الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام السياسي .. تحليل وتفكيك بنية الدولة المخزنية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2021 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


عندما نتحدث عن النظام السياسي ضمن الأنظمة السياسية ، فان اول شيء يتبادر الى الذهن ، هو السؤال عن تعريف وعنونة النظام السياسي المقصود بالتحليل والمعاجلة ... وعندما نقول الأنظمة السياسية .. يعني ان هناك عدة أنظمة سياسية ، وليس هناك نظام سياسي واحد كنموذج عن الأنظمة الموجودة في العالم ... لكن ضمن هذا التعدد في الأنظمة السياسية المتجانسة ، والأنظمة السياسية الغير متجانسة ، والتي تحتفظ بخصائص خاصة بها ، تجعلها تختلف عن الأنظمة السائدة .. فان أي محلل ومعالج لظاهرة الانظمة هذه ، يعتمد على شرطين يتوافقان مع المقتضيات القانونية التي ينص عليها القانون الدولي في تعريف الأنظمة السياسية .. ويعتمد القواعد الأساسية لقوانين ومواثيق الأمم المتحدة ، في اعتبار نظام ، او مجموعة أنظمة سياسية ، تتوفر فيها شروط الأنظمة السياسية التي هي الديمقراطية من جهة ، والتشبث بحقوق الانسان من جهة أخرى .. وهذان الشرطان ، الديمقراطية وحقوق الانسان ، هما اللذان يصنفان الأنظمة السياسية ، بين أنظمة سياسية ديمقراطية ، ترتقي مصاف ودرجات الأنظمة السياسية العصرية ، وبين أنظمة ليس لها من مفهوم النظام غير الاسم .. لأنها في طبيعتها التكوينية ، وفي تركيبتها ، ونوع الخرافة ، او التقاليد ، او الممارسات الحاطّة بالديمقراطية وبحقوق الانسان ، تبقى شَبَه او شِبْه أنظمة سياسية شاردة في عالم الأنظمة السياسية ... فحين تغيب القوانين ، وتبقى مجرد خطوط حبر مسطرة على الورق ، ويسود الارتجال في تدبير النظام للدولة ، ويتم اللجوء الى ضربة حظ ، او الى التجريب ، او الممارسات المغامراتية الغير محسوبة النتائج . بل تكون نتائجها كارثية في جميع الميادين والحقول .. وتصبح الدولة التي يجثم عليها النظام ، الذي يركز في اتخاذ القرارات ، على المثل العلوي الدارج " و لو ْ طارتْ معْزة " ، وليس على الدراسة ، والبحث ، والتحليل .. كما يجري به العمل في الأنظمة الديمقراطية.. يصبح النظام السياسي الجاثم قهرا على صدر الشعب ، بارعا في الخبط خبط عشواء ، ويصبح التضحية بالشعب المفقر، وبالأبناء ، والنساء ، والأطفال القاصرين ، والصبية ... برميهم لأمواج البحر .. هروبا من نظام القهر ، والتسلط ، والاستحواذ على الثروة ، وتهريبها الى الخارج ، لتكديسها في حسابات بنكية اوربية بأسماء حقيقية ، وبأسماء مستعارة .... قمة الجرائم المرتكبة في حق الشعب .. وتصبح الفارق بين الأنظمة السياسية التي تركز على الديمقراطية وحقوق الانسان ، وبين الأنظمة ( السياسية ) التي تأخذ شكل مافيا ، وعصابة مسلطة على الوطن ، وعلى الشعب المغلوب على امره ... وتصبح النتيجة انّ الأنظمة السياسية الديمقراطية التي تشذذ على الديمقراطية وحقوق الانسان ، تعرف بأنظمة الاستقرار السياسي التي تعتمد القانون الديمقراطي ، وليس القانون الجبري والقمعي ... ويصبح النظام المسير من قبل العصابة التي تبتلع خيرات الشعب .. سببا في عدم الاستقرار الذي قد يتحول الى أمواج تسونامي هائج ، واسبابه مشروعة .. او الى لهيب سيحرق كل الدولة ، وليس فقط النظام .. لان الشعب الذي يرمي بأبنائه عرضة لأمواج البحر العاتية ، لم يعد له ما يخسره غير تكسير اغلاله ، لتصحيح التاريخ ، ولإرجاع الحق الى أصحابه والى نصابه ...
اذن من مرجعية تعريف الأنظمة السياسية ، وتمايزها عن بعضها ، وهي مرجعية الديمقراطية وحقوق الانسان ، تسمى الأنظمة السياسية في العالم الغربي ، الاتحاد الأوربي ، والولايات المتحدة الامريكية ، واليابان ، وأستراليا ، وكندا ... بالأنظمة الديمقراطية ، تمييزا لها عن بقية الأنظمة الأخرى الغير ديمقراطية ، والمغتالة لحقوق الانسان ...
ان من شروط الأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية ، وحتى تكون حقا ديمقراطية .. إضافة الى احترام حقوق الانسان كما تنص على ذلك قوانينها الداخلية ، وقوانين الاتحادات التي هي عضو بها ، وجزء منها ، ومواثيق الأمم المتحدة التي وقعتها ... انْ يكون مصدر القرار الأساسي في النظام الديمقراطي ، هو الشعب .. وهذا الشعب طبعا ، لا يمكن ممارسة حقوقه الدستورية ، والقانونية ، في اطار دولة من المفروض انْ تكون ديمقراطية .. بواسطة عقد البيعة .. أي ان يقوم جزء من ممثلي الرعايا Les supers sujets ، بتقديم فروض الطاعة والولاء ، نيابة عن الرعايا التي لم تفوضهم القيام نيابة عنها ، بهذا التفويض المسخرة .. الى الحاكم باسم الله ..على بياض .. يحكم لوحده .. لكنه غير مسؤول عن نتائج قرارات حكمه .. لا جنائيا ، ولا مدنيا .. وكأن الشعب غير راشد وفاقد لأهلية تسيير شؤونه العامة ..
كذلك لا يمكن لهذا الشعب ان يمارس سلطته وحقوقه الدستورية ، باستبدالية ضباط الجيش ، الذين يقفزون الى الحكم بالانقلابات العسكرية ، و بالانقلابات الفوقية للتنظيمات الثورية ، او بفرض دكتاتورية طبقة غير موجودة بالمفهوم الماركسي للطبقة .. فتصبح هذه ، وباسمها ، تمارس سلطتها نخبة مثقفة ، لا علاقة لها لا بالمنجل ولا بالمطرقة ، لتجسد دكتاتورية نخبة باسم طبقة ، على شعب سيكون مقموعا ومصادرا في حقوقه الدستورية ، التي تتماشى مع مواثيق الأمم المتحدة ، في النعيم بالديمقراطية الحقيقية ، وليس شَبَه او شِبْه الديمقراطية ، وفي النعيم بما تنص عليه المواثيق الدولية ، بالاستمتاع الكوني بحقوق الانسان المُنتفية في الأنظمة الشمولية، وفي الأنظمة العشائرية ، وأنظمة القبيلة ، وفي الأنظمة التي على رأسها عصابة مافيوزية تكره الشعب .. ووصل كرهها له .. استعباده كالعبد يعيش محروما من حقوقه السياسية ، التي تمارس اغتصابا من قبل النظام بمؤسسات صورية .. ومحروما من حقوقه الاقتصادية حين يعيش مفقراً ، وحين يستولي الملك الحاكم لوحده ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمحيطين به ، والمقربين اليه ... على ثروة الشعب المغربي ، وتهريبها الى خارج المغرب ... وقد بلغ كره الحاكم ، وتحقيره للشعب و إذلاله .. حين رمى بأطفال صغار ، وصبية ، ونساء ، ورجال ، وشباب عرض البحر .. ليلقوا مصيرهم المحتوم .. بسبب الهروب من قهر ، وجبر ، وقمع النظام ، الذي سلط عليهم الفقر .. في الوقت الذي اغتنى الغناء الفاحش الملك ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمقربين ، والمحيطين ... وسلط أجهزة بوليسه الفاشي ، وجهازه السلطوي .. للفتك بالناس ، وقهر الناس ، وتجويع الناس .. والاعتداء ظلما على الناس ....
وبما ان اصل القرار في الدول الديمقراطية يكون مصدره الشعب ، فالشعب يمارس حقوقه الدستورية والديمقراطية مباشرة ، دون الانابة عنه من قبل حاكم ، او ملك ، او رئيس ... والشعب وحده لا غيره ، هو من يقرر في القضايا الاستراتيجية التي تهم وحدة الشعب ، ووحدة الأرض بالاستفتاءات .. ويقرر في القضايا السياسية بالاستحقاقات السياسية ، التي تجعل الشعب هو من يختار مفوضيه ، وممثليه في البرلمانات .. ومن هؤلاء البرلمانيين تتكون حكومة الشعب ، التي تسهر الى جانب البرلمان الشعب ، في تنفيذ برنامج الحزب ، او الكتلة التي صوت الشعب لصالح برنامجها الانتخابي ، الذي سيصبح بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات برنامج الشعب ، لا برنامج واضعيه .. وهنا ستصبح العلاقة بين الشعب الذي اختار ممثليه ومفوضيه داخل الدولة ، بمثابة علاقة تعاقد بين الشعب ، وبين مفوضيه المنتخبين .. بحيث سيصبح هؤلاء يخضعون لرقابة الشعب ، ورقابة اعلام الشعب ، ورقابة مؤسسات الشعب ، المكلفة بالتحقق مِمّا اذا كان البرنامج الانتخابي الذي صوت عليه الشعب ، يأخذ مجراه الصحيح ، ام ان تقصيرا ، او تقاعسا حصل من قبل ممثلي الشعب في انجاز البرنامج العام ، او حصل هناك انقلاب من قبل الحكام الجدد ، الذين اوصلهم الشعب الى الحكم باسمه .. قد انقلبوا عليه عندما انقلبوا على البرنامج الذي دخلوا على أساسه الانتخابات ، وصوت عليه الشعب .. بحيث يصبح البرنامج الانتخابي الذي صوت عليه الشعب ، والذي اصبح ملكا للشعب ، هو محور التناقض والصراع ، بين الشعب المتمسك بالبرنامج الانتخابي ، وبين الرئيس والحكومة الذين انقلبوا على الشعب ، عندما خانوا ثقته ، وتنكروا للبرنامج الذي صوت عليه الشعب ، وعلى أساسه اصبحوا يمارسون الحكم ... فالشعب الذي يعين الأغلبية التي تحكم من خلال التصويت الانتخابي ، قادر بفعل الإجراءات الديمقراطية ، ان يجعل من الأغلبية التي من المفروض ان تحكم باسم الشعب ، وأصبحت تخطوا في غير مصلحة الشعب ، انْ يردها اقلية خارج سلطة القرار ، وانْ يجعل من الأقلية السابقة التي لم يصوت لصالح برنامجها ، تصبح أكثرية عند تغيير برنامجها ، وطرح برنامج انتخابي جديد يحظى بثقة وموافقة الشعب ..
