الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القدس ووجبة عشاء السجين

عبدالعزيز عبدالله القناعي

2021 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


بلا أي شك. يرفض الإنسان الحديث، وأنا من ضمنهم، أي اعتداء وإيذاء يطال أخيه، مهما كان مختلفا عنه في الدين والجنس والعرق واللون والميول. وهنا تحديدا، اتكلم عما يحدث منذ فترة في فلسطين وإسرائيل (حتى ننتهي من أزمة المسمى)، من صراع يتجدد كل فترة حول قضايا مختلفة تطال إدارة الصراع بينهم وشكل العداء المستحكم بينهم منذ عقود طويلة. ورغم أن قطار السلام وعقد اتفاقيات السلام بين عدد من الدول الخليجية والعربية والاسلامية والدولية، قد أخذ في الزيادة والوضوح، إلا أن المواجهات الدامية بين الشعب الفلسطيني والإسرائيلي لا تزال مستحكمة وقوية ومتجددة، ودائما ما يصب عليها الزيت والحطب ونفخ الكير وتصفيق الدهماء، وخصوصا من تيارات الاسلام السياسي، السنية والشيعية، وتحديدا من الإخوان المسلمين.
مؤخرا، اعلنت الدول المنضمة الي قائمة دول العلاقات مع اسرائيل، الإمارات والبحرين، أعلنا عن ادانتهما للعمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الدفاع الاسرائيلي، على خلفية قضية حي الشيخ جراح وما يحدث في غزة، وهو إعلان اتفق معه وأدعمه نظرا لصدوره من دول انضمت مؤخرا الي اتفاقيات السلام مع اسرائيل، والتي يتم اتهامها دائما بانها عاجزة عن نصرة الشعب الفلسطيني حتى بالكلام، وكأن الدول التي لم تعقد أي اتفاقيات سلام يقف جنودها بمحاذاة غرفة نوم نتنياهو وزوجته ساره بانتظار القبض عليهما. ورغم تصاعد وتيرة الاحتقان وسقوط عدد من الضحايا، الفلسطينيون والاسرائيليون، الا أن تلك المواجهات، إذا لم يوقفها عقلاء المجتمعين، فسوف تصل الي مالا يحمد عقباه، وهو ما يضع العالم، وليس العرب فقط، أمام تحديات ومواجهات مختلفة تعيد الي الأذهان الحروب العسكرية وحروب المنازل والطرق والشوارع والعصابات، والنتائج كما تعودنا على مدار السنوات، مزيدا من الألم والأذى والموتى.
فكيف يمكن أن ننظر؟، بعد سنوات طويلة، وأدلجة كبيرة، وكتابة تاريخ جديد. كيف يمكن أن ننظر أو نشخص العقل العربي المسلم في كيفية تعاطيه مع القدس؟؟!!.. كيف يمكن أن يكون مجرد نطق الأسم أن يثير عاصفة ودموع وحسرات وأنين وكراهية وانتقام وتدمير؟؟!!.. كيف يمكن أن تكون فلسطين، ذلك الجرح النازف الذي لم يندمل حتى اليوم؟؟!!.. كيف يمكن أن نقدم حلولا جديدة؟، وأفكارا عقلانية؟ ورؤية استشرافية؟، وأطروحات سياسية متقدمة دون أن يتم قذفنا بنفس الحجارة التي يتم فيها قتل الاسرائيليين؟؟!!، بل كيف يمكن أن نتكلم وننتقد ونتحاور إذا كان المقاتل لا يفرق بين العدو والناقد والمدني والكاتب والمحلل والمثقف والشاعر والحب والسلام؟؟!!.
إنها أسئلة بلا شك ستبقى رهين النسيان والتجاوز وغض العقل عنها، بل والتعوذ من الشيطان وأمريكا واسرائيل وأوروبا وبعض العرب والدعوة عليهم بالموت والهلاك والحرق حتى تهدأ النفوس وتنتفخ الأوداج زهوا بالأحلام والتمنيات وتخيل حفلات الشواء في الدنيا والآخرة!!.
لكن، ماهو باقي وسيبقى بالتأكيد، هو كل دعوة الي استخدام العقل ونبذ العنف والبدء من جديد. هو ايمان كل صاحب حق يرى أن الحق معه في أن يعيد النظر، وأن يرى من جديد، وأن يخوض حرب الشجاعة في اجبار العدو والمختلف والقوي، في ان يستكمل شروط التفاوض من وجهة نظر المسيطر وليس الذليل، المشارك وليس التابع، الند وليس الأقل والأدنى.
قال جون بول سارتر في كتابه "تأملات في المسألة اليهودية" .. "الشعب الفلسطيني مظلوم كما الشعب اليهودي سيان. وهكذا يجب أن ننظر اليوم الي كيفية معالجة الانتهاكات والتعديات التي تحدث في فلسطين وإسرائيل من كلا الجانبين. علينا أن ندعم في وعينا وعقولنا أن الظلم مرفوض، وأن إيذاء الإنسان ، مهما كان مختلفا هو أمر مستهجن ومنبوذ ويثير الغثيان، وأن غاية الروعة والجمال أن يحظى الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي بدولة ديمقراطية علمانية تكون لهم وحدهم، من خلال انتخابات رئاسية دورية بين حاكم فلسطيني وحاكم يهودي، يبعدان الديانة الاسلامية واليهودية من الشأن السياسي، ويتفرغان لإدارة الدولة وحل معظم الأزمات والمشاكل عبر برلمان حقيقي يمثل الأمة الفلسطينية والإسرائيلية، على أن يتزامن ذلك، وبالضرورة، ووفق القنوات الرسمية والدولية، تغيير شامل يطال أنظمة الحكم وبنى المجتمعات في الدول العربية، بما ويتناسب مع اقامة الدولة الفلسطينية الاسرائيلية الأولى، وحتى لا يقال في الأثر أنه كانت هناك دولة واحدة ديمقراطية في الشرق الأوسط في بدايات القرن الواحد والعشرين.
إن المواطن العربي، في الغالب، وأكرر في الغالب، لا ينظر الي القدس الا بكونها وجبة العشاء الفاخرة التي يستلمها في السجن. المواطن العربي، يغضب ويثور ويصب اللعنات والشتائم والاتهامات على آمر السجن وحكومة السجن وحكام السجن (طبعا في سريرته حتى لا يعدم)، إذا ما تقلصت وجبة العشاء أو إذا تأخرت أو تم إلغاءها أو تقنينها، هو يريدها كاملة كما كانت كما استلمها أول مرة عند ولادته في السجن، هو يريدها نظيفة، معقمة، ولامعة ومشبعة كما ينبغي. المواطن العربي، لا ينظر الي سجنه، الي اتساخ مكانه، الي فساد حكامه، الي تهتك وانهيار الأخلاق والذمم والتنمية والمستقبل، الي ظروف قمعه، الي سجانه الظالم، الي أسباب سجنه الطويل وبقاءه متقبلا وبالعا ومرتاحا ومتكيفا مع الذل والسحق والوصاية والخوف والكبت في مجتمعه. هو مستعد أن يتقبل الضرب والإهانة والجلد، هو مستعد أن يتكلم ويرفع الشعارات ويكتب في وسائل التواصل الاجتماعي صبحا ومساء (طبعا دون أن يخطو خطوة في طريق تحرير القدس الذي أخفوا بوصلته لان الغالبية تتكلم ولا تفعل)، هو مستعد أن يرجم ويحرق من يوقظه من غفلته، هو مستعد أن يعبد الاستبداد إلا أن تختفي القدس أو تتهود، لأنها في خياله ووجدانه ومشاعره، هي عشاءه الفاخر اليومي وملاذه النفسي واستقراره العاطفي في سجنه العقائدي والمذهبي والقومي والمجتمعي.
