه ونفي العبث عما كتب هو وعن تأويل ما كتب معا – يقول: (وبالفعل أعدت اكتشاف قصيدتي بهذا المقال، واستفدت منه كثيرا.)
فماذا يفعل المتلقي الغير مثقف المخاطب والمقصود – بصفة أولية- بهذا النقد حيال هذا الخطاب النقدي الذي عجز عن استكناه معناه منتج النص نفسه والذي هو – بشهادة المجلة نفسها – من الثقفين المعدودين لا على المستوى القطري المصري فحسب، بل على المستوى العربي الواسع المتراحب؟!
يقول الشاعر، ضيف الزاوية، سمير درويش، في تصريح آخر، جاء في تلافيف تلك المواجهة الشهرية- : (إنني أستطيع أن أقول لك: إن تجربتي ليست أكثر من محاولات للتعبير عن ذاتي، دون أن تطمح إلى أكثر من ذلك.) هذا التصريح - الذي يقرر فيه الشاعر أن شعره هو محض تعبير عن ذاته، وما تموج يه من أفكار ومشاعر وقيم وأحاسيس...إلخ – ينفي الشك – قطعيا – في صحة ما رمينا به الشاعر من كذب وتلمق لصاحبه الناقد حينما ادعى في ذيل الفقرة السابقة أنه أعاد اكتشاف قصيدته التي يقرر – في هذا التصريح الخير – أنها وجميع أخواتها تعبر عن ذاته التي بين جوانحه؛ إذ كيف ينفق أسبوعا كاملا موفورا في محاولة فهم نص من المفترض أنه يفتح ما استغلق من جوانب قصيدته التي يزعم أنها تعبر عن ذاته وتجليها؟؟!!
أما الفقرة الأخرى - التي تفضح هذه المرة النص الأدبي الحداثي نفسه – فقد جاءت على لسان ضيف الزاوية، سمير درويش، حين سأله محاوره عن إشكاليات ترجمة الشعر، فقال الضيف:(مترجمتي إلى الانجليزية هي اللبنانية سوسن الفقيه، ...لم يمر يوم إلا وأرسلت لي المترجمة تسألني ماذا قصدت بهذه وبتلك، وكنت – ولا أزال – أجد مشقة في التوضيح، لأن هذه الأشياء تكون عصية على الشرح أحيانا، لكنني أجتهد قدر استطاعتي، وهي تدرك ما أريد بحكم ثقافتها الواسعة.) فالمترجمة هنا تنتمي وتضرب بجذورها في نفس التربة الثقافية الحضارية التي ينتمي إليها الشاعر، فهي ليست ابنة الثقافة اللاتينية الغربية، أو تلك الشرقية؛ وهي ذات ثقافة واسعة أثبتها لها شاعرنا، ومع ذلك فهي لا تفهم ما يقوله الشاعر، ولا تستطيع الاهتداء إلى معنى ما يسطره في قصائده التي يزعم - كما أسلفنا – أنها تعبير عن ذاته، فهي لا تفتأ تسأله وتستفهم منه معنى ما كتبه من قصائد، لا تفوت يوما دون أن تفعل ذلك! أما العجب الذي لا عجب وراءه هو أن صاحبنا الشاعر يجد مشقة في فهم معنى ما يكتبه لأن ما يسطره، لأن (هذه الأشياء تكون عصية على الشرح أحيانا)، بنص كلامه!
وحاصل ما نجرج به من الفقرة الأولى أن النقد الحداثي هو مجرد طلاسم فاقدة المعنى، حتى أنها تستغلق على جهابذة مثقفي عالمنا العربي! وحاصل الفقرة الثانية هي أن الشعر الحداثي هو لون من العدم والتعمية التي لا يستطيع فتح مغاليقها وفهمها حتى كاتبوها أنفسهم! الحداثة – إذن – نوع من الدجل والكذب والمجاملة والتملق الرخيص؛ طرفاه المبدع والناقد!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة