الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد مفهوم الدولة-الأمة

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع في لندن مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: ما هي وجهة نظرك بخصوص مفهوم «الدولة - الأمة»؟

مصعب قاسم عزاوي: لا بد من الالتفات إلى أن مفهوم «الدولة- الأمة» بشكله الأفعواني الشمشوني على طريقة توماس هوبز، والذي يمثل النموذج القائم بالفعل للدول في عالمنا المعاصر، هو النموذج الذي توصل إليه الأوربيون في سياق حروب طاحنة تفننوا فيها بتقتيل بعضهم بعضاً بشكل قد يصعب فيها على أي عاقل استبطان أي صفة غير وحشية في وجدان الإنسان بالنظر إلى سياقاتها ومآلاتها ونتاجاتها. وآخر تلك الحروب الهمجية التي تفتق عنها صراع مراكز القوى بين الأوربيين في محاولتهم «للاتفاق» بطريقتهم الوحشية التي اعتادوا عليها تاريخياً في حلحلة اختلافاتهم وتباين مصالحهم أو حتى وجهات نظرهم، كان في الحرب العالمية الثانية التي كانت تهدف في المقام الأول إلى تخليق «دولة-أمة» أوربية جديدة وفق منطق القوة والاجتراح القسري، وهو المبدأ الذي مثل العنصر شبه الأوحد في صناعة كل الدول القومية الأوربية المعاصرة، ودون استثناء.
وهو نفسه النموذج في إدارة المجتمعات الذي قام الأوربيون بنشره وتوطيده «سرطانياً» في كل أرجاء الأرضين التي لم تسلم أي من أركانها من شر استعمارهم المستطير لها، والذي تمخض عنه «اجتراح لكيانات مسخة» أريد لها أن تكون دولاً على شاكلة دول مستعمريها، ودون أن تأخذ بعين الاعتبار أي مرجعيات تاريخية أو اقتصادية أو فكرية تشكل جزءاً جوهرياً من بنيان وآليات عمل تلك المجتمعات وصيرورتها التاريخية. وهو ما أنتج «دولاً خلبية» يحكمها «نواطير» من السكان المحليين مكلفون بالحفاظ على مصالح السادة المستعمرين إبان وجودهم الفعلي كمحتلين مقيمين، وعقب رحيلهم في مرحلة ما بعد «استقلال المستعمرات» الشكلي، والذي ترتب عنه ذلك الصراع المستديم بين المكونات الاجتماعية لتلك الدول التي قام بتخليقها المستعمرون الأوربيون لعدم قدرة شعوب تلك الدول على استبطان هوية جامعة لهم تتطابق مع حدود تلك الدول المصطنعة التي أرغموا على اجتراعها كحقيقة قائمة بالقوة، لعدم تجذر تلك الهوية وحدودها الجغرافية التي استجلبها ووطدها المستعمرون بالحديد والنار مع نموذج الوعي الجمعي التاريخي بأي هوية جمعية جامعة قد يشعر البشر بالانتماء إليها في أي من المجتمعات التي لم تسلم من شرور المستعمرين الأوروبيين.
ومن ناحية أخرى فإن نموذج «الدولة- الأمة» ونظام حكمه القائم على تسليم فئة اجتماعية تمثل جل عدد البشر المتشاركين في التواجد المكاني في الحدود الجغرافية للدولة الأمة مفاتيح مصائرهم وحيواتهم ومستقبلهم إلى فئة من «المحترفين والخبراء» من السياسيين المدربين المفوضين بإدارة المجتمع عمقاً و سطحاً و عمودياً و أفقياً، يتنافى مع الميل الغريزي لبني البشر الذين قضوا معظم صيرورتهم التطورية التاريخية التي امتدت لحوالي سبعة ملايين من السنين في مرحلة الصيد والجمع والالتقاط، وفي مجموعات بشرية محدودة العدد، لما يتجاوز المئتين من الأفراد، حتى انتقالهم إلى مرحلة الزراعة والاستقرار الحضري، منذ بضعة آلاف من السنين فقط، حيث تطورت أدمغتهم خلال تلك الرحلة التطورية المديدة بيولوجياً وفق شروط الاصطفاء الطبيعي لتجعل سلاحهم الأساسي في حفظهم لنوعهم من الانقراض بمخالب وأنياب الضواري وعوادي الطبيعة، مشخصاً في تحول البشر إلى «حيوانات اجتماعية بامتياز» تميل إلى التشارك والتفاعل والتآثر والتعاون الجمعي في كل ما يتعلق ويرتبط ويساهم في دوام حيواتها وأمنها ومستقبل أبنائها.
وهو واقع مأزوم سرمدي يفصح عن نفسه في سياقات ضرورات استقالة الإنسان من صفته «الاجتماعية» المتواشجة عميقاً مع تكوينه البيولوجي والفطري والغريزي حين يطلب منه التحول بين عشية و ضحاها بقوة اشتراطات «الدولة -الأمة» المستحدثة إلى «مواطن صالح» لا خيار له إلا أن يتدرك إلى رتبة «المستهلك المستدام» الذي لا يبرز دوره الاجتماعي إلا في «المصادقة الشكلية بين الفينة و الأخرى» عبر صناديق الاقتراع اللازمة لضرورات الإخراج المسرحي للعبة الديموقراطية التي تقتضيها نظم الديموقراطيات التمثيلية المرتبطة عضوياً ببنى «الدولة- الأمة»، ونموذج «إدارة المجتمعات سياسياً» الذي توصل إليه الأوربيون كخلاصة لصيرورة إبداعاتهم في «القتل الاحترافي بالجملة» لبني جلدتهم، ومن استطاعوا الوصول إلى سبيل لقهره أو قتله وإبادته جماعياً إن لم يقبل باستبطان ما استجلبه عليه الأوربيون من ويلات وكوارث ما زالت نتائجها القيحية تفرز صديدها المتفسخ على المستوى الكوني.
وأعتقد أن هناك مهمة كأداء للجنس البشري لا بد من القيام بها، للحفاظ على نوعه البيولوجي من الانقراض الذي يبدو أنه قاب قوسين أو أدنى، جراء النتائج الوحشية التي أفرزتها النماذج الاقتصادية الاجتماعية في حقبة «الدول- الأمم»، و اتفاق الفئات المهيمنة على مفاتيح «الحل و العقد» على امتداد جغرافيا تلك الدول فيما بينهم على صلاحية تلك النماذج الاقتصادية الاجتماعية المطلقة في كل زمان ومكان، و هي النماذج التي تم تصعيدها في العقود القليلة الأخيرة إلى رتبة «نهاية التاريخ» بقوة و عسف سلالة نفس الأوربيين المستعمرين الأوائل في غير بقعة من وجه البسيطة، ووكلاؤهم من «نواطيرهم المحليين» فيما تبقى من أرجاء المعمورة، وأعني هنا كارثة «التغير المناخي المهول» واحتمالات كارثة «نووية لا تبقي ولا تذر» في كوكب الأرض بشراً أو ضرعاً أو زرعاً. والمهمة الوجودية الملحة لكل أبناء الجنس البشري تكمن في الاتفاق على نموذج من العلاقات التآثرية، والتشكيلات المجتمعية، وآليات التفاعل الاجتماعي بين البشر لإدارة شؤون حيواتهم وإنتاجهم واقتصادهم بشكل يتقارب مع ميلهم الغريزي «للتشارك و التفاعل والتعاون»، يقربهم أكثر من طبيعتهم البيولوجية «كحيوانات اجتماعية بامتياز»، ويكفيهم الشرور المستطيرة التي ما بارحت تجلب بثورها وعظائم أمورها نتاجات «الدول- الأمم»، ونظم الهيمنة المرتبطة عضوياً بها، والتي اجترحها الأوربيون عنوة بقوة الحديد والنار وليس التطور الاجتماعي الطبيعي للمجتمعات البشرية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الترجي التونسي يستضيف الأهلي المصري في ذهاب الدور النهائي|#ه


.. الوصل يحقق انتصارا تاريخيا على النصر ليتوج بكأس رئيس دولة ال




.. لماذا تخاف إسرائيل من مخيم جنين؟


.. شهيدان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في مخيم بربرة وسط رفح جنوب




.. مطعم للطاكوس يحصل على نجمة في دليل ميشلان للمطاعم الراقية