لكن رغم انّ اصل الديمقراطية في الأنظمة السياسية الديمقراطية هما .. الدولة الديمقراطية عند تشكيل حكامها الجدد ، بواسطة الانتخابات التشريعية ، وعند تشبثها التام بحقوق الانسان التي يضمنها الدستور الديمقراطي .. دستور الشعب المستفتي عليه ، وليس دستور الحاكم الوحيد الأوحد بأمر الله ، وباسم القرآن، البريء من هكذا تدليس عليه .. فأحيانا قد نجد ان هناك مفارقات في التعامل مع الديمقراطية ، وفي التعامل مع حقوق الانسان .. بين الأنظمة السياسية الديمقراطية نفسها .. وهذا راجع الى التاريخ ، والى العقلية ، والى الهوية ، رغم انها هوية اوربية من قبيل الهويات المكونة للاتحاد الأوربي ... فأحيانا وكما يقع دائما في فرنسا .. يلاحظ ان الحكام السياسيين الذين يصلون الى الحكم بفضل تصويت الشعب على برنامجهم الانتخابي ، والذي من المفروض ان يكون برنامج الشعب الذي صوت عليه .. وحيث انّ منْ اصبح في سدة الرئاسة ، وفي البرلمان ، والحكومة ، خاصة اذا كانت اغلبية .. من المفروض ان يكون ممثلا للشعب ، وموظفا عند الشعب ، ومفوضا للشعب بتصويت الشعب.. فان غالبا ما يحصل تنصل الطبقة السياسية التي انتخب عليها الشعب ، من البرنامج الانتخابي الذي تقدموا على أساسه الى الانتخابات ، حيث حظوا بثقة الشعب ... وهذا ليس له من تفسير لمَا حصل ، غير انقلاب مفوضي وممثلي الشعب على الشعب ، وانقلاب على البرنامج الذي اعتبر عند الإعلان على نتائج الانتخابات ، ببرنامج الشعب ... حصل هذا في عهد Sarkozy و François Holland ، وحصل بشكل اكثر في عهد Emanuel Macron ... فلو صارح Macron الفرنسيين بخطته في الزيادة في ثمن المحروقات ، وممارسة سياسة تقشف غير مسبوقة اضرت بفقراء الشعب الفرنسي .. ولو صارحهم بعزمه على مراجعة برنامجه الذي تقدم على أساسه الى الانتخابات .... هل كان للشعب الفرنسي ان يصوت عليه ، ليصبح رئيسا للجمهورية ، وكأن سوء الاختيار للناخب وللرئيس من قبل الشعب الفرنسي ، كان عقابا له على عدم قراءة برنامج Macron قراءة تحليلية دقيقة وعميقة .. لان هناك فرق بين الوعود الكاذبة اثناء مباشرة الحملة الانتخابية ، وبين الواقع الذي لا علاقه له بالبرنامج الانتخابي للرئيس ... والطامة الكبرى بالنسبة للنظام السياسي الفرنسي ، والنظام السياسي الأمريكي ، والانجليزي .. انه عند احراز اغلبية مطلقة في الرئاسة ، والحكومة ، والبرلمان ، والشيوخ ... يتحول النظام السياسي الفرنسي ، والامريكي ، والانجليزي ، من نظام سياسي ديمقراطي ، الى نظام سياسي اكثر من دكتاتوري ، باسم ديمقراطية الانتخابات التي تصبح متلازمة Syndrome Stockholm للنظام السياسي الديمقراطي .. وهذا لشيء خطير يشرعن للدكتاتورية باسم الديمقراطية ، التي تصبح وبالا على الديمقراطية الحقيقية ... أي مثل استغلال التنظيمات الإسلامية للديمقراطية ، للانقلاب عليها لصالح أنظمة فاشية ، عندما يصبحون في الحكم ... فتكون الديمقراطية هنا وبالا على الديمقراطية الحقيقية ، التي أوصلت الاسلامويين الى الحكم .. فحين يصبح قصر مانتيون Le palais de Matignon ، وقصر الإليزيه Le palais de l’Elysée والجمعية العامة ، ومجلس الشيوخ في يد حزب واحد ، او في يد أحزاب متقاربة ، او ضمن كتلة ... هنا يصبح دور السلطة القضائية رغم انها ( مستقلة ) تصبح غير مستقلة .. لأنها ستصبح أداة لتنفيذ برنامج الطبقة الحاكمة ، في ميدان التشريع في القانون الجنائي ، المسطرة الجنائية ، قانون الحريات العامة ، القانون التجاري والاقتصادي .. القانون الضريبي ، القانون المدني ، المسطرة المدنية ، التعمير ... القائمة المدنية ... لخ .. ويصبح النظام السياسي الفرنسي الديمقراطي ، يباشر دكتاتورية مغلفة ، باسم الديمقراطية التي ستصبح في حد ذاتها ، ليس فقط لجزء من الشعب الذي لم يصوت لصالح برنامج الطبقة الحاكمة .. بل حتى لؤلئك الذين صوتوا لصالح حكامL’Élysée et Matignon ، عند انقلاب الرئيس وفريقه الحكومي ، على الكتلة الناخبة التي صوتت لبرنامجهم الانتخابي .. كما حصل اليوم في فرنسا ، وتذرع النظام الفرنسي بالوحش Le monstre Corona virus ، لتشديد القبضة السلطوية على الشعب ، وللقضاء على السترات الصفراء Les gilles jaune من جهة أخرى ... ....
وكالنظام السياسي الفرنسي الشبه رئاسي .. فان النظام السياسي الأمريكي الذي يوصف بالنظام الديمقراطي .. ليس له من الديمقراطية غير الاسم .. فمثل دكتاتورية الأغلبية المطلقة ، عندما يحمل مجلس النواب ، ومجلس الشيوخ نفس البطاقة السياسية ، واللون السياسي .. فان ما يتميز به النظام السياسي الأمريكي ، من جهة انعدام التعددية الحزبية السياسية عند خوض معركة الانتخابات الرئاسية ، بحيث هناك دكتاتورية لثنائية حزبية مفروضة بإجراءات الضبط ، وبالشركات العملاقة ، وبإمبراطورية الاعلام التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني ، الذي يسيطر على الابناك ، والصناعات الحربية ، والالكترونيات ... فان ما يسمى بالوزراء في الأنظمة السياسية الديمقراطية الاوربية .. غير موجود .. لان ما يسمى بالوزراء ، هم مجرد كتاب دولة ، كلهم في جيب الرئيس الذي هو وحده رئيسهم ، لانعدام وجود رئيس للوزراء ... فهم من نفس البطاقة السياسية للرئيس .. .. وفي نظام سلطوي باسم ديمقراطية مفترى عليها ، لا يمكن تصور حصول خلاف بين الرئيس ، وبين وزراءه ، او بين الرئيس ، وبين رئيس الوزراء الغير موجود .. مثل ما جرى به العمل ، ويجري في النظام السياسي الفرنسي الشبه رئاسي ، الذي قد يعرف صعوبة سياسية عندما يكون رئيس L’Elysée يحمل بطاقة سياسية ، ليست هي البطاقة التي يحملها رئيس Le Matignon .. وهذا يسميه الفرنسيون بالتعايش السياسي La cohabitation politique .. وقد حصل التعايش مرتين في عهد François Mitterrand ، وفي عهد Jacques Chirac ..
الى جانب الأنظمة السياسية الديمقراطية التي هي دول الغرب ، كانت هناك أنظمة سياسية نقيضة لها ، هي الأنظمة السياسية في اوربة الشرقية .. وطبعا سيتعمق الصراع بين النظامين حول شرط الديمقراطية ، وشرط حقوق الانسان .. والكل يتذكر قضية المنشق الروسي خراشوف Karachof ، بين الأنظمة السياسية الغربية ، وبين الأنظمة السياسية الاوربية الشرقية بقيادة الاتحاد السوفياتي .. ووصل الصراع بين النظامين حول الديمقراطية وحول حقوق الانسان ، حد ممارسة الاغتيالات للمنشقين عن الأنظمة الشرقية ، الفارين للعيش في الأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية ...
