الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طريق الهاوية -15-

نادية خلوف
(Nadia Khaloof)

2021 / 5 / 22
الادب والفن


أقلب صفحات الفيس بوك ، و أبحث عن مادة أقرأها كي أخرج من حالة الملل ، أشعر بالضياع . أعجبتني مدونة إحدى النّساء ثم أسفت لأنني قرأتها ، فهي تعطيك فكرة أنه لا يمكنك قول الحقيقة أبداً .
كتبت في مدوّنتها : رأيت سيدّة تبحث في القمامة عن طعام .
علّق أحدهم : ما العيب ؟ بدون طعام لا نستطيع العيش ، وأغلبنا يبحث عن رغيف. لا زلنا ندفع لهارون الرشيد من أجل أن يشتري الجواري ، لم يعد لدينا المال منذ ذلك الوقت بل ربما قبله .
كثرت التعليقات على المقال المنشور على المدوّنة ، وبعضهم وصفها بأنّها تعمل على التّحريض ، ثم أعجب الموضوع البعض ممن لا يعرفونها ، ولم يقرؤوا لها ، فاتهموها بالكفر ، و أباحوا دمها.
أرى أنّه أصبح لدينا مفكرون كبار، فالمفكّر الكبير يدلي بدلوه ، ونحن نغرف من الدّلو ، لكنّه لن يستطيع التفكير إلا إذا توفرت له الظروف التي تجعل عبقريته تخرج منه ، لذا هناك من يحرّضه على التفكير بتقديم كأس نبيذ ، وشيك مفتوح ، عندها يفكّر كثيراً .
لدى أحدهم قناة يوتيوب ، هو يقتبس من كلام "المفكر العظيم" ، ويعمل على الوصول إلى الحقيقة بطريقته، فقد كان عسكرياً ثم أصبح أديباً، وناقداً سياسياً ، وهذا لا يمنعه من عرض صوره مع مجموعة من " المفكرين " كونه سوف يصبح واحداً منهم.
نعود إلى المدّونة التي اختفت من العالم الافتراضي ، فقد خافت صاحبتها على حياتها من المتنمرين، و اعتذرت عن مقالتها، كتبت تحت التعليقات: أشكركم أصدقائي . لفتم نظري لقضية مهمة . فعلاً نحن شعب نأبى أن نأكل من القمامة .
اختفى موقعها، لكنها ظهرت فيما بعد في صحيفة غربية ، وكانت الصحيفة قد أجرت معها مقابلة بعد أن تعرضت لطلق ناري أثناء عبورها الحدود.
قالت للصحيفة : السيدة التي كانت تفتّش بالقمامة هي أنا ، فقد ضاقت عليّ الدنيا ، كان عليّ أن أطعم أولادي ، كنت أحاول أن أسرق ، أو أذهب إلى حيّ أصحاب الشّأن ، أجلب بعض ما يرمونه، و أعيد طبخه لمدة طويلة خوفاً من التّسمم، كان أولادي سعداء بذلك . فقد كنت أوصل قطع البيتزا المرمية ببعضها بواسطة بعض الطحين الممزوج بالماء . البعض يتمنى على قطعة خبز ، أغلب النساء يمشين ورؤوسهن تنظر إلى الأرض علّهن يجدن لقمة، أو لباساً، أو كنزاً .
. . .

نعتقد أنّنا مصابون بالعجز الدّائم، وندعو من الله أن ينقذنا، لا نكف عن الدّعاء ، نفتح على صدورنا أمام القمر، نطالب ذاك الذي يبدو في داخله أن يرفع عنا الظلم. نذهب إلى النوم، نبني مدينة من الأحلام ، نتجوّل في ساحات الليل، نضيئها بأوهامنا، نصنع لنا عالماً من جمال ، وفي كلّ نهار نجترّ الألم، ننسحب إلى الليل حيث ممالكنا الوهمية، وسعادتنا التي نبحث عنها.
في مرّة أعملت فكري ، اكتشفت هول الكارثة.
قفلت عليه ، دافع عن حقّه:
أليس الأفضل أن تكوني واعية لما يجري؟
-دعني ، ارحل حيث كنت نائماً ، غفلتني تجعلني أقل تعاسة . لماذا تريدني أن أعي ما حولي؟
-أجلب لك مثلاً: هناك قضية حول أمّ و أب ربيا ولديهما على العز و الدلال ، و من ثمّ خدّرت الأمّ صهرها، ثم قتله الأب وقطّعه، ثم فعلوا نفس الفعل بابنيهما.
-اخرس! لا أحب أن يكون هذا صحيحاً.
-هناك شاب قتل أمه، كان يطعم الكلب من لحمها ، ويطبخ بعضه له ، وأعطته المحكمة عذراً لأنّه مدمن لا يعي ما يفعل.
-هيا . ادخل بسرعة ، سوف أغلق عليك الباب .
-هناك رجل قتل زوجته، و آخر قيّد ابنته، وثالث ربط ابنه الصغير
-سوف تدخل إلى جحرك مرغماً . ها قد استطعت أن أقفل عليك . يا لفرحي !
سوف أبحث عن مدى صدق تلك القصص.
يا للهول! فتح عليّ عقلي مصيبة كنت في غنى عنها . بدأت أراجع موقفي في الحياة. تباً لك أيها العقل. كنت مغفلة سعيدة. لماذا أدخلت التعاسة إلي ، عرفتني على الحياة. أنت نائم الآن، تراقب ألمي . لم يكن هناك عصابة على عيني ، فأنا بالأصل لا أرى ولا أسمع ، لكنّك كنت مختبئاً، طهرت فجأة لتقول أمراً، تقلب حياتي إلى الشقاء.
. . .
لا أعرف ماذا سوف آخذ معي لو تركت الدّار .
ليس لدّي الكثير من الأثواب ، لا جواهر ، لا أسرار.
اليوم أكتشف فقري في المتاع و التفكير.
كنت معتدّة بنفسي . كل شيء لدي فارغ
أفسّر الأمور على غير ماهي عليه كي أرضيني ، تصبح مسلمات . لم أعرف أدير حياتي . كان يمكنني التّحايل على بعض الكلمات .
فقط اليوم أرى بيتي يشبه ذلك الخراب ، لكنّني مربكة، قضيت عمري هنا . كيف يمكن لي أن أغادر إلى مكان ليس لي فيه أهل ولا أصحاب؟
ما أسخفني! أين أصحابي هنا؟ هو فقط ياسر ومريم ، وياسر سوف يرافقني.
-أين أنت يانوال ؟
سوف نخرج في الثانية بعد منتصف الليل . علّقي ثيابك على حبل الغسيل كي يظنون أنّك في الدار. لا تجلبي معك أيّ شيء ، نحن لا نحتاج إلى تعريف ، يبدو علينا أنّنا لسنا من أهل الأرض ، فبؤسنا مرسوم على ملامحنا .
-إذا وصلنا إلى برّ الأمان : هل سوف نعيش؟
أرغب أن أذهب إلى المسرح ، أن أتسوّق، أن آكل البوظة ، أن أرقص في الشارع ، أن نمسك بأيدي بعضنا البعض، ونحن نضحك على لا شيء . الشحك بلا سبب هو أمل أنواع الضحك . ليس لديّ الكثير من الأماني . فقط أرغب أن أتحدّث مع النّاس . أن أتحدّث عن نفسي كإنسان. هل يمكن أن يجري لي هذا؟ أرغب أن أقف على المسرح ، أدير ظهري للجمهور ، أغني أغنية عن الحبّ، أدير بعدها وجهي ، أرتمي ، أبكي . أسأل الجمهور : هل تعرفون شيئاً عن ظلم النّساء، أشرح قصة فاطمة ومريم ، يبكي الجمهور ، ويخرج شاب من بني جلدتي يغني أغنية الجنازة، ويسير الجميع خلف بعضهم البعض يؤبنون الفقيد .
-هيا نعود بسرعة إلى المنزل ! أسمع ضجيجاً يشبه العواء ، يقترب من هنا.
-إنه أمامنا . رجال ونساء و أعلام ، هتافات ، وحماس . دبكات ، وهلاهيل نساء .
ماهذا الذي نراه يا ياسر ؟
-مظاهرة عفوية يا عزيزتي . لو أراد أحد المشاركة بها لمنعوه . هي مظاهرة لمجموعة أولياء الوطن -حسب اللافتة -تشتم الخونة . تتوجه المظاهرة العفوية جهة بيتنا . تعالي نسير عكس الاتجاه.
. . .
اعتقدت أنّني تغيّرت بفعل الزمن ، لم أتغير ، فقط الزّمن هو الذي تغيّر .
أنا و أنتِ متشابهان . في داخلنا غضب ينتظر من يحرّضه كي يخرج ، ويصبح زلزالاً ، و لا نستطيع كبح جماحه . لم نتعلّم كيف نضحك . كان آباؤنا يحاسبوننا على الضّحكة المنفلتة رغماً عنّا، نشأنا منفلتين غير عابئين بشيء . زميلي في المدرسة لم يذهب مثلي إلى الجيش . ولم يحصل على الثانوية . أرسله والده إلى دولة أوروبية ، و أصبح طبيباً . هو في الحقيقة يعمل بمنصب إداري عال ، لا يمارس الطبّ ، ليس خوفاً على أرواح الناس بل لأنّه لا يروق له .
-كلّما أردت أن أنسى الماضي تعيدني إلى كوابيسي . كأنّك مكلّف بمهمّة ربانية تنكّد من خلالها عيشي . تذكرت الآن بعذ الماضي الذي نسيته : كان النّاس يقولون بأنّ الدعار مربحة ، وفي مرّة كنت وحيدة ومحتاجة للمال ، ذهبت ووقفت في الشارع الخاص بالدعارة تصوّر أن أحداً لم يكترث لأمري حتى لو كنت متبرّعة ،مع أني كنت في ذلك الوقت في الثلاثين ، فيما بعد عرفت أنّها عمل يحتاج إلى سيرة ذاتية ، و أنّ الكثيرات ممن عملن بها أنشأن منظمات خيرية بعد الأربعين . منظمات غير ربحية ، تدّر الكثير من الرّبح . أبو ثائر " الضابط الأمني الكبير" كانت زوجته تذهب إلى معلّمه بعلمه ورضاه ، وبرضاها أيضاً ، تدرجت في المناصب ، في العام الماضي حصلت على لقب " الأمّ المثالية " في باريس " عاصمة الحرية" حيث يقيم أولادها ، ولهم جمعيات حقوق إنسان خاصة بهم. ذهبت تلقت الجائزة ، و ألقت كلمة بمناسبة التّكريم ، ثم عادت . أبو ثائر دخل السجن ، وتزوجها المعلّم زواجاً يشبه زواج هارون الرشيد من الجواري . منذ أيام صدر كتابها الأوّل حول النسوية ، وحول المجتمع الذكوري .
-كفى ! إذا كنت قد أعدت لك كوابيسك ، فإنّك تحفرين قبري بيديك.
تعالي يا نوال نضحك . نضحك كثيراً كي نتعلّم فنّ الضحك .
-كيف ؟
-أو تبكين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-


.. فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية في الجزاي?ر




.. سامر أبو طالب: خايف من تجربة الغناء حاليا.. ولحنت لعمرو دياب