الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى رحيل المفكر مسعود محمد... ذلك الجبل الكردي الشامخ

عبد الحكيم نديم

2003 / 5 / 8
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


                                                                       

من سخرية قدر هذه الأمة المشتتة بفعل المعاهدات والاتفاقات الدولية وعبر قرون من التنكيل والمأساة أن تفقد قبل عام وفي مثل هذا الشهر علما ً من أعلامها البارزين، ومفكرا ًكبيرا ً من بقايا جيل فلاسفة المنطق وعرفان الحقيقة .
 فمسعود محمد ، كان خير من نبش تراث الأجداد وأستخلص العبر واستنبط الدرس القاسي من تاريخ أمته الذي شهد الجحود والغدر والصمت ، وكتب للجيل القادم انصع الصفحات ليعيشوا الواقع بعمق التفكير ويمضوا  نحو الأمام دون البكاء على طلل المجد الغابر .
مسعود محمد أول من نفض غبار الزمن عن بقايا حقائق تاريخية منسية ، وأعلن بأن الحق  لا
يمكن ان ينازعه الباطل ، مسعود محمدالذي شهر سيف المحاججة بوجه أصنام حب الذات والعنجهية ، ودخل بكل قوة ميدان المنازلة ضد الصراع بوجه الأفكار المستوردة والمريضة ، وخرج منتصرا ً بعد كل معركة فكرية مع قوى الظلام ، محتفظا ً بمكانته العالية والى الأبد بذاكرة الأمة الحيّة.
 مسعود محمد الذي نازع الفكر بالفكر النيّر بعيدًا عن نزعة التعصب والتقليد الأعمى ، ومناقشاً أساطين النظريات الفكرية بطروحاته العلمية السليمة وإفحامهم بأدلته القوية ،
 مسعود محمد سليل أول بيت دعا إلى التحرر ومحو الأمية ونبذ التقاليد البالية والتقوقع بدهاليز الظلام ، وأول بيت دعا إلى تعليم وتحرير المرأة من قيود الجاهلية.  وأول مفكر كردي خاطب ( ميخائيل غورباتشوف ) برسالة فلسفية علمية معززة بالبراهين والشواهد في عام 1988 وتحت عنوان إلى العظيم غورباتشوف ، معيداًله التوازن و لميزان العالم المختل منذ ظهور النزاع على المصالح الحيوية ونظرية الكيل بمكيالين،
 مسعود محمد ، صوت فيلسوف ضاع بين اصوات علماء التزلف لسماط ادعياء الثقافة، كان ذا فكر الثاقب وصاحب ضمير حي  لم يعرف المهادنة في مواقفه القومية ، و كان همه بكبر أمته ، وذا صمت ناطق بالحكمة ، وكان ذا عقل واسع خارج الحصر بمقالة قصيرة في جريدة أو مجلة أوفي مقابلة تلفزيونية عابرة ،
 فمسعود محمد كان فيلسوفاً ذا هم قومي، وهذا الهم كان يؤرقه دوما ً ويقضّ مضجعه باستمرار وكان طويل التأمل والبحث حول مأساة شعبه الذي ينتمي إليه ، وكما صوره لنا بجلاء الدكتور الفاضل عبد الباسط سيدا في بحثه القيم المنشور باحد اعداد مجلة دراسات كردستانية في السويد لسنة 2000 قائلا ً :- إن المعاناة قاسية والحلول المقترحة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب وعلى الرغم من حبه لشعبه إلى درجة الهيام ، فهو لا يتعامل مع المسائل بصورة رومانسية ، بل يشخص الداء بشجاعة وواقعية ، وخاتماً بحثه بالقول لأن الظرف الخاص لا يسمح بالأستمرارأكثر في استعراض ودراسة الجوانب الأخرى في فكر مسعود محمد الفلسفي بمزيد من التعمق والشمول .
كان دائم البحث دائم عن المغزى المعرفي لملاحم شعراء الكرد الفطاحل أمثال الشاعر الكردي الخالد نالي ، ولقد هام مسعود محمد بعشق صوفي من خلال تأثره البالغ  بجمالية قصائده  وأُعتبر  في نظر الكثير من المعنيين بشؤون الأدب الكردي أفضل من كتب ودرس بعمق حول عالم الشاعر الخالد ( نالي ) ومكرساً لشاعريته الفذة دراسة طويلة ومستفيظة وبعد جهد وتعب كبير و معلقاً بكل تواضع في إحدى الندوات الأدبية حول دراسته القيّمة قائلاً باني
