الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تحّول الحلم إلى كابوس في رواية الترب الأمريكي ؟

كامل عباس

2021 / 5 / 17
الادب والفن



اضطرتني الحاجة بعد مطاردتي عام 1977 لقضاء خمس سنوات متواريا عن الأ نظار حللت فيها ضيفا ثقيلا على أصدقائي مصطحبا معي روايات تساعدني كي أقهر الوقت عندهم وأن امحبوس في غرفة او تحت السرير أحيانا كي لا يفتضح أمرهم . انتهت المطاردة بعد خمس سنوات بسجن طويل امتد أربعة عشر عاما بين فروع التحقيق والسجون العسكرية والمدنية سافرت فيها الى كل بقاع الأرض على صفحات تلك الروايات لأصبح خارج قضبانهم رغما عنهم, لو لم يكن للرواية سوى تلك المزية لكفاها, لكأّن هذا الفن خُلق لمواساة المعذبين في السجون ولا يزال له نفس القيمة عندهم بعد أن تغيّر الزمن وأصبح العصر عصر المسلسلات التلفزيونية وعصر التغريدات على تويتر الممنوعة داخل سجون بلادي على السياسيين أمثالي تحديدا . حقيقة أنا ما أزال سجينا انتقل من السجن الصغير الى السجن الكبير.
وقعت عيناي هذا العام قبل العيد على رواية التراب الأمركي فشدّتني اليها كلمات المحفورة على غلافها (التراب الأمريكي عمل مميز , توازن متقن بين الرعب من جهة وبين الحب من جهة أخرى , أتحدى أي شخص ألا يبدأ بقراءة الصفحات السبع الأولى من الكتاب حتى ينهيه كاملا)
حسنا انا اعتبر ان نجاح الرواية يتوقف على هذه النقطة تحديدا, نقطة قدرة شد القارئ على متابعتها وهو ما يهمني الآن أكثر من حبكتها وعقدتها ونهايتها والى أي مدرسة أدبية تنتمي ولذك حصلت عليها لتبدأ رحلتي على صفحاتها طوال ايام العيد
رواية :
التراب الأمريكي
تأليف الكاتبة الأمريكية جنين كمنز
ترجمة أسامة اسبر
الطبعة الأولى 2020
التوزيع دار فواصل في اللاذقية
تتحدث الرواية عن رحلة المهاجرين الأمريكيين الجنوبيين باتجاه التراب الأمريكي في الشمال حيث يموت مهاجر على الحدود المكسيكية الأمريكية كل عشرين ساعة هربا من فظائع كرتيلات المخدرات الذين جنّدوا قطاع طرق ومغتصبون ولصوص يختبئون في صفوف الشرطة والجيش وحرس الحدود يسهلون عليهم تقطيع أعضاء ضحاياهم وإعادة ترتيبها في لوحات رعب حيه تبث الذعر في نفس كل من يفكر بالتمرد على كرتيلاتهم , واذا كانت الهجرة البشرية من مكان الى أخر عبر التاريخ وما يلاقيه المهاجر من ويلات على الطريق فان جديدها في عصرنا هو طائرات مسيرة وكاميرات شرطة تجعل من احتمال نجاح هجرتهم أمرا معدوما تقريبا .
تصف لنا الكاتبة معاناة أولئك المهاجرين في رحلتهم وهم يفترشون جسورا أو يتسلقون الأشجار ليقفزوا منها عندما يمر القطار من تحتهم الى سطحه اواذا نجا الواحد منهم في قفزته فان أهوالا أخرى تنتظره على الطريق الطويل وفي أماكن تجمعهم حيث يضطرون الى التبرز والتبول بشكل جماعي ومكشوف أحيانا ليتحول حلم من نجا منهم ووصل اى التراب الأمريكي الى كابوس فيما بعد .
تتساءل الكاتبة الأمريكية في حاشية الرواية قائلة :( لقد ارتعت من الطريقة التي صُوِّر بها المهاجرون الأمريكيون اللاتينيون حيث ينظر اليهم حشدا من الغوغاء الغازين والمجرمين المجففين للموارد, وفي أفضلها نوعا من الكتلة السمراء اليائسة والجائعة والتي لاوجه لها والتي تصخب طالبة المساعدة على عتبة بابنا ونادرا ما نفكر بهم بوصفهم إخوتنا في الانسانية, أشخاصا يملكون القدرة على صناعة قرارهم ويسهمون في مستقبلهم ومستقبلنا أيضا....وفيما كنت أسافر وابحث خلال أربع سنوات اكتشفت ان فكرة الحلم الأمريكي أصبحت تملكية . ) ص505 . الرواية وضعت الملح على الجرح في قلبي . أنا لم أقرأ رواية عن هجرة المكسيكيين الى أمريكا بل عن هجر ة السوريين الى اوروبا, وبدلا من القفز الى سطح القطار فان القفز عند السوريين هو من القوارب التي يحرسها المهربون في عرض البحار لييصبحوا طعاما للأسماك ومن نجا منهم من أهوال الرحلة فانه سيلقى مصيرا مشابها قبل ان يتمكن من دخول البلد الذي قصده مثله مثل أبطال الرواية وقد يبقى أياما في العراء يتبول ويتبرز بنفس طريقة المهاجرين المكسيكيين تحرسه الشرطة والجيش والأمن للدولة المضيفة قبل ان يدخلها ومن استطاع أن يصبح مهاجرا شرعيا او لا شرعيا فسيصادف نفس المتاعب التي صادفها الأمريكيون الجنوبيون بعد ان أصبحوا مهاجرين شرعيين أو غير شرعيين في امريكا .
لكأّن الرواية تريد ان تجعلنا نتساءل : لماذا تحّولت الهجرة الى كابوس بدلا من حلم؟ وأين الانسان وحقوقه في عصر تذّكرنا وسائل إعلامه دائما بأخّوتنا الانسانية وفي بلد كانت الهجرة اليه حلما لأنه وقف الى جانبهم في كل العهود باستثناء العهود التي أصبحنا فيها ضمن قرية كونية حيث تحولت الهجرة باتجاه أمريكا الى كابوس ؟!.
وجدت نفسي أسافر باتجاه ماضيي السياسي عندما شحنت كغيري من الشباب في بلدي باتجاه الكره لكل ماهو أمريكي كونها زعيمة الأمبريالية . لقد نشأت وترعرعت مثلي مثل جيل الخمسينات داخل سوريا في ظل حرب باردة بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا . كان الاتحاد السوفياتي يرفع شعار المظلومين والمضطهدين في الأرض بوجه امريكا والغرب اللبرالي, وأمريكا ترفع شعار الانسان وحقوقه في ظل حرية كاملة سياسيا واقتصاديا ولمصلحة الأغنياء في كل مكان بشكل واضح .تشاء الصدفة ان تأتي طفولتي ومراهقتي وشبابي في تلك الفترة مثل بقية شباب الريف الفقراء المتأثرين بما كان يسمى حركات التحرر الموالية للاتحاد السوفياتي والمعادية للغرب الاستعماري وللبراليته المزعومة. والآن وبعد ان واتتني الشجاعة والمعرفة وخرجت من ذلك المستنقع الشمولي أصبحت محاكمتي لأمريكا تماما مشابهة لمحاكمة الكاتبة , أمريكا التي نشأت حديثا بعد اكتشافها في عام 1492 لتصبح مستعمرة بريطانية يدفع اهلها الضرائب لبريطانيا وظّل الحال كذلك حتى تمّردوا عليها عام 1773ولم يتوقف الى ان استّقلت امريكا عن بريطانيا عبر ثورة ديمقراطية اختلفت عن ثورات اوروبا وتحديدا الثورة الفرنسية , فقد كانت ثورة امريكا من اجل الاستقلال ضد عدو خارجي خاضوا من اجله حروبا عديدة طلبوا فيها العون من الله تعالى وقد اتكّل كثير من الأمريكين ا على القوانين الالهية في طريقهم الى حريتهم ., نالت امريكا استقلالها عام 1793 لتصبح أعظم قوة في العالم وأغناها بعد مائة وخمسين عاما بفضل استقطابها للمهاجرين وتعاملها الانساني معهم معهم لتعطيهم الجنسية الأمريكية بأقل من خمسة أعوام ووتجعل لهم نفس حقوق المواطنين الأمريكيين الأصليين , لكن لماذا تحوّلت الهجرة على يد الادارات الأمريكية الأخيرة الى كابوس تجّلى بادارة ترامب أخيرا؟
أجاب على هذا السؤال مواطنون أمريكيون أصبحوا تيارا له حضوره وفعاليته داخلها في الحقل الاقتصادي والنظري والسياسي قبل أن يتبرعم في الأدب على شاكلة الرواية التي بين يدي وهذه بعض من أدلتي
1- في الحقل الاقتصادي تابعت وما أزال أتابع الأمريكي جيفري ساكس الذي عمل كخبير اقتصادي لصالح هيئة الأم المتحدة لمدة تزيد عن ربع قرن واشترك في سنوات عمله الأخيرة مع فريق داخل هيئة الأمم برئاسة مارك مالوك براون وجزيف شامي وغيرهم من اجل خلق عولمة مستنيرة تنهي الفقر على هذا الكوكب تقوم فيه الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة لكي تتجاوز فقرها و تخلفها انطلاقا من إخوتنا الانسانية كما تتحدث الكاتبة . وهو ما يزال على قيد الحياة أمّد الله بعمره فهو سليل عائلة معجونة بحب الانسانية وقد عّبر عنها بأكثر من طريقة منتقدا الادارات الأمريكية التي مهّدت الطريق بسياستها الخاطئة لمجيء ترامب وقد عرض وجه نظره في كتاب سّماه نهاية الفقر ترجمه الى العربية دكتور مصري مشكورا هو احمد امين الجمل جاء فيه حرفيا ص 352( عند زيارة الرئيس بوش الى افريقيا أوائل هذا القرن قمت ببعض الحسابات, المبنية في الجدول 4 , ليتبين لي أن أغنى أربعمائة من دافعي الضرائب في الولايات المتحدة كان دخلهم في عام 2000 يزيد على مجموع دخول أربعة من البلدان التي سيزورها السيد بوش. وكان الفرق مذهلا: ان مجموع دخل كل من بوتسوانا, ونيجيريا, والسنغال, وأوغنده بلغ 57 مليار دولار في عام 2000 كان هو دخل 161 مليون شخص بمتوسط 350 دولارا للفرد في العام, في حين أن 69 مليار دولار كان دخل أربعمائة شخص في الولايات المتحدة. )
2- في الحقل النظري : كثيرون هم الذين أبدعوا في هذا المضمار مثل صموئيل هنتنغتون الذي قرأ بعيني نبي أحداث أيلول 2001 قبل ان تقع , منبها الى ان تلك السياسة الخاطئة للدول الحالية وفي مقدمتهم الادارة الأمريكية ستقود اذا ما استمرت على نفس المنوال الى خراب عام يوّلده صدام الحضارات نتيجة تلك السياسات بدلا من حوارها مع بعضها . لكن من تأثرت به أكثر من غيره هو الفيلسوف اللبرالي الأمريكي جون رويلز الذي حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة ( فلسفة الاخلاق) من جامعة برينستون عام 1950 وعمل أستاذا للفلسفة في جامعة هارفارد منذ عام 1962 وحتى وفاته في عام 2002 وكانت له إضافات حقيقية في حقل الليبرالية السياسية فقد فصل بين الليبرالية كنظام سياسي وبين الديمقراطية كآلية لتطبيق ذلك النظام وفد عرض لنا وجهة نظره لحسن حظنا قبل وفاته في كتاب سّماه - العدالة كإنصاف- ترجمه لنا مشكورا الى العربية الدكتور حيدر حاج اسماعيل والذي قرأته عشرات المرات. يهمني منه هنا تحذيره من استمرار امريكا في محاولة فرض هيمنتها على العالم بالقوة الناعمة او الخشنة وتجاهلها لدول منافسة كاالصين بدلا من التعاون معا لخلق عالم أفضل وأكثر انسانية للجميع وهو بذلك يتابع جهد أستاذه اللبرالي جون ستوارت ميل الذي قال بالحرف الواحد كما ورد في كتاب - اسس اللبرالية السياسة - ترجمه عبد الفتاح امام وجاء في الصفحة 228 ما يلي ( أني لا أرى لفريق من الناس الحق في اكراه غيره على التقدم في طريق المدنية مادام الذين يعانون من تطبيق القوانين الفاسدة لم يطلبوا العون من احد , الا اذا كان تدخلهم بعد إقناع جميع الناس الين يعنيهم الأمر بذلك ).
