الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حماس ونتنياهو -الحرب والصراع بعيدًا عن خطاب ونظرية -الأخطاء-

آدام راز

2021 / 5 / 22
القضية الفلسطينية


قسم كبير من صحفيي ومحللي صحيفة "هآرتس" يتمسكون بنظريات سياسية تؤمن أن "الكبار" – هؤلاء الذين يجلسون فوق (حسب تعبير برتولت بريخت) يتزحلقون بقشرة موز بشكل متكرر وقت انشغالهم في أعمال السلطة.

أمرٌ محيّر، لأن كبار متخذي القرارات يدّعون العكس تمامًا. اقرأوا عددًا من المحللين الكبار في صحيفة "هآرتس": سامي بيرتس فسّر جولة العنف الحالية كجولة "بدأت بعدد من الأخطاء التي قامت بها شرطة إسرائيل" في القدس، تسافي بارئيل حسم أن "بفضل الأخطاء التي ارتكبتها إسرائيل، حماس شعرت أن هناك فرصة لحشر السلطة الفلسطينيّة"، عاموس هارئيل قال إن "إسرائيل أخطأت بتقديرها واستخفت بنوايا حماس وقدراتها العملية. الآن يمكن أن قيادة حماس في غزة ترتكب خطأَ كارثيًا مشابهًا". ومن جهته نشر يانيف كوفوفيتش أنه في المنظومة الأمنية "اعتقدوا" مخطئين أنه تم ردع حماس واتضح أنه ليس كذلك. يوسي ميلمن توجه لـ "مسيرة الحماقة" للمؤرخة بربارا توكمان ليشرح لقرائه انه أحيانًا خطوات من يجلسون في السلطة هي مجموعة كبيرة من الحماقات. وحسب قول ميلمن، الخطوات التي يتم ممارستها الآن "تعارض المصلحة الذاتية" لنتنياهو. للتلخيص، حسب صحيفة "هآرتس"، رئيس الحكومة ومتخذو القرارات في إسرائيل هم – بالمفهوم الواسع أغبياء، يخطئون كل الوقت.

من المهم التشديد ان ميلمن، ككتاب آخرين، قرر تأمين نفسه من استنتاجات ممكن أن تظهر في المستقبل وتدحض نظرية الحماقة قائلاً في نهاية مقاله أن "مع كل ذلك، لا يمكن إلغاء الإمكانية أنه ربما تعريف الحماقة لا صلاحية لها حول ما يحدث عندنا حاليًا". أمور مشابهة كتبها هرئيل الذي تساءل – كما تساءل كثيرون- إذا كان هناك علاقة بين الأحداث الدامية وتقدّم المساعي لإقامة "حكومة التغيير". "هذا يطرح مجددًا السؤال، أي من أحداث الشهر الأخير حدث صدفةً وأيها تلقّى دفعة من قبل خطوات نتنياهو". لكنه لا يطرح إجابة للتساؤل، ويؤكد أن هناك حاجة ساذجة للتفكير "أن كل ما حدث هنا نتيجة صدفة ساحرة، كأن يد الخالق أوصلت لهذه اللحظة قبل الاتفاق على الإعلان عن تشكيل حكومة... التوتر القومي والديني.. يصلون فجأة لأعلى المستويات". إذا، خطأ أم سياسة. ترك القارئ مع نصف شهوته لوحده.

من الصعب تحليل الأحداث الجارية. أحد الأسباب لذلك هو الصعوبة الكامنة بحقيقة أن المعلومات المتوفرة ليست دقيقة كفاية وتصلنا عادة من أصحاب المصالح. طبعًا، هذا ليس بالأمر الجديد. كارل ماكس تطرّق في عام 1854 للتلاعب الذي تم بين مجموعات سياسية مختلفة عملت معًا في فرنسا وبريطانيا، وكيف قاموا بخداع الجمهور وتضليله. "هكذا، مثل كل مرة" كتب ماركس، "عرف الأمر فقط بعد مرور مئة عام". ولكن، أيضًا دون توثيق "تاريخي" متاح، ممكن عبر قراءة سياسية نقدية في الصحف، الوصول إلى استنتاجات حقيقية حول الصراع الحالي. ببساطة، يجب، قبل كل شيء، مواجهة تكرار الأخطاء المذكورة.

خانة "الأخطاء" المذكورة مرات عدة في الفقرة الأولى سهلة للاستخدام. إذًا لا حاجة لتفسير "الخطأ" فهو يفسر نفسه بنفسه. ولكن، كيف يعلم الكتاب أن الخطوة "أ" أو الخطوة "ب" اللتين تمّ ذكرهما عبارة عن "أخطاء"؟ الامكانية الأولى أنهم هكذا يفسرونها (الكتاب).

فلنفترض أن هذا هو تسلسل أفكار هذا المحلل: رئيس حكومة عقلاني لن يرغب بتساقط الصواريخ على إسرائيل. لذلك، هو أخطأ بتقديره ردّ حماس لأن الحركة في النهاية قامت فعلاً بقصف إسرائيل في كافة الأماكن (متجاوزة تخوم القطاع). إمكانية أخرى أن ما قيل لهم، للصحفيين، على لسان أحد "الكبار" أنه ارتكبت "أخطاء" معينة.

لكن، لماذا يجب الوثوق بهذا المسؤول "الكبير" المتعصب قوميًا؟ كيف نتأكد أنه لم يقل لهم، للصحفيين، أن هذا عبارة عن "خطأ" فقط من أجل إخفاء فكرته الحقيقية؟ هكذا يتضح من تقرير كوفوفيتش حول أخطاء المنظومة الأمنية بتقديرها لرد حركة حماس. كوفوفيتش يشير إلى انه كان هناك أشخاص في قيادة المنظومة الأمنية والشاباك مع مواقف "معارضة" لتلك التي تبثها رادارات وزارة الأمن الثابتة في الصحافة الاسرائيليّة. كوفوفيتش يقتبس مسؤولاً كبيرًا دون ذكر اسمه وإشارته إلى أنه لم يكن هناك حديث عن رد عفوي لحركة حماس (كما تدعي الأغلبية) إنما "هذه تحضيرات متتابعة منذ أيام... حيث استعدت قيادة التنظيم لإدارة غزة من داخل الانفاق". أي أنهم في المنظومة الأمنية عرفوا ماذا يجري وكان هناك خلاف بين الاتجاهات المختلفة. ادعاء هرئيل أنه تم تصيّد الجيش "بعد ارتكابه أخطاءً في تقديراته" ليس دقيقًا. لا حديث عن "أخطاء"، انما عن تقديرات متناقضة. لذلك، هم لم يخطؤوا، بل قصدوا ذلك. على فكرة، لم يشرحوا في إسرائيل بعد لماذا قرروا عدم المس بالصواريخ طويلة المدى، فلنتقدم.

إذا أخرجنا من النقاش خانة "الأخطاء"، من الممكن تحليل الأحداث في مستوى الماكرو والميكرو بشكل مختلف كليًا. فقط علينا تبني استنتاج نيكولو مكيافيلي: "لا تصدّق أبدًا، أن العدو (السياسي) لا يعلم ماذا يفعل". في مستوى الماكرو، التحليل يتركّز على دلائل لا خلاف عليها فعلاً ومدعومة بشهادات كثيرة. مثلاً، بين حركة حماس وبين بنيامين نتنياهو يوجد تعاون منذ سنين طوال. تحدثوا كثيرًا حول التفاهمات بين إسرائيل وحماس في موضوع حقائب النقود التي تموّل الحركة وتمكنها من زيادة قدراتها العسكرية. لكن، هذا مجرد رأس جبل الجليد لهذا التعاون. الجمهور في إسرائيل يعلم بشكل أقل، تعاظم قوة الحركة في القدس والضفة (برعاية حكومة نتنياهو، قطر وتركيا) حيث أن الجانب الآخر من هذا التعاظم في القوة هو السياسة الإسرائيلية الواضحة التي تسعى لإضعاف السلطة الفلسطينيّة.

استراتيجيّة نتنياهو واضحة، لكنها غير معلنة لأسباب واضحة أيضًا: يهدف إلى الحفاظ على حماس كلاعب مركزي في الصراع من أجل إضعاف السلطة الفلسطينيّة في رام الله. لماذا؟ لأنه مع حركة حماس لا حديث عن حل للصراع. الثرثرة السائدة ان نتنياهو يثبت منذ سنوات "اعتداله" في استخدام القوة العسكرية ترتكز على تخيلات مسبقة لقوالب الحروبات. فعليًا، نتنياهو يشغل دورًا مركزيًا في المحافظة على الصراع في الشرق الأوسط على نار هادئة. بالنسبة له، حرب كبيرة يمكن أن تشكل مشكلة حقيقية: مثلاً، ضربة قاضية لحركة حماس (التي تعني من الجهة الأخرى تقوية السلطة الفلسطينيّة).

أقوال مشابهة خرجت من رئيس حكومة سابق، هو إيهود باراك، الذي خلافًا للادعاءات المقبولة، يعتقد أنه من الخطأ الاعتقاد أن نتنياهو معدوم الاستراتيجيّة. حسب اعتقاده، لنتنياهو يوجد استراتيجيّة مدروسة، لا يعلن عنها لأسباب واضحة. "الاستراتيجيّة"، يفسّر باراك، "هي الحفاظ على حماس وعلى نشاطها وردّها ... حتى بثمن إهمال المواطنين (في الجنوب)... من أجل إضعاف السلطة في رام الله". تلك السلطة الفلسطينيّة، يشدد، "تساعد بشكل فعال في محاربة الإرهاب". أي أن سياسة نتنياهو التي تترك الجنوب "على نار هادئة طيلة الوقت"، هي سياسة موجّهة وتندمج ضمن سياسية واسعة أكثر. فعليًا، بينما قدمت المنظومة الأمنية عددًا من الخطط التي تهدف إلى "تجفيف البيضة" (حماس في غزة)، الكابينيت لم يناقش أيًّا منها. لماذا؟ لأن السياسة التي تتجه نحو دعم وتقوية السلطة الفلسطينيّة تعارض سياسة نتنياهو.

فقط بالاعتماد على الواقع "الكبير" الذي وصف أعلاه يجب تحليل أحداث الأيام الأخيرة. ويجب البدء بالحقيقة الأساسية: عناصر "حكومة التغيير" كانوا قريبين جدًا من التوصل إلى اتفاق يقود إلى إخراج نتنياهو من سدة الحكم خلال أيام معدودة. هذا الأمر شكّل خطرًا محدقًا ليس فقط بالنسبة لنتنياهو، بل لحلفائه في المنطقة، وعلى رأسهم حماس. هذا الخطر قاد بالحلفاء التاريخيين نحو التعاون ومنع إمكانية وصول رئيس حكومة آخر بأسرع ما يمكن، رئيس حكومة قد يتحرّك في مرحلة ما ضد هيمنة حماس.

سياسة نتنياهو في الأيام الأخيرة تذكّر بأحد أهم المبادئ المركزية في كتاب "1984" لجورج اورويل الذي فسر أن سياسة العلاقات الخارجية تتعلق وتكمّل في كل مكان العلاقات الداخلية. لماذا؟ لأن السياسة الخارجية تطبق من قبل متخذي القرارات في الدولة (القادة/الحكّام)، ويوجد لها الأهداف ذاتها المشتركة مع السياسة الداخلية. هكذا مثلاً فسّر أفيغدور ليبرمان: "ما هو الهدف الاستراتيجي للعملية... جهتان معنيتان بهذه العملية. نتنياهو الذي يفشل حكومة التغيير وحركة حماس. نتنياهو متعاون مع حماس، يقوم بتقويتها وتطويرها".

في الشهر الأخير شرطة القدس لم ترتكب "أخطاءً"، بل فهموا توجهات القائد. بهذا يمكن الموافقة مع ما كتبه هارئيل أن الشرطة "لم تكن بحاجة لتوجيهات واضحة من الأعلى من أجل أن تفهم التوقعات منها ببث صرامة معينة". هذه أقوال ضبابية نوعًا ما، لكن القصد واضح ويجب صياغته بوضوح: في الشيخ جراح، باب العامود والمسجد الأقصى لم تكن هنا "أخطاء" – بل تم ممارسة سياسة هدفت إلى إشعال المنطقة (وتذكروا ما ذكرت أعلاه، حاليًا ضربنا من حماس بالصواريخ، هذا لم يكن قصفًا عفويًا على إسرائيل). أيضًا مكتب عود الثقاب القومي، أيتمار بن غفير، الذي صمد 24 ساعة في الشيخ جراح لم يكن خطأً، لكنه اندمج ضمن التوجه الذي سعى لمنع احتمال إقامة حكومة جديدة عبر إشعال المنطقة. في الأسبوعين الأخيرين جهزت مجموعة معينة في إسرائيل وحماس المنطقة لتبادل الفوضى الكبيرة في حال وجود خطر فوري لمحور نتنياهو-حماس.

فعليًا، توقعات مشابهة جدًا للأحداث التي جرت توقعها قبل ثلاثة أسابيع رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت: "موجة إرهاب هي كل ما يحتاجه نتنياهو من أجل

خلق حالة متطرفة من الطوارئ القومية، التي تستلزم إقامة حكومة قومية يقف برئاستها مع كل أحزاب اليمين، من ضمنها نفتالي بينيت. نتنياهو لن يشعل عود الثقاب، هذه المهمة لأعضاء منظمة "لهافا". هو سيمرر لهم عود الثقاب. هو يبحث عن أزمة. من المفضل أن تكون في القدس... بانعدام شرطة عازمة على كبح جماح أعضاء "لهافا" بكل قوة ودون تردد – سينجحون بإشعال النار. نتنياهو طبعًا سيتفاجأ- لكنه سيسرع لتوحيد المعسكر القومي، ونفتالي بينيت من الممكن أن ينضم. وإذا لم تشتعل النار في القدس، نتنياهو سيوقدها في الحدود الشمالية أو بصدام مع حماس في الجنوب. في اللحظات الأخيرة، عندما يتجه عالمه نحو الانهيار – سيحاول أن يتسبب بانهيار عالمنا".

من المهم التشديد، ما هو واضح بالنسبة لمن يعرف مجريات الحقل، أن حماس تخشى بشكل جدي رحيل نتنياهو وإضعاف الخط السياسي الذي يمثله. فعليًا، مشروع تعاظم قوة الحركة في القدس والضفة (برعاية قطر والعناصر الرجعية الأخرى) واجه خطرًا حقيقيًا في حال فقد نتنياهو السيطرة على مقود الحكم. رئيس حكومة آخر، يعرفون ذلك جيدًا هناك، من الممكن أن يعود ويتعاون مع الذي يقف في رئاسة السلطة الفلسطينيّة وأن يوجه ضربة قاضية للحركة. لذلك، حماس تجندت من أجل تطبيق قسمها من الاتفاق غير المكتوب كما هو متبع بين الشركاء: أشعلت المنطقة بالطريقة التي تجيدها (الصواريخ، نذكّر هنا، بتمويل قطري-إسرائيلي). أي، هي لم تقترف أي "خطأ" عندما مارست القوة المفرطة كما يدعي المحللون. "إسرائيل" (أي نتنياهو)، من جهتها، لم تستجب لدعوات مصر للتهدئة بل وساهمت بتقوية حماس في العالم العربي وعجّلت هذا "الاشتعال".

حماس في الأيام الأخيرة حشرت السلطة الفلسطينيّة وقوّت نفسها في المجتمع الفلسطيني على أنها الحركة التي تمثل قضية القدس في هذا الصراع (بينما انحصرت في الماضي شرعيتها في غزة). فعليًا، السلطة الفلسطينيّة والأردن، من جهتهما، تفقدان سيطرتهما على الأرض لحركة حماس.

ونتوجّه مرة أخرى للمنظر أورويل الذي يشرح أن "الحرب ليست حلقة أخرى من هذا النضال العنيد، القاتل ... هذه محاربة تحمل أهدافًا محدودة ... التضحيات ليست شاذة عن سطح الخلاف ... من أجل فهم طبيعة الحرب اليوم... علينا الفهم قبل أي شيء، أنه لا يمكن تحقيق حسم فيها". لماذا ممنوع علينا الوصول إلى "حسم" حسب أورويل؟ لأن للحكام يوجد حاجة أن يكون للمواطن "روح تلائم وضعية الحرب... التي تشكل كل ما هو من مطلوب لكي تتواجد الحرب". "وضعية الحرب" ضرورية للسياسي من أجل أهداف داخلية، يفسر أورويل. بكلمات أخرى، الحرب المستمرة هي ضرورة لسياسيين معينين من أجل تدعيم حكمهم.

"الأهداف التي من تدار أجلها الحرب، تختلف كليًا عن تلك الأهداف المعلنة" يشرح أورويل. ما هو الهدف غير المعلن في هذه الحالة؟ نتنياهو غير معني بحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. على العكس تمامًا. هو بحاحة له، وحكمه متعلق باستمراره. هذا هو السبب الذي دفع بتسلئيل سموتريتش بالقول قبل سنوات قليلة إن "السلطة الفلسطينية عبء، وأن حماس كنز". مع حماس لا يصنعون السلام، فقط الحروبات. فعليًا، تقوية حماس والحفاظ على الجنوب "على نار هادئة"، حسب وصف باراك، جزء من "الاستراتيجية طويلة الأمد" لـ "الضم الزاحف"، التي تهدف إلى تثبيت حكم "الأبارتهايد اليهودي". أي، لا سلام بين إسرائيل والسلطة – إنما صراع دائم بين كلا الشعبين اللذين يتقاسمان البلاد.

أعرض تفسيرًا قصيرًا لما يجري في الأيام الأخيرة دون استخدام مصطلح "الخطأ". الآن، ومن أجل وضع هذا النقاش في إطار ملائم، من الممكن التأكيد أن الحديث لا يجري عن تبادل الفوضى بين أعداء، إنما عن تعاون بين زملاء: حماس ونتنياهو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله