الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ايران و السعودية .. حوارات سياسية ام صفقات سياسية

فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)

2021 / 5 / 17
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية


الشقيقة الكبرى (المملكة السعودية ) تحاول جاهدة تكثيف جهودها في اجراء حوارات - مباحثات سرية - مع ايران للوصول الى اتفاقات محددة بشأن امنها وادوارها في المنطقة ومنه دورها في اليمن وهي تسابق الزمن لاعتقادها ان ايران – كما تشير الاخبار - على وشك الاتفاق مع امريكا – عودة امريكا - الى الاتفاق النووي ومعه رزمة من التفاهمات غير المعلنة غالبا التي تشترطها امريكا لقاء العودة ..وحال تحقق ذلك تفوز ايران خاصة وان الحوارات الراهنة في فيينا لا تشمل اضافة الترسانة الصاروخية الايرانية الى ذلك الاتفاق وهي مصدر تفوق كبير لها في المنطقة وتشكل تهديدا حقيقا أيضا لكن ستستفيد من رفع العقوبات المتعددة والافراج على الأرصدة المالية المجمدة مما يدعم توجهها في الانفاق العسكري .. وفي المقابل جل الاهتمام الامريكي يتمحور حول نقطتين الاولى ضمان امن اسرائيل (المعروف ان ايران لن تغامر في هذا الامر -ولم يعرف عنها ان حاولت ذلك ) والنقطة الثانية تعديل السلوك الايران ليتوافق مع بعض عناصر الاجندة الامريكية في المنطقة حيث القواعد الامريكية ومصالحها النفطية و امن مرور السفن التجارية وغيرها ..
ايران في براجماتيتها السياسية تنفتح على كل الحوارات مع الغرب الاوربي ومع امريكا تحديدا وهنا تحاول الشقيقة الكبرى ان تظهر براجماتية تتمثل في الانفتاح نحو الحوارات المباشرة مع ايران ضمن وسيط عربي او اجنبي كما تحاول الانفتاح في الداخل للخروج من تركة ثقيلة لسنوات طوال من الجمود الفكري والسياسي نحو آفاق ليبرالية اجتماعيا وثقافيا متوافقة مع الليبرالية الاقتصادية .. بل ان مسار المتغيرات الراهنة وطموح الأمير الشاب يجب ان تتبلور من خلال رؤية استراتيجية لا تركز على المشاريع الاقتصادية فحسب بل تتضمن بناء حداثة سياسية بكل مجالاتها المؤسسية والقانونية والثقافية ( متغيرات شتى في جميع المجالات ) واهم نقطة في هذا الرؤية ادراك ووعي للمجال الحيوي للمملكة واهمية استقرار اليمن كمرتكز لاستقرار المملكة واستقرار الخليج والجزيرة بشكل عام ..هنا يكون العمل السياسي الداعم لا عادة بناء الدولة في اليمن يحقق اهداف مشتركة للبلدين بمنظور طويل الأمد ولا يخضع لمنطق الصفقات المؤقتة .
والسؤال هنا ما طبيعة القضايا محل الحوار -المباحثات مع ايران - هل تتناول تهدئة المواقف الاعلامية وعدم افتعال أزمات متكررة ؟ هل تتناول التهديد الايراني للخليج والسعودية خصوصا .. هل تتناول الادوار الخارجية ومدى تقاطع هذه الأدوار او تداخلها -الايراني السعودي - ..هل تتناول الجانب المذهبي والاختلافات الكبيرة فيه باعتباره احد عوامل الصراع ام ان البراجماتية السياسية في كلتا الدولتين تضعان المذاهب خارج الحوارات السياسية الراهنة والاهتمام بالمسألة الأمنية والعسكرية المباشرة وغير المباشرة .
من المؤكد ان الجوانب الامنية والعسكرية هي مجال الحوارات لأنها تعتبر تهديد مباشر للجانبين – مع التعايش وفق صراع مذهبي بسقف منخفض - وتزداد خطورتها للجانب السعودي الذي تم تطويقه من خلال التغلغل الايراني في اكثر من عاصمة عربية ثلاث منها على الحدود المباشرة للسعودية .. ناهيك عن التحشيد المذهبي الذي يصل مداه الى داخل السعودية ذاتها .. ولأن الشقيقة الكبرى لم تنجح في ازمة اليمن بل فاقمتها ، لذا ترى انه لابد من صفقة سياسية مع ايران مثلما كانت الصفقة عام 67 مع مصر ..متناسية ان الصفقة الاخيرة كانت فيها النخبة السياسية اليمنية التي تدافع عن الثورة والجمهورية داخل صنعاء مما عزز الموقف المصري .. اما اليوم النخبة السياسية التي تدعمها السعودية خارج العاصة وخارج اليمن بشكل عام هذا على افتراض ان السعودية لاتزال مهتمة بدعم هذه النخبة وتحرص على شرعيتها كما ادعت في الخطاب السياسي والإعلامي اول يوم لعاصفتها التي لم تحقق نجاحا يذكر مع ان الدلائل الحسية تؤكد ان السعودية لم تكن مهتمة بعودة الشرعية ولا عودة الاستقرار لليمن .. في هذا السياق قد تتجه حوارات السعودية وايران الى اعتماد صفقات مؤقتة بخصوص اليمن وبعض بؤر النزاع في مناطق أخرى مثل العراق ولبنان وهنا يكسب الجميع بفارق قد لا يكون سياسي فقط بل اقتصادي أو استراتيجي مع تخفيف حدة الهزات الأمنية الى مستوى منخفض .
ولهذا الامر تشير الوقائع الإجرائية الى ان السعودية في سيناريوهاتها نحو اليمن قد تتجه نحو الاعتراف بسلطة الحوثي في صنعاء مع سلطة الانتقالي في عدن ليتشكل منهما حكومة محاصصة في اطار اقليمين وتدفع بالأزمة كلها الى الداخل اليمني لتخرج نفسها من ازمة متعددة المجالات ومتشعبة الأطراف والتداخلات .. ثم تحيل رموز الشرعية للتقاعد مع متطلبات ذلك من الامتيازات الخدمية لهم . او تجمع الأطراف كلها في حكومة واحدة ليتشكل منها نظام ودولة فاشلة ، وحتى هذا الخيار مرهون بموافقة ايران أولا وهذه الأخيرة لها مصالح كبيرة تتوافق مع طموحها الامبراطوري في المنطقة ولديها استعداد لتخفيف أدوار حلفائها في الداخل العربي من اجل مصالحها التي تتجاوز هؤلاء وجودا وادوارا .
ايران تظهر تفوقها العسكري على السعودية بالاتكاء على منصة التطور النووي وحجم سكاني كبير ومشروع قومي يبلور رؤية ووحدة موقف في الداخل لدعم هذا المشروع اضافة الى تشكيل جماعات سياسية لها ادوار كبيرة تابعة لها داخل العمق العربي وفي اطار حدود السعودية وهو امر لم تنجح السعودية فيه .. بل اخفقت حتى في الاحتفاظ بما كان لديها من ادوار تقليدية سابقة ( فشلها في دعم جماعات سياسية في لبنان نظرا لتغيير في التركيبة السياسية وتحالفاتها الخارجية ، فشل في استقطاب النخبة السياسية العراقية بعيدا عن ايران ، فشل في دعم الشرعية في اليمن ، وغيرها الكثير ...) ..
المنصة النووية الإيرانية بدأت بدعم امريكي مباشر وكان الاختيار مقصود وفق المنظور السياسي والاستراتيجي الأمريكي مع ان أمريكا تواجدت عسكريا في السعودية والبحرين قبل ارتباطها بإيران ودعمها الكبير لنظام الشاه .. والسؤال هنا لماذا لم تهتم أمريكا بدعم مشروع نووي في السعودية او دعم محاولات مصر ..الاجابة معروفة ان مصر كانت خارج الهيمنة الامريكية في فترتي الخمسينات والستينات والسعودية لم تكن محل تفكير امريكي الا من زاوية انها مصدر للنفط ومحل قواعد عسكرية . واستمرت السعودية ومصر تتجاهل الأهمية الكبيرة لبناء مشروع نووي بدلالاته المتعددة أولها بناء قاعدة علمية تضم الاف من الباحثين والخبراء والعلماء (كادر بشري ذو خصائص نوعية) وثاني الدلالات الاستخدام المدني بتنوع مجالاته ثم ما يحققه المشروع من تفوق استراتيجي مع دول منافسة في المنطقة تتطلب هذه المنافسة ردع استراتيجي وهو البعد الغائب في مصادر القوة عربيا مع تفوق جيرانها بنزعاتهم القومية المغايرة . انشغلت ايران أيام الشاه والخميني بتطوير القدرات النووية حتى في سياق ثقافي ماضوي وانشغلت السعودية بنشر ذات الفكر الماضوي المغرق في مناهضته للعلم والعقل والحداثة والترويج لمظاهر مادية استهلاكية لا تؤسس لدولة حديثة ولا تبنى قوة فاعلة من العلم ونتاجه مدنيا وعسكريا .
كل هذا مع تضخيم المخاوف من ايران يشكل ضغطا امريكا للسعودية بهدف التطبيع مع اسرائيل -الرغبة في هذا الامر موجودة اصلا - السؤال كيف تستطيع السعودية ان تحافظ على امنها واستقرارها من أي اهتزازات امنية او تدخلات خارجية .؟ وكيف تستطيع ان تحافظ على دورها الإقليمي وفق منافسة قوية مع ايران وتركيا ( دولتان لهما ثقل سكاني واقتصادي وعسكري ونفوذ خارج مجالهما ونقصد بذلك داخل العمق العربي ).. وهل تستطيع السعودية امتلاك أدوات قوة مادية وسياسية واستراتيجبة لخلق توازن موضوعي مع ايران وتركيا او حتى مع ايران تحديدا.. المؤكد ان السعودية ستتجه نحو اعتماد صفقات سياسية مع تركيا وايران لتخفيف حدة المنافسة معها وهذه الصفقة مكان بعضها في عواصم عربية محل نفوذ سياسي لها جميعا وخصوصا ايران الا ان منطق الصفقات قد يكون مؤقتا لان الازمة الراهنة مع ايران متحركة ومتغيرة وفق تحرك وتغير أزمات المنطقة العربية ومنها أزمة اليمن وتغير الأدوار للفاعلين فيها من الداخل والخارج .
الإشكالية ان السعودية تواجه تحديات كبيرة تكاد تعصف بنظامها ويهدد استقرارها السياسي والاجتماعي ، ولم تستطع خلق تحالف عربي واسع يؤيد وجهة نظرها حتى داخل مجلس التعاون الخليجي التي تنفرد اربع دول منه بعلاقات جيدة مع ايران بما في ذلك الامارات حليفة السعودية ..والاشكالية أيضا ان الوطن العربي غابت منه رؤية سياسية جامعة تشكل نقطة التقاء وتقارب ومحدد في التعامل مع الخارج .. من هنا ساد الفراغ السياسي والايدولوجي فظهرت قوى طامحة لملئه ومن ثم إدارة المنطقة وهي ذاتها تنازع السعودية ومصر قيادة العالم العربي بل والإسلامي ..
تركيا وايران اظهرتا حضورا كبيرا في المنطقة مقابل تضاءل الحضور للدور المصري والسعودي ..حتى الجماعات والأحزاب التي تحصل على تمويل سعودي من سنوات سابقة التفتت الى تركيا وانحازت لها ..وهكذا تُحاصر السعودية في عموم المنطقة من تركيا وايران الامر الذي اظهر فكرة التطبيع مع إسرائيل لكسر حاجز سياسي ظنا ان هذا الامر سيخلق معادل موضوعي سياسي لصالح السعودية وحليفتها الامارات ..
ايران تتحاور مع أمريكا وحلفائها وفق محفزات إيجابية تتمثل في رفع العقوبات الامريكية عنها مما يؤهل الاقتصاد الإيراني لاستعادة دوره بشكل افضل وهو امر يزيد من الدور الإيراني في المنطقة .وهذا الامر يدفع بالسعودية لزيادة الموازنة الأمنية والعسكرية مما يقلل من الاستثمارات الإنمائية والدعم الاجتماعي المخصص للمواطنين ويقلل من الانفاق على مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية .
أمريكا – وقد كتبت عنها مسبقا- تبلور حضورها خارج حدودها خاصة منطقة الشرق الأوسط وفق اجندة سياسية تجعل من اللانظام والعبث السياسي مرتكز هام لتعويم المنطقة في صراعات داخلية ، وصراعات بين الدول ، ومخاوف من تنظيمات متطرفة وجهادية الامر الذي يعزز من ارتباط دول المنطقة بأمريكا خاصة الدول النفطية والسعودية تحديدا ،، ناهيك ان هذا الدور الأمريكي يتعاظم مع شدة التنافس مع الصين وروسيا الامر الذي يدفع الإدارة الامريكية لزيادة تواجدها العسكري وفي نفس الوقت زيادة دورها في تعويم المنطقة داخل نفق من الفوضى والعبث السياسي ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيد


.. ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. استمرار تظاهرات الطلاب المؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمي


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. ومقترحات تمهد لـ-هدنة غزة-




.. بايدن: أوقع قانون حزمة الأمن القومي التي تحمي أمريكا