الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طبقة سياسية هرمة

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 5 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


آن للطبقة السياسية العراقية أن تعترف وتواجه نفسها بهرمها، وإنه صار لزاماً عليها أن تتقاعد، ربما بما هو أكثر من العمل السياسي.
العمل السياسي ليس لعبة للفوز بالسلطة. العمل السياسي طموح، وفق مؤهلات القدرة والكفاءة، على تقديم العمل الحكومي والخدمة العامة بصورة أفضل مما هو متاح أو مما تقدمه الأطراف المنافسة (الأحزاب السياسية والحكومات المنبثقة عنها)، التي تصل إلى مواقع صنع القرار، في الإدارات العامة العليا، عن طريق الانتخاب الحر الأمين والشفاف.
وبعد مسيرة عقدين من العمل السياسي لطبقتنا السياسية الحالية، صار بمقدور أغلب المواطنين العراقيين، ليس فقط تقييم عمل هذه الطبقة، بل وأيضاً الحكم عليها، عبر إدائها، بأنها طبقة سياسية هرمة وفاشلة الإداء، بل، وهذا هو المهم، غير راغبة في تصحيح إدائها والعمل وفق شروط أمانة العمل المهنية والأخلاقية والدستورية. فلم تبقى مثل هذه الطبقة في مواقع السلطة وإدارات البلاد الرئيسية، وهي عاجزة عن كل عمل، باستثناء استغلال موارد الدولة وسلطاتها في تحقيق مصالحها الشخصية والفئوية وتجويع المواطن واضطهاده، بل وحتى قتله؟
وأيضاً، وعبر تتبع مسيرة عقديّ حكم هذه الطبقة، يتضح لنا أنها ليست فقط هرمة، بل إنها تمارس سلطاتها على الشعب بنوع من عدم الاحترام الذي يبلغ حد الكراهية والازدراء، ويتمثل هذا في تجاهلها المستمر لمطالبه في الإصلاح وإمعانها في تنفيذ كل ما يُظهر عدم احترامها له ويسعى إلى تفكيك وحدته الوطنية، وبالتالي تفكيك الوطن ككل بطريقة متعمدة ومدروسة.
وبتتبع سياسات هذه الطبقة خلال فترة سيطرتها على السلطة في العراق، نلاحظ أنها لم تتوقف لحظة واحدة للنظر في آثار سياساتها على الشعب، ليس فقط بسبب عجزها عن إيجاد أي حل لما أحدثت من مشاكل، في حياة المواطن وكيان ومستقبل الوطن، بل لعدم اكتراثها القائم على النظرة الدونية والاستخفاف بقيمة المواطن، وإنه لا يصلح لأن ينظر إليه كند، بل والإصرار على معاملته كتابع بلا قيمة.
تجسدت رؤية الطبقة السياسية الحالية هذه، طوال فترة السبعة عشر عاماً الماضية، بشكل عملي، عبر سياسات حرمانها للشعب من حقوقه الإنسانية والمعيشية وتجاهلها لشكواه، قبل أن تُسفر عنها، بأبشع صور الازدراء وبطش القوة، عندما انتفض شباب الوطن محتجين على ممارساتها هذه، في أكتوبر/ تشرين أول 2019 لتقول لهم: لستم سوى مجموعة من الغوغاء المتمردين ولا تستحقون غير التنكيل والقتل، كما أثبتت هذا ممارسات ميليشيات أحزاب هذه الطبقة في ساحات التظاهر السلمية، في بغداد وباقي محافظات الجنوب العراقي.
انتفاضة شباب تشرين، التي لم تتوقعها الطبقة السياسية العراقية ولم تمر لها ببال، أجبرت هذه الطبقة على نوع من تهدئة غلوائها وإسرافها في العجرفة والاستعلاء، وهي التهدئة التي أجبرتها على التضحية بأحد أطراف صفها الثاني، رئيس وزراء حكومتها (وليس حكومة الوطن)، عادل عبد المهدي، وتهريبه إلى خارج العراق، مع ضمان وصول راتب تقاعدي كبير له، رغم تلطخ يديه بدماء شباب انتفاضة تشرين السلميين وقتله للمئات منهم بكل وحشية.
ولكن هذه التهدئة كانت أشبه بالخطأ أو التسرع بالتنازل – بحساب رجال الطبقة طبعاً – وسرعان ما تم التراجع عنه والعودة إلى نهج التجاهل والمماطلة، وهو الذي تمثل في اختلاف أحزاب الطبقة السياسية في التوافق على رئيس وزراء بديل للرئيس المستقيل، وهو الاختلاف الذي استمر لمدة ستة أشهر كاملة، قبل قبول رئيس جهاز المخابرات – على مضض – كرئيس وزراء بديل، منزوع الصلاحيات، ولفترة انتقالية لا تزيد على سنة واحدة. وكلنا شاهد ويعرف ما تعرض له، مصطفى الكاظمي من تجاوزات على شخصه واستهانة بموقعه، من قبل أحزاب الطبقة السياسية التي أنتجته. بل أن ميليشيات أحزاب الطبقة السياسية أسقطت بغداد وسلطة مصطفى الكاظمي هذا، لمرتين وثلاثة، من أجل اجبار الكاظمي على تحقيق مطالبها ومصالحها المشبوهة، من دون الالتفات، لا لهيبة بغداد كعاصمة، ولا لهيبة الدولة التي يمثلها الكاظمي، كرئيس لسلطتها التنفيذية ورئيس لمجلس وزرائها.
كم بقي على موعد الانتخابات التي يعوّل الشعب العراقي على التخلص، عن طريقها، من هذه الطبقة السياسية؟ خمشة شهور. هل من دليل في الأفق على إن الشعب سينجح في مسعاه هذا؟ الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا الإجابة على السؤال المركب التالي أولاً: ماذا فعلت وكيف تصرفت الطبقة السياسية خلال السنة الأولى من عمر حكومة مصطفى الكاظمي؟ هل في نهج الطبقة السياسية خلال هذه السنة ما يدلل على إنها على استعداد للقبول بهزيمة في الانتخابات القادمة؟ وأمام من تنهزم؟ أمام مجموعة من (الغوغاء الطائشين)، ثوار انتفاضة تشرين، الذين نظموا أنفسهم في مجموعة من الأحزاب والتجمعات؟ هل يستحق هؤلاء (الغوغاء) أن تتنازل الطبقة السياسية لهم عن السلطة وامتيازاتها وأموال خزينة الدولة والنفط المهرب وعائدات المنافذ الحدودية؟ بالقطع لا!
هل من حل للتخلص من هذه الطبقة التي لم تترك باباً للفساد والعنف واهانة المواطن وقتله، إلا وطرقته؟
ليس من حل غير استمرار الشعب في انتفاضته، وبكل الوسائل التي تقرها القوانين الدولية والإنسانية وحتى اسقاطها وتنظيف العراق منها. ففي النهاية لا قوة تعادل قوة شعب يؤمن بقضيته وبحقوقه، ولا قوة تصمد بوجه قوته وإرادته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل