الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحداث نيسان أيار 2021 وتحديد المفاهيم

مهند الصباح

2021 / 5 / 22
القضية الفلسطينية


أحداث نيسان و أيار/ 2021 وتحديد المفاهيم

المفهوم باللغة :
المفهوم : معنى، فكرة عامة، مجموعة من الصفات والخصائص الموضحة للمعنى الكلي.
مفهوم الشيء: شيء يفهم فقط بالعقل وليس بالحواس.

بعد انتهاء هذه الجولة من الحرب على غزة، والتي جاءت بعد أحداث جسام مرّت بها القدس سواء في محاولة السلطات الاسرائيلية بإخلاء عدد من بيوت حي الشيخ جراح، أو سواء التنكيل بالشباب المقدسي على درجات باب العامود والاقتحامات المتتالية للمسجد الأقصى، وانضمام الفلسطينيين في الداخل والضفة الغربية إلى مساندة ومؤازرة المقدسيين، أي بمعنى أدق الجغرافيا الفلسطينية الكاملة. حيث يجمع العديد من المحللين والمراقبين أن ما حدث في نيسان وأيار له أبعادا كبيرة وذات تأثيرات لما هو آت. ولن تكون المرحلة المقبلة كما كانت قبل هذين الشهرين. ومن أهم ما انتجته هذه الهبة أو الانتفاضة المصغرة – بعض النظر عن المسميات- كانت تحديد المفاهيم لدى الفلسطيني ونظرته لما مضى من سنوات الفعل الجماعي والفردي ولما ينتظره في المستقبل على شقيه القريب والبعيد. إن تحديد المفاهيم هي من تحكم طريقة التفكير في العمل الجماعي والفردي، وبالتالي تضطره لقولبة سلوكه بما يتماشى ويخدم ما حدده من مفاهيم سابقا. لذا أود التطرق لبعد المفاهيم التي تم تحديدها – أو إعادة صقلها- بناء على التجربة الشعبية في الفترة السابقة:

1- مفهوم الصراع:

منذ ما قبل النكبة وخلالها وبعدها، اجتهد المجتهدون في تأطير الصراع معتمدين على تحليل دوافعه وما هيته، وأبعاده، وجرت المنافسة بين التيارات المختلفة وكلّ يدلي بدلو الأدلة النظرية والمادّية بما يدعم تأطيره للصراع، مثلا هل هو صراع قومي؟ هل هو صراع مع الإمبريالية العالمية ورأسمال العالمي وقوى الاستعمار، وهل هو صراع ديني قائم بين المسلمين واليهود؟ وهل هو صراع حدودي أم وجودي؟ هذه المنافسة الأيدولوجية بين التيارات الفلسطينية أدت إلى الفرقة والتشتت، وأدت إلى اصطفافها إقليميا ودوليا، ودفعت نحو الاحتراب الداخلي بينها الى حد المواجهة المسلحة سواء في مناطق اللجوء الفلسطيني وحتى داخل أرض الوطن، مما أثر سلبا على المسيرة الوطنية نحو التحرر وتقرير المصير، ونتج عنه أيضا بأن عزفت غالبية الجماهير عن المشاركة الفعلية بهذه المسيرة. وتتوجت مرحلة التنافس التأطيري لمفهوم الصراع باتفاق أوسلو بناء على المشروع المرحلي، وبرز ضعف التيارات المعارضة له عن إحداث التغيير أو حتى التصدي لهذا الاتفاق، وهذا الضعف ناتج عن أمرين أساسيين – على الأقل - ألا هما
أولا: نهج الاصطفاف الإقليمي والدولي التي اتبعته تيارات العمل الوطني، وعندما اختلت الموازين الاقليمية والدولية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي جعل من هذه التيارات خاصة اليسارية مشلولة تماما عن الحركة المؤثرة.
ثانيا: الاحتراب الداخلي الذي أخرج شرائح كبيرة وعريضة من الشعب الفلسطيني من المواجهة بعد أن كان الرافد والحاضن للمسيرة. ودُفع به إلى اليأس من أي تغيير داخلي والتأثير على مستوى الصراع. طبعا هذا اليأس الجماهيري له اسباب عدة مثل، ارتدادات اتفاق اوسلو وباريس الاقتصادي، التضييق على الحريات، انتزاع الثقة بالقدرة على التأثير، وعوامل أخرى سلخته عن الهم المشترك وقوقعته نحو الهم والمصلحة الذاتية.

مما لا شك فيه أن الاحداث الأخيرة ستدفع نحو تنبي مفهوما واحدا وواضحا للصراع ونبذ المفاهيم الأخرى له. تكمن ضرورة التحديد في أهمية اختيار اسلوب المواجهة بعد اعتماد إحدى الخيارات التالية من التعريف:
- اعتبار اسرائيل دولة فصل عنصري: وهنا أي أن الصراع يتجه نحو دولة واحدة للفلسطينيين واليهود.
- اعتبار الصراع هو صراع ديني / وجودي : وهنا أي أن الصراع يشمل كل فلسطين التاريخية كوحدة واحدة.
- صراع سياسي: وهنا أي أن الصراع يتوق إلى تطبيق القرار الاممي 2424، 338

2- مفهوم الجغرافيا

بعد قيام دولة اسرائيل بعد حرب عام 1948 وتهجير الفلسطينيين من قراهم وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم، تم الفصل في الجغرافيا الفلسطينية ( فلسطيني الداخل 48 / وفلسطيني الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة ). لجأ قسم كبير من اللاجئين نحو جنوب لبنان خارجيا وإلى مدن الضفة والقطاع داخليا، وحدث القطع الجغرافي مع بقاء التواصل العاطفي والفكري للاجئين مع قراهم ومع من تبقى من الأقارب في الداخل. لتعود وحدة الجغرافيا بعد احتلال عام 1967 - ومع عدم السماح للاجئ للعودة إلى مسقط رأسه- إلا أن التعلق زاد ولم ينقص وبقيت الإرادة بالعودة تنبض أملا، بيد أن التقطيع الجغرافي عاد بعد اتفاق اوسلو وبناء الجدار الفاصل لاحقا. بحيث أصبت مدن الضفة معزولة، والقطاع كذلك، وبيقت القدس كجزيرة تحيط بها مياه الأسرلة. دأبت المؤسسة الإسرائيلية ومحلليها على التعامل مع الفلسطيني المتواجد ما بين النهر والبحر باعتباره وحدات بشرية مختلفة ولا يجمع بينها إلا تاريخ مشترك قد غاب بين تفاصيل الحياة الجديدة لهذه الوحدات. فقد كان ولا زال الفلسطيني في الداخل بالنسبة إليها مجزأ، مسيحيين، مسلمين، دروز، وبدو. وسعت نحو تعزيز وتذويت فكرة الاختلاف بين هذه المسميات بين الفلسطينيين، بحيث تم تقوية الفروقات الهامشية وجعلها مميزات رئيسية وبالتالي هوية منفصلة لكل منهم، واتخذت من الميزانيات والامتيازات وتجذير العنف وسيلة لتحقيق ذلك، وهم أيضا أي فلسطينيو الداخل مختلفون عن الفلسطيني في القدس الشرقية صاحب الاقامة الدائمة حسب التعريف القانوني الاسرائيلي له، وهو أيضا يختلف عن الفلسطيني في مدن الضفة الغربية، والأمر ينسحب على القطاع تماما في النظرة.
إن من أهم نتائج الأحداث الاخيرة هي توحيد مفهوم الجغرافيا الفلسطينية من أقصى الشمال إلى اقصى الجنوب، والمتمثل في بعض جوانبه:
أولا: ضراوة الاحداث في مدن الداخل الفلسطيني خاصة في المدن المختلطة ( اللد/ حيفا) واتساعها لتشمل العديد العديد من المناطق في الداخل. مضافا إليها أحداث القدس والضفة ومشاركة قطاع غزة الفاعلة في توحيد مفهوم الجغرافيا
ثانيا: لكل شعب رموز توحّده ويلتف حولها، منها العلم والأماكن الدينية المقدسة، وحتى أشخاص معينين كان لهم دورا في تاريخ هذا الشعب. الهتافات التي تم ترديدها، والتي تعبير عن التاريخ المشترك ووحدة الألم والأمل و تعبر عن تقدس رموز الشعب، فكان العلم الفلسطيني هو ذاته الذي يرفرف في حيفا وباب العامود والضفة والقطاع والدّاخل. وكانت القدس والأقصى وغزة حاضرين، وكانت الهتافات التي تمجّد اشخاصا معينين حاضرة وبقوة.

3- مفهوم دور الجماهير:

من الطبيعي لأي فكرة تبلورت إلى مشروع أن توجد لها حاضنة ترفدها بالطاقات التي تدعم استمرارها إلى أن تتحقق، ومهما قابل المشروع من عقبات إلا أن الضامن الوحيد لاستمراره هو مدى صلابة الحاضنة الجماهيرية له ( الانتفاضة الأولى لحد ما ) . ولفترة طويلة مارس اللاجئ خارج حدود فلسطين الدور الطليعي في حضانة الثورة ورفدها بالموارد البشرية وغيرها، إلى أن جاءت الانتفاضة الاولى وحولت ثقل الجماهير من الخارج إلى الداخل، وهذا التحول أدّى إلى تقلّص دور اللاجئ خارج فلسطين في العمل والتأثير. أما جماهير الداخل في الضفة وغزة و كما أسلفنا سابقا، فإن حالة الاقتتال الفلسطيني الداخلي وارتدادات اتفاق اوسلو وباريس، جعلت من المشروع الفلسطيني عبارة عن مشاريع مكشوفة الظهر، وانحسرت المشاركة الشعبية فيها على نخبة معينة وأغلبها نخب سياسية منفصلة عن الواقع الى حد كبير. وتجلى عزوف الجماهير في كثير من الحالات حين دعت الفصائل إلى احتجاجات ووقفات مساندة سواء للأسرى وحتى ضد ممارسات الاحتلال في الضفة والقدس وغزة، ولبّى تلك الدعوات اعداد قليلة من مؤيدي تلك الفصائل، وهذا أمر محتوم لما مرّت به الجماهير من حالات احباط وخذلان وانعدام الثقة بينها وبين من يمسك بزمام مصيرها الوطني. واستمر النأي الشعبي سنوات طوال بعد أوسلو.

كان للشباب المقدسي دورا هاما في إعادة الجماهير إلى مدارها الطبيعي، وتحديدا في تصديهم لوضع بوابات الكترونية على ابواب المسجد الاقصى عام 2017، وكان لنجاحهم أكبر الأثر نحو استرداد الثقة بالنفس بعد انعزالهم وطنيا وعربيا، نجاحهم في ازالة البوابات تلاه نجاحا آخر حين أصروا على فتح باب حطة وعدم اغلاقه، نجاحان تلاهما فتح مصلى باب الرحمة، مضافا إليهم الهبة الجماهيرية المقدسية في تطهير مقام النبي موسى. احداث متتالية وغير متباعدة زمنيا جعلت الحالة النفسية للمقدسي عصيّة على الانكسار، الأمر الذي كان له الأثر الايجابي على باقي الجماهير الفلسطينية حيثما تواجدوا. بحيث أصبحت جملة " نحن نستطيع " سمة المرحلة الماضية للكل الفلسطيني. وخلقت حالة من التكاتف الوظيفي لديه، " فزعة " الفلسطيني بالداخل للرباط في القدس، " فزعة " أهل القدس بجلب المصلين من الداخل الى المسجد الأقصى حيث قطعت الشرطة الاسرائيلية الطريق عليهم بباب الواد، وأيضا مناشدة أهل اللد للمقدسيين مساندتهم لصد المستوطنين القادمين من " كريات أربع" المتواجدين في الزقاق العربية للمدنية.
إنما يعبر هذا التكاتف عن مدى عودة الجماهير - بالجانب الفردي والجماعي- الى الصراع، بل ربما يقترب إليه أكثر لا كونه حاضنة فقط بل تعدّاه ليكون فاعلا به في كل النواحي، ونجاح اضراب 15/05/2021 أكبر دليل على عودته تلك، وأيضا أعادت وحدة الذات الفلسطينية ( المشاركة التظاهرية في جنوب لبنان/ الحدود الأردنية ). وربما كان تحدّي الجماهير - بالجانب الفردي والجماعي – كان تحديّا لذواتها بعد حالة اليأس المستشرية. وهي بمشاركتها الفاعلة نفت عن النخب السياسية شرعيتها، وأعادت تقنين الفعل الجماعي بعدما كان موجها إلى داخل المجتمع ( العنف المجتمعي / العشائرية )، العنف والجريمة في مدن الداخل الفلسطيني وفي القدس والضفة على حد سواء.

مما لا شك فيه ضرورة وجود مراجعة لأي مشروع، وهناك ضرورة ملحة لإجراء مراجعة تاريخية لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، وربما ظاهريا هذه تُلقى على عاتق الساسة والمثقفين والمفكرين، لكن وبناء على ما تم مناقشته في هذه الورقة فإن الذي اجرى المراجعة خلال الشهر الحالي والذي سبقه – ومازال - هي الجماهير بالدرجة الأولى، إلا استخلاص النتيجة يجب أن يترجم سياسيا وجماهيريا أيضا، طبعا بعد اعتماد مفهوم محدد للصراع والذي على إثره تتم الموافقة على الوسائل والأدوات.

22/05/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السياسة الفرنسية تدخل على خط الاحتجاجات الطلابية


.. روسيا تزيد تسليح قواتها ردا على الدعم الغربي لكييف | #غرفة_ا




.. طهران.. مفاوضات سرية لشراء 300 طن من اليورانيوم | #غرفة_الأخ


.. الرياض تسعى للفصل بين التطبيع والاتفاق مع واشنطن | #غرفة_الأ




.. قراءة عسكرية.. صور خاصة للجزيرة تظهر رصد حزب الله مواقع الجي