الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فدرالية الجنوب والأربعين سياسي

حمزة الجواهري

2006 / 8 / 5
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


كانت كباقي الأحلام العراقية، وردية، أرق من نسيم الصباح، وأعذب من ماء الفراتين، بدت وكأنها أقرب للعين من الحاجب، لكن سرعان ما أكتشف الجميع ما خبأه اللصوص الطامعين بالاستيلاء على الكنز لوحدهم من أدوات خبيثة لحرق الآخرين، فاحترقوا جميعا بالخبث والغباء. لذا كف دعاتها الأول وتنازلوا عنها، فتمسك بها وتبناها الطرف الأبعد عنها! قصة الفدرالية في جنوب العراق تبدو كمفارقة نسجتها شهرزاد في ليل شتائي عاصف، أثقلت القصة على قلب شهريار، لكنه لم يقوى على ترك المخدع ولا قتل الجميلة.
حظوظ الفدرالية للصعود للبرلمان عالية، كون الأعداد المطلوبة التي توفر الأرضية لذلك متوفرة أصلا في المحافظات الجنوبية، ولكن فرص الفوز محدودة كون أطراف الائتلاف غير متفقة على مبدأ الفدرالية لأسباب كثيرة معلنة لا تخفى على المتابع، لذا كان لابد من الترويج لها بقوة رغم العقبات والتحديات التي تواجه المروجين لها من داخل الإتلاف تحديدا. لكن فرص نجاحها على المستوى الاجتماعي في مدن الجنوب وبغداد تزداد يوم بعد آخر، تحديدا مع كل ضربة إرهابية في الأسواق العامة يزداد دعاتها فريقا جديدا وتتعالى الأصوات من أجل إنجاحها، حتى غدت حلما لبعض الناس، إذ ربما تكون الوسيلة الأخير قبل التقسيم والخلاص من القتل اليومي والتهجير والخطف وممارسة كل أشكال الترويع والتخويف على أساس من الهوية، أضف إلى ذلك فإنها ربما ستكون آخر وسيلة لدرء حرب أهلية تبدو وكأنها تقف خلف الأبواب لتدخل من دون استئذان.
بالرغم من أن القتلة على أساس من الهوية يرفعون عقيرتهم ليل نهار ضد الفدرالية ويؤكدون أنها مشروع إيراني، وربما صهيوني أمريكي، لتقسيم العراق، فإنهم يدفعون نحوها بقوة، بذات الوقت يقولون أن على أبناء الجنوب القبول بقتلهم على أساس الهوية، لأن قبولهم بالفدرالية يعتبر خيانة للعراق ووحدته!! طبعا هذا منطق أجوف للحد الذي يجعل المرء يتقيأ عند سماعه تلك الترهات الإعلامية، خصوصا عندما تكون هوية المتحدث معروفة وأغراضه مكشوفة.
بمعنى أن من يرفضها قطعا هو من يدفع نحوها بمنتهى القوة ويمهد الطريق إليها مادامت الفدرالية في الجنوب ستكون سببا لتقسيم العراق، عند هذه النقطة بالضبط تلتقي البرامج مستحيلة التحقيق من طرفي الصراع الطائفي بشكل مباشر، لأن من جاء بالحلم المستحيل لتحقيق إمارة إسلامية، مرتديا أسمال البشتون ويحمل أموال أتباع السلف التكفيريين، يجد بنظرية فرق تسد والضرب في الأماكن المحرمة أسلوبا ممكنا لتحقيق حلمه المريض، إذ لحد الآن لا يعرف أحد أ كيف ستحقق القاعدة حلمها في العراق سوى هذا الأسلوب المتمثل بتمزيق البلد لكي تستأثر ولو بقطعة أرض تكون الإمارة المنشودة، لينطلقوا بعدها إلى آفاق أوسع. أما البعثيين الذي فقدوا الأرض التي يقفون عليها، فإنهم يجدون بالأسلوب التكفيري، ما يمكن أن يعيد لهم بعض ما فقدوا، أو على الأقل الانتقام ممن خرج عن طاعتهم بحثا عن الحرية، فاتحد العدوين على هدف واحد. أما جوقة السياسيين الذين يساهمون في العملية السياسية على أنهم يمثلون طرفا من الأطراف العراقية الأساسية، وهم في الواقع الوجه الآخر للبعث، فهم مجرد أدوات إعلامية توفر الغطاء السياسي للبعثيين الذين يرتدون أسمال البشتون، كما ويساهمون أيضا بشل يد الدولة من تأدية واجبها ومنعها من ضرب الإرهاب بمباركة من البشتون الأمريكان في العراق، متوهمين أن ستكون لهم مكانة وحظوة في الإمارة الطالبانية أو الدويلة البعثية بعد تقسيم العراق لا سامح الله، هذه الفئة بالذات ربما تعرف أنها مجرد بوق أجوف، ومن يخالف منهم أوامر أشباح المقاومة، فإنه بلا شك سيكون في خبر كان، وقد كانت الرسائل البليغة التي تلقاها قادتهم بقتل ذويهم قوية للحد الذي أعادتهم فورا ليقوموا بالأدوار المرسومة لهم قبل أن تجف دماء الضحايا الأقربون.
بالمقابل، وعلى الضفة المقابلة للوطن، نجد حلما آخر مستحيل التطبيق، إذ بوجود هذا الإقليم، فدرالية الجنوب، ربما سيكون حلم ولاية الفقيه قابلا للتطبيق ولو ببعض العراق، خصوصا بعد أن كشفت أحداث الأيام الأخيرة أن صواريخ المليشيات ليست أكثر من ضجيج وغبار سرعان ما يزول، وهكذا اكتشفوا أخيرا أن الفدرالية كأسلوب مطروح أصلا، ويتوجب أن تتقاسم السلطة مع المركز وفق آليات الدولة الديمقراطية، إذا فهي أفضل بكثير من المليشيات التي تأخذ شرعيتها ابتزازا أو كنتيجة لظروف مرحلية سرعان ما تتغير لتكون المليشيات في مأزق لا تعرف طريقا للخروج منه كما هو الحال في لبنان حاليا.
أما المراهنين على استمرار دور المليشيات في العراق، ويعتبرون أنه أمر ممكن، وأنهم يستطيعون أن يحققوا ما عجز السياسيون الآخرون عن تحقيقه، لذا ففي حال تحققت فدرالية الجنوب، فإن هذا يعني أنها ستكون في مواجهة مع الشقيق، وهذا يعني أنها ستفقد أسباب المواجهة التي تكمن وراء استمرارها بالحركة.
وهكذا نرى أن تحقيق الفدرالية في الجنوب يعني خطوة واسعة وكبيرة للتخلص من ضربات الإرهابيين الموجعة للشعب الأعزل، وكذلك التخلص من مليشيات الجنوب، لكن بذات الوقت، ستكون خطوة أوسع نحو التدخل الإقليمي في العراق، فإنها بلا أدنى شك ستكون الخنجر في الخاصرة والذي سيحمله الكيان الأم الذي يدفع نحو تصدير الثورة عبر هذه النافذة المفتوحة من نوافذ الديمقراطية. فمن سيقبل بذلك؟ وهل سيرفع الآخرون الراية البيضاء خوفا من القنبلة الذرية الإيرانية؟ حيث إن نجاح هذا المشروع سيكون بلا أدنى شك بوابة الجحيم الحقيقي في العراق، لأن أمريكا ما عبرت المحيطات والقارات لتقيم الولاية، وهي العدو اللدود لها، وهي من يمسك بكل الخيوط في العراق، الآن ومستقبلا، ولا باقي الأطراف العراقية ستقف مكتوفة الأيدي بعد أن تجد العراق مجرد ولاية للفقيه وقد صادرته إيران بالكامل.
وهكذا فمن يحاول ابتزاز السلطة في العراق سيجد نفسه معزولا مجنونا كما القطة التي تأكل أولادها، ربما حبا بهم، ولكن في النتيجة خسران أكيد وجنون مطلق، أما من وفر الغطاء السياسي للإرهاب في العراق، فإنه في يوم ما قريب، سيجد نفسه الخاسر الأكبر، سواء بتحقيق مشروع الفدرالية أو بغيره، لأن لو حقق أي طرف من الأطراف حلمه، سيكون هذا الفريق خارج الحلبة منبوذين، وفي أحسن الأحوال يتلقون فتاتا لا تسد رمق، أما العراقي الحر فقد كبل نفسه بالقيد الذي يحاول اليوم عبثا نزعه وإن لم يفقد الأمل، أما أمريكا، حسب ظني، فهي من فتح أبواب الجحيم على العراق ليكتشفوا، بعد أن حلت اللعنة، أن غلقها غير ممكن، أي إما الاستمرار باللعبة وهو ما يعني حروبا قد تخرج عن سيطرتهم، أو ترك الحالة كما هي عليه والهرب بعيدا، وهذا يعني أن عليهم نسيان الأهداف التي جاؤوا من أجلها. أما دول الجوار الإقليمي التي اعتقدت أن المواجهة مع الأمريكان هي الأسلوب الأمثل، قد اكتشفت أخيرا أن هروبها ما هو إلا صعودا نحو الهاوية، لأن الإرهاب سيكون الضيف الثقيل على بلدانها، لكنها مازالت تجري بزخم هائل نحو الهاوية، لأنها أصلا لا تملك الكوابح للتوقف، وكذالك فإن التوقف يعني التنازل عن عروش حاربوا من أجل الاحتفاظ بها عقودا طويلة، وهذا ما لا يقبلون به بأي حال. أما العلمانيون الذين ناضلوا ثمانين عاما من أجل الديمقراطية في العراق، وأول من عملوا من أجل الفدرالية، فإنهم وجدوا أن كل الدلائل تشير إلى أن المولود مسخ وليس ذلك الذي تمنوه طيلة سني النضال، لذا فقد تراجع الكثير منهم عن دعمها، وهناك من راح يراوغ مدعيا الدعم لها لكن بشروط.
وهكذا نجد الكل يدور في حلقة مفرغة حتى يستجد ما ليس بالحسبان، ربما صدفة، أو أن أحد اللاعبين قد يجد فتيلا لم يحرق لحد الآن فيشعله، ولكن العواقب أيضا غير مدروسة، ذلك لأن الأمر برمته يتعلق بالعراق، بلد السحر والشياطين والآلهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح