الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي. (الحلقة الثانية)

الحسن زهور
كاتب

(Zaheur Lahcen)

2021 / 5 / 22
الادب والفن


دراسات في الأدب الحكائي الأمازيغي.
(الحلقة الثانية)


يعد الأدب الحكائي الأمازيغي من أغزر وأغنى الآداب الحكائية العالمية، أدب قال عنه العلامة ابن خلدون: " وكثير من أمثال هذه الأخبار لو انصرفت اليها عناية الناقلين لملأت الدواوين"، لكن مع الاسف ضاع الكثير منها بسبب عوادي الزمن.
أدب حكائي يمس أغلب جوانب الحياة الانسان الأمازيغي ويعبرعن رؤاه الى الحياة والى الوجود. وللتعريف بهذا الأدب الحكائي أرتأيت تقديم سلسلة من الدراسات التعريفية بهذا الأدب.
2– الدراسة الثانية: رمزية القط في الحكايات الأمازيغية.

أهم الشخصيات الحيوانية في الحكايات التربوية الأمازيغية الموجهة للأطفال هي شخصيتا القنفذ والذئب اللتان خصص لهما الادب الحكائي اكثر من 20 حلقة حكائية من سلسلة حكائية مشهورة لهما.
في هذه السلسلة، يلعب فيها القنفذ دور الحكيم الداهية الحامل لسمات الدهاء الايجابي يوظفه وفق الاسس الأخلاقية والاجتماعية المتفق عليها، اي انه يمثل هنا دور الحافظ على النظام الاجتماعي وعلى المنظومة الثقافية التي تسير المجتمع، في حين يلعب الذئب دور القوة الخالقة للفوضى أحيانا وفي نفس الوقت يحمل سمات المكروالدهاء السلبي الذي يوظفه لمصلحته ولو على حساب القيم.
شخصيتان تقابلهما في الأدب العربي شخصية الثعلب كما نجدها في كتاب "كليلة ودمنة" الهندي الأصل لابن المقفع ( سنخصص دراسة لاحقة لشخصيتي القنفذ والذئب).
رأينا في الحلقة الأولى كيف تسلسلت الأحداث في إحدى الحكايات الأمازيغية التي بنيت وفق نسق حكائي معروف خصص في الادب الحكائي الأمازيغي لتنمية ذاكرة الطفل وشحذها في المرحلة الثانية من مراحل تطوره الفكرى والعقلي حسب نظرية جان بياجي في التطور المعرفي.
الحكاية هي "أزان يوگين ئمنسي" أي الطفل الذي رفض عشاءه، او " le petit enfant" (1) كما دونها Josèphe Rivière من منطقة القبايل الامازيغية بالجزائرسنة 1882، أو ” أكلة البطاطس” المقررة كنص في الكتاب المدرسي المغربي للسنة الأولى ابتدائي ، سلسلة " إقرأ " في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
ورأينا كيف بنيت الاحداث في النصف الأول من هذه الحكاية وفق مسار يخرج عن قانون الطبيعة القائم على التضاد الى ان وصلت الاحداث الى شخصية القط ليعيد هذه الاحداث الى مسارها الطبيعي اي الى وضعها الطبيعي القائم على صراع الاضداد.
ولكن لماذا القط هو من سيرجع المسارفي الحكاية الى وضعه الطبيعي لتخضع الاحداث للقانون الطبيعي؟
يحمل القط في الاساطير والحكايات الأمازيغية خاصيتين متضادتين هما: الألفة والتوح. ففي دراسة للباحث محمد أوسوس في كتابه " كوكرا في دراسة الميثولوجيا الأمازيغية" (2)، أورد فيه أن القط في الحكايات الأسطورية الأمازيغية يعيش هاتين الحالتين المتناقضتين والمتصارعتين كما أورد سبب العداوة بين القط والفأر حسب الحكايات الاسطورية الامازيغية، وهذه العداوة هي التي وقفت فيها الاحداث التي خرجت عن القانون الطبيعي في حكايتنا السابقة ليرجعها القط الى مسارها الطبيعي.
تقول الحكاية الاسطورية الامازيغية التي أوردها الباحث محمد اسوس في كتابه السابق بأن الأفعى كانت تسكن بجوار قط وفأرة، وكانا زوجين سعيدين، فانتابت الغيرة هذه الحية من وفاقهما، فأرادت التفريق بينهما. لذلك أخبرت مرة الفأرة بأن القط يخونها مع احدى القطات، فطلبت منها أن تقص شعيرات من شاربه أثاء نومه لتصنع لها تعويذة منها. واتجهت الى القط فأوهمته بأن الفأرة أخبرتها بانها ستقتله تلك الليلة. تظاهر القط بالنوم، وأحس بالفأرة تقترب منه وفي يدها سكين، إذ ذاك تأكد مما أخبرته به الأفعى، فوثب وقتل الفأرة. واسرعت الأفعى الى الفيران فأخبرتها بما فعل القط، فهبت وقتلت القط. ونقلت الأفعى ما وقع الى القطط فهبت بدورها تطارد الفئران للانتقام، ومنذ ذلك الحين بقيت العداوة الشديدة بين الطرفين. أما الأفعى، فبسبب هذا الجرم الذي أحدثه لسانها، فقد انفلق لسانها الى قسمين.
وفي حكاية أمازيغية أخرى اوردها هذا الباحث في كتابه السابق صفحة 283، تفسر العداوة الشديدة بين القط والفأر مفادها ان القط وضع لدى الفأر الخياط قماشا جميلا ليصنع له منه ثوبا، لكن الفأر بدأ يقرض منه كل يوم قطعة، وبدأ يماطل القط، وأمام تهديد القط له، صنع له الفأر مما تبقى من الثوب قطعة وضيعة، فلما رآها القط انقض عليه لالتهامه، فهرب الفأر الى جحره وتوارى فيه، ومنذ ذلك الحين نشأت هذه العداوة الشديدة بين القط والفأر. وهناك حكايات أخرى تفسر هذا العداء الطبيعي بين القط والفأر.
هذا من الجانب التفسير الاسطوري للعداوة المستحكمة بين القط والفأر، ومن الجانب الآخر المتعلق بثنائية الطبع والتطبع اللتين أي التوحش والألفةلدى القط، فهو غالبا أليف، لكنه أحيانا تنتابه حالات التوحش حين يغلبه طبعه (والطبع يغلب التطبع)، وهو ما عبرعنه مثل امازيغي يقول " ئغت ؤر يوفي أموش ئنا تچا" أي إذا لم يستطع القط الوصول الى قطعة اللحم المعلقة أمامه (غريزة التوحش) قال بأنها نيئة (التبرير الثقافي). ومنها كذلك الفكرة السائدة التي تقول بأن الكلب يبقى دوما وفيا لصاحبه في حين ان القط يمكن ان يتنكر له بمجرد أن يجد مكانا افضل من الأول.
طبيعة الألفة والتوحش هذه ترد في حكاية امازيغية بعنوان ” موزيا” المدونة في كتاب "موزيا"(3)، وتتحدث هذه الحكاية التي تتضمن بعض التفسيرات الاسطورية عن فتاة وقطتها.
تقول الحكاية، إن فتاة واسمها "موزيا" وجدت حبة قمح أو حبة شعيرأثناء كنس منزلها ، فنادت على قطتها التي تؤنسها لتقاسمها الحبة (للدلالة على الألفة) فوضعت الحبة بين أسنانها لتقسمها ( وتفسرهذه الحكاية سبب الفلقة أو التجويف الذي يوجد وسط الحبة الى موضع أسنان موزيا عندما ارادت تقسيم الحبة بينها وبين قطتها)، لكن القطة لم تستجب لنداءها رغم سماعها له. فلما لم تستجب لندائها أكلت الفتاة الحبة، فانتقمت القطة منها بإطفاء موقد البيت بمائها(غلبة التوحش على القطة، فالنار هنا رمز للمعرفة وللثقافة، وهو ما تحدثت عنه اسطورة بروميتيوس الذي سرق النار من الآلهة وأعطاها للبشر.. )، فاضطرت معه الفتاة للخروج من منزلها (من الثقافة الى التوحش) للبحث عن النار عند الأسد (التوحش/ الطبيعة) الذي عزم على افتراسها بعد ان منحها جذوة النار، ليتتبع خطواتها نحو منزلها… وتنتهي الحكاية الى نجاة الفتاة بعد مجيء اخوتها بعد أن حملت إليهم انثى غراب رسالة اختهما وهي عبارة عن خاتمها فيهبوا الى نجدتها.
إطفاء النار هنا من طرف القطة هو عودة إلى طبيعة التوحش الكامنة فيها، اي اطفاء نار المعرفة والحكمة التي استطاع بها الإنسان ان يمتلك سرا من اسرار الآلهة والذي سرقه برومتيوس ووهبه للبشر حسب الاساطير اليونانية.
اذن رمزية القط في الحكايات الأمازيغية ترجح أحيانا طبيعة التوحش الكامنة فيه رغم طبيعة الألفة التي يبديها؛ وهو ما يفسر وصول مسار الأحداث في الحكاية الامازيغية نوضوع الدراسة الاولى اي حكاية ” أزان يوگين ئمنسي” أو “أكلة البطاطس”( بعنوان النص المقرر في التلاوة المفسرة إقرأ للسنة الاولى من التعليم الابتدائي بالمغرب سنوات الستينات والسبعينات) إلى القط ليوقف المسار غير الطبيعي للأحداث وبالتالي ليعيد الحكي الى بدايته ، وليرجع الاحداث إلى شكلها الطبيعي اي التضاد الذي تقوم عليه الطبيعة، والتضاد هنا يعني أن على القط التهام الفأر، وهو الوحيد الذي سيقوم بهذه المهمة المتعلقة بإرجاع الاحداث الى وضعها الطبيعي.

الهوامش:
1- Josephe Riviere , Recueil de contes populaires de la Kabylie du Djurdjura, Ernest Leroux, Editeur, Paris, 1882.
2- محمد اوسوس، كوكرا في الميثولوجيا الأمازيغية، منشورات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، 2006، دار المعارف، الدار البيضاء، المغرب.
3- الحسن زهور، موزيا، مطبعة السلام، أكادير- المغرب، 1994.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا