الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أبطال خارج التاريخ

عبد اللطيف المنيّر

2006 / 8 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


شعوب العالم، حاضرا، وفي التاريخ القديم، كانت باستمرار تبحث عن أبطال لها، لكي تمجدهم، وتتغنى بهم، وتسرد الحكايات عنهم جيلا إثر جيل. حتى أن أمم ما قبل التاريخ جعلت من أبطالها آلهة، وإن كانت خيالية أو أسطورية، ما فتئت تقدسها وتعبدها ، وتقدم لها القرابين والأضحيات من خيرة وأجمل فتياتها.

وما يخصنا هنا، تاريخنا العربي، حيث ما زلنا نسمع عن أبطال في الحكايات الشعبية، منهم الواقعي ومنهم من كان من نسج الخيال. وكانت حكايات هؤلاء الأبطال تروى في المقاهي الشعبية، كحكايات أبي زيد الهلالي، وعنترة العبسي، أو قيس وليلى. وكان يسمى الراوي في بلاد الشام بـ "الحكواتي" في زمن خلا من التلفزيون والمذياع. وكان الراوي عند نهاية السهرة في المقهى يتوقف عن الكلام وسرد القصة عندما يكون البطل في ورطة وحيدا، أو حين يقع أسيرا في أيدي الرجال الأشرار، ويقول عندها الراوي مخاطبا جمهوره الهائج لما وصل إليه حال بطلهم العتيد:" موعدنا غدا هنا في نفس الموعد لنكمل الحكاية".. عندها يهيج المقهى ويموج من غضب المستمعين وهم يستنكرون سجن بطلهم من قبل الأوغاد والحاقدين. وغالبا ما كان الراوي أو الحكاواتي يسارع إلى الهرب من الباب الخلفي للمقهى الشعبي، فيلحق به من كان استنكر سجن البطل ـرغم أن القصة خيالية ـ مطالبين أن يفك الحكواتي أسر بطلهم المفدى، معربين عن استعدادهم لدفع الفدية عن البطل مهما بلغت، حتى أنهم يبدون رغبتهم بفدائه بأرواحهم، وحتى بأرواح أولادهم!.

ونحن اليوم ما زلنا نتغنى بفتوحات القائد صلاح الدين الأيوبي، وهذا ليس عيبا، بل هو فخر ومجد صنعه هذا القائد العظيم لهذه الأمة؛ ولكن العيب كل العيب أن نتغنى بأبطال مزيفين، في زمن شح به البطل الحقيقي والصادق والغيور على وطنه وأهله. والعيب كل العيب أن نظل نهتف بأسمائهم ونردد كالببغاوات "بالروح بالدم نفديك يا قائد". وأنا كنت واحدا ممن صدٌق هؤلاء الأبطال الموهومين، لفترة قصيرة من الزمن، فكان لي وقفة تأمل مع أبطال أمتنا في الماضي والحاضر.

ولنا بالرئيس جمال عبد الناصر وقفة مشهودة.. فهذا البطل التاريخي، والذي كانت صوره تتصدر كل بيت وحي وشارع، أوهم هذا البطل الشعوب العربية بأنه سيحرر فلسطين، وعمل على تخديرهم بخطاباته الرنانة ، ولكنه فاجئنا واحتل اليمن! ومنذ ذلك التاريخ، مرورا بخسارة حرب الستة من حزيران/ يونيو، حتى وقتنا الحاضر والأمة العربية في ضياع مكين .

وكان لنا في في بطلنا صدام قصه وحكاية، ذاك الذي بنى ترسانة جيشه وبرامجه القومية لتحرير فلسطين، فذهب بحرب واهية مع جارته إيران، وانتهى به الأمر إلى احتلال جارته الأخرى الكويت! فضيع العراق وضيع الحكاية.

وأما عن زعيم الأمة العربية وخليفة الرئيس عبد الناصرالعقيد القذافي، فعندما فقد الأمل من تحرير فلسطين راح ووجه حرابه إلى جارته الجنوبية تشاد!

ولنا في صاحبنا الرئيس "الأسد إلى الأبد" صاحب دولة المواجهة مع العدو الإسرائيلي ختام الحكايات المجيدة. فكلما حلت مشكلة بسوريا، أو زاد الضغط الدولي على الأسد، راح يذكر شعبه بظروفه الراهنة والحساسة. وارتأى النظام السوري، عوضا من توجيه جيشه لتحرير الجولان، أن يحتل لبنان لأكثر من ثلاثين عاما!.

هذه هي حكاية أبطالنا وحالهم المتناسخ منذ زمن الحكواتي حتى يومنا هذا. ولنا في بطلنا السيد حسن نصرالله، والذي لن يكون مختلفا أو أقل قدرا وتقديرا للمصلحة القومية من أولئك الأبطال. فهل هو يريد تحرير مزارع شبعا؟ أم يريد تحرير فلسطين؟ أم يريد ارضاء سوريا والشد من أزر حماس المتهاوية سياسيا؟ وها هو يطلق "أسهمه النارية" باتجاه حيفا، كما سبق وأطلقها صدام قبله، فلا هو حرر الأراضي المحتلة ولا أرغم اسرائيل على التفاوض بل ذهبت العراق ضحية رعونة بطلها الصنديد. واليوم يدمر لبنان فوق رؤوس أهله باسم المقاومة بعد أن نصب السيد نصر الله نفسه زعيما عربيا مجاهدا ومخلصا!.

إنني أستهجن خطاب من تنطحوا للدفاع عن شرعية الحرب التي تدور رحاها في لبنان، والتي قرر زمانها ومكانها "حزب الله" بمعزل عن دولته التي ينتمي إليها ويزود منذ عقود عن أراضيها. فهل كان لأحدهم الجراءة في محاسبة المفدى السيد نصرالله بأي حساب وبأي ميزان دخل منفردا أتون حرب مفتوحة على كل الهاويات؟ أم أنهم يخشون أن تصيبهم لعنة "اللاوطنية فيلتزمون صمت العارف أو أنهم يسيرون في سياق "القطيع" الأعمى؟!.

اليوم تحسرت على أمتنا عندما شاهدت وزير الدفاع الأميركي رامسفيلد، وهو على رأس عمله، وعلى الملأ، يُستجوب في جلسة استماع من قبل أعضاء الكونغرس عن أخطاء ارتكبها مسؤولون في وزارته، وعن عدد قتلى جنوده في حرب العراق!!.

ولأن شعوبنا ليست بأسراب عصافير ولا بقطعان مسيّرة، فمن حقها محاسبة هؤلاء "الأبطال" على بطولاتهم المزعومة في جرهم البلاد إلى دوامة آلة الدمار والموت التي لا تفرّق بين شيخ أو طفل أو امرأة، عندها فقط ستكون قراراتهم أبلغ دقة بين الربح والخسارة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال