الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية التعبير عن الرأي العلمي (حالة الطبيب حامد اللامي انموذجاً)

سالم روضان الموسوي

2021 / 5 / 20
دراسات وابحاث قانونية


حرية التعبير عن الرأي العلمي

(حالة الطبيب حامد اللامي انموذجاً)

أعلنت وسائل الأعلام عن القبض على الطبيب حامد اللامي وإيداعه التوقيف بموجب امر قضائي بعد ان قدمت بحقه شكوى من نقابة الأطباء، وهذا الخبر أثار جدلاً واسعا بين اهل الاختصاص القانوني والقضائي، وللوقوف على التكييف القانوني من وجهة نظر فقهية وليس تطبيقية لان تطبيق القانون من اختصاص القضاء حصراً، وسيكون العرض على وفق الاتي :

أولاً: الفعل المنسوب للطبيب حامد اللامي :

ان الفعل المنسوب هو عدم مراعاة الأمن الصحي ومخالفة تعليمات لجنة الصحة والسلامة الوطنية وعلى وفق ما ورد في امر نقابة الأطباء العدد 2006 في 17/5/2021 ، وبذلك فان فعله في فقرتين الأولى عدم مراعاة الأمن الصحي والثانية مخافة تعليمات لجنة الصحة والسلامة الوطنية وساعرض لهم على وفق الاتي :

1. ما هو مفهوم الأمن الصحي ؟ من خلال البحث عبر الأنترنيت نجد ان مصطلح الأمن الصحي هو (الأنشطة المطلوبة لتقليل خطر حوادث الصحة العامة الحادة وتأثيرها الذي يعرّض الصحة الجماعية للسكان الذين يقطنون المناطق الجغرافية والحدود الدولية للخطر)، والاتهام الموجه الى الطبيب بانه قد دعا عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى عدم اخذ اللقاح كما انه دعا إلى عدم ارتداء الكمامة واعتبرت نقابة الأطباء واعتبرته نقابة الاطباء يشكل خرق للأمن الصحي.

2. مخالفة تعليمات لجنة السلامة الوطني: ان لجنة السلامة الوطنية تصدر تعليمات بين الحين والآخر تدعوا فيها إلى ارتداء الكمامة واخذ اللقاح والتباعد الاجتماعي.

ومن خلال هذه الاتهامات وعلى وفق ما ذكره احد الزملاء الأفاضل فان محكمة التحقيق المختصة قد أصدرت قرار بالقبض على الطبيب المذكور على وفق أحكام المادة (368) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل التي جاء فيها الاتي (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات كل من ارتكب عمداً فعلاً من شانه نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد. فاذا نشأ عن الفعل موت أنسان أو إصابته بعاهة مستديمة عوقب الفاعل بالعقوبة المقررة لجريمة الضرب المفضي إلى الموت أو جريمة العاهة المستديمة حسب الأحوال).

ثانياً : التكييف القانوني:

ان الطبيب حامد عباس اللامي عندما دعا إلى عد اخذ اللقاح أو عدم ارتداء الكمامة كانت دعوته من خلال ما يعتقد به من رأي علمي تخصصي فهو طبيب مختص بتقديم العلاج إلى الناس وانه وجد من خلال خبرته ان رأيه له جوانب عديدة من الصواب وعلى وفق ما ذكره في اخر تعليق في مواقع التواصل الاجتماعي، وبذلك فانه لم يكن يملك سلطة أو صلاحية يفرض من خلالها ذلك الرأي ويترجمه إلى عمل مادي، لأنه طبيب يزوره المرضى برغبتهم وليس بناء على امر منه كما انه يدعو الناس ولا يفرض عليهم ذلك قسراً، كما ان جائحة كورونا ما زالت محل جدل علمي على مستوى العالم وليس على المستوى المحلي، وحتى موضوع اللقاح فانه محل جدل أيضاً وليس بمحل إجماع ونسمع بين الحين والآخر قيام بعض الدول المتقدمة بمنع اخذ نوع من اللقاح، كذلك بعض انواع اللقاح المتوفرة في العراق لم تحظى بمصادقة منظمة الصحة العالمية، مثل اللقاح الصيني والروسي، وبذلك فان ما قام به الطبيب حامد عباس اللامي هو تعبير عن رأي علمي تجاه حادثة صحية لم يتم الجزم بوجود علاج او لقاح نهائي لها وانه عبر عن وجهة نظره بتوجيه النقد إلى هذه المواضيع العلمية الصرفة، والنقد في المجالات العلمية يلعب دور كبير في حرية التعبير، وهو لا يتطلب من الناقد سوى الصدق في أداء عمله النقدي وان لا يقصد الاعتداء على شرف واعتبار الأشخاص، ومن خلال ذلك نرى ان ما قاله الطبيب حامد اللامي هو تعبير عن رأي كفله الدستور في المادة (38/أولا) التي جاء فيها الاتي (تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل).

ثالثاً : إجراءات القضاء :

ان القضاء العراقي وبعد تلقيه الشكوى من نقابة الأطباء اعتبر تصرف الطبيب حامد بانه ارتكب عمداً فعلاً من شانه نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد وعلى وفق مادة الاتهام (368) من قانون العقوبات. بمعنى انه لم يذهب إلى ان الطبيب قد قام بمخالفة تعليمات لجنة الصحة والسلامة ولا إلى مفهوم الأمن الصحي، وانما اعتبر مناشدة الطبيب حامد اللامي ودعوته الناس إلى عدم اخذ اللقاح من شأنه ان ينشر المرض، وعند إمعان النظر في هذا الأجراء نجد ان نص المادة أعلاه يشترط توفر ركنان الأول (الركن المادي) ويتمثل بتصرف مادي يقوم به يتمثل بالقيام باي فعل من شأنه نشر المرض الخطير ويدخل في ذلك البصق في أماكن عامة والسعال في وجه الأخرين وعدم الالتزام بالأوامر والتدابير الصحية أو كسر الحجر الصحي أو من يقوم بالذهاب عمداً إلى مدن موبوءة ومحظورة والركن الثاني (الركن المعنوي) وهو توفر القصد الجرمي بان يتعمد المتهم نشر المرض الخطير والثالث ان يقع انتشار المرض بناء على ذلك التصرف، فهل الطبيب حامد اللامي تتوفر فيه هذه الأركان؟ الجواب على وفق الاتي :

1. هل يتوفر الركن المادي لجريمة نشر مرض خطير مضر بحياة الأفراد؟ ان الدعوة التي وجهها الطبيب أعلاه إلى الناس لا تعد تصرفاً مادياً لأنها أقوال تعبر عن رأي علمي اتخذه بحكم معرفته الطبية والعلمية ومن خلال خبرته في عمله الصحي، وانها مجرد دعوة ولم ترتقِ إلى فعل مادي يتمثل بقيامه منع الناس عبر وضع التدابير المادية قسراً عليهم، والدليل ان نسبة الذين تلقوا اللقاح في ازدياد مستمر وهذا ما يؤكد ان ليس للطبيب حامد اللامي وسائل مادية تمنع الناس من اخذ اللقاح، كذلك لا يمكن ان تعتبر هذه الدعوة بمثابة التحريض على عدم تناول اللقاح لان التحريض في الاصطلاح القانوني هو عبارة عن خلق التصميم والعزيمة على ارتكاب وتنفيذ الجريمة و هو خلق فكرة الجريمة لدى الشخص المُحَرَض بنية دفعه إلى ارتكابها ويعد فعل التحريض من أفعال المساهمة المعنوية ويفترض فيه تعدد الجناة في مرحلة سابقة على تنفيذ الجريمة[1]، ويكون بالاستعانة بأشخاص آخرين للقيام بالفعل الذي يدفع أو يحث على ارتكابه ويشترط الفقه الجنائي أن يكون هذا الغير معدوم الإرادة أو ناقص الأهلية لا يملك القدرة على اتخاذ القرار وإنما يكون مسير ومن الأمثلة على ذلك أن يحرض مجنونا على قتل شخص معين أو غير معين بالذات وإن كان جانب من الفقه الجنائي لا يتفق مع هذه النظرية ( نظرية الفاعل المعنوي) وإنما اعتبر شريكا في الجريمة ومساهماً فيها وتوصيف المنفذ بالأداة فيه إهدار لآدمية الإنسان وكرامته[2]، كما ان القانون العراقي لم يعتبر مجرد التحريض جريمة إلا اذا وقعت الجريمة بناء على هذا التحريض على وفق حكم الفقرة (1) من المادة (48) عقوبات التي جاء فيها الاتي (من حرض على ارتكابها فوقعت بناء على هذا التحريض) أما مجرد التحريض باعتباره جريمة تامة فانه وردت في عدة حالات محدد في القانون منها المواد (156ـ 169) والمواد (190ـ 197) من قانون العقوبات العراقي أو من يحرض على النزاع بين الطوائف والأعراق في المادة (200/2) من قانون العقوبات او الذي يحرض على القتل بإحدى طرق العلانية على وفق المادة (212) من قانون العقوبات وكذلك الجرائم الإرهابية، أما في المادة (368) عقوبات وهي من الجنح البسيطة فلا يشكل التحريض جريمة تامة إلا اذا اقترنت بوقوع الجريمة بناء على هذا التحريض وان تتم محاكمة مرتكب الجريمة بالاشتراك مع المحرض، فهل وجد في حالة الطبيب حامد مرتكب جريمة وقعت بناء على تحريض الطبيب، اعتقد لا يوجد مثل هذا الشخص، مما لا يمكن معه تصور فعل التحريض، وإن ما قام به هو تعبير عن رأي علمي تجاه واقعة صحية مازالت تتقاذفها الآراء والنظريات العلمية، وان اختلافه مع من يتولى إدارة نقابة الأطباء أو وزارة الصحة لا يمكن ان يكون سببا للاتهام لان لم يثبت على وجه اليقين العلمي صحة ما يعتقد به مجلس إدارة نقابة الأطباء، وحتى لو لم يثبت صحة ادعاء الطبيب حامد اللامي فانه يبقى رأياً علمياً يدور في مجال البحث العلمي، وهذا الأمر لا يفصل فيه القضاء باعتباره جريمة وإنما البحث العلمي الدؤوب عبر المؤسسات العلمية العالمية والوطنية المعنية بذلك الأمر هي من تتولى التصدي اليه.

2. هل يتوفر القصد الجرمي لدى الطبيب حامد اللامي؟ ان الفعل الموصوف في مادة الاتهام (368) من قانون العقوبات تشترط وجود قصد خاص بان يتعمد الشخص نشر المرض للإضرار بحياة الأفراد، لكن ما يقوم به الطبيب حامد اللامي على خلاف ذلك تماماً لأنه يدعو إلى شفاء الناس من المرض ويعمل على علاجهم واثبت فعلياً نجاح أسلوبه بالعلاج، وان اختلاف أسلوبه عن غيره لا يشكل قصد جرمي لان لا يوجد أسلوب محدد بحكم القانون حتى يكون المسطرة التي نعمل على القياس عليها، أما عن اختلافه مع نقابة الأطباء في أسلوب المعالجة، فان كثير من الاطباء لهم أساليب متعددة في العلاج تختلف عن بعضها وبذلك قد تشكل تلك أساليب ايضاً تهمة يسأل عنها أطباء أخرين؟ وبذلك فلا يوجد قصد متعمد لدى الطبيب حامد يتعلق بنشر المرض عمداً وإنما هو اجتهد علميا بإيجاد وسائل للوقاية والعلاج من جائحة كورونا ونجح في ذلك.

وحيث ان أركان الجريمة الموصوفة بمادة الاتهام (368) من قانون العقوبات غير متوفر في فعل الطبيب حامد اللامي فأرى ان فعله لا يخرج عن نطاق التعبير عن الرأي العلمي الذي كفله الدستور والقانون والقيام باعتقاله هو اعتداء على حق في حرية التعبير، ويمثل تمدد لنطاق التضييق على حرية التعبير عن الرأي الذي اصبح من مظاهر الدولة العراقية في الوقت الحاضر، ولابد من الإشارة إلى ان التعبير عن الرأي لا يقف عند الأمور السياسية وإنما يتسع نطاقه لكل المجالات ومنها العلمية والرياضية والقانونية والقضائية، واي منع هو خرق لحق من الحقوق الدستورية للمواطن.

سالم روضان الموسوي

قاضٍ متقاعد
الهوامش======


[1] الدكتور سليمان عبدالمنعم ـ النظرية العامة لقانون العقوبات دراسة مقارنة ـ منشورات الحلبي الحقوقية طبعة بيروت عام 2003 ـ ص660

[2] للمزيد انظر الدكتور علي عبدالقادر القهوجي ـ شرح قانون العقوبات القسم العام دراسة مقارنة ـ منشورات الحلبي الحقوقية ـ طبعة بيروت عام 2008 ـ ص 502








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل هناك تحرك دولي لمواجهة مخاطر المجاعة في غزة؟


.. تونس: منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينتقد إحداث السلطا




.. منظمة هيومن رايتس ووتش تقول إن إسرائيل تستخدم ذخائر الفسفور


.. الأونروا تعلن توقف محطات تحليه المياه في غزة عن العمل.. وتؤك




.. منظمة هيومن رايتس ووتش تقول إن إسرائيل تستخدم ذخائر الفسفور