الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إضراب عظيم وشعب عظيم

نهى نعيم الطوباسي

2021 / 5 / 23
القضية الفلسطينية


نهى نعيم الطوباسي*

بالتدقيق في مشهد الإضراب العظيم في فلسطين من البحر إلى النهر، والذي دعت إليه لجنة المتابعة العربية في أراضي الـ48، وأكدت عليه الحراكات والقوى الوطنية والإسلامية، ردا على العدوان الإسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة والقدس والمسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، فقد أضفى هذا المشهد التضامني والوحدوي أجواء من العزة والكرامة، ومد شعبنا بالحياة من جديد وسط سيل العذابات والمآسي والمجاز. فهذا الإضراب وما سبقه من هبات شعبية، أنعش مسيره النضال الفلسطينية بعد سنوات من الركود، وعلى الرغم من أن هذا الإضراب ليس الأول في تاريخ الشعب الفلسطيني، بل اعتمده شعبنا على مدار التاريخ، كنهج نضالي سلمي، ووسيلة مقاومة ضد الإحتلال الإسرائيلي وسياسته العنصرية، كإضراب عام 1936 ضد الانتداب البريطاني، والهجرة اليهودية، وإضراب عام 1987، وإضرابات الحركة الفلسطينية المتتالية، لكن هذا الاضراب الأخير رغم أنه لم يتجاوز اليوم الواحد، إلا أن له مؤشرات مفصلية على القضية الفلسطينية، وأهمها:
اولا، لقد تغلب هذا الاضراب على العزلة التي فرضها الإحتلال الاسرائيلي على القدس والمدن الفلسطينية، وكسر الحصار والجدار، ووحد الفلسطينيين جغرافيا وديمغرافيا في فلسطين ومخيمات الشتات، على راية واحدة وهم واحد. من ناحية أخرى إن دعوة الإضراب من اراضي ال48، كانت بمثابة تذكير لكل العالم بنكبة الشعب الفلسطيني ونتائجها التي لا زالت مستمرة، ووضع تحت الضوء معاناة فلسطينيي ال48، وأن جميع مدن فلسطين هي فلسطينية بما فيها المدن والقرى داخل الخط الأخضر، وأن فلسطينيي الداخل هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والوطني الفلسطيني، وأن كل الشعب في خندق واحد لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعنصريته، هذا الإضراب يفند المزاعم الاسرائيلية، بأن الصراع الفلسطيني الاسرائيلي صراع ديني ، بل صراع من أجل الحرية والاستقلال والكرامة والخلاص من الاحتلال، وأن ما يحدث هو حق للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم وممتلكاتهم في وجه الاستيطان والتهجير والتشريد والاقتلاع.
من ناحية أخرى، أنعش الإضراب الذاكرة، لقضية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات فجاءت مشاركة الشتات، تجديدا للعهد والقسم على العودة للديار ولو بعد حين، وأنهم جزء لا يتجزأ من القضية الفلسطينية ولم ينسلخوا عنها. إن الأحداث التاريخية الأخيرة والتي يعيشها شعبنا الفلسطيني، تنسف كل التسويات الماضية بل إن الإضراب يتطلب إعادة النظر في كل التسويات وما رسخ في الأذهان من مسلمات، وإعادة رسم حدود المشروع الوطني الفلسطيني، وحدود الدولة الفلسطيينة، من رأس الناقورة شمالا الى أم الرشراش جنوبا وفقا لما قبل قرار التقسيم 181 عام 1947.
من ناحية أخرى لطالما كان الإضراب تاريخيا تعبيرا عن وسيلة احتجاج ضد الظلم والتمييز والعنصرية، والإضراب الأخير كان بمثابة رسالة واضحة لكل العالم، الذي يجب ان يفهمها، أن شعبنا الفلسطيني هو شعب حر لن يقبل أن تمارس عليه العنصرية والاضطهاد من قبل الاحتلال الاسرائيلي.
