الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهنة القتل

عبدالله مهتدي

2021 / 5 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في القول بأن الدعارة من أقدم المهن تاريخيا فيه الكثير من التجني على المرأة و الحقيقة والتاريخ ، ربما يكون القتل أقدم مهنة عرفها الإنسان ، فمند أن قتل قابيل هابيل حسدا أو غيلة كما تقول السرديات ، سالت دماء كثيرة ، كان الإنسان يقتل في البدء من أجل العيش ، غريزة البقاء، الصراع مع الطبيعة ، ومواجهة الحيوان في معركة كسر عظام ضارية من أجل السيطرة على المجال، لكن الحيوان الكامن في داخل الإنسان وهو يدجن ويروض ويسيطر ، ما فتئ ينهض من سباته ليطور مهنة القتل من الفردانية إلى القتل بصيغة الجمع ، من القتل من أجل البقاء ، إلى القتل من أجل القتل ، لكن مع ظهور الملكية قفز الإنسان القاتل خطوات جبارة إلى الأمام ، ليصبح قاتلا بطبعه ، إما بدافع الخوف ، أو تحت الضغط ، إما من أجل الإمتلاك أو الإستحواد أو السيطرة ، أو من أجل القتل ، القتل بدافع الحقد والحب والضغينة ، الإنسان اخترع مع الزمن ، وهو يستأنس بهذه المهنة ، طقوسا فظيعة في التوحش ، بيداغوجيا خاصة بالتدمير ، القتل الممنهج ولا مسيطر عليه، باسم الدين أو العرق أو القومية ، باسم السرديات الكبرى خاصة ، يوتوبيا الأفكار والأحلام والأوهام ، ربما لهذه العاية ، كان حريا به أن يخترع السجن والحرب ، ليعطي معنى لهذه الطاقة الخلاقة في تدمير ، ربما من فكرة حصر الحيوانات أثناء الصيد لتدجينها ، انبثقت الحاجة إلى حصر الإنسان في أقفاص ، ثم في أماكن مغلقة ، اقبية ، حفر غارقة في الظلام ، قلاع مسورة ، ثم الحرب من أجل قطعة أرض أو غنائم ، صار الإنسان يقتل من أجل الفكرة والموقف بعد أن كان يفعل ذلك من أجل المعيش ، أشياء الحياة البسيطة ، من اخترع الحرب ؟ حول ماذا دارت أول حرب في التاريخ ؟ كيف انتقلت أسلحة القتل من الأيدي والعضلات ، إلى الحجارة المسننة ، وأغصان الشجر والفخاخ ؟ من الألات الحادة كالسكاكين والسيوف والنبال إلى الأسلحة النارية كالبارود والرصاص والبندقية والمسدس ، المجانيق والمدافع وراجمات الصواريخ والطائرات النفاثة والقنابل العنقودية والاسلحة البيولوجية والغواصات النووية ..لم يكن الإنسان وهو يمضي بعيد في نزعة التدمير يطور أسلحة فقط ، وإنما يدفع بمهنة القتل إلى أبعد الحدود، الإستعمار تحت مسميات كثيرة ، التجويع والحصار الإقتصادي والديون وفرض سياسة الأمر الواقع ، ثم الأساليب الناعمة للإخضاع ، وبالموازاة مع كل ذلك كان القتل الرمزي والمعنوي يمتد عبر هذا التاريخ الطويل من سفك الدماء ، فتعلق الأفكار على حبال المشانق ، وفوق الصلبان والمعابد وأسوار المدن والقصور.....
كم هو بشع هذا الإنسان ، لم يخترع فقط مهنة سماها القتل ، بل طور سلالاتها الفتاكة ليظل حتى أذنيه غارقا في الدم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|