الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجائزة العربية ويورغن هابرماس: من التواصل إلى اللاتواصل

زهير سوكاح

2021 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


"قلّما نجد شخصيات بارزة في الحقل الفلسفي والثقافي والفكري مثل يورغن هابرماس، فهو يتمتع بمسيرة حافلة بالإنجازات والأعمال المتميّزة، التي جعلته الصوت الأكثر حضورًا وتأثيرًا في الحياة الثقافية الألمانية، على مدى أكثر من 50 عامًا، وما لقب شخصية العام الثقافية إلا تأكيد على تميّز مسيرته ونتاجه الفلسفي المهم، الذي أثر في الثقافة العالمية، ومنها الثقافة العربية"، بهذا الكلمات الاحتفائية لأمينها العام أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب حصول الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس (1929) على جائزة هذه السنة في صنف "شخصية العام الثقافية"، قبل أن يحذف موقع الجائزة هذا الخبر بعد إعلان هابرماس في رسالة نُشرت له تراجعه عن قبول الجائزة ، جاء فيها: "كنت قد أعلنت استعدادي لقبول جائزة الشيخ زايد للكتاب لهذه السنة. وكان هذا قراراً خاطئاً، أصحّحه هنا. لم تتضح لي بشكل وافٍ العلاقة الوثيقة جدًا بين المؤسسة التي تمنح هذه الجائزة في أبو ظبي، وبالنظام السياسي القائم هنا"، مُضيفا "تكفيني بامتنان كتبي المترجمة إلى العربية."
هذا التراجع المفاجئ دفع الجائزة إلى إصدار بيان مقتضب تعرب فيه "عن أسفها لتراجع السيد يورغن هابرماس عن قبوله المسبق للجائزة، لكنها تحترم قراره"، مُضيفة "تجسد جائزة الشيخ زايد للكتاب قيم التسامح والمعرفة والإبداع وبناء الجسور بين الثقافات، وستواصل أداء هذه الرسالة".
التراجع الهبرماسي بعد موافقته المُسبقة في شهر أبريل الماضي لم يأتي من فراغ بل كان ردة مباشرة على مقالا نُشر مؤخّرًا في مجلة دير شبيغل، الوسيلة الإعلامية الأكثر تأثير في ألمانيا، انتُقد فيه هابرماس بشكل لادغ بسبب قبوله لهذه الجائزة القادمة من بلد خليجي، وهي بحسب علمنا أول جائزة عربية تمنح لهابرماس، من حيث هي تقدير عربي رسمي له.
ولكيلا يُفهم مقالنا هذا على أنه دعاية "مجانية" لجائزة عربية دون غيرها أو تحيزّ لدولة عربية بعينها، نتساءل: ماذا لو قُدمت الجائزة من طرف دولة عربية غنية أخرى، هل كان هابرماس سيتشبّث فعلا بموافقته؟ وهل كانت "دير شبيغل" الألمانية ستلجم عن إثارة الموضوع لدى الرأي العام الألماني. ولنكن أكثر صراحة، ونتساءل: ماذا لو قُدّمت له جائزة مماثلة من جهة صينية أو حتى إسرائيلية؟ كيف ستكون ردة فعل هابرماس في هذه الحالة؟ هل كان فعلا سيتراجع عنها بعد قبول مبدئي وتنسيق مع مسؤوليها كما الشأن مع الجائزة العربية؟ وهل كانت "دير شبيغل" ستصدر في الأصل مقالا تنتقد فيه قبول هابرماس لجائزة إسرائيلية أيضا بسبب "سياسة" البلد كنظام سياسي؟ ثم لماذا لا تنتقد المجلة صفقات الأسلحة الألمانية مع دول عربية (خليجية وغير خليجية)، والتي تُدر على خزينتها الملايير؟ أليس هذا كله ازدواجا غربيا جديدا للمعايير سواء من طرف دير شبيغل أو من هابرماس ذاته؟
وبالعودة إلى الجائزة العربية، يحق طبعا لهابرماس ولغير هابرماس التراجع عن هذه الجائزة وغيرها من الجوائز، لكن إذا كانت مُبررات هذا التراجع فقط لأسباب سياسية، فهذا تبرير غير كاف بل وغير مقنع، فـ "الأسباب السياسية"، التي تحدثّ عنها هابرماس في رسالته، كانت معروفة لديه أثناء التنسيق المسبق معه من طرف الجائزة؟ وهنا نتساءل باستغراب: لماذا لم يعتذر عن قبولها منذ البداية، أي أثناء التواصل معه قبل الإعلان عنها رسميا وبشكل نهائي في العلن؟
أعتقد أن تراجع فيلسوف التواصل فقط جرّاء ضغط منفرد من وسيلة إعلامية ألمانية بعد قبول مبدئي من طرفه وإعلان رسمي، هو عمل غير مبرر اتجاه جهة تنتمي إلى وطننا العربي، مدت له يد التقدير كعربون للمزيد من التواصل بين الثقافتين العربية والألمانية. لا نبالغ إذًا إن قلنا إن "اللخبطة" الهبرماسية تكاد تكون غير أخلاقية اتجاه هذه المبادرة فقط لمجرد "عربيتها"، وهي "صبغة" شدّد عليها مقال دير شبيغل مليًّا.
يبدو أن فيلسوف التواصل، الذي عجز هنا على الفصل بين "السياسة الثقافية" و"السياسة الخارجية" لدولة عربية كما يقول المستعرب والكاتب الألماني شتيفان فايدنر، قد صار يُكرّس بدوره وبهذا الفعل اللاتواصلي اتجاه فعل تواصلي وحواري قادم من الثقافة العربية، للصور النمطية المنتشرة غربيا عن المنطقة العربية وثقافتها. ألا يتناقض هذا التنميط بشكل صريح، والذي لا نجده إلا في وسائل إعلامية مثل "دير شبيغل" وأخواتها، مع ما يدعو إليه صاحب "الفعل التواصلي" من "تواصل و"حوار" منذ نصف قرن؟ أم أن العالم العربي لا يزال بالنسبة للغرب "حيط [حائط] قصير" كما يقول التعبير المغربي البليغ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|