 ( استطعت بعد هذا التأمل الطويل أن   أفهم شيئا ً يسيرا ً من عالم نالي المتشعب ) ، فأعداد مجلة المجمع العلمي في بغداد خير شاهد إثبات  لكتابات نقده الموضوعي في معظم تحليلاته النقدية لآثار و تراث شعراءنا الكبار ، وغوصه بأعماق الشعراء الكرد الفطاحل وانتهاجه منهجا ً نقديا ً فريدا ً في تحليله لقصائد شعراءنا العظام  ، فيجد المتابع نفسه في معظم دراساته النقدية تلك بأنه حقاً أمام ناقد حاذق ، وقبالة قريحة شاعر فذ وملتزم ، وعالما ً لغويا ً متمكنا ً في دراساته القيمة حول قواعد اللغة الكردية ، بالإضافة لإمكاناته الفذة في معرفة جواهر اللغة العربية ، وكان يعد أيضاً مرجعاً مهماً في قواعد لغة الضاد كمصدر للتحكيم عند اختلاف الآراء حول موضوع اللغة ، فألّف الأستاذ والصحفي البارز حميد المطبعي كتابا ً قيّماً حول مفكرنا الخالد  متناولاً فيه سيرته بإسهاب، مع صور نادرة  تنشرله لأول مرة ، عندما كان المفكر الراحل شابا ًيافعًاونائبا ً في البرلمان العراقي في القرن الماضي.
 استطاع  المفكر مسعود محمد أن يمثل بكل إخلاص ضمير الشعب في تلك الحقبة التاريخية المهمة عندما انتخب نائبا ًمن قبل أبناء أمته في البرلمان العراقي في منتصف الخمسينات منصفاً في ذلك المظلوم ومقارعاً سلطة الإقطاع طيلة وجوده في البرلمان ، ولم يسع يوماً لنيل المناصب رغم صداقته الكثيرة مع جهات عليا في المجتمع العراقي آنذاك ، بل جاءه كرسي الوزارة بنفسه موشيا ً برجاء القبول ، ومحيلاً بينه و بين  ذلك المنصب جدار سميك من القيم والمبادئ مردداً، ( لو دام لغيري ..... ) وخاتماً بذلك مطافه في الوزارة مستقيلا ومحتجاً على المذابح الدموية التي كانت ترتكب بحق بني جلدته في فترة الستينات .
وعندما كان نائباً فعالا ً في مجلس الخدمة العامة لم يهزه يوماً صوت الباطل ولم ينصاع أبدا ً لأوامر العسكر ليخرق لهم القانون والدستور ، ولم يخش على نفسه ولا على وظيفته محتفظاً بكبريائه حتى آخر أيام رحيله ، سائراً في طريق العدل والإنصاف ، شامخاً كشموخ الجبل ثابت الرأي  في رد أوامر من لا يحسنون تطبيق القانون والنظام العام في البلاد ،
مسعود محمد ، الذي رايته لأول مرة مع والدي المرحوم في عام 1966 وفي غرفته المتواضعة في بناية مجلس الخدمة العامة ظريفاً ولطيفاً مع مراجعيه، وشهماً وفياً ومخلصاً لأصدقائه أينما كانوا، ومقدرا ً مشاعر محبيه.
فيبقى المفكر الجليل في القلب وفي ذاكرة الأجيال كقصيدة خالدة بكل صفاء مآثر الأمة في صنع مجد الحاضر والمستقبل وبعد رحيله عنا قبل عام وفي مثل هذا الشهر بكل هدوء مزهواً ًبشموخ ا لجبال، وبكرامة فارس بلا كبوة،حاملاً معه هموم قرنه الغابر،متأملا ًفي عيون الجيل الجديد فضاءً أوسع ، وتفاؤلا ً أكبر من فضاء التناحر والكوارث .
رحل عنا عملاق الفكر والأدب ، وفي مآقيه دمعة أحزان مستديمة ، انحدرت بكل كبرياء نحو رقاده الأبدي بثرى كويسنجق ، حيث مثوى شاعر البلاغة حاج قادر كويي.، ورمز آل جلي زاده ملا محمد كويي ، والعديد من رموز الحركة الكردية وشهداء طريق النضال والحرية ...


                                                                   عبد الحكيم نديم
                                                              شاعر وفنان تشكيلي كردي
                       








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة