الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منظومة الدعم في تونس: من يدعم من؟

عبد الناصر جلاصي
باحث

(Abdennaceur Jelassi)

2021 / 5 / 21
الادارة و الاقتصاد


منذ عدّة عقود طفى على السطح ملف صندوق الدعم في تونس وفي كل دول العالم الثالث، وتسبب في تونس في عديد الهزات الاجتماعية لعلّ أكبرها إنتفاضة الخبزة سنة 1984 (تلتها احتجاجات تلمذية وطلابية كبيرة في أفريل من نفس العام إحتجاجا على رفع الدعم على الكراسات المدرسية المدعمة)، ومنذ ذلك الوقت ظلّت الحكومات المتعاقبة تتعاطى مع هذا الملف بتوجس وخوف رافقه ضغط كبير من الجهات المقرضة الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي. تاريخيا وجد صندوق الدعم منذ عهد البايات بمقتضى أمر عالي سنة 1945، تفاعلا مع أوامر حكومة الجبهة الشعبية في فرنسا بقيادة الاشتراكي ليون بلوم، وتندرج في إطار التوجه الكينزي لكل الدول الكبرى ومستعمراتها لتطويق المدّ الشيوعي حينئذ. لكن الصيغة الحالية لصندوق الدعم تعود لسنة 1970، لتجاوز فشل تجربة التعاضد وتأزم الحالة الاجتماعية يضاف لها فيضانات 1969، كرسالة للمحافظة على بعض مقومات دولة الرعاية بالتوازي مع التوجه الليبرالي الذي دشنه الهادي نويرة. قبل المواصلة من الضروري التنويه ان صندوق الدعم هو في الأصل ثلاثة صناديق مستقلة عن بعضها البعض، لأن هناك خلطا وعدم إلمام بأبجديات الملف عند أغلب المتحدثين في الموضوع وخاصة الإعلاميين ومن يقدمون أنفسهم كخبراء إقتصاديين وحتى عديد الوزراء. فنجد صندوقا لدعم المواد الأساسية وثان لدعم الطاقة وثالث لدعم النقل العمومي. تقوم فلسفة منظومة الدعم المعلنة على دعم الفئات الهشة والفقيرة، لكن الأنظمة الاستبدادية طالما إستعملت هذه الورقة كرشوة للشعب لتوطيد أسس حكمها الفاقد للشرعية الشعبية والدستورية عملا بالمثل المصري "أطعم الفم تستحي العين". لذلك من الضروري التعاطي مع هذا الملف اليوم بطريقة مختلفة عن فترة ما قبل الثورة سوى في ظل حكم بورقيبة أو بن علي. ومن المشروع بل من الواجب طرح سؤال إن كان هذا الدعم الممول بالضرورة من أموال دافعي الضرائب يصل لمستحقيه أم يتم تحويل وجهته؟ فتناول بعض الأرقام فيم يخص صندوق دعم المواد الأساسية أو ما يعرف بالصندوق العام للتعويض، نجد أن الدعم الموجه لهذه المواد تنتفع به فئات غير معنية به هذا دون تحويله للصناعات فمثلا منتوج #السكر المدعم ب565 م للكغ (من المضحكات المبكيات أن تدعم الدولة منتوج في خطورة السكر من السموم البيضاء عوض نشر التوعية للتقليل من استهلاكه والترفيع في سعره للحيلولة دون استهلاكه بطريقة كبيرة لما ينجر عنخ من أمراض لها أول وليس لها آخر من تسوس الاسنان للسمنة وصولا للسكري مرورا بإضطرابات الشرايين والقلب وهشاشة العظام ونفس الأمر بخصوص مادة الملح) يتم تدعيمه من الدولة لتنتفع بأكثر من ثلثيه مرطبات مدام فلانة ومرطبات مدام فلتانة هذا دون شركات المشروبات الغازية والعصير والكايك والبسكويت والشوكولاطة. الفرينة كذلك يتم دعمها لصناعة الخبز ليتم تحويلها لفائدة بارونات المرطبات والجميع يعرف ثمن هذه المنتوجات التي تنتج بفرينة (مدعم ب 27 د الكيس) وسكر (مدعم ب 565 م للكغ) وزيت نباتي (مدعم ب 1456 م اللتر) وحليب (المدعم 175 م اللتر) وبيض مدعم من أموال دافعي الضرائب.
المواد الغذائية الأخرى مثل الكسكسي (مدعم ب 1000 م الكغ) و السميد ( مدعم ب67 د الكيس) و المقرونة (مدعم ب 988 م للكغ) كلها منتوجات يتم تحويل وجهتها لقطاعات مربحة مثل المطاعم والمناطق السياحية ويعرف الجميع على سبيل المثل كيلوغرام من الكسكسي او المقرونة ماذا يجني من ورائه صاحب النزل والذين مزاحمة الفقراء في قوتهم يطالب بالتعويضات لقطاع السياحة، إضافة لهذا يتم تهريب هذه المواد المدعمة للدولة المجاورة لبيعها بأضعاف مضاعفة ( تمّ تهريب مواد غذائية مدعمة لليبيا سنة 2011 بما قيمته 120 مليون د دعم و90 مليون د سنة 2012) توضع في جيوب بارونات التهريب. الخبز كذلك وبسبب رمزيته في المخيلة الشعبية يتحاشى الجميع تناوله والحديث حول جدوى دعمه وهل ينفع فعلا الفقراء، الخبز الذي يتم تقديمه سوى الخبز الكبير (مدعم ب 271 م للخبزة) او الباقات (مدعم ب 121 م للخبزة)، أولا من الناحية الغذائية والجودة هذا الخبز المصنوع من الدقيق الأبيض المفتقر لكل قيمة غذائية وللالياف والفيتامينات دون القمح الكامل وما ينجر عنه من عادات غذائية سيئة أولها السمنة ولا آخر لها. حيث تنتج يوميا 6.7 مليون خبزة يذهب ما يناهز المليون خبزة للقمامة (ما يعادل 100 مليون د سنويا) إضافة لإستعماله كعلف للمواشي.
صندوق الطاقة أيضا لا يختلف عن سابقه، فمثلا لحدود سنة 2018 ومنذ عقود طويلة تمتع أصحاب اليخوت في المارينات ودون خجل بالمحروقات المدعمة الموجهة لصغار البحارة ليخوتهم. أصحاب السيارات الفارهة ذات العشرين خيل كذلك ودون خجل يشتركون مع أصحاب السيارات ذات أربعة خيول المحروقات المدعومة وعموما ما يستهلكه صاحب سيارة فارهة يعادل خمس سيارات شعبية أو أكثر. مقاولو البناءات الكبرى والطرقات أيضا ودون خجل ينافسون العائلات المعدمة في الشمال الغربي المحتاجة لمادة بترول الإنارة (القاز الأزرق) المدعم ب 300 م اللتر الذي يمثل لهم شريان الحياة للتدفئة فترة البرد ولحدود 2006 كانوا يسرقون البترول المدعم دون الصناعي كمادة لحلّ بيتيم الطرقات الذي يتطلب آلاف اللترات. نفس أصحاب شركات المقاولات والباعثين العقاريين ينافسون المواطنين في الإسمنت و الحديد وغيرها من مواد البناء ليعرضوها للبيع بأضعاف مضاعفة لاحقا. أصحاب المداجن ومنها مجمعات كبرى في البلاد تنافس المواطنين في قوارير غاز البترول المسال (دبابز القاز) المدعومة ب 18 د للقارورة واحدة عوض الغاز المسال الصناعي (أحد المجمعات الكبرى من أصحاب مئات المليارات وعوض دعم المسرحيين أو الفنانين التشكيليين يستهلك يوميا 1000 قارورة أي يضع يوميا في جيبه 17 ألف د كانت موجهة للمفقيرين دون خجل)، هذا دون أصحاب سيارات التاكسي الذين يتركون مضخات غاز البترول المسال الغير مدعوم وينهبون قوارير المواطنين المدعومة، في إستهتار بسلامة حرفائهم. وأصحاب المطاعم وتطول قائمة النهب خاصة إذا كنا سنتحدث عن حق المفقرين وحدهم فعموما لا يحتاجون من هذا الدعم غير بترول الإنارة للتدفئة وقوارير غاز البترول المسال للطبخ أما السيارات فلا طموح ولا تفكير لهم بها.
كل هذه الأموال المتأتية من أموال دافعي الضرائب (الطبقة الوسطى هي الأكثر التزام بدفع ضرائب بآلية الإقتطاع من المورد مباشرة في مقابل الطبقات ميسورة لها تقنياتها وإبداعاتها في التهرب الضريبي) التي أضيف لها إقرار إقتطاع 1 بالمائة من أجور القطاع العام والقطاع الخاص (الطبقة الوسطى) سنة 2012، وفرض إتاوة 2 د لكلّ شخص على كل ليلة مقضاة بالنزل سنة 2013 وأصبحت 3 د سنة2017، تحت عنوان دعم صندوق الدعم. أكثر من 70 بالمائة وبعض الأرقام تذهب لل 80 بالمائة من أموال الدعم تذهب لجيوب الطبقات الغنية والطبقة الوسطى العليا أي لما يناهز ال 25 بالمائة من المجتمع، في عديد التقارير الدولية، أن هذه العئلات ذات الأجر المرتفع تنتفع بأربعة مرات أكثر من دعم المواد الغذائية من نظيرتها ذوات الدخل المحدود وما يقارب 40 مرة (نعم أربعين مرّة) ما يتعلق بدعم الطاقة. رقم يطرح التساؤل من يدعم من؟ وهذا ما يضرب اهم مقومات الفلسفة التي يقوم عليها الدعم وهو المقوم الأخلاقي القائم على التضامن بين متساكني بلد واحد، أو حتى المجتمع الأممي بمفهومه الكانطي.
الطبقات الفقيرة والطبقة الوسطى والوسطى السفلى التي من المفروض أن تكون معنية بهذا التعويض لكن لا يبلغها أكثر من 20 بالمائة من الدعم. في المقابل الأغنياء يستحوذون على الدعم بطرق ملتوية عوض لعب دور داعم للحياة الثقافية من دعم للمسرح والفنون والنشر، نجدهم يزاحمون الأرامل واليتامى والمفقرين في أموال الدعم. على كل نعرف منشأهم وكيف ظهروا ومن أوجدهم ليكونوا طبقة طفيلية في المجتمع لا تدفع حتى أبسط ضرائبها ولا علاقة لها بمراكمة رأس المال ديدنها شفط مساعدات الدولة وسرقة جهود العمال وحرمانهم من أبسط حقوقهم الاجتماعية، وإذا عرف السبب بطل العجب. بالنسبة للمناضلين من أجل الحريات والحقوق الاجتماعية لا يستوي قبول الرشاوي الإقتصادية من الدولة (التي في أصلها من ضرائبكم التي تدفعون) والمطالبة بالمواطنة والرقابة على السلط و الحريات. الفتات والعطايا والريع تستوي مع الرعايا وليس مع المواطنين الذين مقومهم الأساسي حقوق مقابل واجبات.... الحلول ممكنة والاستئناس بعديد التجارب الأخرى ممكن فقط أن يتم تجاوز الشعبوية وتقديم برنامج توعوي تحسيسي حول هذا الموضوع لضمان وصول الدعم لمستحقيه الحقيقيين، وتوجيه الباقي نحو التنمية عوض نهبها من من لا يستحقونها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين نيلين - حرب السودان تهدد إنتاج النفط في جنوب السودان


.. كيف هي العلاقة بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية؟




.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 27 إبريل 2024 بالصاغة




.. موجة الحر في مصر.. ما الأضرار الاقتصادية؟ • فرانس 24