الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم التحكيم وخصائصه

ناجي سابق

2021 / 5 / 26
دراسات وابحاث قانونية


التحكيم هو أحد وسائل الفصل في المنازعات، فهو النظام الذي بمقتضاه يمكن الفصل في المنازعة بواسطة أفراد عاديين بعيداً عن قضاء الدولة.
فالأصل أنه لا يجوز للشخص أن يقتضي حقه بنفسه وأنه يجب التوجه إلى شخص محايد للفصل في النزاع. والأصل أن هذا الشخص المحايد هو القاضي التابع للدولة. واستثناءً على هذا الأصل يعترف المشرع أيضاً بالمحكم، حيث يسمح بأن يكون شخص طبيعي محايد من آحاد الناس يختاره الخصوم عادة، لحل نزاع قابل للصلح ناشئ بينهم عن طريق تحكيم شخص أو عدة أشخاص.
لقد عرفت البشرية التحكيم قبل أن تعرف القضاء العام. بمجرد أن بدأت إرهاصات المجتمع المنظم فإن ضميره الجماعي قد اهتدى إلى ضرورة الالتجاء إلى "ثالث" لفض المنازعة التي تنشأ بين الاثنين. فكان نظام التحكيم الاختياري في هذه المرحلة يستقل بالوظيفة القضائية أو يكاد، ولكن بعد أن ظهرت الدولة صار التحكيم إجبارياً. ثم بدأ التطور يسير في اتجاه قيام الدولة نفسها بالفصل في المنازعات واحتكارها لهذه المهمة من خلال سلطتها القضائية.
إن القرن العشرين أعاد فكرة التحكيم للظهور، لكي يحتل دوراً متزايداً وموازياً لقضاء الدولة، بحيث يمكن القول بأن الوظيفة القضائية تتوزع اليوم بين قضاء الدولة الأصل وبين القضاء الاستثنائي قصدت به التحكيم.
نخلص إلى أن التحكيم هو عبارة عن وسيلة قضائية استثنائية لتسوية وفض النزاعات العقدية والغير عقدية، يتم اللجوء إليه بموجب اتفاق بين الأطراف حيث يتم النظر في تلك المنازعات من خلال إجراءات تحكيمية نص عليها المشرع وصولاً لإصدار قرار تحكيمي حاسم للنزاع يرقى إلى درجة الأحكام القضائية بعد حصوله على الصيغة التنفيذية وفقاً للأصول.
وعلى هذا النحو يلخص مفهوم التحكيم بأنه أوله اتفاق، وأوسطه إجراء وآخره حكم كحكم القضاء.

اما خصائص التحكيم فتتمثل في ان التحكيم يحقق العدالة الناجزة لأنه مرهون بحد زمني للفصل في النزاع، إضافة إلى سرعة الفصل وسريته ضمن الأصول القانونية.
أ - حكم سريع يفصل في النزاع ويقبل التنفيذ، فالمحكم يكون متفرغاً تماماً للفصل في النزاع خلال مهلة محددة تكون قصيرة بدلاً من تطبيق أصول المحاكمة العادية وما تنطوي عليه من شكليات زمنية طويلة. والمحكم يكون عادة من أهل الخبرة في موضوع النزاع، ويعرف الأعراف والعادات والممارسات المهنية التي تحكمه. لذلك فهو لا يضطر عادة إلى تكليف خبير، ومن ثم يمكنه اختصار الوقت بينما قاضي الدولة لا يستطيع الفصل في مثل هذا النوع من المنازعات إلا بعد انتظار الوقت الذي يحتاج إليه الخبير المنتدب من قبله؛ والقرار التحكيمي يمكن أن يكون على درجة تقاضي واحدة - ومن ثم يقبل التنفيذ بعد استنفاد هذه الدرجة- وهذا ما لا ينطبق على قضاء الدولة الذي يكون التقاضي فيه على عدة درجات لضمان الحقوق وإرساء العدالة.
ب - الحفاظ على السرية: يكون أطراف النزاع حريصين على مصالحهم المماثلة مع الغير، أو في مواجهة الغير المنافس. فإذا ما تعلق الأمر مثلاً بتنفيذ متأخر أو معيب، فإن المدعى عليه يعلق أهمية كبيرة على بقاء أمر التأخير أو العيب محجوباً عن منافسيه وعن عملائه. ثم إنه في العقود الأكثر تعقيداً والتي يكون محلها في الغالب منتجاً جديداً، تكون السرية أكثر لزوماً لاعتبارات عدة، منها أن المنتج الجديد معرض دائماً لظهور عيوب التقدم العلمي الفني السريع. فالسرية أساس لاختيار التحكيم، ولا شك أن اللجوء إلى التحكيم يضمن للخصوم تحقيق هذه الرغبة لأن جلساته تتم عادة في سرية تامة بينما الأصل في جلسات قضاء الدولة وأحكامها هو العلنية.
ج - استقرار العلاقة الودية بين الأطراف رغم نشوب النزاع: التحكيم يمكنه تحقيق هذه الرغبة نظراً لأنه يسمح بالاتفاق على أن يعفى المحكم من التطبيق الصارم للقانون وأن يكون الحل بمقتضى الإنصاف. أما اللجوء إلى القضاء فإنه يفرض على القاضي التقيد بقواعد القانون فقط، تطبيقاً لمبدأ المشروعية حيث لا عقوبة ولا جريمة دون نص.
د - إن العلاقات الخاصة الدولية تستقل باعتبار خاص بها ويمثل الدافع الرئيسي نحو التحكيم. فالطرف الأقوى في العلاقات الخاصة الدولية يفرض على الطرف الآخر نظام التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعة.
والغاية التي يبتغيها هذا الطرف القوي من التحكيم هي إمكانية استبعاد تطبيق أي من القوانين الوطنية والاكتفاء بتطبيق قانون التجارية الدولية الذي يتمثل في الأعراف والعادات السائدة في التجارة الدولية بالإضافة إلى المبادئ العامة التي يقوم عليها التعامل في الدول المتحضرة . فبذلك يضمن الطرف القوي - وهو عادة من الشركات متعددة الجنسية- وجود نظام قانوني موحد يحكم علاقاته في الدول المختلفة. أما اللجوء للقضاء فإنه لم يكن يحقق دائماً هذا الهدف، علماً أنه يقوم باحترام مبدأ سلطان الإرادة، رغم أن القاضي الوطني قد يستبعد قانون الإرادة لعدم وجود صلة بينه وبين العقد محل النزاع، كما أنه قد يستبعد بعض قواعد هذا القانون بحجة وجود قواعد وطنية ذات تطبيق مباشر على المنازعة أو لمخالفة قواعد قانون الإرادة للنظام العام الذي يبطل أي تصرف أو التزام قانوني.(*)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة


.. لبنان وأزمة اللاجئين السوريين.. -رشوة- أوروبية أم حلول ناقصة




.. وقفة لرفض اعتقال ناشط سياسي دعا لا?سقاط التطبيع مع الاحتلال