ولا بد من الإشارة إلى أن قيادة الشباب للهبات الشعبية وللإضراب العظيم، ما هي إلا دلالة على ولادة هذا الوعي الجمعي لكافة فئات شعبنا بما فيهم الشباب، وهذه الولادة لم تأت بمحض الصدفة، وإنما نتيجة الظروف الصعبة التي يعيشها الشباب الفلسطيني، والعنصرية التي تمارس عليهم من خلال الحكومة الاسرائيلية وممارساتها ضد المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، ومحاولة تفتيت وطمس هويته وخلق الفتنة بين أبنائه، في كافة مناحي الحياة بما في ذلك التعليم و العمل، ونتيجة الانقسام وتداعياته عليهم من تهميش وبطالة.
من الواضح أنه وبعد سنوات من التعتيم على القضية الفلسطيينة، وحرف البوصلة عنها عربيا ودوليا ،وبعد أن تعرضت القضية الفلسطينية لوابل من الطعنات في الخاصرة من بعض الدول العربية بتطبيعها مع الاحتلال الإسرائيلي، جاءت الهبات الشعبية في فلسطين والإضراب العظيم، ليعيدوا القضية الفلسطينية من جديد الى الصدارة، وهذا يتطلب أن لا تضيع هذه الهبات الشعبية، وهذه اللوحة التي شكلها الإضراب الشامل من الوحدة والتكامل بين الديمغرافيا والجغرافيا والروح، والتي غابت عن المشهد الفلسطيني لسنوات طويلة، بل لا بد من استثمارها واقتناص الفرصة، والبناء عليها، والتحرك في مسارين متكاملين الأول الدبلوماسية الناعمة، وذلك بالضغط على المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته اتجاه القضية الفلسطيينة، والزام المنظومة الدولية بمحاسبة اسرائيل على جرائمها. ووقف سياستها العنصرية، والثاني المسار المقاوم الشعبي، وتوحيد المرجعيات الوطنية ببرنامج وطني موحد، تحت راية واحدة وأهداف موحدة.
فالمرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية مرحلة خطيرة، تسعى فيها اسرائيل وحلفاؤها لتصفية القضية الفلسطينية، لكن جاءت الهبات الشعبية والإضراب لتاكيد تلك اليقظة التي يعيشها شعبنا اليوم بكافة فئاته.
ولا يبدو الأمر كما راهن البعض أن ما يحصل مجرد هبات عفوية وسرعان ما ينطفئ وهجها، ويمل أصحابها، لكن من الواضح أن هذه الهبات الشعبية، في الداخل المحتل و كافة أرجاء فلسطين، ليست مجرد تفريغ نفسي، وليست ردات فعل مبعثرة، ولكنها حالة النهوض من بين الركام والتجمع بعد سنوات من الفرقة والضياع، وحالة كسر القيود التي أحكمت على شعبنا منذ زمن طويل. إنها معركة القدس والوجود على الأرض فلا يجب ان يتم إجهاض ما توّجته هذه الهبات، وما نتج عن الإضراب من مشاعر ايجابية، تسمو على الخلافات، والشعور بالوحدة والتضامن الجمعي والجماعي لكل الفلسطينيين في فلسطين وخارجها، فالمطلوب البناء على هذا الزخم العظيم من وحدة الجغرافيا والديمغرافيا والراية. وأن يعزز وينشر الخطاب الوحدوي، وإسقاط كل الخطابات التي تحمل الكراهية والعدائية بين أبناء الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه وأحزابه وفئاته.
اخيرا، ومهما جرى تشتيت البوصلة تعود القدس لتجذبها اليها من جديد، هذه القدس سيدة الكون، تأبى إلا أن تكون شامخة حرة بشعبها ووحدته، و حريتها و تحريرها و تحرير كل فلسطين، ليس حلما مستحيلا بل إنه اليقين الذي قدم لأجله شعبنا التضحيات، قال تعالى " انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا" باذن الله.
*ماجستير حل صراعات وتنمية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -عفوا أوروبا-.. سيارة الأحلام أصبحت صينية!! • فرانس 24


.. فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص




.. رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس


.. انقلاب سيارة وزير الأمن القومي إيتمار #بن_غفير في حادث مروري




.. مولدوفا: عين بوتين علينا بعد أوكرانيا. فهل تفتح روسيا جبهة أ