اذا كان اصل الحكم في الأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية ، هو الشعب من خلال التركيز على شرطي الديمقراطية وحقوق الانسان ، فان اصل الديمقراطية في الانظمة السياسية الاوبية الشرقية ، من جهة الانتفاء التام لحقوق الانسان ، ومن جهة تسلط نخبة مثقفة ( المكاتب السياسية ) للأحزاب ( الشيوعية ) ولم تكن ابدا شيوعية .. على الحكم باسم طبقة العمال التي كانت مُستلبة ومُهمشة ، وكانت بعيدة عن الحكم .. ومن ثم كانت الأنظمة السياسية الشرقية ، بمثابة أنظمة لدكتاتورية نخبة مثقفة ، تشتغل بالقلم ، والحبر ، والدواة .. ولا علاقة لها اطلاقا بالمنجل ولا بالمطرقة ، التي سخرتهما في فرض دكتاتوريتها ، التي انهارت كالتّبن ، بمجرد ما نزلت الشعوب الى الشارع ، واحتلالها للساحات العمومية .. وانتهت بسجن قادة تاريخيين لتلك الأنظمة ، واعدامات في حق اخرين كنكولاي تشاوسيسكو وزوجته ، اللذان خضعا لمحاكمة سريعة ، وتم اعدامهما سريعا ... ورغم ان تشاوسيسكو كان يرتدي بدلاته التي لا يتجاوز ثمنها 500 درهما مغربية .. وكانت رومانية خالية من الديون الدولية .. فقد أسهمت الدعاية الغربية ، خاصة الدعاية الفرنسية التي قادها François Mitterrand ، في التعجيل بالانقلاب على تشاوسيسكو ، واعدامه .. رغم انّ هذا كان يحظى بتايد كل أنظمة الغرب قبل سقوط الاتحاد السوفياتي ، الذي كان يعتبر تشاوسيسكو ، وجوزيف بروز تيتيو .... رجعيين ، ومرتدين ، وتحريفيين ..
اذن . اذا كانت مشروعية الحكم في الأنظمة السياسية الديمقراطية هي الشعب ، من خلال الاستفتاءات ، ومن خلال الانتخابات ، ومن خلال الدساتير الديمقراطية التي هي دساتير الشعوب الاوربية ، وليس دساتير الحكام .. مع التركيز على الديمقراطية وحقوق الانسان ... واذا كانت مشروعية الأنظمة السياسية الاوربية الشرقية هي العمال المغيبين الذين يتولى الحكم باسمهم ، ونيابة عنهم ، مثقفو ونخب الأحزاب ( الشيوعية ) و ( الاشتراكية ) ... يصبح السؤال :
ما هي مشروعية الحكم لذا النظام السياسي المغربي ..... ؟
عندما نتحدث عن النظام السياسي المغربي ، فالمقصود بذلك الملك الذي يـأتي على رأس النظام بصور مختلفة ، تختلف من مخاطب الى آخر .. وهي تتوزع بين الملك الذي يكابر في ان يظهر عصريا رغما عنه ، خاصة عند توجيه خطابه الى العالم الديمقراطي الغربي ... ويظهر في صورة تقليدي متحجر لا علاقة له بالملك العصري .. عندما يمثل صفة أمير المؤمنين في امارة المؤمنين .. عند مخاطبته الرعية الجاهلة.. ويمثل صفة إمام كبير مأموم للجميع.. عندما يوجه خطابه الى ( المؤسسة التشريعية ) ، والى ( مؤسسة القضاء ) ..
وحتى نذهب بعيدا في تحليلنا ، وتفكيكنا للنظام السياسي المغربي الفريد من نوعه في العالم .. والذي تمثله الدولة المخزنية في ابشع صورها الاركاييكية ، والتقلدانية .. سنجد ان اصل مشروعية النظام السياسي المغربي كمشروعية تقليدانية قروسطوية ، لا علاقة لها بالمشروعية التي تقوم عليها الأنظمة السياسية الغربية الديمقراطية ، والتي هي الديمقراطية ، وحقوق الانسان ، والرجوع الى الشعب صاحب الكلمة الأولى والأخير ، من خلال الاستفتاءات الشعبية ، ومن خلال الاستحقاقات السياسية .. فالدولة المخزنية كدولة فريدة .. وجودها متنافي أصلا مع الديمقراطية ، وجاهلة أصلا لحقوق الانسان المتعارف عليها امميا ..
اذن امام انتفاء شرطيْ الديمقراطية وحقوق الانسان .. لأنها تحكم بأجهزة سلطوية ، غابرة في تاريخ القمع الذي يصل الى الجلد ( تْرابِي دارْ المخزن ) ، وبجهاز بوليسي مغلق على شكل الأجهزة الفاشية ... ونظرا لاستعمال النظام السياسي المخزني .. الانتخابات كوسيلة لتثبيت السلطوية والفاشية السياسية باسم الدين ، و المتعارضة مع الديمقراطية ، ومع حقوق الانسان .. كما يجري العمل في الأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية ... نطرح السؤال : اين تتجسد مشروعية الملك كمخزني أول على رأس الدولة المخزنولوجية ؟
--- أولا . لا يجب ان نسقط المشروعية الدستورية الغربية ، على النظام المخزني الذي له مشروعيته الأيديولوجية المخزنولوجية الخاصة به ... لأنه يختلف عنها أصلا .. ولا رابطة تربط بينهما ..
--- ثانيا . ان أي محلل يريد تحليل اصل المشروعية السياسية لذا النظام المخزني ، والدولة المخزنية .. دون الرجوع لبحث الموروث الأيديولوجي التقليداني ، والضارب في جذور التاريخ لما يناهز 350 سنة .. سيكون بمن يجهل او يتجاهل اصل الحكم السياسي ، ويجهل او يتجاهل المشروعية التي تغلفها المنظومة المخزنولوجية ، كإطار يعكس فلسفة الدولة القبائلية .. للعائلة العلوية ..
ان تاريخ الدولة في المغرب ، هو تاريخ عائلات .. حيث نجد الدولة السعدية ، والدولة الموحدية ، والدولة المرابطية ، والدولة الوطاسية ، والدولة المرينية ، والدولة العلوية .. وهكذا .. فعندما كانت تسقط الدولة .. كان يسقط حكم العائلة .. وليأتي بعدها دولة جديدة .. وحكم عائلة جديدة ..لهذا فتعريف الدولة في المغرب وعبر العصور .. لا علاقة له بتعريف الدولة في القانون الدولي للدولة في المجتمعات العصرية والحديثة ..
--- ثالثا . بالرجوع الى المشروعية المخزنولوجية التي يستند اليها النظام السياسي المغربي في الحكم السياسي .. من جهة نجد دستور الملك الممنوح الذي شرعه على مقاصه المخزني .. ومن جهة نجد القوة الضاربة في النظام السياسي المغربي ، التي هي عقد البيعة الذي يعطي لرئيس الدولة ليس كملك .. بل كأمير ، وإمام سلطات استثنائية خارقة .. لا يملكها حتى الشيطان صاحب الخوارق الكبرى ..
فبالنسبة للدستور الممنوح .. فرغم انه يفصل السلطات ، والاختصاصات التي يملكها ، ويزاولها الملك الحداثوي ، ويفصل مختلف ( السلطات ) الأخرى من تشريعية ، وتنفيذية ، وقضائية .. فانه يبقى قاصرا ومتخلفا ، انْ نحن تجرأنا وقارناه بدساتير الأنظمة السياسية في الدول الديمقراطية
فالمقارنة انْ نحن قمنا بها .. ستكون إساءة وظلما لدساتير الشعوب الديمقراطية .. وسيحصل الشرف لدستور الملك الممنوح .. عند مقارنته بغيره من الدساتير الديمقراطية .. بسبب انعدام شروط المقارنة ..
فإذا كان الحكم في الأنظمة السياسية الغربية يتقيد بدستور الشعب .. فان هذا التقييد غير ملزم للملك المغربي .. ففرق كبير بين دستور الملك ، وبين دستور الشعب ...
ان الحاكم في الأنظمة السياسية الديمقراطية الغربية ، ملزم ومجبر ان يتقيد بنص الدستور، في كل ابوابه ، ونصوصه ، وفصوله .. تحت طائلة المسائلة التي قد تصل الى الاعفاء ، وقد تصل الى المحاكمة عند خرق الدستور ... بينما الملك في المغرب ، هو غير ملزم ، وغير مقيد باحترام الدستور .. لان الدستور دستوره .. وليس دستور الشعب ..
فمند بداية الستينات ، والى 2011 تاريخ آخر دستور .. سنجد ان جميع الدساتير التي عرفها المغرب .. كانت عبارة عن دساتير ممنوحة من قبل الملك ، للرعايا .. لذا فالملك غير ملزم بالتقيد بالدستور ، لأنه دستوره ، وليس بدستور الشعب .. رغم ان الدستور يركز الدولة في شخص الملك ، لا في غيره من ( المؤسسات ) المفترضة ..
ان الدستور العرفي الذي يؤسس لأصل النظام السياسي المخزنولوجي المغربي ، هو عقد البيعة الذي يربط رئيس الدولة بالرعية كإمام ، وكأمير .. وليس كملك .. وحتى ندلل على قوة الدستور العرفي ( عقد البيعة ) الذي يؤسس للدولة المخزنولوجية .. فعند حصول تعارض بين دستور الملك الممنوح ، وبين عقد البيعة الدستور العرفي الغير مكتوب .. عند تفسير الموقف من إشكالية من الإشكاليات المطروحة على الطبقة السياسية ، المرتبطة بالكمبرادور ، وبالعراب البتريركي ، وبالنيوبتريمونيالي .. او بالقضايا الاستراتيجية .. فان حق الاسبقية ، وحق الأولوية في التطبيق .. تعطى للدستور العرفي الغير مكتوب الذي يجسده عقد البيعة ، على الدستور الممنوح .. أي انتصار اقطاعية الحق الإلاهي ، على دولة الدستور الوضعي ، رغم ان الملك هو من وضع الدستور ، وفرضه على الرعية ليحكمها كممثل اسمى للامة ..
فكلمة امة لها حمولة اثوقراطية ، تربط القرارات الاستراتيجية ، بالسلطات الاستثنائية لأمير المؤمنين ، الامام التي لا يأتيها الشك او التأويل من حيث اتى .. لان رئيس الدولة يتصرف كخليفة بتريركي يسمو على العامة ، وفوق الدولة بمفهومها العصري وليس التقليدي ..
ان ما يعطي لعقد البيعة قوة على الدستور.. انه يمتح الحكم من الدين الضارب في الوجدان الشعبي ، المُتماهي مع الاركاييكية ، والتقليدانية ، والقروسطوية ، التي تنفخ فيها الخرافة ، والجهل ، وسمو الثقافة المخزنولوجية التي تؤصل للتقاليد المرعية المحنطة ، لأية ردة فعل قد تخرج عن سياق الأزلية ، وسيف دو يزن ، وعقيصة ، والنمرود ، وميمون الهجّام .. وهي ثقافة الجهل الحقيقية التي يرتكز عليها النظام السياسي المخزني ، الغارق بدوره في الثقافة المخزنولوجية ، التي تفرمل بزوغ مناطق السيبة ( مناطق الثوار المنتفضين ) ، وتفرمل بزوغ نماذج الثائر الجيلالي الزرهوني الروگي ، وتفرمل دعاة الملكية البرلمانية ، ودعاة الجمهورية .. وهي مطالب طفت على سطح الساحة منذ سنة 1958 ، التي شهدت مجزرة الريف ، كأول حركة بعد الاستقلال الشكلي ، انتفضت ضد النظام الثيوقراطي ، الكمبرادوري ، البتريركي ، والنيوبتريمونيالي .. واتجهت لبناء جمهوريتها الانفصالية ، التي مثلتها الجمهورية الريفية منذ بداية عشرينات القرن الماضي ...
فالدستور العرفي الغير مكتوب ، يمتح من اقطاعية الحق الالاهي ، التي نصوصها منزلة من السماء .. بخلاف الدستور الوضعي الذي يمتح مما ينتجه الانسان من أفكار ، ونظريات ، تكون معرضة للتأويلات ، ومعرضة للزيادة ، او النقصان ، او المراجعة .. وتكون كذلك معرضة للنقد ، والتجريح ، والتعديل في كل مرة لزم الامر ذلك ..... فيما لا احد في دولة ثيوقراطية ، ولو انها مزيفة في ثيوقراطيتها ، يستطع نقد ، او انتقاد الدين ، او انتقاد القرآن .. لأنه ( كلام الله ) ، وهو ( دستور المسلمين ) .. فتكون المواجهة في هذه الحالة مع العامة الجاهلة ، التي تتطلع دائما لبتريرك ، ولنيوبتريمونيالي يحميها ، ويدافع عنها ، ويذود عليها .. لأنه منذ ان كانت ، وهي تعيش على الخوف من الصواعق ، والامراض المزمنة ، والموت .. ومن الجيْحات المهددة لوجودها .. وتجلى هذا في الزمن الراهن ، مع ظهور الوحش ( كورونا ) الذي جعل الرعية تتشبث بالراعي ، ليحميها من الجائحة حتى تستمر في العيش والحياة .. رغم انها لا تعيش العيشة العادية .. ولا تحيى الحياة العادية كذلك .. أي انها في عيشتها لا تعيش ، وفي حياتها لا تحيى مثل شعوب الدول ، والأنظمة الديمقراطية ...
لهذا نجد ان النظام السياسي المخزنولوجي المغربي ، الفريد لوحده في عالم الأنظمة السياسية ، يتشبث حتى النخاع في ممارسته الحكم بعقد البيعة الديني ، على الدستور الإنساني الوضعي .. كما يحرص على الانتساب الى النبي ، رغم ان هذا لم يخلف عندما مات ولدا ذكرا .. وخلف فقط بنتا واحدة هي فاطمة زوجة عليّ الذي تزوجته بشرط الاّ يتزوج عليها الاّ بعد وفاتها .. ويقال انه بعد موتها تزوج عليّ من وراءها بتسعين امرأة ...
وحتى يصل النظام المخزنولوجي في فرض مركزية شديدة في السيطرة وفي التحكم ، فان البيعة التي يكبل بها الرعايا ، هي من طبيعة خاصة ، في ما يتعلق بالطقوس الممارسة ، و المقصودة ، للتّركيع ، وللفرملة ، ومن ثم إشاعة وتعميم الإهانة .. لان المهان دائما لا يثور ولا ينتفض ..حيث تتم البيعة في المواسم المختلفة ، بطرق اكثر اركاييكية ، تجعل من شخص الأمير يضاهي شخص الخليفة .. أي يحكم وحده .. وتجعل من الدولة إمارة تضاهي الخلافة ... فرغم وجود مؤسسات ، فهي شكلية .. لأنها لا تتمتع بالاستقلالية في تدبير وتصريف أمور الدولة ، التي يبقى فيها التدبير ، والتصريف ، والحكم من سلطات الامير وحده .. لأنه هو الدولة .. ومن دونه ستكون الفوضى .. ووضع كهذا ، يعطي للأمير ، وللإمام التقليدي ، وللملك الحداثوي ، وليس الحداثي .. ولوحده كل سلطة القهر ، والضبط ، والجبر .. ومن ثم اعتبار المخالفين ، او المعارضين .. ولو كانوا في معارضتهم سلميين .. خارجين عن اجماع الامة .. فما اجتمعت امتي على ظلالة .. فيصبح المعارضون في حكم المظللين .. والخطورة الخارجين عن الدين .. لان الأمير الامام ، والشّبه خليفة .. سلطاته التي يمارسها في ظل الامارة .. مستمدة ومقتبسة من القرآن ، ومن الدين ... ( أطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم ) .. والطاعة هنا فرض وليس اختيار، وتعني الركوع والخضوع .. وتفرض بحد السيف اذا لزم الامر .. قال الحسن . اذا قال الثلث يسقط .. وقال الثلثين عاش .. نسحق الثلث .. رغم ان سحق الثلث ، لم يعد ممكنا اليوم ، بتغيير العالم ، وتركيزه على الديمقراطية ، وعلى حقوق الانسان ..
لذا سنجد ان الحاكم في المغرب .. بقدر ما يستعمل ويوظف الدين في صراعه لتثبيت مشروعية حكمه ، فان المعارضة خاصة الإسلامية ، تستعمل بدورها الدين في سحب البساط من تحت اقدام النظام .. وفي إعطاء نفسها مشروعية منافسة ، لمشروعية النظام التي يشككون في قداستها ، وفي انتماءها الثيوقراطي الذي يصفونها مرة بالمسرحية ، ومرات بالديماغوجية .. بل ان هذه التنظيمات لا تعترف بأية مشروعية دينية للنظام ، الذي تصفه بالجبري السارق لنظام الحكم ، والسارق للمغرب ..
انطلاقا من هذه الحقيقة .. فان الملك حين يريد مخاطبة الغرب الديمقراطي .. فخطابه يوجهه كملك حداثوي لا حداثي ، لان الحداث بمفهومها الديمقراطي بعيدة عنه .. لان عيونه مركزة ومنصبة على هبات الدول المانحة ، وعلى القروض التي تتثقل كاهل الشعب المفقر ، ولتعود بطرق احتيالية الى الحسابات البنكية خارج المغرب ، بأسماء حقيقية وبأسماء مزورة ، وبتبييض وجه ديمقراطيته المتعارضة مع الديمقراطية ، وعلى الحفاظ على نظام حكمه الذي لا علاقة له بالحداثة ، ولا بالديمقراطية ، ولا بسيادة حقوق الانسان اطلاقا ..
لكن الملك حين يخاطب الرعايا والداخل .. فخطابه لا يوجهه كملك حداثوي .. بل يوجهه كأمير للمؤمنين من الدولة التي يحكمها ، التي هي دولة الامارة التقليدانية ، وليس الدولة الحديثة العصرية .. أي يوجه خطابه الى الرعية رعاياه ، وليس الى الشعب .. لان في نظام الامارة ، والامامة .. لا وجود لشيء يسمى شعب .. هناك فقط الرعايا الذين لا يرتقوا الى مرتبة المواطنين ، فأحرى الرقي الى مصاف الشعب ..
وبالرجوع الى التاريخ القريب ، وليس التاريخ البعيد .. الكل يتذكر مقلب الحسن الثاني صاحب مقلب اتفاق 1991 مع جبهة البوليساريو .. مع الرئيس الليبي معمر القدافي .. عندما اقترح عليه وحدة بين المغرب وبين ليبيا ، باسم الاتحاد العربي الافريقي .. والخطة من ذلك ، وقد نجح فيها ، كما نجح في اتفاق 1991 .. كان ابعاد ليبيا المعارضة لمغربية الصحراء ، عن محور الجزائر كوبا في قضية الصحراء ... والكل يتذكر كيف جرى اعتماد المعاهدة عندما طرحها الملك على الاستفتاء الشعبي المغربي ، الذي وافق على المعاهدة ، ومن دون تردد ، ب المائة في المائة ... لكن . وبعد ضربة رونالد ريگانْ Ronald Reggan لخيمة " العزيزية " ، واستشهاد ابنة القدافي بالتبني .. ولزم النظام المغربي الصمت ، ولم يصدر عنه أي موقف مساند ، او متضامن ، او محتج .. وترك القدافي لوحده يجتر نتائج الضربة القوية .. خرج الزعيم الليبي بتصريحات عنترية تدين موقف النظام المغربي ، الذي اعتبره تواطئا ، وتأييدا للضربة الامريكية ..
لم يتردد الحسن الثاني بعد تصريح القدافي .. من إعلانه ومن جانب واحد ، عن فسخ ، وحل ، وانهاء معاهدة الاتحاد العربي الافريقي ، واعتبارها لاغية كأنها لم تكن ..
الزعيم الليبي وفي تصريح مباشر ، رفض اجراء الملك الحسن الثاني .. وطالب بضرورة احترام الإرادة الشعبية للشعب المغربي ، التي اقرت المعاهدة ، وليس النظام من اقرها .. لذلك طالب القدافي بعرض حل ، وانهاء ، وفسخ المعاهدة على الاستفتاء الشعبي .. مثلما تم عرضها على استفتاء الشعب الذي اقرها .. كما طالب ان تبث في مسالة الحل المحكمة المنبثقة عن معاهدة الاتحاد العربي الافريقي ..
وكالمعتاد في مثل هذه المواقف الحرجة .. ولتبرير اجراء الملك بحل المعاهدة من جانب واحد .. ودون عرضها على الاستفتاء الشعبي الذي اقرها .. استدعت وزارة الداخلية اساتذتها .. وبعض أساتذة كلية الحقوق الثرثارين مثل حال اليوم .. لشرح الوضوء بالماء .. ليشرحوا للشعب المغربي ابعاد وقانونية الاجراء المغربي .. وكان من بين الحاضرين العامل حسبي الذي سيصبح وزيرا لوزارة الوظيفة العمومية .. العامل السرغيني مدير مديرية تكوين الأطر .... لخ .. لكن للأسف عوض مسك اصل الاجراء ، والتدليل على مشروعية التصرف .. بدأ هؤلاء يشرحون ويفسرون المعاهدات في القانون الدولي ، ويخلطون بينها ، وبين الاتفاقيات في هذا القانون ، وأنواع المعاهدات ، وسريانها ، واطرافها ثنائية او متعددة ، وحالات انهائها ، او فسخها .. ..لخ .. أي كانوا يلقون محاضرة في القانون الدولي ، ولم يكونوا يعالجون تصرفا من زاوية . هل الاجراء هو مشروع او غير مشروع ... أي ماهي المشروعية التي استند اليها الملك ، لحل معاهدة اقرها الاستفتاء ، وتم حلها من دون استفتاء ... وهي مشروعية ليست دستورية ، لان لا علاقة لها بدستور الملك الممنوح ..
الملك الحسن الثاني صاحب المقالب الكبرى .. قولب القدافي حين سحبه من محور الجزائر .. وقولب الجزائر والبوليساريو باتفاق 1991 .... وحين الغى الملك ومن جانب واحد معاهدة الاتحاد العربي الافريقي .. ومن دون الرجوع الى استفتاء الشعب الذي اقرها .. فهو تصرف كإمام ، وكأمير للمؤمنين .. ولم يتصرف كملك .. ومن ثم فانه لم يلتزم بالدستور الذي ينص ان السيادة للشعب ، يمارسها بواسطة بالاستفتاء ، وعن طريق ممثليه .. أي ما انْ يشرع الممثلون في ممارسة السيادة ، حتى تصبح منزوعة عن الشعب ، الذي يصبح بدون سيادة ، التي ستصبح سيادة الملك الممثل الاسمى للامة .. فهو رجع الى عقد البيعة الذي يعطيه سلطات استثنائية خارقة كأمير للامة ، وليس الدستور الذي يعتبره مجرد ملك .. ففلسفة عقد البيعة ، تعني انّ الامة ، والرعية ، وليس الشعب .. قد فوضوا للأمير الامام ، حق التكلم باسمهم ، وفي غيبتهم .. وفوض له كل سلطات الخوارق ، في اتخاذ ما يراه هو كأمير، امرا ضروريا من دون الرجوع الى استشارة الرعية الجاهلة ، التي لا يستشيرها اطلاقا لجهالتها .. فالأمير الامام يتصرف في اتخاذ القرارات ، كخليفة الله في ارضه ، حيث لا يأتيه الخطأ من حيث اتى .. ولا يتصرف كملك ...
فالحسن الثاني عندما ابرم معاهدة الاتحاد العربي الافريقي ، ابرمها كملك حداثوي .. وعندما امر / ولم يدعو/ الشعب للتصويت على المعاهدة في استفتاء شعبي .. اعتبر المُستفتين شعبا ، وليسوا رعايا ... لكن عندما ابطل وفسخ المعاهدة من جانب واحد ، تصرف كأمير للمؤمنين ، وامام للرعية ، ولم يتصرف كملك .. وعندما فسخ المعاهدة دون الرجوع الى الاستفتاء الذي اقرها .. يكون قد تعامل مع المستفتين كرعايا ، وليسوا كشعب .. مثلما اعتبر الصحراويين الذين كانوا نصيبا لموريتانية بمقتضى اتفاقية مدريد الثلاثية ، مواطنين موريتانيين ، ويكونون جزءا من الشعب الموريتاني .. لكن عندما شفع الإقليم في سنة 1979 ، لم يعد يعتبر الصحراويين ، لا شعبا ، ولا مواطنين موريتانيين .. بل اعتبرهم مجرد رعايا ، قدم بيعتهم زعماءهم الذين اصبحوا رعايا ، ولم يبقوا شعبا كما كانوا في موريتانية ..
فالحسن الثاني الذي مقْلب الزعيم الليبي معمر القدافي عندما حيّده عن محور الجزائر .. مقلبه عندما فسخ المعاهدة من دون الرجوع الى الاستفتاء .. ومقلب الجزائر وجبهة البوليساريو عندما استدرجهم لتوقيع اتفاق 1991 .. ومقلب المغاربة عندما ظنوا انهم اصبحوا شعبا ومواطنين ، عندما صوتوا في الاستفتاء الذي من المفروض ان يعكس سيادة الشعب .. لكن فرحتهم لم تطل كثيرا ، حين ارجعهم الى وضعهم الحقيقي اللاّئق بهم كرعايا ، عندما لم يستشرهم عند فسخه المعاهدة من جانب واحد .. كأمير ، وكإمام للامة الرعايا ، وليس كملك يطبق الدستور في الحالات العادية ، ويفر الى عقد البيعة في الحالات الاستثنائية ...
ان الملك حر في اللجوء او في عدم اللجوء الى دستوره .. ما دام ان الدستور دستوره ، وليس بدستور الشعب ... كما لا توجد سلطة جبرية ، او قهرية ، تملك الصلاحيات لإجبار الملك على التصرف ، او عدم التصرف في شيء يخصه ، ويدخل في ممتلكاته ... فالدستور دستوره ، وليس دستور احد ...
ان النظام السياسي المخزنولوجي المغربي ، يمارس ازدواجية تقليدانية في ممارسة الحكم .. وهذه الازدواجية هي الجمع في آن ، بين دستور الملك الممنوح للرعية والأمة .. وبين عقد البيعة الثيوقراطي الاسلاموي ، المستوحى سلطاته الخارقة من ميثولوجيا الدين .. وغير المستوحى من القانون الوضعي ..
لكن حين يصبح الدستور الممنوح ، في وضع حرج مع غايات ومصالح النظام البتريركي ، الكمبرادوري ، النيوبتريمونيالي .. كما حصل عند ابرام ، وعند فسخ معاهدة الاتحاد العربي الافريقي .. او عند ابرامه اتفاق 1991 دون مراجعة الرعايا ( الشعب ) .. فان الملك يتجاهل دستوره ، لصالح الدستور العرفي الغير مرئي ، والغير مكتوب .. الذي هو عقد البيعة الذي يمتح سلطاته من القران .. وهذه معجزة من معجزات النظام المخزنولوجي ، التي تجعل كبار أساتذة القانون الدستوري والأنظمة السياسية الاوربيين ، والامريكيين ، وأساتذة العلوم السياسية ، وعلم السياسة ، وعلم الاجتماع السياسي .. يبقون مشدوهين في فهم نظام مغلق/ منفتح ، لا مثيل له في العالم ..
ان هذه الازدواجية في ممارسة الحكم .. هي ما يحرص عليه النظام المخزنولوجي ، النيوبتريمونيالي ، الاوليغارشي ، البتريركي ، الكمبردوري ، الثيوقراطي ، الاثوقراطي ، المفترس والمهرب لثروة الشعب المغربي المفقر ، القروسطوي ... على تفسيرها بنظام يجمع بين ( الاصالة ) وبين ( المعاصرة ) ... وهي سلاح خطير يثير وجدان الناس الانفعالي في التصرف .. دون التركيز على العقل والمنطق .. أي أنه نوع من الدعوشة المجسدة بين الامام المستبد الطاغي ، وبين الرعية التي يجعلونها ترتبط بشخص الأمير الامام ، ولا ترتبط بالمؤسسات الصورية التي هي مؤسسات في ملك الأمير الامام .. الوزراء وزراءه يشتغلون كموظفين سامين في دار المخزن .. والبرلمان برلمانه ، والقضاء قضاءه ، والدولة الفريدة دولته ..وهذه الفلسفة المخزنولوجية ، غالبا ما يتم تصريفها في المساجد ، التي حرص الامام على اغلاقها ، خوفا من ان تكون شرارة ، وقاعدة انطلاق أي هزة ، او ثورة مرتقبة ، خاصة وان المستقبل لا يبشر بخير، امام انتظار حصول فراغ في الحكم .. كذلك تتم هذه الفلسفة المخزنولوجية ، ضمن قصر الإفتاء ، الذي تتولاه المجالس ( العلمية ) المخزنية ...
اذا كانت الدساتير كلها ممنوحة من قبل الحاكم ، للمحكومين المغلوب على امرهم ، لجهالتهم ( اخ الجهالة في الشقاوة ينعم ) .. وبتزكية من جميع الأحزاب والنقابات .. فان الأخطر في هذا الوضع ، هو ممارسة فلكلور البيعة بتلك الطريقة المقززة ، التي تحيل الى دروب القرون الوسطى ، وربما تحيل الى الطقوس الغابرة في التاريخ ...
ان هذه البيعة تتم في مرحلتين اثنتين ، ومرتين في السنة .. وهما ما يزكيان التمركز المفرط للحكم ، في يد الامام الأمير لوحده دون غيره ..
الأولى .. وهي البيعة التي يجريها النظام كل سنة ، عند حلول عيد جلوس الملك على كرسي الحكم ، وليس العرش .. لان العرش لله وحده لا لغيره .. ان هذه البيعة التي تتم بطريقة تثير سخرية الغربيين وشعوب العالم .. يحضرها كل هب ودب .. ودون اعتبار لمكانة ، او لمنصب ، او جاه ، او نفود قبائلي .. او ما شابه ذلك .. وهي البيعة التقليدية الفريدة من نوعها ، ولم يسبق في تاريخ تقديم البيعات ، انْ كانت بيعة على هذا الشكل .. لأنها مظهر من مظاهر العبودية ، التي أزالتها الشعوب في ثوراتها ضد الاقطاع ، وضد الأنظمة التي تنتج ، وتعيد انتاج العبودية بشكلة المقزز، والمرفوض ..
كما يرجى من هذه البيعة ، ترسيخ الاذلال ، والمهانة ، والركوع ، والتركيع ، والخضوع ، والاخضاع ، وتعميم ثقافة العبودية على الرعايا .. لتصبح الإهانة والاذلال ، بركة يضفيها الأمير على الرعية ... فالرعايا في دولة امير المؤمنين ، هم وحده من بين شعوب العالم ، يتبركون ويفرحون ، حين يجوعهم الأمير، وحين يهينهم ، ويحين يذلّهم ، وحين تنهال عصاه على ظهورهم وهم يصيحون في شكل هستيري مرضي مشفق عليه .. عااااش سيدنا --- عاااااااااااااااااااش سيدنا ... عااااش الملك .... الله يَنْقصْ مَنْ عْمرْنا ويْزيدْ فعْمرْ سيدنا ...
الثانية – اما البيعة الثانية .. وهي الأكثر قوة من الأولى .. فهي البيعة التي تحصل كل جمعة ثانية من شهر أكتوبر ، من كل سنة تشريعية .. وهي دورة الخريف التشريعية التي يفتتحها رئيس الدولة كإمام ، وامير .. ولا يفتتحها كملك .. والخطاب الذي يوجهه للمنتخبين البرلمانيين ، يوجهه الى الامة الرعية .. والخطاب هو امر يومي ، مثل الامر اليومي للجيش .. لا تتبعه اية مناقشة .. فالأمير يوجهه خطابه كأمر. يحدد مختلف المسارات التي على نواب الملك باسم الرعية ، ان يتفانون في خدمتها .. وهي طبعا مصالح الأمير ، وعائلته ، واصدقاءه ، والمحيطين به ، والمقربين منه .... فالبيعة التي يجسدها ( نواب الامة ) ، وهم في الحقيقة نواب الأمير الامام .. تجسد البيعة الحقيقية للرعايا ، وللامة .. للملك كإمام ، وكأمير ... وهي بيعة اثقل واخطر، من بيعة ذكرى جلوس الملك على كرسي الحكم .. لان الأمير من خلال هذه البيعة التي يقدمها أولئك الذين صوتوا عليهم الرعايا .. يكونون قد قدموا بيعة الرضوان للرعايا للراعي الأول الكبير .. مولانا الملك السلطان قدس الله روحه ..
ومثل اللباس المخزني الذي يرتديه المبايعون ، عند أداء فروض الطاعة والولاء ، وهم يبايعون ، منحنون ، صاغرون ، ومحقرون .. امير المؤمنين الامام الكبير ، وسبط الرسول الكريم .. فان نواب الأمير الامام ، يرتدون اللباس المخزني المفروض بقوة البروتوكول المخزني ، لدار المخزن التي هي دار " تْرابي ترْبيَّةْ المخزن " ، التي تحرص على إدامة التربية المخزنية .. وإعادة تربية من حاول الخروج عن طاعة المخزن ، ليعود الى دار الطاعة ذليلا ، مكسورا ، ومتسولا .. " مْزاوگ .. عبد مْشرَّطْ لحْناكْ " ..
يلاحظ ان جميع الأحزاب التي شاركت ، او تتحضر للمشاركة في الانتخابات التشريعية المقبلة .. تؤمن ، او أصبحت تؤمن عن طيب خاطرها ب " تْرابي دارْ المخزن " . منهم رجع للدار منذ ستينات القرن الماضي .. وكان الرجوع في سنة 1975 ( المؤتمر الاستثنائي لحزب الاتحاد الاشتراكي ) .. ومنهم من رجع في ثمانينات القرن الماضي ( منظمة العمل الديمقراطي الشعبي ) .. ومنهم من يتهيأ للرجوع قريبا لهذه الدار ، التي وحدها تعرف من اين تأكل اكتاف الخرفان ..
لهذا لا نفاجأ حين ترفع كل الأحزاب ، ومن دون استثناء شعار ( الحداثة ) من جهة .. من جهة ترتمي ومن دون فرامل ، في الطقوس ، وفي التقاليد البالية المرعية ، التي تجسد للاركاييكية ، والفاشية السلطوية باسم الدين ( الامام ) ، ومن داخل قبة البرلمان الذي يلعب دورا في التأصيل الأساسي ، لدولة الامارة ، والامامة ، عندما يوجه رئيس الدولة خطابه كأمر يومي للمنتخبين البرلمانيين ، الذي يكتفون بالإنصات للخطاب ، بخشوع ، وبوطنية مزيفة مبالغ فيها .. والخطاب ممنوع ان يستتبع بمناقشة برلمانية .. لان كلام الامام ، لا يناقش داخل برلمان الامام الأمير .. والمأمومون ، لا يجادلون خطاب وامر الامام ... فالجالسون في قبة البرلمان ، هم نواب للأمير .. منهم ومن غيرهم ، ستتشكل حكومة الملك .. التي ستنزل برنامج الملك ، الذي لم يترشح للانتخابات ، ولم يصوت عليه احد .. واصبح الجميع ، برلمانيين ووزراء .. والجميع موظفون سامون بدار المخزن .. يتضافرون لخدمة برنامج الملك .. ورميهم لبرنامجهم الذي خاضوا على أساسه ( حملتهم الانتخابية ) في القمامة .. وهو يفعلون ذلك فرحين ، مزهوين ، ونشيطين اكثر من اللازم ... " خدْمتْ الدّارْ لكبيرة " التي تتحكم في " البزُّولة " ...
ان ممارسة الحكم بالمزاوجة بين مشروعيتين .. من المفروض ان تكونا متناقضتين .. الدستور الممنوح الذي ركز كل السلط ، وكل الحكم في يد الملك الحداثوي .. وعقد البيعة الذي يجعل منه اماما ، واميرا للمؤمنين ، وراعيا كبيرا .. ويعطيه سلطات خارقة لا يملكها الشيطان صاحب الخوارق ، الذي اخرج الانسان من الجنة عندما اوعز له بأكل تفاحة .. ( اكل تفاحة يخرج صاحبه من الجنة ) ويكره الانسان الذي احبه الله .. لهو قمة العبث الذي جعل النظام السياسي المخزنولوجي المغربي .. نظاما فريدا ، وشادا وحده في عالم الأنظمة السياسية ، التي تركز على الديمقراطية ، وعلى حقوق الانسان ...
وبما ان الأنظمة السياسية الديمقراطية تستند على مشروعيتي . المسألة الديمقراطية ، ومسألة الانتخابات .. نطرح السؤال .. في أي منحى واتجاه تهدف مشروعية النظام السياسي المخزنولوجي المغربي ، بالنسبة للمسالة الديمقراطية ، وبالنسبة لمسالة الانتخابات ... فالنظام المخزنولوجي المغربي يدعي بدون خجل ولا حشمة .. تأصيل حكمه على الديمقراطية وحقوق الانسان .. وعلى الانتخابات والاستحقاقات السياسية .. مفتخرا بانتسابه الى عالم الأنظمة السياسية الديمقراطية .. وكأن الغرب الذي تتكون منه الدول المانحة ، يجهل حقيقية النظام السياسي المغربي ، سواء بالنسبة لديمقراطية الاستثنائية المتعارضة مع الديمقراطية ، او من خلال تنظيمه الاستحقاقات السياسية ، لتثبيت استبداد ، وطغيان النظام النيوبتريمونيالي ، والبتريركي ، والكمبرادري ..
ا ---- الدولة النيوبتريمونيالية ، والبتريريكة ، والكمبرادورية عدوة الديمقراطية ومدمرتها : ان المسالة الديمقراطية في الدولة المخزنولوجية ، التي تسيطر عليها مافيا / عصابة إجرامية في حق الشعب ، وتعيش على النهب ، وافتراس الثروة ، وتهريبها الى الابناك والمصارف الاوربية ، بأسماء حقيقية ، وبأسماء مزورة .. تطرح اول ما تطرح . التساؤل الجذري حول نظام اقطاعي ، على شاكلة الملكيات الاوربية التي اسقطتها الشعوب الاوربية ، عندما ثارت عليها ، وثارت على غلافها الديني الذي كانت تبرر به استبدادها ، وطغيانها ، وهمجيتها عند مواجهة الشعوب الاوربية .. عندما زاوجت الثورة على الاقطاع ، بالثورة على الكنائس .. وهو ما يعني التساؤل الصحيح عن مشروعية الاقطاع المغربي ، المغلف بالدين ، لتثبيت الامارة والامامة ، الغارقتين في الطغيان ، وفي الاستبداد في اطار اقطاعية سياسية ، لا مثيل لها في عالم الأنظمة السياسية العالمية ..
ان مجرد القول بالدولة المخزنزلوجية القبائلية .. ينفي اتوماتيكيا مبدأ الديمقراطية ، ومبدأ حقوق الانسان ، المؤسسان لمشروعية الحكم في الأنظمة ، والدول الديمقراطية .. لا سيما من خلال :
1 ) الاستلاء على كافة السلط من تشريعية ،وتنفيذية ، وقضائية .. أي الاستيلاء على الدولة .. فالدولة هي الملك .. والملك هو الدولة .. والباقي مجرد توابع في مِلْك الملك ..
2 ) عدم الاعتراف الكلي بالأحزاب ، والهيئات السياسية كمؤسسات تمثيلية ، مع الفصل أصلا ، بين التمثيلية والانتخاب . بل واعتبار العلاقة " مباشرة مع الشعب " ، الذي يتم التعامل مع افراده ك " عبيد / رعايا " لا كمواطنين ...
3 ) فرض مبدأ قداسة الحكم التي لا يجوز معارضته او المس بها ، او حتى التفكير في ذلك .. فأي عمل او تعامل سياسي يجب ان يندرج ، وفقا لقانون النظام الملكي ، وقانون الحق الإلهي الذي يسمو بالأمير فوق الرعية .. في اطار احترام القيم السياسية الاقطاعية السائدة .. حيث يستمد العمل السياسي مشروعيته من مشروعية النظام الملكي ، ومن طقوس اقطاعية الحق الالاهي .. وليس العكس .. وهنا تحضرنا بعض الهيئات التي قد تعتبر مؤسسات حقيقية ، ك " دار المخزن " ، " ترابي المخزن " ، " طقوس توارگة " ..
هذا هو جوهر مشروعية النظام المخزنولوجي ، الطاغي ، والاستبدادي ، والرجعي ، الغارق في التقاليد المرعية ، والطقوس القروسطوية .... الملكية المطلقة .. حيث عكست كل الدساتير التي عرفها المغرب من الستينات ، وحتى سنة 2011 التي انفرد القصر دائما بوضعها .. تقنينا لأوضاع السلطة الاستبدادية ، التي لم تجعل من الديمقراطية في يوم من الأيام ، هدفا ولا طريقا في الحكم .. بل عملت دوما على محاربتها ، والتحالف تاريخيا وحاليا مع القوى الاستعمارية التي تنكرت لها في قضية نزاع الصحراء الغربية ، وفي قضية اسبانية ثغرتي سبتة ومليلية ، والجزر الجعفرية .. بل حتى إسرائيل التي اخرج معها العلاقات الى الواجهة ، لا تعترف بمغربية الصحراء ، وهي ضد مغربيتها .. وتعترف بان سبتة ومليلية هي حدود اوربية مع افريقيا .. كما لا تعتبر جبهة البوليساريو منظمة إرهابية .. ونفس الشيء بالنسبة للاتحاد الأوربي ، ولواشنطن ، وكندا ... فالنظام يبحث عن تقديم خدماته بالمجان ، في سبيل الحفاظ على الصحراء ..لأنه متيقن ان في ذهابها ذهابه .. وهذا ما يدفعه الى مفهومه السياسي الخاص للديمقراطية ، التي يفهمها طغيانا ، واستبداد ، وافتراسا لثروة الشعب المفقر ، وتهريبها الى خارج المغرب .. مع العلم انها ثروة الشعب .. فالنظام يفهم الديمقراطية انها صيغة للتساكن بينه وبين الرعايا المحكومين ... ولا يفهما انها حقوقا وواجبات ..
هكذا ، حرص القصر على افراغ الديمقراطية من مدلولها الحقيقي ، وتمييعها بجعلها مجرد لعبة تنافس سياسي ، يتصدر دفتها الملك من موقع الحكم البتريركي النيوبتريمونيالي ، الذي تتهافت عليه كل الأطراف للتظلم والتباكي على اعتابه الشريفة ، للاستفادة من اراداته ولاستمداد المشروعية منه لا من الشعب ... حكومة جلالة الملك ومعارضة جلالة الملك ...
قد يبدو هذا التحليل مجرد تكرار للبديهيات .. لكن ما الذي جعل بديهيات الامس ، ومسلماته ، موضع طعن وتشكيك من طرف البعض ؟
وماذا تغير في جوهر النظام وطبيعته ، حتى يتسابق هذا البعض اليوم مثل الامس ، على دور المعارضة البناءة رافضا استخلاص الدروس ، ومتماديا في تحريفه وتزييفه الخاص للديمقراطية ؟ ..
ب ---- وظائف الانتخابات عند النظام النيوبتريمونيالي ، البتريركي ، الكمبرادوري : اذا كانت الاقطاعية السياسية المخزنولوجية ، هي جوهر الحكم المطلق القروسطوي ، فان الطابع السائد في الخطاب الأيديولوجي والسياسي التقليدي للنظام المخزني يبقى هو الازدواجية ، حيث نجد من جهة المفاهيم المخزنولوجية البالية الغارقة في التخلف التقليداني المخزني ، ومن جهة أخرى التهافت الليبرالي المشوه في الشكل وفي اللهجة .. وهذه السكيزوفرانية عند الممارسة تطرح المعادلة القائمة على الصعيد الاجتماعي ، بين الأصول الاقطاعية للدولة المخزنولوجية ، والتطلع الى نحو الحداثوية وليس الحداثة ، من خلال اخضاع البرجوازية الوطنية ، وكذلك سجن الفئة العليا من البرجوازية الصغيرة في دور لا يمس الهياكل الأساسية الاقطاعية .. بل يسعى فقط الى ترميمها واصلاحها ومعارضتها المعارضة " البناءة " ..
ومن هنا كان الحرص الدائم لذا النظام المخزنولوجي ، هو احداث اكبر ما يمكن من الرواج السياسي .. لكن في اطار لا يتجاوز حدد " الطبقة السياسية " ، سيرا على مبدأ : " السياسة مع النخبة ولها ، وليس مع الرعية الجاهلة " . وهذا هو تكتيك ما يسمى بالانفتاح الذي مارسه وكرره ، سواء من خلال الحملة الانتخابية في الستينات والسبعينات ، أي مباشرة بعد انقلاب القصر ، وانفراده وحده بالحكم ، او سنة 1965 على اثر الانتفاضة الشعبية ، او سنوات 1971 و 1972 ، على اثر المحاولتين العسكريتين لقلب النظام .. او اثناء حركة 20فبراير والدستور / المقلب 2011 .. ثم حاليا حيث يتم التحضير للانتخابات في ظل وضع اكثر من مأزوم ومتأزم على كافة المستويات .. وعزلة دولية للنظام الذي اصبح منبودا دوليا وداخليا .. وظهرت العزلة الدولية في ملف الصحراء الغربية ، وفي ملف سبتة ومليلية .. والموقف الدولي المؤيد لإسبانية في الاحداث التي حصلت مؤخرا مع النظام المغربي .. فالنظام يعيش ضائقة سياسية تتطلب منه إعادة ترتيب أوضاعه من جديد داخليا حيث العزلة الشعبية ، وخارجيا حيث عزلة المجتمع الدولي بسبب السؤال عن الديمقراطية التي وعد بها عند تولي محمد السادس الملك ولم يفي بها اطلاقا .. وملف حقوق الانسان المغتالة والمذبوحة بخنجر حافٍ .. وملف نزاع الصحراء الذي اضاعه .. حيث كل المجتمع الدولي يرفض الاعتراف بمغربية الصحراء .. كما رفض اعتراف Trump المقلب بمغربية الصحراء .. وساند المجتمع الدولي اسبانية في نزاعها مع النظام المغربي في قضية سبتة ومليلية .. بل لم يتضامن و لم يساند أي نظام عربي ولا افريقي النظام المغربي .. وهو موقف ليس له من تفسير، غير التضامن الدولي مع الاتحاد الأوربي الذي تنتهي حدوده بالحدود الفاصلة بين سبتة ومليلية وافريقيا ... وللأسف فخرجة المفوضية الاوربية لم تذكر بالاسم المغرب وذكرت افريقيا .. .. ان هذا يعني ان الانتخابات تبقى الوسيلة الوحيدة المتبقية لذا النظام لينفتح من جديد على الشعب الذي اهانه واذله عندما افقره بعد الاستيلاء على ثروته وتهريبها الى خارج المغرب .. فهل الشعب سيقبل على انتخابات الملك ، لصناعة نواب الملك ، لتشكيل حكومة الملك .. والجميع بالأمر اليومي سيكون مجندا لخدمة الملك ، وخدمة عائلته ، واصدقاءه ، والمقربين منه ....
ويجب توقع مقاطعة قوية لانتخابات الملك .. لان الشعب فاق من السبات ، وهو يعرف ان انتخابات الملك ، ضمن دستور الملك الذي يجسد فيه وحده الدولة .. الهدف منها تحقيق ثلاثة وظائف ، تخدم الملك ، وتفقر الشعب . وهذه الوظائف نوجزها في : 1 ) إضفاء ( مشروعية شعبية على الحكم المخزنولوجي .. وهو المتعارض تعارضا كليا مع الشعب الذي لا يعيره ادنى أهمية ، ولا قيمة ، ولا اعتبار .. 2 ) تجديد تحالف الصدفيات الموضوعة رهن إشارة الملك في الحكومة وفي البرلمان ..3 ) تسهيل تمكن النظام من تقنين أساليب القمع السياسي الموكول لجهازه البوليسي المغلق والفاشي .. وتسهيل أساليب القمع الأيديولوجي عن طريق جهازه السلطوي القروسطوي الذي تبْرع فيه مخلفات الاستعمار كالقٌيّاد ، والخلْفانْ ، والباشوات ، ورؤساء الدوائر ..... لخ .. ففي النظام المخزنولوجي وحده ، توجد هذه المركبات الاركاييكية ، الى جانب القوات المساعدة التي تؤثث كآلة متوارثة عن الكلونيال في مغرب استقلال إيكس ليبان ..
ان الجهاز القروسطوي المتحدر عن سلالة الباشا لگلاوي ، وقُيّاد الاستعمار الذي لا يزال يجلد المغاربة في الشوارع ، تنفيذا للأمر اليومي لدار المخزن ( تْرابي دارْ المخزن ) .. ويصادر ارزاقهم باستعمال أعوان المقاطعات ، واعوان القوات المساعدة ... بطبيعته ، وتسلسله ، والهرم الذي يجمعه ، وينشط فيه ووظائفه .. يعتبر اكبر عدو على الاطلاق للشعب المغربي .. وللديمقراطية ، ولحقوق الانسان ..
فلنحلل عن قرب هذه الوظائف الرجعية على ضوء " التجارب الديمقراطية " الماضية والحاضرة وخاصة وان كل ديمقراطية غير ديمقراطية تأخذ اسم صاحبها .. كالديمقراطية الحسنية ، والديمقراطية المحمدية ....
ا --- اذا كانت الاستفتاءات الدستورية قد استهدفت إضفاء المشروعية على طبيعة الحكم الأكثر من مطلق .. فان الانتخابات تعدت ذلك نحو فرض مشروعية الوضع الاستبدادي ، والطاغي ، والأكثر من دكتاتوري ، بترتيبه الجديد .. أي بتكامل الصفة المخزنية ، للإيديولوجية المخزنولوجية للحكم ، مع واجهة ليبرالية شكلية ومشوهة .. مركبة من برلمان ، ومجالس ، وهيئات موازية ، كالمناظرات واللقاءات وغيرهما ..
هكذا . فبعد ان تمكن النظام من فك عزلته نسبيا في بداية العشرية الأولى من الالفية الثالثة .. حتى عاد ليعيش عزلة شعبية جماهيرية مغربية داخلية خطيرة ، تنبئ بتفجر الوضع في كل دقيقة ولحظة .. وعزلة دولية لم يسبق لنظام من الأنظمة السياسية الاستبدادية والطاغية ، ان عاشها في تاريخ عزلة الأنظمة السياسية الدكتاتورية ، المريضة مرض أصحابها بالأمراض المستعصية الكثيرة ..
فالهدف من الانتخابات ، وفي ظل دستور الملك الممنوح ، الذي يختصر فيه وحده الدولة .. تصبح وظيفة الانتخابات تثبيت مشروعية شعبية على نظام اكثر من دكتاتوري ، واكثر من طاغي واستبدادي .. وتكون الدكتاتورية ، ويكون الاستبداد والطغيان ، مبررا بالانتخابات ، باسم حب ، وتماهي الشعب الذي شارك في الانتخابات .. وهذا الوضع المُزْري ، والحربائي ، والغير أخلاقي .. يذكرنا حين ورط النظام الشعب ، في الاعتراف بالجمهورية الصحراوية ، وبالحدود الموروثة عن الاستعمار عندما الذي صوت برلمان الملك ، بأمر من الملك على القانون الأساسي للاتحاد الافريقي في سنة 2016 ، ونشر الاعتراف بالجمهورية الصحراوية في الجريدة الرسمية للدولة العلوية في يناير 2017 – عدد : 6539 ... فالملك بهذا التصويت لبرلمان الملك ، باسم برلمان الشعب ، حمل الشعب مسؤولية الاعتراف بالجمهورية الصحراوية .. واصبح الملك كقانوني يقدس ويحترم اختيارات الشعب ، ملزم في الذهاب بعيدا في اتخاذ القرارات التي تهم التموضع ، والتموقع داخل الاتحاد الافريقي .. فالإهانة التي اصابت المغرب عندما صوتت الجمهورية الصحراوية على انضمام النظام المغربي الى الاتحاد الافريقي .. وأداء النظام المغربي لقسم الانضمام الى الاتحاد الافريقي امام سفيرة الجمهورية الصحراوية التي كانت تترأس الدورة .. هي إهانة الحقها الشعب الذي صوت على القانون الأساسي بالمغرب وليس النظام الذي الزم بما صوت عليه الشعب ...
فالانتخابات سلاح خطير بيد النظام .. وفي غياب الدستور الديمقراطي تكون مقاطعتها واجب وطني ، وفرض عين ..
ب --- اما الوظيفة الثانية ، وهي تجديد تحالف الأحزاب الصدفيات . وهذه تبرز من خلال ظاهرتين .. أولهما تذويب البرجوازية المتوسطة ، او على الأقل الفئة العليا منها ، في اطار الطبقة المخزنية ، الرأسمالية ، وتجريدها من كل صفات الوطنية ، ومن إمكانية التطور المستقل لديها .. هذا في الوقت الذي انحدرت الفئات السفلى منها .. وباختصار ، فان ما حدث ويحدث اليوم هو تفكيك البرجوازية الوطنية كطبقة في بداية العشرية الأولى من الالفية الثالثة وبالضبط منذ 1999 ... حين ماتت السياسة .. والمحاولة الفاشلة لا عادة تقوية هذا الوجود في الوقت الحضر .. لكن هل ممكن بث الروح في جسم ميت ..
اما الظاهرة الأخرى ، فهي ان حصيلة هذه التجربة في عمومها ، قد انحصرت في المفهوم الذي عبر عنه النظام منذ انطلاقها .. أي مفهوم تكوين اطر ملكية ، بفتح باب أوسع للتمييع ، والارتشاء ، والتدرب على أساليب الحكم المخزنية ، والعمل على استقطاب العناصر المشاركة في " التجربة الفتية " على اختلاف مشاربها ، وبناء على تصوره الذي يعتبر الأحزاب مجرد مدارس لتكوين اطر قد لا يستحيل استيعابها ودمجها في جهاز الدولة المخزنية .. مثلا المتياسرين الذين التحقوا بحزب فؤاد الهمة " الاصالة والمعاصرة " ، والتحقوا بمؤسسات النظام خاصة ( الحقوقية ) منها ...
ج --- غير ان الوظيفة الأساسية للانتخابات تبقى هي احتكار تحديد الحقل السياسي المشروع ، ورمي أي عمل او نضال ديمقراطي غير انتخابوي في اللاّشرعية .. فعلى عكس ما يذهب اليه أصحاب الخط الانتخابي من ان الانتخابات تسمح للشعب ، وللجماهير باقتحام الساحة السياسية ، فان المشاركة في الانتخابات لم تكن الاّ تطبيعا للمزيد من تهميش الجماهير الشعبية ، وانتهاك حقوقها الدنيا ، باسم الديمقراطية الانتخابوية هذه المرة .. هكذا بقيت تلك الجماهير مبعدة ، ومهملة ، ومهمشة ، ولا يتم اللجوء اليها الاّ بشكل ظرفي ، سواء من طرف النظام البتريركي ، الكمبرادوري ، و النيوبتريمونيالي .. او من طرف القيادات العاجزة ، لتزكية وضع من الأوضاع ، كما كان الشأن في المسيرة الخضراء ، وفي المسيرات ضد بانكيمون ، وضد عبد الاه بنكيران .. او كما الشأن في الحملات الانتخابية ، الشيء الذي طبع ما يسمى بالديمقراطية الحسنية ، وما يسمى بالديمقراطية المحمدية ، بالنخبوية .. وهنا يكمن الدور الخطير للانتخابات ..
ان محاولة إضفاء المشروعية على حكم مخزني لا شرعي ، باسم الديمقراطية المفتري عليها ، ليست في نهاية الامر ، سوى شكل من القمع الأيديولوجي ..
والكل لا يزال يتذكر خطاب الحسن الثاني غداة عشية هبّة يونيو1981 ، التي وصفها وزير الداخلية المقبور ادريس البصري بشهداء " كوميرة " ، انها كانت خروجا عن الديمقراطية .. .. نعم ان تلك الانتفاضة ، والانتفاضات التي لحقتها في سنة 1984 ، و 1990 ، و 20 فبراير ...لخ ، كانت خروجا عن مفهوم النظام للديمقراطية التي يريدها حزاما واقيا ، وقيدا على النضال الشعبي .. ولهذا كانت تلك الانتفاضات حسما شعبيا مع شعارات النظام ، واعلانا عريضا عن نهاية وهم " الاجماع الوطني " اجماع الصدفيات الفارغة ، وحجة قاطعة على الطابع الهامشي النخبوي ، لما يسمى كذبا بديمقراطية النظام المغربية ، التي فشلت ، وافلست باعتراف الملك نفسه بالفشل .. لكن للأسف لم يطرح البديل .. وما زال يحصد الفشل تلو آخر .. ولا اذل على ذلك التهميش والعزلة التي يعاني منها داخليا ، وخارجيا .. ولا دولة واحدة تعترف بمغربية الصحراء ... ودول العالم ، والاتحاد الأوربي ، والإدارة الامريكية الديمقراطية ، والعالم الحر رفضوا اعتراف Trump المقلب بمغربية الصحراء .. ويعترفون بجبهة البوليساريو التي لها مكاتب بدول الاتحاد الأوربي ، وبواشنطن ، وبالأمم المتحدة بنيويروك .. كما ان كل الدولة رفضت اتهام النظام المغربي للبوليساريو بالإرهاب .. ولو كان حقا إرهابيا . هل كان انْ تكون له تمثيليات بكل دول العالم ... كما ان العالم من خلال الصمت ، تضامن ماع اسبانية في نزاعها مع النظام المغربي الابتزازي .. ولا دولة من الدول العربية ، او المغاربية ، او الجامعة العربية ، او الاتحاد الافريقي قد تضامن مع النظام المغربي في حماقاته .. وشطحاته .. بخلاف Bruxelles التي قرعت النظام المغربي ، عندما اعتبرت سبتة ومليلية حدودا اوربية مع افريقيا .. واكدوا على اسبانية الثغرتين ... مثل تأكيدهم ، واجماعهم على عدم مغربية الصحراء ... بل حتى إسرائيل التي اخرج معها النظام المغربي علاقاته الى العلن .. لا تعترف بمغربية الصحراء ، وتعترف بأوربية سبتة ومليلية ، ولا تعتبر البوليساريو منظمة إرهابية كما حاول النظام المغربي وفشل ....
فهل المغرب مقبل على هزة نوعية ، لم يسبق ان شاهد مثيلتها في تاريخ الهزات الشعبية ... وستكون اكثر عنفا من سابقاتها .. ولن تكون محلية او قطاعية .. بل ستكون عامة وطنية تشمل كل المغرب لا فقط أجزاء منه ... السكين بلغ العظم .. والشعب الذي رمى بأبنائه ، وصبيته ، واطفاله وشبابه ، ونسائه ..عرضة لأمواج البحر العاتية .. لم يعد له ما سيخسره غير قيده لاسترجاع حريته ... القادم اسوء ومرشح على جميع الاحتمالات ... ورقابة مجلس الامن ، الأمم المتحدة ، الاتحاد الأوربي ، الاتحاد الافريقي ، المحكمة الجنائية الدولية .. لن يسمحوا بإطلاق النار على الشعب .. لان العالم تغير الا النظام المغربي لم يتغير .. ومن لا يتغير سيجرفه السيل ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م