في الحقيقة، هكذا يشعر البعض وأراها الغالبية السوداء من الشعوب المغيبة، دون وعي منهم، أو دراسة أو اقتناع، عن حقيقة ما يجرى على أرض الواقع في وعن مسألة القدس من مصالح سياسية قذرة، وتحالفات كبيرة براغماتية بين أقطاب، يرونها عدوة بينما هم في الخفاء أصدق الأصدقاء. المواطن العربي، هو مجرد أداة وصدى المجتمع الذي يعيش فيه ويتعلم منه ويخوض صراعاته فيه. هكذا يتقبل الديكتاتورية والسجان والفساد وسرقة ثروات وطنه وفرض الضرائب وقمع رأيه وسحق كرامته والتجسس عليه. المواطن العربي، لا يستطيع أن ينتقد الحاكم أو الدين أو العادات والتقاليد أو نظام وأغلبية المجتمع الذي يعيش فيه، لكنه بقدرة قادر يصبح عنتر زمانه وشمشون الجبار وقاهر المحيطات والبحار إذا ما تعلق الأمر بالثرثرة عن القدس ورفع الشعارات، لأنهم هكذا علموه منذ ولادته، وهكذا أغصبوه رغما عنه، وهكذا تم إخصاء عقله وعقلانيته وإرادته وذاته وشخصيته ورأيه. هكذا يصبح طرزان وغريندايزر وسوبرمان، يشتم أمريكا ويريد أن يحرق اسرائيل ويدمر من يريد السلام، يريد أن يكون عشاءه موجودا وغير مهدد بالإختفاء، بل يريد المزيد والمقبلات والمشهيات حتى يتقبل الله عبادته ويرضى عنه رجال الدين والفقهاء ويمسح على جبينه القطيع والغوغاء. المواطن العربي لا يعلم كيف باستطاعته أن يحل أزمة فلسطين ومشكلة القدس وجيرانه اليهود. المواطن العربي لا يعلم كيف يحاور وكيف يفاوض وكيف ينتصر على الأعداء ويهزم أمريكا واسرائيل. المواطن العربي لم يتعلم الحرية ولا الديمقراطية ولا أهمية العلمانية وضرورة التقدم. المواطن العربي لا يغضب الا من أخيه الإنسان، لا يغضب الا إذا خالف أحدهم معتقده أو انتقد رأيه أو طالب بكشف حقائق تاريخه ومعتقداته وتقاليده. المواطن العربي هنا يصب الزيت على النار ويحرق اعلام العدو ويزيد في الدعاء والشتيمة والكراهية ضد أخيه الإنسان، فهذا أقصى حد يصل إليه بعد أن تضع الأجهزة الأمنية ودوائر الاستخبارات ألف جهاز وجهاز لمراقبة تحركاته وتنفساته ومتى يجامع زوجته وصديقته ومتى يضرب ابناءه ويعنف الخادمة ويرمي القمامة في الطرق والشوارع. المواطن العربي خلال عقود طويلة تأدلج على هذا الوعي وحفظ هذه الخطوات وعلم متى يغضب ومتى ينام ومتى يلعن الأعداء والخونة والكفار ومتى يسكت تماما عن الكلام والصراخ. المواطن العربي اليوم أصبح توليفة غريبة وشخصية فريدة من نوعها وشكلها وعقلها. المواطن العربي مشلول بسبب نفسه أولا وليس بسبب أمريكا واسرائيل. المواطن العربي، يذكرني بتغريدة أظن أنها لشخص عراقي، وهم أصحاب النكتة الساخرة المؤلمة، حين قال أحدهم بعد أحداث غزة "بطران، جاي يبعثلي فيديوهات عن فلسطين وبلدي منهوبة من الشمال الي الجنوب".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القناة 12 الإسرائيلية: المؤسسة الأمنية تدفع باتجاه الموافقة


.. وزير خارجية فرنسا يسعى لمنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله في




.. بارزاني يبحث في بغداد تأجيل الانتخابات في إقليم كردستان العر


.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة




.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب