الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مناهل لغوية # 1

منير الكلداني

2021 / 5 / 21
الادب والفن


تحمل اللغة العربية كثيرا من الأدوات الصورية اذا روعي فيها اللفظ المناسب خاصة اذا جاء الكاتب بتلك اللغة وفق ضوابطها ودقائقها بتوظيفها بالشكل الذي يلائم الهدف ، فكلما كان المخزون اللغوي معتدا به استطاع الكاتب ان يجعل الشكل منسجما مع مبتغاه الغائي وقد قمنا في مجلة (( لسان الضاد )) بوضع هذه المناهل اللغوية نصب عين القارئ وهي محاولات لمعرفة عمق اللغة في الادب وكيف يؤدي اللفظ الواحد لتغيير تركيب كامل من حيث المعنى ويبين في ذات الوقت قوة الدلالات المصاحبة له ومدى تمكن الاديب منها
وبحسب هذا سوف ننتقي في كل حلقة بعض المقاطع لعدد من الكتاب الذين أرى – بحسب توجهي النقدي – انهم ادباء فعلا وليسوا طارئين على الادب وبهذا نستطيع القول ان هذه الفقرة لديها مستويين :
الأول : ان كل نص ورد ها هنا فهو دال على ان كاتبه اديب كونه متمكنا من صنعة الادب بعد امتلاكه لموهبتها
الثاني : تسليط الضوء على مقطع من النصوص نرى ان فيه انتقاء لفظي يجعل من المقطع الكلي تابعا اليه من حيث العمق الدلالي وذلك لما يحمله من بعد تركيبي يؤثر في مجموعها التام
وقد اثرنا ترك ادراج المقطع كله مراعاة للطول وايكالها الى القارئ بايجادها من مصادرها

1 – تقول الشاعرة (( فاطمة منصور )) في قصيدتها (( وشوشات ))

حين يفقد الحبر شهوة الإندلاق
هكذا تحافظ على عذريتها الأوراق

إندلاق

مصدر الفعل (( إندلق )) والمعنى بحسب التقريب اللغوي هو (( الصبّ أو الانسكاب )) ولا ترادف في البين من حيث ان الصّب هو انسكاب دفعي واما الانسكاب فهو دائمي والمشترك الجامع هو (( الٍسّكب )) مع التفاوت (( نسبيا )) وفرق (( الاندلاق عنهما )) أنه من غير القصد وهما (( قصديان ))
يقول الليث (( لسان العرب )) : الدَّلْقُ، مجزوم، خروج الشيء من مَخْرجه سريعاً‏.
‏يقال: دَلَق السيفُ من غِمْده إذا سقط وخرج من غير أَن يُسَلَّ
فهو دال على عدم مقصد فاعل لفعله فهو والصّب (( واحد معنى )) من حيث الدفع ويختلفان قصدا ..

ولعل الشاعرة ارادت ان تشير الى نكتة مرتبطة بمدارك الإحساس باستخدام
(( شهوة )) وعدم قصديتها حيث جعلت من الحبر مشخصا مع الأوراق بضم
(( العذرية )) وهذا اللفظ (( الاندلاق )) مناسب جدا لغويا من حيث دلالة المقطع وافضل من (( الصّبّ والسكب ))

2 – تقول الشاعرة : حسناء حفظوني في قصيدتها (( بغمرة الضياء الموحد ))

قال كلي اذان صاغية
لوشوشة الشوق بين رجفة الأصابع
وتمتمة الشفاه...

وشوشَ
وشوشَ يوشوش ، وَشوشةً ، فهو مُوشْوِش ، والمفعول مُوشْوَش (للمتعدِّي) :-
• وَشْوَش فلانٌ تكلَّم كلامًا خفيًّا، أو تكلَّم بنطق غير واضح، أو بكلام مختلط لا يكاد يُفهم
• في طبعه وَشْوَشَة: خفَّة.
• وَشْوَش فلانًا: سارّه، هَمَس إليه بالكلام :-أنصت إلى وشوشته.

نلاحظ ان معناها القريب هو (( الهمس )) والفرق ان الوشوشة تحصل أحيانا بدون فهم معناها حتى لو كانت مسموعة بعكس الهمس الذي هو في الأصل مفهوم ولكنه غير مسموع بوضوح وقد وفقت الشاعرة في انتقاء (( وشوشة )) لما تحمله من دلالات اعمق من الهمس لمن تأمل .

3 – قال الشاعر : محمد سعيد أبو مديغم في قصيدته (( بغداد ))

قَدْ هَامَ وَصْلًا تَجَلَّى فِي نَوَاظِرِهِ
بِدَمْعِ حبٍّ هَمَى فِي ظِلِّ حِطّينِ

همَى
همَى / همَى على يهمِي ، هَمْيًا وهَمَيانًا ، فهو هامٍ ، والمفعول مَهْمِيّ عليه :-
• همَتِ العينُ صبَّت دُموعَها.
• همَى الماءُ والدّمعُ ونحوُهما: سال :-جادك الغيثُ إذا الغيثُ همَى ... يا زمانَ الوصلِ بالأندلسِ.
• همَى الحائطُ: سقط.
• همَى الشَّخصُ على وجهه: هامَ، خرج ولا يدري أين يتوجّه.

فهذا اللفظ قريب من معاني (( سال – صبّ – جرى - سقط)) مقترنا (( بالدمع )) فكأنه من مرادفاتها الّا فيما يخص بعض الفروقات الدقيقة بين مجموع الالفاظ بانضمامها الى التراكيب اللغوية الأخرى لتعطي معانا مضمونية متغايرة ومن الأمثلة على ذلك قول الشاعر المصري أحمد محرم :
إلى الدمع فافزع إن تكن غير صابر ....... وماذا يرد الدمع إن سال أو همى
فهو قد استخدم العطف بين (( سال – همى )) للتفريق بينهما .

4 – تقول الشاعرة : ملاك العوام في قصيدتها : (( عكّاز ))

أبنة الأنين ....
أنا
مُضَمَّخَةٌ ٌ بالصبر ...
أرسم مدائن الحب

ضمَّخَ
ضمَّخَ يضمِّخ ، تضميخًا ، فهو مُضمِّخ ، والمفعول مُضمَّخ :-
• ضمَّخ جسدَه بالطِّيب ونحوِه لطّخه به مبالغًا في ذلك :-ضمَّختِ الفتاةُ كفَّيْها بالخضاب.

ولا يخفى ما لأستعمال هذا اللفظ من مدلول مضموني دقيق جدا في انتقائه حيث أفادت الشمولية الكلية وكأنها صارت متحدة معه شكلا مباينة له معنى

5 – تقول الاديبة : خديجة بن عادل في قصيدتها : (( شآبيبُ الشوق ))

فسيلة تغرس في حقول اليباب
تجمع تخوم الصقيع
ذوائبًا في صحراء الضياع
يَباب
يَباب :-
1 - صحراء.
2 - خراب، خالٍ من أيِّ شيء :-أرض/ دار/ بلد يَباب.

وقد استعملت الكاتبة اللفظ (( يباب )) بدلا من الخراب والصحراء لعمق الدلالة المضمونية فانتبه ولعل تكرار لفظ (( الصحراء )) في قولها (( في صحراء الضياع )) إشارة الى التباين بين الدلالة من حيث ان (( الفسيلة )) في المفهوم الدلالي اشد عمقا من (( الذوائب )) لما تتخلله الالزامات المعنوية لذات اللفظ فالفسيلة هي ذلك الشيء الذي يحتاج الى جذور كي يستطيع الحياة والنمو بخلاف الذوائب التي لا تحتاج الى كل ذلك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