أما الليبرالية السياسية عند الفيلسوف رويلز المعروضة على كل صفحات كتابه فهي لا تقبل ولا ترفض أي عقيدة شاملة و تقر لهذه العقائد في البحث عن الصدق الديني والأخلاقي والفلسفي لكنها تفّضل ان تكون على الحياد من النزاعات الجدلية المتزمتة وتتجنب اعتماد أي نظرية شاملة معينة .
3- على المستوى السياسي وهنا بيت القصيد وبإمكاني ان اقدم مئات الأدلة لكنني اخترت منها مقتطفات من ثلاثة مقالات في هذه العجالة
- القانون الدولي مقابل “التكرار الأبدي”
لورانس دافيدسون* – (كاونتربنتش) 14/12/2020
من مقدمة المقال :قد يكون القرن الحادي والعشرين حاسمًا لكل من الجنس البشري والكوكب على حد سواء. وبينما تحتاج البيئة إلى إنفاذ اللوائح التي تقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وغيرها من الملوثات، يحتاج الجنس البشري إلى إعادة تنشيط وإنفاذ القانون الدولي.
من وسط المقال :التجاهل الأخير للقانون الدولي
كيفما أردت أن تشرح ذلك، فإن التجاهل الأخير للقانون الدولي أظهر مرة أخرى كم أصبحت اللياقة الإنسانية مهزوزة على مستوى الدولة. خذ، على سبيل المثال، صعود الإرهاب الذي ترعاه الدولة والمتمثل في الاغتيالات والتخريب. ربما تكون قد فكّرت بأن هذا النوع من السلوك الإجرامي كان من اختصاص تنظيم القاعدة أو تنظيم “داعش” سيئ السمعة. لكن الأمر ليس كذلك. من بين آخرين، تتصرف الولايات المتحدة الآن بهذه الطريقة، وكذلك إسرائيل.
خاتمة المقال : يبدو أن تدخلاً تنظيمياً أصبح مطلوباً الآن، كما هو الحال مع أزمتنا البيئية. وهو، في هذه الحالة، تنظيم قائم على القانون الدولي وعلى مفهوم عالمي لحقوق الإنسان. وسيكون إتّباع مثل هذا المسار هو ردنا النهائي الوحيد على تاريخ مليء بالرعب المتكرر، ما لم نكن نرغب، بطبيعة الحال، في الإذعان لنظام “التكرار الأبدي” -القبول بأننا محكومون بتكرار الأحداث والأخطاء نفسها. فهل هذا هو قدرنا؟ من أجل مصالحنا الخاصة .
Lawrence Davidson: أستاذ التاريخ بجامعة ويست تشيستر، بنسلفانيا، الولايات المتحدة

- الجحيم نفسه لا يفقد صوابه مثل قوة عظمى في حالة انحدار
غراهام إي. فولر* – (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 22/3/2021
يجب أن تكون القيادة الأميركية قد وضعت نوعًا من سجل جديد عندما قامت بتوجيه إهانات شخصية لقادة القوتين العظميين الأخريين في العالم، في غضون 48 ساعة من بعضهما بعضا، في هذه الأيام الأولى من عمل فريق السياسة الخارجية لإدارة بايدن. وقد تصرفوا كما لو أنهم من خريجي “مدرسة سحر دونالد ترامب”.
يتحدث أنتوني بلينكين، بلا أي شعور بالحرج على ما يبدو، عن الولايات المتحدة باعتبارها الدولة التي تدعم “سيادة القانون عالميًا”، في خداع تام للذات أو اعتقاد خائب بأن هذا هو واقع الحال. وفي الواقع، توقعت واشنطن دائمًا من الدول الأخرى أن تدعم سيادة القانون الدولي -ولو أنها تستثني أصدقاءها الجيدين مثل إسرائيل وبعض حلفائها العرب في المنطقة. وتدافع الولايات المتحدة بشكل ثابت عن “استثنائيتها” عندما يتعلق الأمر بعدم الالتزام بالقانون الدولي عندما يتناسب ذلك مع مصالحها. ويشمل ذلك الاغتيالات الخارجية،
لدى هذا البلد حقاً بعض الأسباب للاعتزاز بنظامه الديمقراطي -غير المتسم بالكمال. وليس أيُّ من مثل هذه الأنظمة الديمقراطية مثالياً بأي حال. ومع ذلك، ما مقدار التأمل الذي يتطلبه الأمر للاعتراف بما حققه “الحزب الشيوعي الصيني” في الأعوام الثلاثين الماضية؟ هل هناك ما هو أجدر وأفضل من إخراج نصف مليار شخص من ربقة الفقر ورفعهم إلى مستوى حياة الطبقة الوسطى في غضون جيل واحد فقط؟ أم أن الأكثر جدارة هو الحفاظ على نظام انتخابي أميركي يظهر فيه القادة العاديون أو السيئون بالسهولة نفسها التي يظهر بها القادة الجيدون؟ لا ينبغي أن تنطوي أي محاولة تعريف ما بشكل الحكم الصالح، سواء كان ذلك في الصين أو أميركا، على جواب جاهز مسبقاً؛ فهذه مسألة تعتمد أكثر على القيم التي يعتنقها المرء. لكن السؤال ينبغي أن يستدعي، على الأقل، قدرًا من التواضع قبل أن تنخرط واشنطن في صراع معلن مثير للشك مع قوة أجنبية كبرى حول أشكال بديلة من الحكم.
.
Graham E. Fuller: مسؤول كبير سابق في وكالة المخابرات المركزية،

- ما الذي يعنيه أن تكون إنسانًا بعد الآن؟
مايكل هيرش* – (فورين بوليسي) 2/4/2021
في كتابه عن سيرة العالِمة جنيفر دودنا، يستكشف والتر إيزاكسون مستقبل تعديل الجينات. لكن هذا المستقبل حاضر هنا مُسبقاً، وهو أكثر من مخيف.
في الواقع، تأتي تقنية “كريسبر” في وقت قد نشهد فيه تقاربًا هائلًا للاتجاهات التي يمكن أن تغير مصير الإنسان إلى الأبد. ففي اللحظة التي أصبحت فيها التكنولوجيا قادرة على خلق بشر أفضل، تخلق الأسواق نفسها التي أنتجت هذه التقنية طلبها الخاص -في أيدي النخب، “الواحد في المائة” المحتقرون بشدة، والذين أصبحوا يمتلكون معظم ثروة العالم. بمجرد أن يملأ هؤلاء قِباب متعتهم من السيارات الفارهة، والطائرات النفاثة واليخوت الخاصة -ناهيك عن التحسينات الذاتية من خلال الجراحة التجميلية- ما الذي يتبقى لهؤلاء النخب ليشتهوه سوى علامة تجارية أفضل من البشرية؟.
...................................
لم يعد خافيا على أحد على أن نخب الواحد بالمائة تدير لعبة السوق من خلال سيطرتها على التكنولوجيا كما وصفهم المقال الأخير والوضع الكارثي الحالي على المستوى البيئي والاقتصادي والسياسي والاجتماعي أكبر شاهد على ذلك , هنا تكمن قيمة هذا التيار الأمريكي الذي يدعو قادة أمريكا للتفكير بمستقبل البشرية وليس بمستقبلها فقط وهي قادرة لو أرادت في الدفع باتجاه نظام عالمي جديد يفكر بإخوتنا الانسانية بعد أن أصبح النظام الخالي رهينة بين يدي تلك النخب كما قالت الرواية.
شخصيا لي تجربة مميزة في مدينتي تأثرت بهذا التيار وقد فشلت لأسباب قد أشرحها مستقبلا عندما تصبح الظروف مؤاتية وكان آخر ما كتبت لها بيانا بمناسبة الانتخابات الأمريكية الأخيرة قلت فيه :
لقد سئم الشعب الأمريكي على مدى عقود من ديمقراطية سياسية يقدَمها له حزبان هما الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي أوصلته الى انقسام غير مسبوق في أمريكا شهدناها فترة الانتخابات التي تعادل فيها بوش وألغور حيث لم يكن الفارق بينهما أكثر من خمسمائة صوت, وقد استمر ذلك الانقسام وسط تحشيد كل من الحزبين لأنصاره من اليمين المتطرف واليسار المتطرف حتى وصلنا الى الانتخابات التي فاز فيها ترامب على هيلري كلينتون لأنه بدا وكأنه بأسلوبه واستقلاله وكثير من سماته الشخصية بعيدا عن البيرقراطية المتمثلة في الحزبين وهو سر انتخابه الى الرئاسة .
ان الانتخابات الأخيرة وان بدت وكأنها استفتاء على شخصية ترامب وبايدن لكنها في الحقيقة تؤشر الى ما هو أبعد من ذلك وهو التغيير الذي ينشده الأمريكيون ويتمنى ان يتم على يد المستقلين من خارج الحزبين, لقد ظهرت مؤشرات عديدة لتبني التغيير في العقود الأخيرة بدأت تُعبر عن نفسها في الشارع الأمريكي , يقودها مثقفون من الحزبين ومن خارجهما لدرجة يمكن وصفها بتيار جديد كان له دور ولو ضئيل في الانتخابات الأخيرة , على سبيل المثال لا الحصر مقالات عدة نشرت في صحف أمريكية عريقة وواسعة الانتشار طالب كتابها وسياسيوها وصحافيوها بالخلاص من ذلك الانقسام عبر سياسة جديدة تدعو الى تنمية عريضة داخل وخارج امريكا تجمع بين المصالح والقيم. وقد ذهب بعضهم الى الدعوة صراحة للرئيس القادم وفريقه الحكومي على عدم الجلوس على رأس الطاولة كما تعودوا, بل كأي وفد دولي آخر للوصول الى تفاهمات بين الدول حول مشاكل العالم الكثيرة البيئية والصحية والاقتصادية والسياسية . أي اننا نحتاج الى حوار الحضارات وليس تصادمها لنتقدم الى الأمام .
كمنت قوة هذا التيار بتناغمه مع ما يتطلبه التطور الاجتماعي على صعيد العالم وليس على صعيد أمريكا فقط بعد أن أصبح عالمنا قرية كونية لها سوق واحدة نتحرك فيه جميعا بوصفنا بشر بغض النظر عن لون بشرتنا أو جنسنا أو ديننا او قوميتنا. ومع قاعتنا بأن السنوات الأربعة الآتية ستكون بجوهرها العودة الى الصراع بين الحزبين قبل مجيء ترامب الا ان أهميتها تجّلت في ذلك الإقبال من المواطنين الذي لم يشهده التاريخ في امريكا على صناديق الاقتراع وتدخلهم لحسم المعركة وهو ما سيسند ويساند تيار حوار الحضارات بدلا من صدامها ليس في أمريكا بل وفي العالم اجمع مما يجعل وصول رئيس قادم - بعد حملة انتخابية او حملتين من خارج الحزبين - أمرا محتملا .
هيئة العمل اللبرالي قي اللاذقية .
خاتمة :
تكاد تكون الرواية جرس إنذار لأمريكا اذا استمرت تلك السياسات فالكاتبة أمريكية
(انا مواطنة أمريكية ومثل كثيرين في هذه البلاد انحدرت من عائلة ذات ثقافات وأعراق متعددة. تزوجت في عام 2005 مهاجرا غير شرعي وتواعدنا مدة خمس سنوات قبل ان نتزوج, وكان أحد أسباب علاقتنا الغرامية المطولة ماثلا في انه أراد الحصول على الإقامة القانونية قبل ان يطلب يدي. ان زوجي من أذكى الأشخاص الذين قابلتهم في حياتي وأكثرهم اجتهادا وتمسكا بالمبادئ وهو خريج جامعي يدير مشروعا ناجحا ويدفع الضرائب وينفق ثروة على التأمين الصحي. لكن بعد أعوام من المحاولة اكتشفنا عدم وجود طريقة قانونية متوفرة له للحصول على بطاقة الإقامة القانونية الدائمة ............) ص 504
أمريكا مدعوة لإنقاذ نفسها والعالم من تكرار أبدي لحروب وأوبئة ليبدأ فجر انساني جديد يتحكم فيه القانون الدولي بدلا من قانون القوة السائد الآن خدمة لفئة صغيرة في المجتمع على حساب الغالبية . تحية لهذه الكاتبة المبدعة من سجني الكبير في سوريا التي رفدت التيار بشكل فني مؤثر جعلني اردد بشكل لاشعوري قول عربي مأثور :
الكتّاب ملوك وسائر الناس سوقة .
اللاذقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث


.. لعبة مليانة ضحك وبهجة وغنا مع ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محم




.. الفنانة فاطمة محمد علي ممثلة موهوبة بدرجة امتياز.. تعالوا نع