الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحب القوة هو الذي يحدد ما هو الصواب

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


هذه المقولة قديمة وتعود إلى عهد الاغريق القدماء، وجاءت على لسان فيلسوف سوفسطائي بالذات، والوقائع تقول أنها مازالت هي قاعدة العلاقات الدولية الوحيدة.
آخر استخدام علني وواضح لهذه القاعدة كان في حرب احتلال الولايات المتحدة للعراق من أجل فرض الديمقراطية عليه.. ونجحت هذه الدولة في تدمير العراق واحتلاله، ومن ثم فرض الديمقراطية عليه بالفعل.
وها هي صناديق الاقتراع ومفوضية الانتخابات وبطاقات الناخبين (الأجمل من هوية الأحوال الشخصية، والتي يجب أن تُحدث معلوماتها في كل مرة انتخاب)، وأيضاً صار للعراق محكمة دستورية تراقب نزاهة الانتخابات، فلم الشكوى يا عراقيين؟
يقول العراقيون أن ثمن الديمقراطية كان باهظاً، حيث إننا لم نعد نشبه أنفسنا ولم يعد وطننا يشبهنا، وجزء كبير من أبناء جلدتنا لم يعودوا يشبهوننا!
هل يبدو هذا الكلام منطقياً أو يقارب الواقع، أم هو مجرد تنظيرات أدباء بطرين يعزلون أنفسهم في أبراجهم العاجية؟ بل هو كلام واقعي، وهذا ما اعترف به وأكده، أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي الجديد، في أول خطاب له، عقب توليه لمنصبه في حكومة جو بايدن، بتاريخ الرابع من مارس (آذار) الماضي، إذ لفت بلينكن الانتباه إلى كارثية التدخلات العسكرية الأميركية، في محاولة لنشر الديمقراطية، وما جرّته على العالم من أهوال لا تزال أصداؤها تتردد في أفغانستان والعراق، وحيثما تدخلت حكومات بلده السابقة، في حروبها ضد الإرهاب وفرض الديمقراطية.
ديمقراطية العراق وأفغانستان كانت رؤية صاحب القوة لما يراه من صواب (ادعاءً أو ظاهرياً على الأقل)، ولم تأتيا كنتيجة لتطور وعي وثقافة مجتمعيّ هذين البلدين، وإن كانتا حاجة سياسية وحضارية لكلا الشعبين.
طبعاً ليس من عيب في الديمقراطية، كآلية سلمية لتداول السلطة، ولكن العيب يأتي ممن يستغل ويستحوذ على الديمقراطية وآلياتها، من أجل فرض دكتاتوريته الخاصة بأدوات الديمقراطية.
هذا ما حصل في العراق على الأقل، حيث استغلت أحزاب الإسلام السياسي صناديق الاقتراع للوصول إلى السلطة، وبعد وصولها إلى مقدرات السلطة وامتيازاتها ومالها، بسطت نفوذها على أدوات الديمقراطية (قانون الانتخاب والمفوضية المنظمة له والمحكمة الاتحادية التي تمنح الشرعية وتفصل في الطعون المشككة في النتائج) و... (لزمناها وبعد ما ننطيها)!
ومن فاز في الانتخابات الأولى (بل هو المنتصر، في حالة العراق، وكما أثبتت لنا الوقائع) صار هو من يحدد ما هو الصواب. والصواب الذي رآه منتصر ((ديمقراطية)) العراق تمثل في سيطرته التامة على السلطة وخزينة الدولة وعائدات النفط وإنه (إنهم) الوحيد المؤهل لقيادة البلد، وإلى الأبد، وبانتخابات تجرى كل أربع سنوات ووفق القواعد المتعارف عليها. أي دكتاتورية بقواعد وأدوات ديمقراطية! أي الصواب الذي يراه صاحب القوة (السلطة).
وسواء كانت النتائج التي وصل إليها صواب صاحب القوة، في حالة ديمقراطية العراق، مقصودة أم لا، فإنها أوصلت العراق، وإضافة إلى حالة وأد التجربة الديمقراطية التي كانت محط أنظار وتمني العراقيين، إلى حالة خطف بلدهم سياسياً، وتدميره اقتصادياً؛ والأهم، وقبل كل هذا، تفتيت نسيجه الاجتماعي ووحدته الوطنية إلى هويات فرعية متناحرة ومتقاتلة، على أساس قومي أو ديني أو طائفي أو مذهبي أو مناطقي، بحسب ما تقتضي مصالح صاحب القوة (أحزاب السلطة) في كل دورة انتخابية، وما يراه مناسباً لها من صواب، وإلى حد أن العراق صار غريباً على أهله ولم يعودوا يتعرفون على أنفسهم فيه، ولم يعد يشبههم ويشبه طبيعتهم وفطرتهم، لأن منتج الصواب الجديد، حوله إلى بلد يشبهه وحده ويناسب مقاييسه وحدها ومقاييس ومصالح من يحركه من خارج الحدود.
وبالتالي فإن صوابك يا أمريكا يا صاحبة القوة، لم يكن سوى عمى قلب وبصيرة وحسابات وتخبط سياسي، لا يرتكبه حتى صبيان الحارات، في مؤامراتهم الصغيرة التافهة، التي تتبع خساراتهم في ألعابهم اليومية.
وما هي النتيجة التي أوصلك إليها صوابك يا أمريكا، وبم خرجت من كل جرائم وأخطاء قوتك التي ارتكبت بحق العراق وأهله؟ دكتاتورية جديدة وأشخاص مشوهون، وحالة مأساوية لا تدلل إلا على فداحة الوضع الكارثي الذي أوصلت العراق إليه، والمشكلة أن (صوابك الملعون هذا) لا يقودك لتصحيح هذا الوضع الكارثي، بل يدفعك لارتكاب المزيد من الجرائم بحق العراق وشعبه، حتى بعد اعترافك بخطئه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية


.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس




.. قبالة مقر البرلمان.. الشرطة الألمانية تفض بالقوة مخيما للمتض


.. مسؤولة إسرائيلية تصف أغلب شهداء غزة بالإرهابيين




.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في