الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رجال في الخفاء

ساطع هاشم

2021 / 5 / 18
الادب والفن


قارنت الصور التي تجمعت في مخيلتي في تلك الحانة وتلك الليلة ببعضها وراجعت التفاصيل بمشقة، وكانت بعضها قد اخذت معانيها من الشواهد الاجتماعية وماسي الانسان ودسائس السياسة، وكأنما تحاكي سر المخلوقات الازلي المنتظم والمخيف، واما الاخريات فهي بعيدة عن التناسق والانسجام، وكل ما امامي ليس الا خطوطاً واشكالاً تصف الخطوط والاشكال بينما التعابير غائبة تماماً وكأنها ذكريات بلا حياة دنيوية تفرض نفسها ولا تعكس قيمة الاحداث التي تحدث في عالمنا، او انها نتيجة للوحدة والانعزال واليقين الناتج عن تكرار الافعال المملة وكأنك وحيد في غابة من الضباع.

وكررت عملية الاختيار والعزل من جديد لا كما رأيتها قبلاً، بل كما هي الان امامي، وقد غاب منها عنف المأساة.
من اين تستمد بريقها هذه الجمادات التي تقذف النور، حيث داخلها محاط بالدمار وبالرهبة والموت، وخارجها لامع وشفاف؟

وفي لوحة الحياة الواسعة ومن خلال الالوان العفوية والاعتباطية المنعكسة على حافة الكأس رأيت صورتها، بعينيها الشاحبتين كالشفاه العطشى، واسكرتني ذكراها دون ان افهم معنى ذلك، وسكري هو الذي منعني من رؤية الأشياء واضحة ولم أرى أكثر او أفضل، واستولى عليّ خوفٌ عميق ولم اتحقق مما رأيت، ماذا سأفعل لأبعث الحياة فيها واعطيها من جديد صوتها وصمتها، واكتشف الهامها مرة أخرى من هذه النافذة الوهمية لهذا الكأس، والمغمورة بالألوان المنوعة، الباردة منها والدافئة.
لقد توقفت وانا مخمور امام حلم ممزق جعلني تائهاً مع نفسي، اختفىٰ بقدر ما حاولت ان اخفيه، بدأ بلهيب من النيران صادرة من كأس مليء بخمر ابيض كأنه محجوبٌ بالغيوم، اعتقدت انها نيران تحتوي على أرواح لطيفة كما يدل على ذلك ألقها، وقد تسلل طيفها الى مكان ما من كياني، فرأيت بنوره هذه الأفكار الغامضة وهي تحيط دواخلي، لا أدرى ربما لأنها بعيدة الان تعيش في عزلتها وحيدة وقد هربت الى حياتها الغامضة، بينما انا الان أعيش على الهامش ولا أرى سوى شيئان مجردان امامي، احمر قاني، ووجوه ممزقة.

هل حقاً ان النساء ماهن الا رجال في الخفاء، وان الرجال ما هم الا نساء وقد مددتهم الحرارة؟

أجهد عقلي دائما وبكثرة بالتفكير غير المنطقي وبالأحداث التي لم تحدث او كان من الممكن ان تحدث، لكنها لم تحدث ابدا، وتتعاقب على اذني المتهالكة ودماغي من الداخل ومن الخارج تيارات وذبذبات عنيفة سريعة او واطئة بطيئة احياناً، تغيرها الموسيقى واخبار الراديو والتلفزيون وتحرفها عن مجراها مؤقتاً لأنها من صنفها، وباسترسالي مع هذه الأفكار نسيت من انا او كدت وترك هذا الاسترسال في نفسي اثراً لن يندمل.

كان يوماً مضنياً لن انساه، ومرحلة جديدة سوف تغير أيامي، عندما قررت المجيء الى هذه الحانة، فأصعب شيء يواجهك في حياتك هو عندما تُجبر ان تختار بين شيئين، وخاصة عندما تكون في حانة، فالعلم والتكنلوجيا والحضارة والشك والحركة الدائمة الى الامام، وكل عصرنا الصناعي والعلمي والديمقراطي الحقير، مثقلاً بالجرائم والعيوب.
فماذا سأختار:
يقظةً ام سبات؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا