الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
الحرية اولا
عبدالله مهتدي
2021 / 5 / 27الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
هناك حكاية ألمانية قديمة تقول أن طفلا بروسيا تلقى من والده هدية في عيد ميلاده ، طائرا مغردا بريش باذخ الالوان في قفص مصنوع من خشب شجر تم جلبه من بلاد نائية خصيصا لهذه الغاية ، أن لا يحس الطائر أبدا بأنه في قفص ، فرح الطفل كثيرا بهدية والده الثمينة ، وصار يقضي جل وقته في الاستمتاع برؤية الطائر بجناحيه المزركشين ، مشنفا سمعه بشذو يحلق في أرجاء حديقة البيت مثل النسيم ، مرت شهور على هذه الجال ، إلى أن صار الطائر يمتنع عن أكل الحب وشرب الماء ، لكنه لم يكف عن التغريد الجميل ناشرا البهجة والحبور بين أفراد العائلة والجيران ، تتالت الأيام والطائر على تلك الحال، لاحظ الوالد حالة الطائر المضرب عن الطعام ، مما اضطره لتغيير القفص لمرات ثلاث، في كل مرة كان يجلب من بلاد بعيدة قفصا أغلى وأجمل ، وفي صباح باكر بينما الطفل على سريره ينتظر كالعادة سماع غناء طائره، محدقا في سقف الغرفة ، ليقوم ويبادله تحية الصباح ، إذ قفز من مكانه مسرعا وهو يتدارك أن ما كان ينتظر سماعه قد تأخر عن موعده ، وقف أمام القفص مذهولا مما تراه عيناه ، ظل نظره شاخصا وعيناه تدمعان ، نفق الطائر في صمت ، ربما اختار آخر الليل لينسحب من الحياة تاركا كل شيء ، كان مرميا على أرض القفص ، وعيناه الصغيرتان مفتوحتان باتجاه السماء ، الافق الرحب ، بدون حراك....
ليس هناك من مبرر أخلاقي أو تربوي أو جمالي أو إنساني لحبس الطيور في أقفاص،سوى الرغبة في ممارسة القتل البطيء ، فالحرية ليس لها ثمن ، وبالحب والماء لاتحيى الطيور ، مثلما الإنسان ليس بالخبز يحيا ، هل يمارس الإنسان سادية ما اتجاه كائن أليف ، حساس ، رقيق ، شاعري ، حين يقوم بحبسه في قفص؟...أم يمارس نوعا من التفريغ عن حقد دفين ؟ إنه لشيء مخجل أن تقف أمام طائر مسجون في قفص ، تتأمل جماله وخفته ، وتستمتع بتغريده دون تأنيب ضمير ، هذا الكائن الخفيف لم تنبت له أجنحة هكذا صدفة ، اعتباطا ، بل ليستطيع بها التحليق والطيران ، ما يخجل أكثر ويدفع إلى التقزز والغتيان ، هو حين يقول لك شخص أنه "يربي" طائرا في قفص، فعلى ماذا يربيه ياترى ؟ لقد طور الإنسان ساديته إلى درجة أنه خلق جمعيات ومسابقات حول الطيور المغردة ، تفنن في عقد الاجتماعات حولها ، وفي خلق كل الظروف لإنجاحها وتقديم الجوائز للفائزين ، إنها وحشية تفوق الوصف والتخيل ، أي متعة يمكن أن نحسها أمام طائر محبوس في قفص ، رهين هذه الرحمة القاسية التي يجود بها الإنسان الوحش اتجاهه؟ يقدم له الحب والماء ، صباح مساء ، ويحجب عنه السماء ، إذ لا شيء يمكن أن يعوض الطائر عن خفقة جناحيه في الافق الرحب، هكذا يتحول الإنسان إلى جلاد ، والطائر إلى سجين ، ضحية حب التملك والاستحواذ ....
اليوم ، ونحن نتذكر حكاية الطائر مع الطفل البروسي ونشاهد آلاف الأقفاص هنا وهناك ، ىلاف السجون المتنقلة التي عبرها تفوح رائحة القتل البطيء الذي تمارسه السادية على كائن ملائكي ، فيتحول الإنسان العابر للطبقات والفئات الإجتماعية إلى قاتل مفتون ومتلذذ بضحيته ، يجب أن نتذكر في الآن نفسه درس الحرية العظيم ، ونحن نرى عمر الراضي ورفقاءه يصارعون في صمت بطش الآلة السادية لبشر من نوع آخر ، لا ندري ما الأرحام التي ولدتهم دون رحمة ، ونحن نشاهد خيانة المثقفين وصمت السياسيين ، وصمت الجبناء ، والكثير من الخدلان، نتذكر قافلة المضربين عن الطعام الذين سقطوا من أجل الحرية عبر تاريخ طويل من الصمود في وجه القهر والبطش والتغول ، ولا نملك أن نقول إلا أن للحرية ثمن باهض
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. الأمطار الغزيرة تغرق شوارع لبنان
.. تشييع جثماني الصحفي سالم أبو طيور ونجله بعد استشهادهما في غا
.. مطالب متواصلة بـ -تقنين- الذكاء الاصطناعي
.. اتهامات لصادق خان بفقدان السيطرة على لندن بفعل انتشار جرائم
.. -المطبخ العالمي- يستأنف عمله في غزة بعد مقتل 7 من موظفيه