الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إذ يكون الشعب عاقاً!

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


تقول بطلة روايتي، سمو الجنرال ولية العهد، (لم أجد من يجرؤ على نشرها بعد): الشعوب لا ترى إلا مصالحها الضيقة، إلى الحد الذي يسمح لي أن أقول أنها تولد عاقة بالفطرة!
أنصع مثال على هذه الرؤية (من وجهة نظر الحكومة والأحزاب التي تشكلها وبرلمانهما طبعاً) هو الشعب العراقي، وخاصة بعد أن كثرت شكواه وكثر حديثه عن الفساد وهدر المال العام وهب في ثورة شعبية، في تشرين أول/أكتوبر، من عام 2019 ، مطالباً باستعادة وطنه المخطوف ومحاربة الفساد ومحاكمة أعضاء (نادي الأحزاب السياسية المغلق) المهيمنين على السلطة، منذ نيسان/ابريل 2003 وإلى يومنا هذا. فكيف يجرؤ شعب من الشعوب على هذا، إن لم يكن شعباً عاقاً، بل وبمنتهى العقوق؟
تكاد تتفق جميع حكومات دول كوكب الأرض على إنها أذكى من شعوبها، وبالتالي فإنها ترى ما لا ترى شعوبها، وعليه فإن ليس من حق شعوبها مراقبتها ومحاسبتها، بل عليها الطاعة العمياء وتقديم الشكر وشعور الامتنان لحكوماتها، وبمختلف المؤسسات التي تتمظهر عبرها سلطتها.
النكتة الأكبر في لعبة الديمقراطية، في صيغتها المتداولة في كافة دول العالم، بما فيها دول العالم المتقدم (التي تعتبر نفسها مثال الديمقراطية الذي يجب أن يحتذى وتقلده كافة دول العالم من غيرها)، هو أن الحكومة تشكلها الأغلبية البرلمانية، أي الحزب أو التحالف الحزبي (في العراق تسمى الكتلة الأكبر) الذي يحصل على أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وعلى الأقلية أن تتحول إلى معارضة مراقبة لإداء الحكومة وقراراتها التشريعية والتنفيذية. فكيف لهذه الأقلية أن تثني حكومة ما عن التراجع عن أي قرار، لا يصب في مصلحة المواطن أو الوطن، والحكومة تمتلك أكبر عدد من أصوات البرلمان التي تصوت لصالح قراراتها، وبالتالي يمكنها أن تغطي على فسادها، فيما لو حاولت أحزاب المعارضة (الكتلة الأصغر) الاحتجاج على فساد الحكومة أو اتخاذ قرار ردع بشأنه؟
لكي تكون هناك ديمقراطية حقيقية ويكون البرلمان ممثلاً للشعب ومراقباً رادعاً، حقيقياً وليس صورياً، للحكومة، يجب أن يكون البرلمان من الشعب فقط ولا علاقة له بالحكومة بالمطلق، وإلا فسيكون الأمر (عصفور كفل زرزور واثنينهم طياره)، كما يقول مثلنا الشعبي.
منذ عام 2005 والمئات من البرلمانيين، والعشرات من الوزراء يخرجون علينا، عبر وسائل الإعلام، ليعلنوا أنهم يملكون ملفات فساد ضد بعضهم البعض، وإن كل منهم قادر على نسف خصمه فيما لو سلم ما بحوزته (لم يسلم أي منها طبعاً!) من ملفات إلى مؤسسة النزاهة والشفافية والمحكمة الاتحادية، فأين دور البرلمان (ممثل الشعب المنتخب) من كل تلك الإعلانات والتصريحات؟ هل أجبر أحد أولئك المصرحين على تقديم تلك الملفات، سواء له أو لمؤسسة النزاهة أو المحكمة الاتحادية؟
إذاً ما هو دور البرلمان، ممثل الشعب، وكيف يراقب إداء الحكومة ويحمي حقوق المواطن من شططها وفسادها؟
الفساد قائم وأركانه مشخصة ومعروفة والبرلمان لا يكتفي بالسكوت عنها، بل يغطي عليها ويميع حتى ذكرها وأخبار تداولها، وهذا ما يشجع الحكومة (الحكومات المتعاقبة) على إتهام الشعب بالعقوق والتمرد على شرعية الحكومة، كما حدث في مواجهتها لثورة الشعب ضد الفساد، في أكتوبر 2019 ، والتي لم تكتفي بإنكار الفساد أمامها، بل عاملتها كتمرد عاق وهمجي يستحق المكافحة بنيران الأسلحة ورصاصها الحي، والنتيجة كانت 1000 قتيل وثلاثين ألف مصاب ومعوق من الشعب... ويا لعقوقك يا شعب عندما تثور مطالباً بحقوقك ومشككاً بنزاهة الحكومة وأعضاء البرلمان!
وبعد كل تلك الجرائم البشعة، والتي مازالت تلاحق بنادقها ناشطي ثورة احتجاج الشعب إلى اليوم، ها هو رئيس الجمهورية، برهم صالح، يخرج علينا يوم أمس، ليس ليؤكد وجود الفساد الذي أنكرته الحكومة فقط، ولا ليكتفي بمطالبة البرلمان، بتشريع قوانين مجابهته، بل ليطالب المجتمع الدولي بتشكيل تحالف أممي لمكافحة الفساد في العراق ومساعدة الدولة العراقية على استرداد أموال الفاسدين المهربة، والتي يقدرها برقم متواضع فعلاً (150 ) مليار دولار، والرقم الحقيقي هو ضعف هذا الرقم وأكثر أيضاً، وبالتأكيد أن من سرقه وهربه إلى خارج العراق، ليس بينهم لا الشهيد إيهاب الوزني ولا الشهيدة رهام يعقوب، لأن الاثنين استشهدا بكواتم، معروفة المصدر، مؤخراً، بل هم أركان حكومات ما بعد الاحتلال الأمريكي وبرلمانيهم وأزلامهم.
ورغم أن الفساد، على أرض الواقع، قد أوصل العراق إلى الافلاس وحوله إلى دولة فاشلة ومستدينة، إلا أن حكوماتنا وأعضاء برلماناتها مصرين على رؤية ثورة احتجاج الشعب، على إنها مجرد تمرد وعصيان غوغائي، من شعب عاق، كما تصفه بطلة روايتي آنفة الذكر، وعليه فإنه لا يستحق غير التنكيل والقتل على عقوقه هذا، ولسان حالهم يقول: أيها الغوغاء لن يثمر بكم الخير أبداً؛ فلطالما كانت الشعوب عاقة وناكرة لجميل الحكومات، وعليه فإنها لا تستحق غير البطش والقتل والموت الزؤام!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في الإمارات لليوم الثالث بسبب سوء الأحوال الجوية


.. -الرد على الرد-.. ماذا تجهز إسرائيل لطهران؟| #الظهيرة




.. بوتين..هل يراقب أم يساهم في صياغة مسارات التصعيد بين إسرائيل


.. سرايا القدس: رشقات صاروخية استهدفت المدن المحتلة ومستوطنات غ




.. أصوات من غزة| ظروف مأساوية يعيشها النازحون في العراء بقطاع غ